جلسة 26 من ديسمبر سنة 2013
برئاسة السيد القاضي/ نعيم عبد الغفار "نائب رئيس المحكمة" وعضوية السادة القضاة/ محمد حسن العبادي، عبد الله لملوم، محمد عاطف ثابت ومصطفى سالمان "نواب رئيس المحكمة".
-----------------
(151)
الطعن 16005 لسنة 76 القضائية
(1) نقض "الحكم في الطعن: سلطة محكمة النقض".
انتهاء الحكم إلى نتيجة سليمة. اشتمال أسبابه على أخطاء قانونية. لا بطلان. لمحكمة النقض تصحيحها دون نقضه.
(2) تحكيم "اتفاق التحكيم".
التحكيم. ماهيته. طريق استثنائي لفض المنازعات. قوامه. الخروج على طرق التقاضي العادية. عدم تعلق شرط التحكيم بالنظام العام. مؤداه. عدم جواز أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها.
(3) دفوع "الدفع بعدم القبول: الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها".
الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها. ماهيته.
(4) تحكيم "اتفاق التحكيم: شرط التحكيم".
قضاء الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف الذي أجاب الطاعنة لدفعها بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم لسقوط حقها في التمسك به. صحيح. عله ذلك. اشتمال أسبابه على أخطاء قانونية. غير منتج. لمحكمة لنقض تصحيحها دون أن تنقضه.
(5) بطلان "بطلان الإجراءات".
بطلان الإجراءات. ماهيته.
(6) بطلان "بطلان الإجراءات".
مخالفة النموذج القانوني للعمل الإجرائي. لا تؤدي حتما لبطلانه. علة ذلك.
(7) بطلان "بطلان الإجراءات".
الحظر على مديري إدارات مراقبة الحسابات ونوابهم ومراقبي الحسابات بالجهاز المركزي للمحاسبات الجمع بين وظائفهم وأي عمل آخر. قاعدة تنظيمية. مخالفتها، أثره. تعرض المخالف للمساءلة التأديبية دون بطلان العمل الإجرائي.
(8) التزام "ما يكفل حقوق الدائن من وسائل التنفيذ ووسائل الضمان: الدفع بعدم التنفيذ".
الدفع بعدم التنفيذ. مؤداه. أحقية المتعاقد في العقود الملزمة للجانبين في الامتناع عن الوفاء بالالتزامات التي يفرضها عليه العقد إلى أن يقوم المتعاقد الآخر بأداء التزاماته المقابلة أو عرض أدانها. شرطه. أن يكون كلا الدينين سببا للأخر.
(9) دعوى "نظر الدعوى أمام المحكمة: إجراءات نظر الدعوى: الدفاع في الدعوى: الدفاع الذي لا تلتزم المحكمة بالرد عليه".
التفات المحكمة عن دفاع لا يستند إلى أساس قانوني صحيح. لا قصور.
(10) التزام "ما يكفل حقوق الدائن من وسائل التنفيذ ووسائل الضمان: الدفع بعدم التنفيذ".
عدم مقابلة التزام الطاعنة بأداء مستحقات المطعون ضدها الأولى الناشئة عن عقد المشاركة المحرر بينهما. أثره. انتفاء حق الطاعنة في التمسك بالدفع بعدم التنفيذ. الالتفات عن هذا الدفاع. النعي عليه. على غير أساس.
(11) محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع بالنسبة لمسائل الإثبات: سلطة محكمة الموضوع بالنسبة لتقدير عمل الخبير".
عمل الخبير من عناصر الإثبات الواقعية في الدعوى. خضوعه لتقدير محكمة الموضوع. أخذها بتقريره محمولا على أسبابه. مفاده. أنها لم تجد في المطاعن الموجهة إليه ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه.
(12) نقض "أسباب الطعن بالنقض: السبب الوارد على غير محل".
الطعن بالنقض. ماهيته. محاكمة الحكم المطعون فيه. شرطه. أن ينصب النعي على عيب قام عليه الحكم. خلو الحكم من العيب. أثره. اعتبار النعي واردا على غير محل.
-----------------
1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه متى كان الحكم سليما في النتيجة التي انتهى إليها فإنه لا يبطله ما تكون قد اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية، إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذه الأسباب بغير أن تنقضه.
2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن التحكيم طريق استثناني لفض المنازعات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية ولا يتعلق شرط التحكيم بالنظام العام فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بإعماله من تلقاء نفسها، وإنما يتعين التمسك به أمامها ويجوز النزول عنه صراحة أو ضمنا ويسقط الحق فيه فيما لو أثير بعد الكلام في الموضوع، إذ يعتبر السكوت عن إبدائه قبل نظر الموضوع نزولا ضمنيا عن التمسك به.
3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الدفع بعدم جواز نظر الدعوي لسابقة الفصل فيها ليس دفعة شكليا أو إجرائيا وإنما يعتبر من قبيل الدفوع بعدم القبول الموضوعي التي لا يسقط الحق فيها بالكلام في الموضوع.
4 - إذ كان الثابت من الأوراق وبإقرار من الطرفين، أن الشركة الطاعنة مثلت بالجلسة الأولى المحددة لنظر الدعوى، وأبدت دفعا بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم ... لسنة 1987 تجاري الجيزة الابتدائية ولم تبد الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم إلا بجلسة لاحقة في 2/ 3/ 1996 وقد تمسكت المطعون ضدها الأولى بسقوط حق الطاعنة في التمسك بهذا الدفع بمذكرتها المقدمة أمام محكمة أول درجة بتاريخ 8/ 6/ 1996 وبأسباب استئنافها للحكم الصادر بقبول الدفع، ومن ثم تكون الطاعنة قد أسقطت حقها في إبداء الدفع سالف البيان لسبق التكلم في الموضوع، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 17/ 5/ 1999 إلى قضائه بإلغاء الحكم المستأنف الذي أجاب الطاعنة إلى دفعها بعدم القبول لوجود شرط التحكيم، فإنه يكون قد انتهى إلى النتيجة الصحيحة ولا يعيبه ما اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية فيما تضمنته من انقضاء شرط التحكيم بوفاة أحد المحكمين، إذ لمحكمة النقض تصحيح هذه الأسباب دون أن تنقضه، ويضحي ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه - أيا كان وجه الرأي فيه - غير منتج، وبالتالي فهو غير مقبول.
5 - المقرر قانونا أن البطلان هو وصف يلحق العمل الإجرائي بسبب مخالفته المقتضيات الموضوعية أو الشكلية التي تطلبها القانون في نموذج هذا العمل بحيث تؤدي تلك المخالفة إلى عدم إنتاج العمل للآثار التي يرتبها عليه القانون إذا كان كاملا.
6 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه ليست كل مخالفة للنموذج الذي وضعه القانون للعمل تؤدي إلى البطلان، إذ إن هناك أشكالا لا تعتبر أشكالا للعمل بالمعنى الصحيح، وإنما هي مجرد أشكال تنظيمية وهذه لا يؤدي عدم احترامها إلى البطلان ولو أدت مخالفتها إلى تخلف الغاية منها.
7 - إذ كان قانون إنشاء الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988 ولئن حظر في المادة 26 منه على مديري إدارات مراقبة الحسابات ونوابهم ومراقبي الحسابات بها أن يجمعوا بين وظائفهم وبين أي عمل آخر سواء كان بأجر أو بغير أجر، إلا أنه لم ينص على البطلان كجزاء على مخالفة ذلك الحظر الذي أورد قاعدة تنظيمية قصد بها ضمان التجرد والحيدة والاستقلال للعاملين بالجهاز من الفئات المنصوص عليها، ومن ثم فإن مخالفتها لا تؤدى إلى بطلان العمل ذاته حتى ولو لم تتحقق الغاية منها، إذ يقتصر أثرها على تعرض المخالفين للمساءلة التأديبية، ومن ثم فإن تقرير لجنة الخبراء الذي اتخذ من تقرير لجنة أعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات سالف الذكر أساسا له يكون بدوره صحيحا مبرءاً من عيب البطلان ولا على الحكم إن استند إليه وأقام عليه قضاءه بما يضحى معه النعي على غير أساس.
8 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الدفع بعدم التنفيذ نظام قانوني مؤداه أنه في العقود الملزمة للجانبين يسوغ لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن الوفاء بالالتزامات التي يفرضها العقد عليه ولو كانت حالة الأداء إلى أن يقوم المتعاقد الآخر بأداء التزاماته المقابلة أو يعرض في الأقل أداءها ما دامت هذه الالتزامات الأخيرة حالة الأداء بدورها ، ومن ثم فإنه يشترط للتمسك بالدفع بعدم التنفيذ أن يكون كلا الدينين سببا للأخر في عقد تبادلي ملزم للجانبين .
9 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه لا على المحكمة إن التفتت عن دفاع لا يقوم على سند صحيح من الواقع والقانون.
10 - إذ كان الثابت أن التزام الطاعنة بأداء مستحقات المطعون ضدها الأولى الناشئة عن عقد المشاركة المحرر بينهما في 1/ 6/ 1982 لا يقابله التزام الأخيرة بنقل ملكية أرض وحدات المشروع للمشترين الذي يعتبر أثرا مباشرا لعقود بيع تلك الوحدات، إذ إن الثابت من مطالعة بنود هذا العقد أنه نص على التزام الشركة المطعون ضدها بنقل ملكية الأرض موضوع ذلك العقد بعقود مسجلة إلى مشتري وحدات المشروع بعد سدادهم كامل الثمن في الحساب الجاري الذي يفتح لهذا الغرض، ومن ثم فإن هذا الالتزام لا يقابله التزام الطاعنة بأداء المطعون ضدهما مستحقاتهما الناشئة عن عقد المشاركة ولا يكون هناك ترابط بين الالتزامين المدعى بهما بما لا يحق معه للطاعنة أن تلوذ بالدفع بعدم التنفيذ ولا يعيب الحكم إن التفت عن هذا الدفاع الذي لا يستند إلى أساس قانوني سليم، ويضحي النعي على غير أساس.
11 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن عمل الخبير لا يعدو كونه عنصرا من عناصر الإثبات الواقعية ويخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لها سلطة الأخذ بما انتهى إليه إذا رأت أنه وجه الحق في الدعوى ما دام قائما على أسباب لها أصلها الثابت في الأوراق تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وأن في الأخذ بالتقرير محمولا على أسبابه يفيد أنها لم تجد في المطاعن الموجهة إليه ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد شارك الحكم الابتدائي اطمئنانه إلى تقريري الخبرة المقدمين في الدعوى لسلامة الأسس التي بنيا عليها والنتيجة التي انتهيا إليها التي أجري فيها التقرير الأول تصفية الحسابات بين الطاعنة والمطعون ضدهما الأولى والثاني وانتهى إلى أن الظاعنة مدينة للمطعون ضدهما المذكورين بالمبالغ المقضي بها ، وقد تناول الخبير في تقريره الثاني بحث اعتراضات الطاعنة الواردة بسبب النعي وتكفل بالرد عليها ردا سائغا منتهيا إلى عدم جدواها ، ومن ثم فإن الحكم إذ استند في قضائه إلى هذين التقريرين واتخذ منهما أساسا للفصل في الدعوى فإنهما يعتبران جزءا منه ولا عليه إن لم يرد على الاعتراضات التي توجه إليهما ما دام ما استخلصه كان سائغا وله أصله الثابت بالأوراق ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها ويتضمن الرد على كل ما تثيره الطاعنة بهذا السبب الذي لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا تنحسر عنه رقابة محكمة النقض ، ومن ثم يضحى على غير أساس .
12 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الطعن بالنقض إنما يعني محاكمة الحكم المطعون فيه، ومن ثم يتعين أن ينصب النعي على عيب قام عليه الحكم، فإذا خلا من ذلك العيب الموجه إليه كان النعي واردا على غير محل ومن ثم غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه الصادر بجلسة 26/ 7/ 2006 أن النعي الوارد بهذا السبب لم ينصب على عيب اشتمل عليه الحكم، ومن ثم يكون واردا على غير محل وبالتالي غير مقبول.
------------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها الأولى أقامت على المصرف المطعون ضده الثاني والشركة الطاعنة الدعوى رقم ... لسنة 1995 مدني الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بندب خبير لتصفية الحساب بينهم والحكم لها بما يسفر عنه التقرير ، وقالت بيانا لذلك إنه بموجب عقد مشاركة مؤرخ في ../ ../ 1982 تم الاتفاق بين أطراف التداعي على إنشاء مجمع تجاري فندقي ، على أن تقدم قطعة أرض مملوكة لها كحصة عينية في عقد المشاركة وتشارك الطاعنة والمطعون ضده الثاني بالتمويل اللازم لعملية البناء وتتولى الشركة الطاعنة تنفيذ المشروع، وإذ نفذت الشركة المطعون ضدها الأولى التزامها بيد أن الشركة الطاعنة والمطعون ضده الثاني لم ينفذا المتفق عليه بالعقد، فكانت الدعوى، وبتاريخ 29 من نوفمبر 1998 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم. استأنف الشركة المطعون ضدها الأولى هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم ... لسنة 116ق، وبتاريخ 17 من مايو 1999 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها وحال نظر الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى، ادعى المصرف المطعون ضده الثاني فرعيا قبل الطاعنة والمطعون ضدها الأولى بطلب الحكم بإلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ 145000 جنيه مع الفوائد القانونية وبأحقيته في المحل رقم 4 بالمشروع محل عقد المشاركة وفي نصيبه في الوحدات غير المباعة. ندبت المحكمة خبيرا في الدعوى وبعد أن أودع تقريره، عدل المصرف طلباته في دعواه الفرعية إلى طلب الحكم بإلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ 484893.20 جنيه والفوائد القانونية. أعادت المحكمة الدعوى للخبير وبعد أن أودع تقريره، حكمت بتاريخ 30 من مايو سنة 2005 في الدعوى الأصلية بإلزام الشركة الطاعنة بأن تؤدي للشركة المطعون ضدها الأولى مبلغ 254941.20 جنيه وأجابت المصرف المطعون ضده الثاني إلى طلباته الختامية في دعواه الفرعية. استأنفت الشركة المطعون ضدها الأولى هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم ... لسنة 122ق واستأنفه المصرف المطعون ضده الثاني لدى ذات المحكمة بالاستئناف رقم ... لسنة 122ق. كما استأنفته الشركة الطاعنة بالاستئناف رقم ... لسنة 122ق القاهرة، ضمت المحكمة الاستئنافات الثلاثة، وبتاريخ 26 من يوليو سنة 2006 قضت بعدم قبول الاستئناف رقم ... لسنة 122ق، وفي الاستئناف رقم ... لسنة 122ق بعدم قبول الطلب الخاص باستلام الشقة رقم 8/ 1 والمحلين رقمي 6، 7 بالمشروع والطلب الخاص بالتعويض عن الأضرار وبرفض الاستئناف فيما عدا ذلك وفي الاستئناف رقم ... لسنة 122ق برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
طعنت الطاعنة في هذا الحكم وفي الاستئناف رقم ... لسنة 116ق القاهرة الصادر بتاريخ 17 من مايو سنة 1999 بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
-----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم في الاستئناف رقم... لسنة 116 ق القاهرة الصادر بتاريخ 17/ 5/ 1999 مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم إذ قضى بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم وأعادها إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها تأسيسا على سقوط شرط التحكيم بوفاة المحكم المعين من قبلها، في حين أن ذلك لا يؤثر على اتفاق التحكيم الذي يظل صحيحا مرتبا أثره، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه متى كان الحكم سليما في النتيجة التي انتهى إليها فإنه لا يبطله ما تكون قد اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية، إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذه الأسباب بغير أن تنقضه، وكان من المقرر أن التحكيم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - طريق استثنائي لفض المنازعات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية ولا يتعلق شرط التحكيم بالنظام العام فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بإعماله من تلقاء نفسها، وإنما يتعين التمسك به أمامها ويجوز النزول عنه صراحة أو ضمنا ويسقط الحق فيه فيما لو أثير بعد الكلام في الموضوع، إذ يعتبر السكوت عن إبدائه قبل نظر الموضوع نزولا ضمنيا عن التمسك به، كما وأن من المقرر - كذلك - أن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها ليس دفعا شكليا أو إجرائيا وإنما يعتبر من قبيل الدفوع بعدم القبول الموضوعي التي لا يسقط الحق فيها بالكلام في الموضوع. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق وبإقرار من الطرفين، أن الشركة الطاعنة مثلت بالجلسة الأولى المحددة لنظر الدعوى، وأبدت دفعا بعدم جواز نظر الدعوي لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم... لسنة 1987 تجاري الجيزة الابتدائية ولم تبد الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم إلا بجلسة لاحقة في 2/ 3/ 1996 وقد تمسكت المطعون ضدها الأولى بسقوط حق الطاعنة في التمسك بهذا الدفع بمذكرتها المقدمة أمام محكمة أول درجة بتاريخ 8/ 6/ 1996 وبأسباب استئنافها للحكم الصادر بقبول الدفع، ومن ثم تكون الطاعنة قد أسقطت حقها في إبداء الدفع سالف البيان لسبق التكلم في الموضوع، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 17/ 5/ 1999 إلى قضائه بإلغاء الحكم المستأنف الذي أجاب الطاعنة إلى دفعها بعدم القبول لوجود شرط التحكيم، فإنه يكون قد انتهى إلى النتيجة الصحيحة ولا يعيبه ما اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية فيما تضمنته من انقضاء شرط التحكيم بوفاة أحد المحكمين، إذ لمحكمة النقض تصحيح هذه الأسباب، دون أن تنقضه، ويضحي ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه - أيا كان وجه الرأي فيه غير منتج، وبالتالي فهو غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعي بباقي أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الصادر في الاستئنافات الثلاثة بتاريخ 26/ 7/ 2006 مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وتقول في بيان السبب الثالث منها إن الحكم أيد قضاء الحكم الابتدائي الذي ألزمها بالمبالغ المقضي بها طبقا لما انتهى إليه تقرير لجنة الخبراء المقدم في الدعوى، وإذ اعتمد هذا التقرير على تقرير اللجنة المشكلة من أعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات رغم بطلانه بمخالفته قانون إنشاء الجهاز رقم 144 لسنة 1988 الذي حظر على أعضائه مباشرة أي عمل أخر بجانب وظائفهم سواء كان بأجر أو بغيره، فإن تقرير لجنة الخبراء الذي أقام عليه الحكم قضاءه يكون بدوره باطلا، وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن من المقرر قانونا أن البطلان هو وصف يلحق العمل الإجرائي بسبب مخالفته المقتضيات الموضوعية أو الشكلية التي تطلبها القانون في نموذج هذا العمل بحيث تؤدى تلك المخالفة إلى عدم إنتاج العمل للآثار التي يرتبها عليه القانون إذا كان كاملا، وأنه من المقرر - كذلك - أنه ليست كل مخالفة للنموذج الذي وضعه القانون للعمل تؤدي إلى البطلان، إذ إن هناك أشكالا لا تعتبر أشكالا للعمل بالمعنى الصحيح، وإنما هي مجرد أشكال تنظيمية وهذه لا يؤدي عدم احترامها إلى البطلان ولو أدت مخالفتها إلى تخلف الغاية منها. ولما كان ذلك، وكان قانون إنشاء الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988 ولئن حظر في المادة 26 منه على مديري إدارات مراقبة الحسابات ونوابهم ومراقبي الحسابات بها أن يجمعوا بين وظائفهم وبين أي عمل آخر سواء كان بأجر أو بغير أجر، إلا أنه لم ينص على البطلان كجزاء على مخالفة ذلك الحظر الذي أورد قاعدة تنظيمية قصد بها ضمان التجرد والحيدة والاستقلال للعاملين بالجهاز من الفئات المنصوص عليها، ومن ثم فإن مخالفتها لا تؤدى إلى بطلان العمل ذاته حتى ولو لم تتحقق الغاية منها، إذ يقتصر أثرها على تعرض المخالفين للمساءلة التأديبية، ومن ثم فإن تقرير لجنة الخبراء الذي اتخذ من تقرير لجنة أعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات، سالف الذكر أساسا له يكون بدوره صحيحا مبرءا من عيب البطلان ولا على الحكم إن استند إليه وأقام عليه قضاءه بما يضحى معه النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تقول في بيان السبب الثاني إنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة الموضوع بإخلال المطعون ضدها الأولى بتنفيذ التزامها بنقل ملكية أرض المشروع إلى مشتري الوحدات وفقا لنص البند السابع من عقد المشاركة المؤرخ 1/ 6/ 1982 مما يسوغ لها التمسك بالدفع بعدم تنفيذ التزامها المقابل، وإذ قضى الحكم بإلزامها بالمبلغ المقضي به دون أن يرد على دفاعها سالف الذكر، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة أن الدفع بعدم التنفيذ نظام قانوني مؤداه أنه في العقود الملزمة للجانبين يسوغ لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن الوفاء بالالتزامات التي يفرضها العقد عليه ولو كانت حالة الأداء إلى أن يقوم المتعاقد الأخر بأداء التزاماته المقابلة أو يعرض في الأقل أداءها ما دامت هذه الالتزامات الأخيرة حالة الأداء بدورها، ومن ثم فإنه يشترط للتمسك بالدفع بعدم التنفيذ أن يكون كلا الدينين سببا للأخر في عقد تبادلي ملزم للجانبين، ومن المقرر - أيضأ - أنه لا على المحكمة إن التفتت عن دفاع لا يقوم على سند صحيح من الواقع والقانون. لما كان ذلك، وكان الثابت أن التزام الطاعنة بأداء مستحقات المطعون ضدها الأولى الناشئة عن عقد المشاركة المحرر بينهما في 1/ 6/ 1982 لا يقابله التزام الأخيرة بنقل ملكية أرض وحدات المشروع للمشترين الذي يعتبر أثرا مباشرا لعقود بيع تلك الوحدات، إذ إن الثابت من مطالعة بنود هذا العقد أنه نص على التزام الشركة المطعون ضدها بنقل ملكية الأرض موضوع ذلك العقد بعقود مسجلة إلى مشتري وحدات المشروع بعد سدادهم كامل الثمن في الحساب الجاري الذي يفتح لهذا الغرض، ومن ثم فإن هذا الالتزام لا يقابله التزام الطاعنة بأداء المطعون ضدهما مستحقاتهما الناشئة عن عقد المشاركة ولا يكون هناك ترابط بين الالتزامين المدعى بهما بما لا يحق معه للطاعنة أن تلوذ بالدفع بعدم التنفيذ ولا يعيب الحكم إن التفت عن هذا الدفاع الذي لا يستند إلى أساس قانوني سليم، ويضحى النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تقول في بيان السبب الرابع إن الحكم أقام قضاءه بإلزامها بالمبالغ المقضي بها طبقا لما انتهى إليه تقرير لجنة الخبراء المقدم في الدعوى دون أن يبحث اعتراضاتها على ذلك التقرير بشأن اعتباره " بدروم " العقار موضوع عقد المشاركة محل النزاع ضمن المخزون غير المباع، كما أنه أغفل حساب أتعاب إدارتها للمشروع ومصاريف أعمال التدعيم والترميم والصيانة، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة أن عمل الخبير لا يعدو كونه عنصرا من عناصر الإثبات الواقعية ويخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لها سلطة الأخذ بما انتهى إليه إذا رأت أنه وجه الحق في الدعوي ما دام قائما على أسباب لها أصلها الثابت في الأوراق تؤدي إلى ما انتهى إليه، وأن في الأخذ بالتقرير محمولا على أسبابه يفيد أنها لم تجد في المطاعن الموجهة إليه ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد شارك الحكم الابتدائي اطمئنانه إلى تقرير الخبرة المقدمين في الدعوى لسلامة الأسس التي بنيا عليها والنتيجة التي انتهيا إليها التي أجري فيها التقرير الأول تصفية الحسابات بين الطاعنة والمطعون ضدهما الأولى والثاني وانتهى إلى أن الطاعنة مدينة للمطعون ضدهما المذكورين بالمبالغ المقضي بها، وقد تناول الخبير في تقريره الثاني بحث اعتراضات الطاعنة الواردة بسبب النعي وتكفل بالرد عليها ردا سائغا منتهيا إلى عدم جدواها، ومن ثم فإن الحكم إذ استند في قضائه إلى هذين التقريرين واتخذ منهما أساسا للفصل في الدعوى فإنهما يعتبران جزءا منه ولا عليه إن لم يرد على الاعتراضات التي توجه إليهما ما دام ما أستخلصه كان سائغا وله أصله الثابت بالأوراق ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها ويتضمن الرد على كل ما تثيره الطاعنة بهذا السبب الذي لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا تنحسر عنه رقابة محكمة النقض، ومن ثم يضحى على غير أساس.
وحيث إن حاصل نعى الطاعنة بالسبب الأخير من أسباب طعنها أن الحكم قضى في موضوع الدعوى رغم وجود نزاع بشأن اتفاق التحكيم، إذ إن إلغاء الحكم الاستئنافي الصادر بتاريخ 17/ 5/ 1999 القاضي بإلغاء حكم أول درجة الذي قضى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم يرتب بطلان الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 26/ 7/ 2006، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة أن الطعن بالنقض إنما يعني محاكمة الحكم المطعون فيه، ومن ثم يتعين أن ينصب النعي على عيب قام عليه الحكم، فإذا خلا من ذلك العيب الموجه إليه كان النعي واردا على غير محل ومن ثم غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه الصادر بجلسة 26/ 7/ 2006 أن النعي الوارد بهذا السبب لم ينصب على عيب اشتمل عليه هذا الحكم، ومن ثم يكون واردا على غير محل وبالتالي غير مقبول.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق