جلسة الخميس 8 نوفمبر سنة 1928
برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا وبحضور حضرات مسيو
سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطية بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك المستشارين.
--------------
(1)
القضية
رقم 871 سنة 45 قضائية (طعن النيابة العمومية في قرار قاضى الإحالة ضد محمد مصطفى
منيب)
(أ) جريمة.
تنفيذها بعدّة أفعال داخلة
تحت الغرض الجنائي الواحد. العقاب على كل فعل منها على حدة غير جائز. المحاكمة على
ما ظهر من تلك الأفعال تمنع من إعادة الدعوى بشأن الأفعال التي لم تظهر إلا من بعد
هذه المحاكمة.
(المادة 32 عقوبات(
(ب) الغرامة
عقوبة تبعية ناشئة عن الجريمة تتبع العقوبة الأصلية في الحكم.
)المادة 97 ع(
)جـ) رد المبالغ المختلسة
عقوبة تكميلية. وهو قائم على حق خاص لا يزول بزوال العقوبة الأصلية.
(المادة 97 عقوبات(
--------------------
1 - إن من الجرائم جريمة يحصل التصميم عليها ولكن تنفيذها قد يكون
لا بفعل واحد بل بأفعال متلاحقة متتابعة كلها داخل تحت الغرض الجنائي الواحد الذى
قام في فكر الجاني. فكل فعل من الأفعال التي تحصل تنفيذا لهذا الغرض لا يكون
العقاب عليه وحده، بل العقاب إنما يكون على مجموع هذه الأفعال كجريمة واحدة. حيث
إذا كان أحد هذه الأفعال لم يظهر إلا بعد المحاكمة الأولى فإن الحكم الأوّل يكون
مانعا من رفع الدعوى بشأن هذا الفعل احتراما لمبدأ قوّة الشيء المحكوم فيه.
والتمييز بين الجرائم التي من هذا النوع وبين غيرها من أنواع الجرائم الأخرى - التي
يعتبر كل منها جريمة مستقلة واجبا العقاب عليها عقابا على حدة وإن كانت كلها
متماثلة في موضوعها - لا يمكن وضع قاعدة عامة له. إذ هو بحث موضوعي دقيق يجب أن
يبحثه قاضى الموضوع في كل قضية على حدة. فمتى ثبت لديه أن الظرف الذى وقعت فيه
أفعال الاختلاس والتزوير مثلا التي عوقب عليها متهم هو هو ظرف الزمن نفسه الذى
وقعت فيه اختلاسات وتزويرات مطلوب عنها عقاب هذا المتهم عينه بحيث تعسر على القاضي
أن يفهم أن هذه الأفعال الجديدة - التي كان وقوعها متخللا فترات وقوع الأفعال
الأولى المحكوم فيها - قد وقعت تنفيذا لغرض جنائي خاص مستقل عن الغرض الجنائي الذى
وقعت الأفعال المحكوم فيها تنفيذا له كانت كل أفعال الاختلاس التي وقعت من المتهم
في ذلك الظرف والتي هي موضوع القضية المحكوم فيها والقضية الجديدة إنما هي أفعال
تكوّن جريمة واحدة. ويكون الحكم السابق صدوره على المتهم في جريمتي الاختلاس
والتزوير حكما شاملا قاضيا في الجريمتين بشأن ما ظهر من أفعالهما وما لم يظهر إلا
من بعد ويكون مانعا من إعادة الدعوى بخصوص تلك الأفعال التي لم تظهر إلا من بعد (1).
2 - الغرامة من العقوبات التبعية إلا أنها عقوبة ناشئة عن الجريمة.
والشأن فيها الشأن في العقوبة الأصلية فهي تتبعها في الحكم لتعلقهما كليهما بالحق
العام وحده 2)(
3 - إن الرد وإن كان من العقوبات التكميلية إلا أنه قائم على حق
خاص لا يزول بزوال العقوبة الأصلية أو الغرامة بل لن يزال لصاحبه تقاضيه بالطرق
القانونية الأخرى.
وقائع الدعوى
أقامت النيابة العمومية هذه الدعوى ضد المتهم المذكور واتهمته بأنه
في بحر سنة 1926 بدائرة قسم الأزبكية بمحافظة مصر:
أوّلا - بصفته مأمورا
للتحصيل بمأمورية أوقاف القسم الرابع اختلس مبلغ 96 جنيها و452 مليما من الأموال
الأميرية التي بعهدته.
ثانيا - ارتكب تزويرا في أوراق
رسمية (قسائم تحصيل مبينة بكشف مرفق بتقرير الاتهام ويعتبر جزءا متمما له) في حال
تحريرها المختص بوظيفته بإثبات وقائع مزورة في صورة وقائع صحيحة مع علمه بتزويرها
بأن أثبت في هذه القسائم أسماء أشخاص مستحق عليهم أحكار أقل قيمة من الأحكار التي
حصلها فعلا عن أشخاص سواهم واستولى على الفرق بين الاثنين وذلك إخفاءً لاختلاسه
المتقدّم الذكر.
وطلبت من حضرة قاضى
الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادّتين 97 و181 من قانون العقوبات.
فأصدر حضرة قاضى الإحالة
بمحكمة مصر الأهلية قرارا بتاريخ 26 يوليه سنة 1927 بإحالته إلى محكمة جنايات مصر
لمحاكمته بالمادتين سالفتي الذكر.
وبعد أن سمعت محكمة
الجنايات الدعوى تفصيلا قضت حضوريا بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1927 بالمادتين 97 و181
من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 منه بمعاقبة المتهم بالسجن لمدّة ثلاث سنوات
وإلزامه بردّ المبلغ المختلس وقدره 96 جنيها و452 مليما وبغرامة مساوية لهذا
المبلغ. بعد ذلك حققت النيابة معه أيضا ثم وجهت إليه التهمة الآتية وهى:
انه في بحر سنة 1926
بدائرة قسمي الأزبكية وبولاق:
أوّلا - بصفته مأمورا
للتحصيل بمأمورية أوقاف القسم الرابع اختلس مبلغ 8 جنيهات و743 مليما من الأموال
الأميرية التي في عهدته.
ثانيا - ارتكب تزويرا في أوراق
رسمية (قسائم تحصيل مبينة بكشف مرفق بتقرير الاتهام ويعتبر جزءا متمما له) في حال
تحريرها المختص بوظيفته بإثبات وقائع مزوّرة في صورة وقائع صحيحة مع علمه بتزويرها
بأن أثبت في هذه القسائم أسماء أشخاص مستحق عليهم أحكار أقل قيمة من الأحكار التي
حصلها فعلا من أشخاص سواهم واستولى على الفرق بين الاثنين. وذلك إخفاءً لاختلاسه
المتقدّم الذكر.
وطلبت من حضرة قاضى
الإحالة إحالته إلى محكمة جنايات مصر لمحاكمته بالمادتين 97 و181 من قانون
العقوبات.
فدفع المتهم أمام قاضى
الإحالة بسبق الحكم عليه من أجل موضوع هذه التهمة. وقاضى الإحالة بمحكمة مصر أصدر
في 28 فبراير سنة 1928 قرارا بأن لا وجه لإقامة الدعوى بناء على أن جريمة الاختلاس
لا تتعدّد بتعدّد المبالغ المختلسة وعلى أن الفعل المسند إلى المتهم ما هو إلا
حلقة من سلسلة الأفعال التي حوكم من أجلها وقد وقع في عهدها. وهى في مجموعها تكوّن
جريمة واحدة سبق الفصل فيها فلا يجوز الرجوع إليها بدعوى ثانية عن الفعل القديم
الذى اكتشف بعد المحاكمة الأولى. وذلك عملا بقوّة الشيء المحكوم فيه. وقد أشار
حضرة قاضى الإحالة إلى أن أفعال الاختلاس في الدعوى الحالية وفي الدعوى السابق
الحكم فيها بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1927 هي من قبيل الأفعال التي تصدر تنفيذا لفكر جنائي
واحد وتصميم واحد وغرض واحد فهي مكوّنة لجريمة واحدة كمن يصمم على سرقة أمتعة من
بيت فينفذ تصميمه على جملة مرات. وقد طعن حضرة رئيس نيابة مصر بتوكيله عن النائب العمومي
في هذا القرار بطريق النقض بتقرير في 12 مارس سنة 1928 تلاه تقرير بأوجه الطعن في 14
مارس سنة 1928، وبنى طعنه على أنه من شروط الاحتجاج بقوّة الشيء المحكوم فيه أن
يكون سبب الدعويين واحدا وأن هذا الشرط غير متوفر في الدعوى الحالية لأن سببها
اختلاس جديد لم يرد له ذكر في الدعوى المحكوم فيها. وهى في ذاته جريمة مستقلة لا
مانع قانونيا يمنع من رفع الدعوى وطلب العقوبة عليها وأن قرار قاضى الإحالة لهذه
العلة يكون في غير محله. وقد أضافت النيابة إلى قولها هذا عبارات أخرى لا تخرج عن
توضيح ما تقدّم كما أشارت إلى عقوبتي الغرامة والردّ التبعيتين اللتين لا يمكن
القول بأنه فصل فيهما في الدعوى الأولى.
وحيث إن الطعن قدم في ميعاده
القانوني فهو مقبول شكلا.
وحيث إنه مما لا شك فيه
أن قوّة الشيء المحكوم فيه تمنع من إعادة الدعوى على المتهم بشأن كل ما قضى فيه
الحكم الأوّل أو بعضه. ولا شك أيضا أن من الجرائم جريمة يحصل التصميم عليها ولكن
تنفيذها قد يكون لا بفعل واحد بل بأفعال متلاحقة متتابعة كلها داخل تحت الغرض الجنائي
الواحد الذى قام في فكر الجاني وأن كل فعل من الأفعال التي تحصل تنفيذا لهذا الغرض
لا يجوز العقاب عليه وحده بل العقاب إنما يكون على مجموع هذه الأفعال كجريمة واحدة
بحيث إذا لم يظهر منها فعل إلا بعد المحاكمة الأولى فإن الحكم الأوّل يكون مانعا
من رفع الدعوى بشأن هذا الفعل الجديد.
وحيث إن التمييز بين
الجرائم التي من النوع المذكور الذى أشار إليه حضرة قاضى الإحالة وبين غيره من
أنواع الجرائم الأخرى التي تعتبر كل منها جريمة مستقلة واجبا العقاب عليها عقابا
على حدة وإن كانت كلها متماثلة قى موضوعها هو أمر يقتضى بحثا موضوعيا دقيقا جدا قد
يخرج عن سلطة قاضى الإحالة أن يبت فيه عند الشك ما دام هو لا يستطيع قانونا أن
يصدر أمرا بأن لا وجه لإقامة الدعوى إلا اذا لم يجد أثرا لجريمة ما.
ولكن من حيث إنه في هذه
الدعوى بخصوصها قد ظهر من الاطلاع على أوراق القضية المحكوم فيها ما يدل على أن
ظرف الزمن الذى وقعت فيه الاختلاسات والتزويرات الأولى هو هو ظرف الزمن نفسه الذى
وقعت فيه الاختلاسات والتزويرات المطلوب عنها العقاب الآن. كما أن الدعوى الأولى
لم يكن موضوعها فعلا واحدا من أفعال الاختلاس أو التزوير وإنما كانت قائمة على
مجموعة أفعال من اختلاس وتزوير واعتبرت النيابة فيها أفعال الاختلاس جميعا جريمة
واحدة طلبت العقاب عليها جملة واحدة بمقتضى المادة 97 من قانون العقوبات كما
اعتبرت أفعال التزوير جريمة واحدة طلبت العقاب عليها دفعة واحدة بمقتضى المادة 181
من قانون العقوبات والمحكمة قضت فيهما على هذا الاعتبار. وكل ما عملته أن حكمت
فيهما بعقوبة واحدة للارتباط بين الجريمتين كما تقضى به الفقرة الثانية من المادة
32 عقوبات.
وحيث إن الأفعال الجديدة التي
هي موضوع الدعوى الحالية قد وقعت في خلال الزمن الذى وقعت فيه الأفعال الأولى
المحكوم فيها. ومن العسر جدا أن يفهم أن هذه الأفعال الجديدة التي كان وقوعها
متخللا فترات وقوع الأفعال الأولى المحكوم فيها - من العسر جدا أن يفهم أن هذه
الأفعال الجديدة قد وقعت تنفيذا لغرض جنائي خاص مستقل عن الغرض الجنائي الذى وقعت
الأفعال المحكوم فيها تنفيذا له. على أن النيابة العمومية هي أيضا في الدعوى الجديدة
تعتبر أفعال الاختلاس التي طرحت على قاضى الإحالة كلها جريمة واحدة ولذلك طلبت
الإحالة للمعاقبة عليها جملة ودفعة واحدة بالمادة 97 عقوبات. وكذلك فعلت بشأن
أفعال التزوير الجديدة إذ طلبت الإحالة للمعاقبة عليها مرة واحدة بمقتضى المادة
181 عقوبات.
وحيث إنه من ذلك الثابت
في المحاكمة الأولى وفى إجراءات الدعوى الحالية ما يسمح باعتبار أن كل أفعال
الاختلاس التي وقعت من المتهم في بحر سنة 1926 والتي هي موضوع القضية المحكوم فيها
والقضية الجديدة إنما هي أفعال تكون جريمة واحدة. وكذلك الأمر بالنسبة لأفعال
التزوير المقضي فيها والمطلوبة الإحالة بشأنها. وعلى ذلك يكون الحكم في جريمتي
الاختلاس والتزوير الذى صدر في 21 نوفمبر سنة 1927 حكما شاملا قضى في الجريمتين
بشأن ما ظهر من أفعالهما وما لم يظهر إلا من بعد ويكون مانعا من إعادة الدعوى
بخصوص الأفعال التي لم تظهر إلا من بعد كالأفعال الواردة بقرار قاضى الإحالة.
على أن ما تراه محكمة
النقض الآن إنما هو خاص بهذه الدعوى بخصوصها. إذ لا يمكن وضع قاعدة عامة تشمل كل
جرائم الاختلاس أو التزوير ما دام بحث الأغراض الجنائية هو بحثا موضوعيا دقيقا يجب
أن يبحثه قاضى الموضوع في كل قضية على حدتها. ولئن تعرّضت محكمة النقض في الدعوى
الحالية لهذا البحث الموضوعي فإن تعرّضها هذا مقصور على استنتاج النتيجة القانونية
اللازمة عما هو ثابت في الواقع من الحكم السابق. أما من جهة العقوبات التبعية التي
تشير إليها النيابة العمومية فإن منها الغرامة هى عقوبة ناشئة عن الجريمة والشأن
فيها الشأن في العقوبة الأصلية فهي تتبعها في الحكم لتعلقهما كليهما بالحق العام
وحده. وأما الردّ فهو وإن كان من العقوبات التكميلية إلا أنه قائم على حق خاص لا
يزول بزوال العقوبة الأصلية أو الغرامة بل لن يزال لصاحبه تقاضيه بالطرق القانونية
الأخرى.
فبناءً على هذه الأسباب
حكمت
المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا
وها كم حكمي محكمة النقض المشار إليهما في الهامش رقم (2) وأوّلهما
صادر من محكمة النقض برياسة المستر بوند وثانيهما صادر منها برياسة معالى أحمد
طلعت باشا. الحكم الصادر بتاريخ 19 إبريل سنة 1913 في القضية رقم 1062 سنة 30 ق.
وقائع الدعوى
اتهمت النيابة العمومية المذكورين بأنهما في سنة 1909 لغاية يوليه
سنة 1912 بدائرة قسم الدرب الأحمر بصفتهما من الموظفين الأميريين ومن مأموري
التحصيل لأنهما من محصلي عوائد أملاك الميرى اختلس الأول من المبالغ التي في عهدته
والمسلمة إليه بسبب وظيفته مبلغ 734 جنيها و21 مليما. والثاني اختلس من المبالغ التي
في عهدته والمسلمة إليه بسبب وظيفته مبلغ 625 جنيها و233 مليما. ولأنهما في الزمان
والمكان السالفي الذكر ارتكبا تزويرا في دفاتر أميرية مسلمة إليهما بسبب وظيفتهما
وهى دفاتر قسائم عوائد الأملاك بأن غيرا موضوعها بجعلها واقعة مزورة في صورة واقعة
صحيحة حيث كانا يثبتان في القسائم البرانية مبالغ وبيانات خلاف التي كانا يثبتانها
في القسائم الجوانية إخفاءً للاختلاس السالف الذكر. وطلبت من حضرة قاضى الإحالة
بمحكمة مصر الأهلية إحالتهما على محكمة الجنايات لمحاكمتهما بمقتضى المادتين 97
و181 من قانون العقوبات.
وحضرة قاضى الإحالة
المشار إليه قرر بتاريخ 15 يناير سنة 1913 بإحالة المتهمين المذكورين على محكمة
جنايات مصر الأهلية لمحاكمتهما بالمادتين المذكورتين.
ومحكمة جنايات مصر
الأهلية حكمت بتاريخ 4 مارس سنة 1913 عملا بالمواد 97 و181 و296 و32 عقوبات وطبقت
المادة 181 عقوبات لأنها أشد عقوبة و17 منه بالنسبة للمتهم الثاني حضوريا بمعاقبة
أسعد افندي على بالسجن ثلاث سنوات وبمعاقبة يعقوب افندي عبده بالحبس مع الشغل سنة
وبحرمانه من التوظف بالوظائف الأميرية مدة خمس سنين لتهمتهما بصفة كونهما من مأموري
التحصيل أي بصفة كونهما محصلين لعوائد الأملاك بدائرة قسم الدرب الأحمر اختلس
الأول منهما من المبالغ التي في عهدته والمسلمة إليه بسبب وظيفته مبلغ 719 جنيها
مصريا و621 مليما والثاني اختلس من المبالغ التي في عهدته والمسلمة إليه بسبب
وظيفته مبلغ 620 جنيها مصريا و233 مليما وذلك في مدّة مبدؤها سنة 1909 ونهايتها
يوليه سنة 1912 بدائرة القسم المذكور وأنهما في الزمان والمكان المذكورين بصفتهما
موظفين في مصلحة عمومية أي بتلك الصفة المذكورة آنفا ارتكبا تزويرا في دفاتر
أميرية مسلمة إليهما بسبب وظيفتهما وهى دفاتر قسائم عوائد الأملاك بأن غيرا
موضوعها بجعلهما الوقائع المزورة في صورة الوقائع الصحيحة إذ كانا يثبتان في القسائم
الجوانية مبالغ وبيانات خلاف ما كانا يثبتان منها في القسائم البرانية إخفاءً
للاختلاس السابق الذكر وبأن الأول اختلس مبلغ 1050 قرشا ألف وخمسين قرشا استلمها
من محمد مصطفى هيكل و390 قرشا ثلاثمائة وتسعين قرشا استلمها من محمد محمد الشريف
وأن الثاني اختلس مبلغ 500 قرش خمسمائة قرش استلمها من عبد السلام محمود وكان
استلامهما لهذه المبالغ على سبيل الوديعة إضرارا بأصحابها ولم يكن استلامهما لهذه
المبالغ بسبب وظيفتهما.
وبتاريخ 5 مارس سنة 1913
قرر المحكوم عليهما بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام.
وبتاريخ 22 مارس سنة 1913
قرر حضرة رئيس نيابة مصر الأهلية بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام أيضا
وقدم تقريرا بأسباب الطعن بتاريخ 22 مارس سنة 1913 وقدم أسعد افندي على المتهم
الأول فقط تقريرا بأسباب طعنه بتاريخ 18 مارس سنة 1913 وأما المتهم الثاني
"يعقوب افندي عبده" لم يقدم تقريرا بأسباب طعنه.
المحكمة
بعد سماع طلبات النيابة العمومية والاطلاع على الأوراق والمداولة
قانونا.
من حيث إن طلبي النقض
المرفوعين من النيابة العمومية والمتهم الأول "أسعد افندي على" صحيحان
شكلا.
وحيث إن الطاعن الثاني
"يعقوب افندي عبده" لم يقدم أسبابا لطعنه فطعنه غير مقبول.
عن الطعن المرفوع من
الطاعن الأول:
حيث إنه وإن كان ذكر في الحكم
المطعون فيه المواد 97 و181 و296 عقوبات إلا أن المادة التي عوقب بمقتضاها
المتهمان هي المادة 181 عقوبات باعتبار أنها تشمل العقوبة المقرّرة لأشد الجرائم
المنصوص عنها بالمواد سالفة الذكر. وذلك مطابق للقاعدة المقرّرة بالمادة 32 عقوبات.
وحيث إنه من جهة استعمال
الرأفة وعدمه مع المتهم فهو أمر يفصل فيه قاضى الموضوع عند تقديره العقوبة
المناسبة لحالة كل من المتهمين في المسئولية بحسبما يتراءى له من ظروف الدعوى وليس
لمحكمة النقض مراقبة عليه في ذلك.
عن النقض المرفوع من
النيابة:
وحيث إن الطعن المرفوع من
النيابة مبنى على أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون لسببين: أولا عدم القضاء
بالغرامة المنصوص عنها في المادة "97" عقوبات. ثانيا لتطبيق المادة 296
عقوبات بالنسبة للاختلاس الواقع من المتهمين في بعض المبالغ التي سلمت إليهما بسبب
وظيفتهما.
وحيث إن المادة
"32" عقوبات تحتم في حال تعدد الجرائم المرتبطة ببعضها الحكم على المتهم
بعقوبة واحدة وهى العقوبة المقرّرة لأشد تلك الجرائم.
وحيث إن المحكمة في هذه
الدعوى طبقت فقط المادة 181 عقوبات أي العقوبة الخاصة بالتزوير باعتبار أنها أشد
عقوبة للجرائم المنسوبة للمتهمين كما سبق القول فهي لم تخطئ في تطبيق القانون بعدم
الحكم بالغرامة المنصوص عنها في المادة 97 عقوبات.
وحيث إنه متى تقرّر ذلك
فلا فائدة لتمسك النيابة بالوجه الثاني من طلب النقض المرفوع منها لاسيما وأن
الواقعة الثابتة في الحكم المطعون فيه بالنسبة لمبلغ 1440 ألف وأربعمائة وأربعين
قرشا التي استلمها المتهم الأوّل ومبلغ 500 خمسمائة قرش التي استلمها المتهم الثاني
تقع تحت نص المادة 296 عقوبات التي طبقتها المحكمة.
وحيث إنه بناءً على ما
تقدّم يتعين الحكم برفض طلب النقض المرفوع من المتهم الأوّل ومن النيابة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض هذين الطعنين.
الحكم الصادر بتاريخ 20 يونيه سنة 1928 في القضية رقم 1193 سنة 45 ق.
وقائع الدعوى
اتهمت النيابة المذكور بأنه في المدة ما بين 11 سبتمبر سنة 1925 و8
أكتوبر سنة 1928 بدائرة قسم الدرب الأحمر بمصر: (أولا) بصفته موظفا عموميا أى
أمينا على الودائع في حساب الأمانات ببوستة الغورية ارتكب تزويرا في أوراق أميرية أي
أذونات الخصم من حسابات الأمانات ودفاتر الحساب الجاري الخاصة بكل من عبد الوهاب
محمد وإبراهيم الطوخي وإبراهيم الشوبكى وأولاده وخديجة أحمد وإمام أحمد سلام ومحمد
شفيق الحسامى وأديب الياس بأن غير هذه المحررات بزيادة كلمات وإضافة أرقام وتغيير
أخرى ليجعل القيمة الثابتة فيها أزيد مما صرف لأصحاب الأمانات. ولأنه في الزمان
والمكان المذكورين بصفته المذكورة اختلس مبلغ 48 ثمانية وأربعين جنيها من الأموال
الأميرية التي في عهدته وذلك على ثماني دفع مختلفة من حسابات الأمانات الخاصة
بالأشخاص المذكورين أعلاه. (ثانيا) لأنه في يوم 12 أكتوبر سنة 1925 بدائرة قسم
الدرب الأحمر بصفته موظفا عموميا أي منوطا بحساب النقود في عملية الحوالات ببوستة
الغورية ارتكب تزويرا في ورقة أميرية أى في إشارة برقية مرسلة من بوستة دنقله الى
بوستة الغورية بأن وضع عليها إمضاء مزورة نسبها إلى عبد الحميد الحميدى المرسل
إليه الحوالة البرقية وكتب عبارة تفيد تسليم القيمة إلى صاحبها. ولأنه في الزمان
والمكان المذكورين بصفته المذكورة اختلس مبلغ 35 خمسة وثلاثين جنيها من الأموال
الأميرية التي في عهدته قيمة الحوالة البرقية موضوع التهمة المتقدمة. وطلبت من
حضرة قاضى الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 97 و179 و32 من
قانون العقوبات.
فقرّر حضرته في 25 مايو
سنة 1926 إحالته على محكمة جنايات مصر لمحاكمته بهذه المواد. ومحكمة الجنايات بعد
سماعها الدعوى حكمت حضوريا في 18 أبريل سنة 1928 عملا بالمواد 97 و179 و32 و17 من
قانون العقوبات بمعاقبته بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة وتغريمه غرامة قدرها 83
ثلاثة وثمانون جنيها. فقرر بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام يوم صدوره
وقدّم تقريرا بالأسباب في 3 مايو سنة 1928.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن النقض صحيح شكلا.
وحيث فيما يخص الموضوع
فإنه يتلاحظ بأن جميع الأوجه التي يستند إليها رافع النقض - ما عدا الوجهين اللذين
سيجئ ذكرهما بعد - تتناول في الواقع موضوع الدعوى بما هو ثابت لمحكمة الموضوع من
تمام الحرية والسلطة في تكون اعتقادها مما هو قائم أمامها من الأدلة وفى تقدير
قيمة نفس هذه الأدلة فلا محل إذن لهذه الأوجه.
وحيث فيما يخص الوجهين
الآخرين من أن الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت أن المتهم لم يرتكب التزوير في الإذن
الخاص بمحمد شفيق أدمجت بعد ذلك هذه الواقعة في باقى الوقائع الأخرى التى ثبتت
عليه وأنه ما كان يجوز من جهة أخرى للمحكمة أن تحكم على المتهم بالغرامة ما دام قد
دفع جميع المطلوب ولم يحكم عليه بالرد فانه مما ينبغى الإشارة إليه أنه ظاهر من
مجموع البيانات الواردة في الحكم المذكور أن المحكمة عندما قدرت العقوبة لم تراع
في الواقعة إلا نفس الوقائع التى ثبتت على المتهم دون غيرها وهى سبع وقائع ولم تقض
فيها جميعا إلا بالحبس سنة واحدة. والمحكمة على كل حال صاحبة السلطة المطلقة في تقدير
العقوبة ما دامت هى في دائرة القانون. وأما عن الوجه الأخير فإنه من المقرر
والمتفق عليه فعلا فقها وقضاء بأنه في الأحوال المماثلة للحالة التى نحن في صددها
يجب إعفاء المتهم من الغرامة. والحكمة في ذلك ظاهرة ومقبولة جدا وهى تشجيع المتهم
على أن يرد من تلقاء نفسه ما اختلسه.
وحيث إنه لذلك ترى هذه
المحكمة أن هذا الوجه الأخير على أساس قانونى ويتعين قبول النقض موضوعا فيما يختص
به فقط وإقالة رافع النقض من الغرامة المحكوم بها عليه مع بقاء عقوبة الحبس.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وموضوعا تعديل الحكم المطعون فيه
وإقالة المتهم من الغرامة وإبقاء العقوبة المحكوم بها.
(1) يراجع في هذا المعنى مطول جارو (قانون العقوبات جزء أول طبعة ثالثة ص
251 - 273 نبذة 116 فقرة ثانية وثالثة) وجرانمولان (تحقيق الجنايات جزء ثان ص 265
و266 نبذتى 1024 و1025) ولاكوست في قوّة الشيء المحكوم به (نبذة 949).
(2) قضت محكمة النقض في حكمها الصادر بتاريخ 19 أبريل سنة 1913 في القضية
رقم 1062 سنة 30 ق (الطعن المرفوع من النيابة وآخر في القضية رقم 878 سنة 12 - 13
وهى قضية اختلاس وتزوير) بأنه وإن كان الحكم المطعون فيه قد ذكرت به المواد 97
و181 و296 ع إلا أنه ما دامت المادة التي عوقب المتهم بمقتضاها هي المادة 181 ع أي
العقوبة الخاصة بالتزوير باعتبار أنها عقوبة أشدّ الجرائم المنسوبة للمتهمين
تطبيقا للمادة 32 ع فانه لا خطأ قانونيا في عدم الحكم بالغرامة المنصوص عليها
بالمادة 97 ع. وهذا الحكم منشور هنا فليراجع.
وقالت محكمة النقض في حكمها
الصادر في 20 يونيه سنة 1928 في القضية رقم 1193 سنة 45 ق أن الفقه والقضاء متفقان
على أنه في الأحوال التي يكون المتهم بالاختلاس قد رد من تلقاء نفسه قيمة المبالغ
التى اختلسها يجب اعفاؤه من الغرامة المنصوص عليها في المادة 97 ع. والحكمة في ذلك
ظاهرة ومقبولة جدا وهى تشجيع المتهم على أن يرد من تلقاء نفسه ما اختلسه. وهذا
الحكم منشور هنا أيضا فليراجع.