الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 سبتمبر 2022

الطعن 42 لسنة 1 ق جلسة 25 / 1 / 1932 مج عمر ج 2 ق 321 ص 430

جلسة الاثنين 25 يناير سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

--------------

(321)
القضية رقم 42 سنة 1 القضائية

حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن. استئنافه أو الطعن فيه بطريق النقض لا يشمل الحكم الغيابي المعارض فيه. يشمله إذا نص في التقرير على ذلك.
(المادتان 177 و229 تحقيق)

----------------
حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن هو حكم قائم بذاته مختلف اختلافا كليا عن الحكم الغيابي المعارض فيه، إذ هذا الحكم الغيابي إنما يقضى في الموضوع بعد بحثه؛ أما حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن فيصدره القاضي بدون أي بحث في الموضوع بل لمجرّد أن المعارض لم يحضر في الجلسة، فهو في الحقيقة عقاب للمعارض المهمل يحرمه من حقه في نظر معارضته أمام قاضيها، ويؤذن بأن هذا القاضي قد فرغ قضاؤه من جهة موضوع الدعوى والمناقشة فيه، وبأن المعارض إن كانت له ظلامة من جهة الحكم الغيابي السابق صدوره فليرفع أمره بشأنه للسلطة العليا. وحق المعارضة في الحكم الغيابي هو حق عادى أصيل والحكم بالحرمان منه وهو حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن قد يكون خاطئا فيجوز للصادر في حقه هذا الحكم التظلم منه للسلطة العليا بطريق الاستئناف أو النقض بحسب الأحوال. ومتى اتضح خطؤه كان من المتعين إلغاؤه وإعادة القضية لقاضى المعارضة لنظر موضوعها. فإذا اقتصر التقرير المحرّر بقلم الكتاب سواء بالاستئناف أو بالطعن بطريق النقض على حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن فهذا الحكم وحده هو الذي يكون قد استؤنف أو طعن فيه بطريق النقض، ولا يمكن أن يطرح هذا التقرير على المحكمة الاستئنافية أو على محكمة النقض الحكم الغيابي الأصلي الذي حصلت فيه المعارضة لأن طبيعة الحكمين ليست واحدة. وللمحكوم عليه الحق في قصر تظلمه على حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن حتى إذا ما أدلى للمحكمة العليا بخطأ هذا الحكم كان له الحق في إعادة نظر معارضته لدى القاضي الذي حرمه منها. ولا يعترض على هذا الرأي بأن العمل به ربما يفوت على المستأنف أو الطاعن بطريق النقض مواعيد الطعن في الحكم الغيابي. إذ ما على المستأنف أو الطاعن بطريق النقض - إذا أراد الاحتياط لنفسه - سوى أن يذكر في تقرير الاستئناف أو تقرير الطعن بطريق النقض أنه يستأنف الحكم الغيابي الصادر في الموضوع، أو يطعن فيه بطريق النقض، أو أنه يستأنف الحكمين الغيابي والصادر باعتبار المعارضة كأن لم تكن معا، أو أنه يطعن فيهما معا بالنقض (1) .

الطعن المقدّم من عبد الرسول عبد المطلب ضدّ النيابة العامة في دعواها رقم 186 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 42 سنة 1 قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه في يوم 19 يوليه سنة 1926 بدائرة قسم الأزبكية فك ختما موضوعا على خزانة له تنفيذا لأمر حجز قضائي وطلبت عقابه بالمادة 131 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح الأزبكية الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها غيابيا بتاريخ 16 يناير سنة 1927 عملا بالمادة السابقة بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل. فعارض فيه المتهم وحكم بتاريخ 14 أبريل سنة 1928 باعتبار المعارضة كأن لم تكن.
فاستأنف المتهم هذا الحكم في 27 مايو سنة 1928.
ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها غيابيا بتاريخ 5 سبتمبر سنة 1928 بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف. فقرر المتهم بالمعارضة فيه وحكم بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1930 بالتأييد.
فطعن حضرة المحامي بالتوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1930 وقدّم تقريرا بأسباب طعنه في اليوم نفسه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن يتحصل في خلو الحكم من الأسباب من جهة، ومن جهة أخرى في أن المحكمة كلفت النيابة باستحضار محضر إخلاء، وأنه على الرغم من تأجيل الدعوى عدّة جلسات لتنفذ النيابة أمر المحكمة فإنها لم تنفذه وترتب على ذلك أن المتهم الذي كان مصرحا له بإعلان شهود نفى لم يتمكن من استحضارهم جميعا، وقد انتهت المحكمة بأن حكمت بتأييد حكمها الغيابي لأسبابه. ويقول الطاعن إن الحكم شابه عيب الخلو من الأسباب، وعيب الإخلال بحق الدفاع؛ وكلاهما جوهري مبطل له.
وحيث إنه بالاطلاع على الحكم المطعون فيه وجد أنه أيد الحكم الاستئنافي الغيابي لأسبابه؛ وهذا الحكم الاستئنافي الغيابي لا أسباب خاصة فيه، بل هو اقتصر على تأييد الحكم الابتدائي الصادر في المعارضة لأسبابه، وهذا الحكم الأخير صدر باعتبار المعارضة كأن لم تكن، ولا سبب فيه سوى أن المعارض لم يحضر؛ أما الحكم الابتدائي الغيابي المعارض فيه الصادر في 26 يناير سنة 1927 فكل ما به من الأسباب هو أن التهمة ثابتة من التحقيقات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه راجع في النهاية بحسب ظاهر عبارته إلى الحكم المستأنف وهو حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن، وقضاؤه بالتأييد راجع في النهاية إليه.
وحيث إن من أوجه الطعن ما يرجع في النهاية إلى الحكم الابتدائي الغيابي الذي اعتبرت المعارضة فيه كأن لم تكن فمن المهم قبل الفصل في هذا الطعن بحث النقطتين الآتيتين:
(1) هل استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن يستتبع بذاته استئناف الحكم الغيابي المعارض فيه؟
 (2)ماذا يجب على المحكمة القضاء به في هذه الدعوى بخصوصها؟
(1)عن النقطة الأولى:
حيث إن القضاء يتخصص بالطلب، وليس للقاضي أن ينظر في غير ما هو معروض عليه، وإلا كان متجاوزا حدّه.
وحيث إن الطعن بطريق المعارضة أو الاستئناف أو النقض لا يمكن أن يطرح على قاضى هذا الطعن سوى الحكم الذي ورد بالتقرير المحرر بقلم الكتاب أنه هو المطعون فيه.
وحيث إن حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن هو حكم قائم بذاته مختلف اختلافا كليا عن الحكم الغيابي المعارض فيه؛ إذ هذا الحكم الغيابي إنما قضى في الموضوع بعد بحثه. أما حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن فيصدره القاضي بدون أي بحث في الموضوع، بل بمجرّد أن المعارض لم يحضر في الجلسة التي حدّدت لنظر معارضته؛ فهو في الحقيقة عقاب للمعارض المهمل يحرمه من حقه في نظر معارضته أمام قاضيها، ويؤذن بأن هذا القاضي قد فرغ قضاؤه من جهة موضوع الدعوى والمناقشة فيه، وبأن المعارض إن كانت له ظلامة من جهة الحكم الغيابي السابق صدوره فليرفع أمره بشأنه للسلطة العليا.
وحيث إن حق المعارضة في الحكم الغيابي ابتدائيا كان أو استئنافيا هو حق عادى أصيل، والحكم بالحرمان منه وهو حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن قد يكون خاطئا فيجوز للصادر في حقه هذا الحكم التظلم منه للسلطة العليا بطريق الاستئناف أو النقض بحسب الأحوال، ومتى اتضح خطؤه كان من المتعين إلغاؤه وإعادة القضية لقاضى المعارضة للنظر في موضوعها والفصل فيه.
وحيث إنه متى علم ذلك وكان التقرير المحرّر بقلم الكتاب سواء بالاستئناف أو بالطعن بطريق النقض قد اقتصر في بيانه للحكم المطعون فيه على حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن، فهذا الحكم وحده هو الذي يكون قد استؤنف، أو طعن فيه بطريق النقض؛ ولا يمكن أن يطرح هذا التقرير مع نصه الصريح على المحكمة الاستئنافية أو محكمة النقض الحكم الغيابي الأصلي الذي حصلت فيه المعارضة، والذى لم يرد له أى ذكر فيه.
وحيث إن القول بأن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن أو الطعن فيه بطريق النقض يشمل حتما وبطبيعة الحال استئناف الحكم الغيابي الذي كان معارضا فيه، أو يشمل الطعن فيه بطريق النقض على اعتبار أن هذا الحكم الأخير اندمج في الأوّل - هذا القول غير منطقي؛ فان طبيعة الحكمين كما تقدّم ليست واحدة، وللمحكوم عليه الحق كل الحق في قصر تظلمه على الأول وهو حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن حتى إذا ما أدلى للمحكمة العليا بخطأ هذا الحكم كان له الحق في إعادة نظر معارضته لدى القاضي الذي حرمه منها.
وحيث إن السير على هذا المنهاج هو الأقرب للمنطق، والأكثر انطباقا على قاعدة عدم اتصال القضاء إلا بما يطرح لديه من الطلبات.
وحيث إنه لا يمكن الاعتراض بأن قصر مدى الطعن في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن على هذا الحكم وحده، وعدم شموله بطريق اللزوم للطعن في الحكم الغيابي ربما فوّت على المستأنف أو الطاعن بطريق النقض مواعيد الطعن في الحكم الغيابي المذكور - لا يمكن الاعتراض بذلك؛ إذ الواقع أن ميعاد استئناف الحكم الغيابي لا يبدأ إلا من اليوم الذي لا تكون فيه المعارضة مقبولة (177 تحقيق جنايات) فهو إذن يتحد في مبدئه ونهايته مع ميعاد استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن؛ لأن تاريخ هذا الحكم هو تاريخ تصبح فيه المعارضة غير مقبولة؛ وكذلك الحال فيما يتعلق بميعاد النقض في الحكم الاستئنافي الغيابي؛ إذ تاريخ حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن هو التاريخ الذي يصبح فيه ذلك الحكم الاستئنافي الغيابي نهائيا قابلا للطعن بمقتضى المادة 229 تحقيق جنايات؛ وإذن فما على المستأنف أو الطاعن بطريق النقض - إن كان يريد الاحتياط لنفسه - سوى أن يذكر في تقرير الاستئناف أو في تقرير الطعن بطريق النقض أنه يستأنف الحكم الغيابي الصادر في الموضوع، أو يطعن فيه بطريق النقض، أو أنه يستأنف الحكمين الغيابي والصادر باعتبار المعارضة كأن لم تكن معا، أو أنه يطعن فيهما معا بالنقض. بهذه الوسيلة السهلة يحفظ حقوقه، ثم هو لدى المحكمة الاستئنافية أو محكمة النقض مختار؛ إن شاء ترك استئنافه أو طعنه فيما يتعلق بحكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن في صورة ما إذا وجد نفسه عاجزا عن إقامة الدليل على بطلانه - إن شاء تركه وتناول حكم الموضوع الغيابي، وإن شاء تناول الحكمين معا: أوّلهما من طريق أصلى، والثاني هو حكم الموضوع الغيابي من طريق احتياطي؛ والمحكمة تنظر في طلبه، وتحكم بما يقتضيه المقام، أما إذا لم يحتط المستأنف أو الطاعن بطريق النقض بل اقتصر في تقريره المحرّر بقلم الكتاب على استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن، أو على الطعن فيه بطريق النقض، فليس للمحكمة الاستئنافية أو محكمة النقض أن تنظر إلا فيما يتعلق بصحة حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن أو بطلانه بحيث إذا رفض الاستئناف أو الطعن بالنقض وكان ميعاد استئناف الحكم الغيابي الصادر في الموضوع أو ميعاد الطعن فيه بالنقض قد انقضى فان هذا الحكم يصبح نهائيا؛ والمتهم وحده هو الملوم لتقصيره في حق نفسه.
(2) عن النقطة الثانية:
وحيث إن هذه الدعوى بخصوصها قد سارت فيها المحكمة الاستئنافية على المبدأ الذي كان معمولا به من أن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن يندمج فيه استئناف الحكم الغيابي؛ ولذلك سمعت من المستأنف (الطاعن الآن) طلبات له خاصة بالموضوع فصرحت له بإعلان شهود نفي، ثم كلفت النيابة باستحضار أصل محضر إِخلاء، وما زالت الدعوى تتأجل أمامها إلى أن قضت فيها أخيرا بتأييد الحكم المستأنف؛ ولا شك أن حقيقة مرادها بالحكم المستأنف هو حكم الموضوع الغيابي الصادر من المحكمة الجزئية في 26 يناير سنة 1927 المفهوم أنها اعتبرته مندمجا في حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن؛ وإذن فليس من العدل مؤاخذة الطاعن بتفسير للقانون كان العمل سائرا على خلافه، ويكون من الوجوب استماع ظلامته، واعتبار أن الحكم المطعون فيه راجع ما صدر به من التأييد إلى الحكم الغيابي الأوّل الصادر في 26 يناير سنة 1927 كما هو الواقع في الحقيقة، وأن أسباب التأييد هي في النهاية أسباب هذا الحكم الغيابي الأوّل.
وحيث إن كل ما ورد بالحكم الغيابي الابتدائي المذكور من الأسباب هو قول المحكمة "إن التهمة ثابتة من التحقيقات" وهي عبارة مجملة مبهمة لا تصلح سببا للحكم كما يقول الطاعن في الوجه الأوّل من تقريره؛ إذ لا تستطيع معها محكمة النقض مراقبة توافر أركان الجريمة المحكوم فيها على الطاعن، فيتعين إذن نقض الحكم بلا حاجة إلى البحث في المطاعن الأخرى.


 (1) ملحوظة - قرّرت المحكمة أنها في هذه الدعوى بخصوصها لا ترى الأخذ بهذا المبدأ لأن المحكمة الاستئنافية قد سارت فيها على المبدأ الذي كان معمولا به من أن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن يندمج فيه استئناف الحكم الغيابي وليس من العدل مؤاخذة الطاعن بتفسير للقانون كان العمل سائرا على خلافه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق