الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 25 سبتمبر 2022

الطعن 49 سنة 47 ق جلسة 19 / 12 / 1929 مج عمر ج 1 ق 362 ص 408

جلسة يوم الخميس 19 ديسمبر سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

--------------

(362)
القضية رقم 49 سنة 47 قضائية

حكم محكمة الجنح بعدم الاختصاص. قرار قاضي الإحالة الصادر بتقديم الدعوى لمحكمة الجنح طبقا لقانون 19 أكتوبر سنة 1925. لا تعارض.
(قانون 19 أكتوبر سنة 1925 والمواد 148 و174 و189 تحقيق)

------------
لقاضي الإحالة - في قضية محكوم فيها بعدم الاختصاص من محكمة الجنح لشبهة الجناية إذا رأى هو أيضا أنها جناية ولكن تلابسها أعذار أو ظروف مخففة - أن يقرر بإعادتها إلى محكمة الجنح عملا بالمادة الأولى من قانون 19 أكتوبر سنة 1925. لأن هذا القرار لا يتعارض مع الحكم السابق صدوره من محكمة الجنح بعدم الاختصاص. إذ تقرير قيام الأعذار أو الظروف المخففة غير حالة الجناية من جهة مقدار العقوبة فجعلها في مقدور محكمة الجنح، وهو أمر يملكه قاضى الإحالة قانونا وما كانت محكمة الجنح تملكه من قبل عند إصدارها حكم عدم الاختصاص. ومع ارتفاع التعارض لا يبقى محل لامتناع محكمة الجنح عن نظر الدعوى. وهذا النظر يمكن من جهة أخرى بناؤه على اعتبار أن المادة الخامسة من قانون 19 أكتوبر سنة 1925 في نصها بمنع القاضي الجزئي من الحكم بعدم الاختصاص قد أتت مخصصة لعموم المادتين 174 و148 من قانون تحقيق الجنايات (1).


الوقائع

اتهمت النيابة المتهمين المذكورين والسيد محمد النجار ومحمود محمد النجار بأنهم في يوم 19 يوليه سنة 1927 بمحلة منوف الثلاثة الأوّلين ضربوا محمود محمد النجار فأحدثوا به إصابات تقرر لعلاجها مدة تقل عن العشرين يوما والأربعة الأخيرين ضربوا السيد محمد النجار فأحدثوا به إصابات تقرر لعلاجها مدة أقل من عشرين يوما وضرب السيد محمد النجار ومحمود محمد النجار كلا من محمود أحمد عمار وعلى إبراهيم عمار فأحدثا بهما الإصابات المبينة بالكشف الطبي وطلبت معاقبتهم بالمادة 206 من قانون العقوبات.
وعند نظر هذه الدعوى أمام محكمة جنح طنطا الجزئية طلب المجنى عليه محمود محمد النجار إحالته على الطبيب الشرعي للكشف عليه لوجود عاهة مستديمة به. فلما ظهر من تقرير ذلك الطبيب أنه تخلف عنده عاهة مستديمة تنقص من كفاءة إصبع يده اليسرى أكثر من 5% طلبت النيابة الحكم بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى فقضت المحكمة المذكورة حضوريا بتاريخ 16 نوفمبر سنة 1927 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالة الأوراق على النيابة لإجراء شؤونها.
بعد ذلك قدّمت النيابة الدعوى باعتبار أنها جناية لحضرة قاضى الإحالة ضد المتهمين المذكورين واتهمتهم بأنهم في الزمن والمكان سالفي الذكر الأوّل ضرب محمود محمد النجار بمسوقة على خنصر اليد اليسرى فأحدث به عاهة مستديمة وهى عسر في حركات خنصر اليد اليسرى ناشئ عن كسر في السلامية المشطية وانتقال منها ومن عظم المشط تقلل من منفعة الإصبع المذكور وتنقص من كفاءته نقصا مستديما بنحو 5%. والثاني والثالث أيضا ضربا المجنى عليه المذكور فأحدثا به الإصابات المبينة بالكشف الطبي والتي تقرر لها مدة تقل عن العشرين يوما والأربعة الأخيرين ضربوا السيد محمد النجار والخامس أيضا ضرب حسن محمد أبو حجر وضرب كل من السيد محمد النجار ومحمود محمد النجار محمود أحمد عمار فأحدثوا بهم الإصابات المبينة بالكشف الطبي والتي تقرر لها مدة تقل عن العشرين يوما. وطلبت إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمة الأول بالمادة 204 من قانون العقوبات والباقين بالمادة 206 منه.
فقرر حضرة قاضى الإحالة بتاريخ 6 مارس سنة 1928 - لظروف الدعوى ولأن عقوبة الجنحة كافية - بإحالة القضية لمحكمة الجنح للفصل فيها طبقا لقانون 19 أكتوبر سنة 1925.
فقدّمت النيابة الدعوى - تنفيذا لقرار قاضى الإحالة - لمحكمة جنح مركز طنطا ثم ادعى المجنى عليه محمود محمد النجار أمامها بمبلغ 45 جنيها على سبيل التعويض قبل المتهمين جميعا متضامنين.
وعند نظر الدعوى وجهت المحكمة للمتهمين تهمة المادة 207 عقوبات غير أنها لم تطبقها عليهم في حكمها الذي صدر حضوريا بتاريخ 12 ديسمبر سنة 1928، بل طبقت المادتين 204 و206 عقوبات وقضت بحبس المتهم الأول شهرا مع الشغل وتغريم كل من الأربعة الأخيرين مائة وخمسين قرشا وبراءة السيد محمد النجار ومحمود محمد النجار، ولم تذكر شيئا في حكمها فيما يختص بالدعوى المدنية.
فاستأنف المتهمون عدا الرابع هذا الحكم في 15 ديسمبر سنة 1928 واستأنفه المدعى بالحق المدنى في التاريخ المذكور واستأنفته النيابة للأول في 16 منه.
وبجلسة المرافعة أمام محكمة طنطا الابتدائية بهيئة استئنافية دفعت النيابة بعدم الاختصاص لأن القضية سبق حكم فيها من محكمة أول درجة بعدم الاختصاص فلا يجوز بعد ذلك لقاضى الإحالة أن يحيلها ثانية لمحكمة الجنح للفصل فيها كما قضت بذلك محكمة النقض والإبرام بحكمها الصادر في 21 مارس سنة 1929.
وبعد أن سمعت تلك المحكمة دفاع طرفي الخصوم في هذا الدفع قضت بتاريخ 8 أغسطس سنة 1929 حضوريا وفى غيبة المتهم الرابع بقبول الاستئنافات شكلا وفى الموضوع بعدم جواز نظر الدعوى أمام محاكم الجنح لسبق الفصل فيها نهائيا بعدم اختصاص المحاكم المذكورة وإحالة القضية على النيابة لإجراء شؤونها فيها.
وبتاريخ 24 أغسطس سنة 1929 طعن حضرة رئيس نيابة طنطا بتوكيل سعادة النائب العمومي في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم حضرته تقريرا بالأسباب في 25 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن إجراءات هذه المادة تتحصل في أن النيابة العامة رفعت الدعوى على المتهمين واثنين آخرين (منهما محمود محمد النجار المدّعى بالحق المدني) لدى محكمة مركز طنطا الجزئية طالبة عقابهم بالمادة 206 عقوبات على اعتبار أن ما وقع منهم جريمة ضرب تنطبق على هذه المادة. فالمحكمة الجزئية وجدت أن الكشف الطبي الموجود بالأوراق يدل على أن هناك عاهة مستديمة حدثت لمحمود محمد النجار وأن في الواقعة إذن جناية فحكمت في 16 نوفمبر سنة 1927 بعدم اختصاصها وبإحالة الأوراق للنيابة لإجراء شؤونها فيها. والنيابة قدّمت الدعوى لقاضى الإحالة فأصدر أمرا في 6 مارس سنة 1928 بإحالة الدعوى لمحكمة الجنح عملا بقانون 19 أكتوبر سنة 1925 لأن جناية العاهة المستديمة التي رآها قد لابستها ظروف مخففة تجعلها لا تستحق غير عقوبة الجنحة. فلما قدّمت النيابة الدعوى ثانية للمحكمة الجزئية حكمت فيها على المتهم الأوّل بالحبس شهرا مع الشغل وعلى الباقين بغرامات مختلفة وبرأت الاثنين الآخرين. فاستأنفت النيابة والمتهمون هذا الحكم كما استأنفه المدّعى بالحق المدنى (محمود محمد النجار أحد الاثنين الذين برئا وكان قد طلب 45 جنيها تعويضا بالتضامن ضدّ المتهمين المحكوم عليهم ولم يفصل في طلبه). ولدى المحكمة الاستئنافية دفعت النيابة بعدم اختصاص محكمة الجنح لأن قاضي الإحالة ما كان له إحالة الدعوى إلى محكمة الجنح بعد أن كانت أصدرت حكمها بعدم الاختصاص. واعتمدت النيابة في دفعها هذا على ما سبق لمحكمة النقض والإبرام أن ارتأته في مثل هذا الموضوع.
فالمحكمة الاستئنافية قبلت الدفع وحكمت بعدم جواز نظر الدعوى أمام محكمة الجنح فطعنت النيابة بطريق النقض في حكمها هذا قائلة إن قاضى الإحالة إذا كان أخطأ في إحالة الدعوى إلى محكمة الجنح بعد أن كانت هذه قد حكمت فيها بعدم الاختصاص حكما صار نهائيا ولكن قراره من جهة أخرى قد أكسب المتهمين حق التقاضي أمام محكمة الجنح دون محكمة الجنايات وما كان لمحكمة الجنح الاستئنافية - والأمر كذلك - أن تتخلى عن نظر الدعوى.
وحيث إن هذه المحكمة (محكمة النقض) تسارع إلى القول بأن محكمة الجنح الاستئنافية إذا كانت قد تخلت عن نظر الدعوى فان لها كل العذر في ذلك لأنها أخذت برأي سبق لمحكمة النقض هذه أن استطردت إلى القول به في دعوى ما كانت تحتاج إليه (وهي المقيدة بجدولها نمرة 1010 سنة 46 قضائية الصادر فيها حكمها في 21 مارس سنة 1929) وموضوعها أن محكمة الجنح حكمت بعدم اختصاصها بنظر دعوى ضرب قدّمت لها بالمادة 206 عقوبات لأنها وجدت فيها جناية عاهة مستديمة مما ينطبق على المادة 204 عقوبات. فالنيابة قدّمت الدعوى لقاضي الإحالة فلم يجد فيها جناية بل وجد واقعتها جنحة تنطبق على المادة 205 عقوبات فأصدر أمره بإعادة الأوراق للنيابة لإجراء شؤونها فيها. فطعنت النيابة في هذا الأمر لمخالفته لنص المادة 148 من قانون تحقيق الجنايات التي توجب على قاضى الإحالة - عندما يرى في قضية محكوم فيها بعدم الاختصاص لشبهة الجناية أنها ليست سوى جنحة أو مخالفة - أن يحيلها لمحكمة الجنايات موجها - إذا أراد - على المتهم تهمة الجنحة أو المخالفة التي رآها بطريق الخيرة مع الجناية. فمحكمة النقض قبلت الطعن وأعادت الدعوى للقاضي لإحالتها على محكمة الجنايات بالصفة المذكورة. وفى أسباب الحكم استطردت المحكمة إلى القول بأن قاضى الإحالة ليس له في قضية محكوم فيها بعدم الاختصاص من محكمة الجنح لشبهة الجناية أن يعيد لها الدعوى حتى ولو رأى كمثلها أنها جناية ولكن تلابسها أعذار أو ظروف مخففة.
وحيث إن هذه المحكمة مع تأييدها لمبدأ أن ليس لقاضى الإحالة أن يعيد للنيابة قضية حكمت فيها محكمة الجنح بعدم الاختصاص ولم ير هو فيها إلا جنحة أو مخالفة بل عليه أن يحيلها لمحكمة الجنايات كمقتضى مادتي 174 و148 من قانون تحقيق الجنايات - مع تأييدها لهذا المبدأ فإنها ترى أن الرأي الذي استطردت إليه في أسباب حكم 21 مارس سنة 1929 السالف الذكر هو رأى أقرب إلى الفساد منه إلى الصحة وأنه ينبغي العدول عنه إحقاقا للحق وإنصافا للقانون. ذلك بأن قرار قاضي الإحالة الذي يأمر بإحالة دعوى الجناية لمحكمة الجنح عملا بالمادة الأولى من قانون 19 أكتوبر سنة 1925 لوجود أعذار قانونية أو ظروف مخففة لا يتعارض مع الحكم السابق صدوره منها بعدم الاختصاص. إذ تقرير قيام الأعذار أو الظروف المخففة غيّر حالة الجناية من جهة مقدار العقوبة فجعلها في مقدور محكمة الجنح وهو أمر يملكه قاضى الإحالة قانونا وما كانت محكمة الجنح تملكه من قبل عند إصدارها حكم عدم الاختصاص. وارتفاع التعارض لا يبقى معه محل لامتناع محكمة الجنح عن نظر الدعوى. وهذا النظر يمكن من جهة أخرى بناؤه على اعتبار أن المادة الخامسة من قانون 19 أكتوبر سنة 1925 في نصها بمنع القاضي الجزئي من الحكم بعدم الاختصاص قد أتت مخصصة لعموم المادتين 174 و148 من قانون تحقيق الجنايات.
وحيث إن هذا النظر قانوني في ذاته وهو الأحق بالاتباع لأنه الأدنى إلى سرعة إنجاز القضايا وتحقيق ما أراده الشارع بقانون 19 أكتوبر سنة 1925 من تخفيف العبء عن محاكم الجنايات. وإذن يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى للقضاء في موضوعها.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة طنطا الابتدائية الأهلية لنظرها والقضاء في موضوعها من دائرة استئنافية أخرى.


 (1) ملحوظة: هذا الحكم يناقض في هذا المعنى ما جاء استطرادا بالحكم الصادر في 21 مارس سنة 1929 في القضية رقم 1010 سنة 46 قضائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق