الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 سبتمبر 2022

الطعن 2396 سنة 46 ق جلسة 30 / 1 / 1930 مج عمر ج 1 ق 382 ص 453

جلسة يوم الخميس 30 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

---------------

(382)
القضية رقم 2396 سنة 46 قضائية

دعاوى الحقوق المدنية. 
الأصل في رفعها يكون أمام المحاكم المدنية. إباحة رفعها تابعة للدعاوى العمومية. عدم التوسع في هذه الإباحة. اعتياد على الإقراض بربا فاحش. ادعاء المقترض بحق مدنى. عدم جوازه. دعوى استرداد الزائد على الفائدة القانونية. هي من اختصاص المحاكم المدنية.
(المادة 54 تحقيق)

---------------
الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون رفعها إلى المحاكم الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية. وهذه الإباحة الاستثنائية الواردة على خلاف الأصل يقدر مداها بقدرها فقط بلا توسع. فرفع الدعوى المدنية للمحكمة الجنائية كمقتضى المادة 54 تحقيق جنايات لا يكون إلا في صورة ما إذا كان الحق المدعى به ناشئا عن ضرر حصل للمدعى من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية. ومفهوم النص أن الضرر إذا لم يكن ناشئا عن هذه الجريمة سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحاكم الجنائية بنظر دعوى الحق المدني المطلوب.
وإذن فلا يجوز لأحد أن يدخل مدعيا بحق مدنى في دعوى جنحة الاعتياد على الإقراض بربا فاحش لانتفاء حصول ضرر ما لأحد من هذه الجريمة، لأن الإقراض في ذاته لا عقاب عليه قانونا، وإنما العقاب هو على الاعتياد نفسه أي على وصف خلقي خاص اتصف به المقرض إثر مقارفته الفعل الأخير الذي تحقق به معنى الاعتياد. وهذا الاعتياد الذي هو وحده مناط العقاب لا شأن للمقترضين به، إذ هو وصف معنوي بحت قائم بذات الموصوف ملازم لماهيته يستحيل عقلا أن يضر بأحد لا من هؤلاء المقترضين ولا من غيرهم. ومن ثم فليس لأحد منهم أو من غيرهم أن يدعى منه ضررا ولا أن يطلب بسببه تعويضا لدى أية محكمة جنائية كانت أو مدنية. إنما الضرر الذي يصيب المقترضين لا ينشأ إلا عن عملية الاقتراض المادية، وهو ينحصر في قيمة ما يدفعه كل منهم زائدا على الفائدة القانونية، فالدعوى به إنما هي دعوى استرداد هذا الزائد الذي أخذه المقرض بغير وجه حق، وهى دعوى مدنية ناشئة عن شبه جنحة من شأنها ألا ترفع إلا إلى المحكمة المدنية وليست ناشئة عن جنحة حتى يسوغ رفعها بالتبعية إلى المحكمة الجنائية.


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه في خلال الثلاث السنوات السابقة على المحضر المؤرخ 15 فبراير سنة 1928 بجهة أبى الشقوق اعتاد على إقراض عبد الجليل محمد مكاوى وإبراهيم عبد الله نصر وسيد أحمد عبد الرحمن شحاته ومصطفى عطية نصر وأمين عبد الله محمد سيد الأهل وأحمد إسماعيل مقبل ومحمد السيد الشريف وأحمد محمد جاد ومحمد شحاته سعدون نقودا بفائدة تزيد عن الحد الأقصى للفائدة الممكن الاتفاق عليها قانونا، وطلبت عقابه بالمادة 294 مكررة من قانون العقوبات.
وادعى كل من عبد الجليل محمد مكاوى، ومكاوى محمد مكاوى بمبلغ أربعة وعشرين جنيها على سبيل التعويض.
ومحكمة جنح كفر صقر الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 5 نوفمبر سنة 1928 عملا بالمادة المذكورة أوّلا بحبس المتهم سنة مع الشغل وتغريمه مائة جنيه، ثانيا إلزامه بأن يدفع للمدعين بالحق المدني مبلغ عشرة جنيهات والمصاريف المدنية المناسبة.
فاستأنف المتهم هذا الحكم في يوم صدوره.
وعند نظر هذا الاستئناف أمام محكمة الزقازيق الابتدائية دفع محامى المتهم فرعيا بعدم قبول الدعوى المدنية لأن الجريمة الموجهة إليه هي جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش، وأن طبيعة جرائم الاعتياد لا تسمح لشخص يدعى تضرره منها بالدخول مدعيا بحق مدنى أمام محاكم الجنح، فقضت تلك المحكمة حضوريا بتاريخ 8 مايو سنة 1929 برفض الدفع الفرعي المقدم من المتهم وقبول المدعى بالحق المدني خصما في الدعوى الحاضرة وبقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وتأييد التعويض المدني وإلزام المتهم بالمصاريف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام في 27 مايو سنة 1929، وقدّم حضرة المحامي عنه تقريرا بوجه الطعن في 25 منه، مبنى على أن الحكم المطعون فيه لم يختم في مدّة الثمانية الأيام المقررة قانونا؛ فصرحت له هذه المحكمة عند نظرها الطعن بتاريخ 7 نوفمبر سنة 1929 بتقديم ما يراه من وجوه الطعن فقدّم تقريرا آخر في 23 نوفمبر سنة 1929.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الوجه الأوّل أن النيابة لم تذكر في صيغة التهمة ما هي قيمة القروض وما تاريخ كل منها وما سعر الفائدة. وهذا نقد لا قيمة له، فان الحكم الابتدائي الذي أخذت المحكمة الاستئنافية بأسبابه في هذا الصدد قد فصل كل ذلك تفصيلا تاما واضحا.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن المحكمة أخطأت في قبول المدعين بالحق المدني والحكم لهما بالتعويض، لأن الجريمة التي رفعت بسببها الدعوى العمومية على الطاعن لا تسمح لشخص أن يدعى بحصول ضرر له منها وأن يدخل مدعيا بحق مدنى أمام محكمة الجنح.
وحيث إن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية، وهذه الإباحة الاستثنائية الواردة على خلاف الأصل يقدر مداها بقدرها فقط بلا توسع.
وحيث إن نص المادة 54 من قانون تحقيق الجنايات الذي ورد بهذه الإباحة قضى بأن رفع الدعوى المدنية للمحكمة الجنائية لا يكون إلا في صورة ما إذا كان الحق المدعى به ناشئا عن ضرر حصل للمدعى من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية جناية كانت أو جنحة أو مخالفة؛ ومفهوم النص أن الضرر إذا لم يكن ناشئا عن هذه الجريمة سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر دعوى الحق المدني المطلوب.
وحيث إن الجريمة التي كانت مطروحة على محكمة الموضوع هي جنحة اعتياد الإقراض بالربا الفاحش، ومن المقرر فيها أن الإقراض في ذاته لا عقاب عليه قانونا وإنما العقاب على الاعتياد نفسه، أي على وصف خلقي خاص اتصف به المقرض إثر مقارفته الفعل الأخير الذي تحقق به معنى الاعتياد.
وحيث إن هذا الاعتياد الذي هو لب الجريمة وجوهرها، والذى هو وحده مناط العقاب لا شأن للمقترضين به، إذ هو وصف معنوي بحت قائم بذات الموصوف ملازم لماهيته يستحيل عقلا أن يضر بأحد، لا من هؤلاء المقترضين ولا من غيرهم. ومن ثم فليس لأحد منهم أو من غيرهم أن يدعى منه ضررا ولا أن يطلب بسببه تعويضا لدى أية محكمة جنائية كانت أو مدنية.
وحيث إن الواقع في الضرر الذي يصيب المقترضين أنه إنما ينشأ عن عملية الاقتراض المادية، وهو ينحصر في قيمة ما يدفعه كل منهم زائدا على الفائدة القانونية لا أكثر ولا أقل، والدعوى به إنما هي دعوى استرداد هذا الزائد الذي أخذه المقرض بغير وجه حق، وهي دعوى مدنية ناشئة عن شبه جنحة من شأنها أن لا ترفع إلا إلى المحكمة المدنية وليست ناشئة عن جنحة حتى يسوغ رفعها بالتبعية إلى المحكمة الجنائية.
وحيث إن هذا النظر يصدق على كل صور الإقراض بالربا الفاحش، فهو يتمشى في صورة تعدد القروض والمقترضين، كما يتمشى في صورة تعدد القروض للشخص الواحد ويصدق على آخر إقراض تحققت به العادة، كما لا يصدق على كل إقراض سبقه؛ إذ منشأ الضرر في كل هذه الصور هو هو بعينه أخذ المقرض للزائد عن الفائدة القانونية. لا وصف الاعتياد القائم بذات المقرض والموجد لجريمته.
وحيث إنه لذلك يكون دخول المدعيين بالحق المدني في دعوى الجنحة التي رفعت على الطاعن وطلبهما من محكمة الجنح القضاء لهما بالتعويض هو دخول غير جائز وقبول المحكمة لدعواهما والحكم لهما بالتعويض غير جائز أيضا. ويتعين إذن قبول هذا الوجه بلا حاجة لبحث الوجه الثاني.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع: أولا بإلغاء الحكم المطعون فيه من جهة الدعوى المدنية فقط وبعدم قبولها، وثانيا برفض الطعن من جهة ما يتعلق منه بالدعوى العمومية والعقوبة المقضي بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق