الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 سبتمبر 2022

الطعن 2185 سنة 46 ق جلسة 30 / 1 / 1930 مج عمر ج 1 ق 381 ص 446

جلسة يوم الخميس 30 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

--------------

(381)
القضية رقم 2185 سنة 46 قضائية

(أ) مصاريف الدعاوى الجنائية.

الرجوع بشأنها إلى قانون تحقيق الجنايات لا إلى القواعد المدنية والتجارية. الحالة المستثناة.
(المواد 250 - 257 تحقيق)
(ب) متهم مدان. إلزامه بالمصاريف التي تكبدها المدعى المدني. الصور المستثناة.
(المادة 256 تحقيق)

--------------
1 - وضع قانون تحقيق الجنايات بالمواد 250 إلى 257 لمصاريف الدعاوى الجنائية نظاما كاملا، وهو دون غيره الذي يرجع إليه في تعرف أحكامها وكيفية تصرف القضاء بشأنها. وقد تناول في المواد 255 - 257 مسألة المصاريف في الدعاوى التي يكون فيها مدع بحقوق مدنية، فوضع بالمادة 255 مبدأ خاصا بتنظيم العلاقة بين الحكومة والمدعى بالحق المدني جعل فيه هذا المدعى مسئولا أوّلا وبالذات للحكومة عن تلك المصاريف. ثم وضع بالمادتين 256 و257 المبادئ الخاصة بالعلاقة بين المدعى بالحق المدني وبين المتهم في شأن هذه المصاريف وكيف يسويها القضاء مقررا في المادة 257 أنه لا يرجع في أحكام هذه العلاقة إلى القواعد المدنية والتجارية إلا في صورة واحدة هي صورة ما إذا برئ المتهم ومع تبرئته قد ألزم بتعويضات للمدعى بالحق المدني. أما باقي الصور فالمادة 256 هي وحدها اللازم الرجوع إليها للفصل فيها.
2 - تقضي الفقرة الأولى من المادة 256 بأن المتهم الذي تقررت إدانته هو الذي يجب إلزامه بكافة ما تكبده المدعى بالحق المدني من المصاريف. وقد جاءت هذه القاعدة عامة مطلقة لا تفرّق بين ما إذا قضى لهذا المدعى بكل التعويض الذي طلبه أو ببعضه وبين ما إذا كان لم يقض له بشيء أصلا. لكن الشارع قد حد من عموم هذه القاعدة، فاستثنى من متناول تطبيقها صورتين: الأولى أن يكون المدعى المدني لم يحكم له بشيء من التعويض مع تقرير المحكمة بإدانة المتهم، ففيها لا يلزم المتهم بشيء من مصاريف الدعوى المدنية بل تكون المصاريف على المدعى وحده. الثانية هي صورة ما إذا قضى للمدعى ببعض طلباته فقط، وفيها رأى القانون أن من العدل أن يترك للقاضي مطلق الحرية والاختيار في تقسيم المصاريف المدنية بين المدعى والمتهم على النسبة التي يراها بحسب ظروف الدعوى، أو إلزام المتهم بكل المصاريف المدنية جريا على أصل القاعدة المقررة في الفقرة الأولى من المادة المذكورة.


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة الطاعنين المذكورين بأنهما في يوم 12 فبراير سنة 1926 بناحية قليشان: الأوّل ضرب محمد خليل هاشم الحيص فأحدث به الإصابات المبينة بالمحضر وهما معا ضربا خليل حسن الحيص أحدثا به إصابات تقرر لعلاجها أكثر من عشرين يوما. وطلبت عقابهما بالمادتين 205 و206 من قانون العقوبات.
وادّعى المجنى عليه خليل حسن الحيص مدنيا بمبلغ مائة جنيه تعويضا قبل الطاعنين بالتضامن.
ومحكمة جنح إيتاي الجزئية سمعت الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 15 مايو سنة 1926 عملا بالمادتين المذكورتين بحبس الأوّل شهرا ونصفا حبسا بسيطا وحبس الثاني عشرين يوما حبسا بسيطا وإلزامهما بأن يدفعا متضامنين للمدّعى بالحق المدني ثلاثين جنيها مصريا والمصاريف المدنية ومائتي قرش أتعابا للمحاماة.
فاستأنف المتهمان هذا الحكم في ثاني يوم صدوره، واستأنفه المدّعى المدني في 24 مايو سنة 1926.
ومحكمة إسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية سمعت هذين الاستئنافين، وقضت فيهما حضوريا بتاريخ 12 سبتمبر سنة 1926 بقبولهما شكلا وبرفضهما موضوعا وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المتهمين بالمصاريف المدنية المناسبة.
فطعنا عليه بطريق النقض والإبرام، وحكمت هذه المحكمة بتاريخ 2 نوفمبر سنة 1927 بقبول الطعن شكلا وموضوعا وإلغاء الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة جنح إسكندرية الاستئنافية للحكم فيها مجدّدا من دائرة أخرى.
وبعد أن أعادت تلك المحكمة نظر هذين الاستئنافين قضت فيهما حضوريا بتاريخ 27 مايو سنة 1928 بقبولهما شكلا وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للطاعن الأول وتعديله بالنسبة للثاني والاكتفاء بتغريمه مائتي قرش وتأييده فيما عدا ذلك وبالزام الطاعنين بالمصاريف المدنية الاستئنافية.
فطعن الطاعنان في هذا الحكم أيضا بطريق النقض والإبرام في 11 يونيه سنة 1928 وقدّم حضرة المحامي عنهما تقريرا بالأسباب في 13 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الوجه الأول أن الواقعة غير مبينة في الحكم بيانا كافيا فيما يتعلق بالمتهم الثاني. وهذا غير صحيح، فان الحكم الاستئنافي ذكر بشأنه ما يأتي: "وبما أن الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم الثاني فيما يختص بالإدانة في محله أيضا" "بشهادة الشهود المتقدّم ذكرهم بأنه اعتدى على المدّعى المدني بدون سبق حصول" "تعد منه، وكان ذلك في نفس الوقت الذي ضربه فيه المتهم الأول" وكان الحكم الابتدائي ذكر من قبل بشأنه ما يأتي: "وحيث إن خليل حسن الحيص عندما علم" "بما جرى لابنه محمد خليل أسرع إلى مكان الحادثة فتعدى عليه المتهمان الأول" "والسادس (هو هو عبد الصمد طه الصيرفي الذي صار المتهم الثاني عند المحاكمة" "الاستئنافية) وضربه الأول على ذراعه والسادس على رأسه...". ولا شك أن هذا البيان كاف على خلاف ما هو مزعوم في الوجه المذكور.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني أن المحكمة لم تذكر سبب التعويض ولا وجه الضرر الذي لحق المجنى عليه. وهذا الوجه غير معتبر ما دامت جريمة الضرب ثبتت على الطاعنين. ولا شك أن كل أذى قل أو جل فهو بذاته ضرر يستلزم التعويض. وهذا أمر مفهوم بالبداهة فلا يترتب على عدم ذكر المحكمة له ذكرا خاصا أن يبطل حكمها.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن المحكمة لم ترد إلا على حالة الدفاع عن النفس، ولم ترد بشيء على ما تمسك به الطاعن الأول من أنه كان في حالة دفاع عن ماله. وهذا الوجه غير صحيح، فان هذا الطاعن الأول لم يعرض للمحكمة دفعا من هذا القبيل. على أن الظرف الذي حصل فيه الاعتداء منه ليس بحسب الثابت في الحكم مما يمكن معه دعوى الدفاع عن المال.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع أن الحكم باطل - أوّلا لأن إصداره تأجل مرتين. وثانيا لأن القضاة الذين أصدروه لم يحضروا تلاوته بالجلسة كما تقضى به المادة 101 من قانون المرافعات.
وحيث إن تأجيل الحكم مرة ثم أخرى لا يوجب البطلان كما قضت به هذه المحكمة مرارا. كما أن المادة 101 مرافعات إذا كانت أوجبت على القضاة الذين يصدرون الحكم أن يحضروا تلاوته فإن المادة 102 التي بعدها صرحت بأنه في حالة وجود ما يمنعهم من حضور التلاوة يكتفى بتوقيعهم على مسودته قبل تلاوته؛ وهذا هو الذي حصل بخصوص الحكم المطعون فيه كما هو ظاهر من العبارة التي بذيله، فهذا الوجه سقيم.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس أن المحكمة ألزمت الطاعنين بالمصاريف المدنية الاستئنافية مع أن استئناف المدعى بالحق المدني للحكم الابتدائي قد رفض وتأيد هذا الحكم الابتدائي فيما يختص بالتعويض، فقضاء المحكمة على الطاعنين بالمصاريف المدنية الاستئنافية أتى مخالفا لمقتضى المادة 256 من قانون تحقيق الجنايات.
وحيث إن قانون تحقيق الجنايات قد وضع بالمواد 250 إلى 257 لمصاريف الدعاوى الجنائية نظاما كاملا هو دون غيره الذي يرجع إليه في تعرف أحكامها وكيفية تصرف القضاء بشأنها. وقد تناول في المواد 255 إلى 257 مسألة المصاريف في الدعاوى التي يكون فيها مدع بحقوق مدنية، فوضع بالمادة 255 مبدأ خاصا بتنظيم العلاقة بين الحكومة والمدعى بالحقوق المدنية جعل فيه هذا المدعى مسئولا أوّلا وبالذات للحكومة عن تلك المصاريف ثم وضع بالمادتين 256 و257 المبادئ الخاصة بالعلاقة بين المدعى بالحقوق المدنية وبين المتهم في شأن هذه المصاريف وكيف يسويها القضاء مقررا في المادة 257 أنه لا يرجع في أحكام هذه العلاقة إلى القواعد المقررة في المواد المدنية والتجارية إلا في صورة واحدة هي صورة ما إذا برئ المتهم ومع تبرئته قد ألزم بتعويضات للمدعى بالحقوق المدنية. أما باقي الصور فالمادة 256 هي وحدها اللازم الرجوع إليها للفصل فيها.
وحيث إن الطاعنين لم يبرأ من الدعوى العمومية، وإذن فتسوية العلاقة بينهما وبين المدعى بالحق المدني إنما تكون بحسب المادة 256، ولا محل في تسويتها للرجوع إلى شيء من القواعد المقررة في المواد المدنية والتجارية.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 256 وضعت قاعدة أساسية هي أن المتهم الذي تقررت إدانته يجب إلزامه بكافة ما تكبده المدّعى بالحق المدني من المصاريف. وقد جاءت هذه القاعدة عامة مطلقة لا تفريق فيها بين ما إذا قضى لهذا المدّعى بكل التعويض الذي طلبه أو ببعضه وبين ما إذا كان لم يقض له بشيء أصلا.
وحيث إن التقرير بإدانة المتهم لا يمكن بحسب المبادئ القانونية العامة أن يقال به في صورة استئناف المتهم لحكم العقوبة الابتدائي أو استئناف النيابة لحكم البراءة أو العقوبة إلا إذا صدر الحكم الاستئنافي فعلا قاضيا بهذه الإدانة. ومن ثم فهذا الحكم الاستئنافي هو وحده الذي يعتبر الأساس لتطبيق قاعدة الفقرة الأولى من المادة 256.
وحيث إن تلك القاعدة الأساسية قد حد الشارع من عمومها فاستثنى من متناول تطبيقها صورتين: الأولى أن يكون المدعى بالحق المدني لم يحكم له بشيء من التعويض مع تقرير المحكمة بإدانة المتهم، ففيها لا يلزم المتهم بشيء من مصاريف الدعوى المدنية بل تكون تلك المصاريف على المدعى وحده. وهذا شيء طبيعي مانع من اصطدام عموم القاعدة وإطلاقها بالمبادئ القانونية العامة. أما الصورة الثانية المستثناة فهي صورة ما إذا قضى للمدّعى المدني ببعض طلباته فقط، وفيها رأى القانون أن من العدل أن يترك للقاضي مطلق الحرية والاختيار في تقسيم مصايف الدعوى المدنية بين المدّعى والمتهم على النسبة التي يراها بحسب ما يبدو له من ظروف الدعوى. فإذا رأى القاضي أن يأخذ بحقه هذا الاختياري فعل وإن رأى أن يجرى على أصل القاعدة المقرّرة في الفقرة الأولى من إيجاب كل المصاريف على المتهم للمدّعى فعل أيضا ولا تثريب عليه.
وحيث إن مما تجب ملاحظته أن كون المدّعى المدني مقضيا له ببعض طلباته معناه أن يكون خرج من الدعوى كاسبا بعض التعويض الذي رفعها به. ومما يصدق عليه هذا المعنى صورة ما إذا حكم فيها ابتدائيا للمدّعى ببعض طلباته فاستأنف للحصول على البعض الثاني ولكن رفض استئنافه وتأيد الحكم الابتدائي الصادر بالبعض وهى صورة الطعن الحالي. ولئن كان مما يستوقف النظر ويدعو للتردد أن يقضى على المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية مع رفض استئناف المدّعى المدني، فان مبعث هذا التردّد هو القياس على قواعد المصاريف في المواد المدنية والتجارية. وقد ذكر آنفا أن هذه القواعد لا شأن لها في غير صورة المادة 257 وأن النظام المقرر بالمادّة 256 هو نظام خاص يجب فهمه على قدر ما تؤدّى إليه عباراته. على أن هذا التردد لا يلبث أن يزول متى علم أن الدعاوى المدنية التي ترفع بالتبعية للدعاوى العمومية ليست قيمها مقدرة من قبل بعقود بين المتخاصمين وإنما هي متروكة لتقدير القاضي يزيد فيها وينقص - في حدود الطلب - بما يهدى إليه اجتهاده، وأنه إذن كان جديرا بالشارع أن يترك له أمر المصاريف في مثل الدعوى الحالية ليوجبها كلها أو ما شاء منها على المتهم. ما دام إيجابها كلها أو بعضها ليس في الواقع ونفس الأمر إلا زيادة أو نقصا في التعويض الموكول إليه تقديره بلا رقابة عليه فيه.
وحيث إن الحكم الابتدائي إذا كان قد أخذ فيه القاضي بقاعدة تقسيم المصاريف المخولة له بالفقرة الثالثة من المادة 256 فان الحكم الاستئنافي الذي قرر في النهاية إدانة الطاعنين وأيد حكم التعويض الابتدائي قد أخذ فيما يتعلق بالمصاريف المدنية الاستئنافية بأصل القاعدة المقررة بالفقرة الأولى والمحكمة في حل من ذلك كما وضح مما تقدّم وليس في عملها ما يخالف القانون.
وحيث إنه لجميع ما تقدم يتعين رفض الطعن بكل وجوهه.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق