الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

الطعن 88 لسنة 33 ق دستورية عليا " دستورية " جلسة 6 / 8 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من أغسطس سنة 2022م، الموافق الثامن من محرم سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبدالجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقى والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 88 لسنة 33 قضائية دستورية.

المقامة من
محمد أمون حسين عطية
ضـد
1 - رئيس الجمهورية
2- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة
3 - رئيس مجلس الوزراء
4 - وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب
5 - مدير عام مأمورية ضرائب مبيعات الرمل بالإسكندرية

---------------

" الإجراءات "

بتاريخ الحادي عشر من مايو سنة 2011، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (18) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
---------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 514 لسنة 2011 مدني كلي، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، مختصمًا المدعى عليهما الرابع والخامس، طالبًا الحكم، أصليًّا: ببطلان إجراءات وتقديرات مصلحة الضرائب بشأن مبيعات منشأته، لخلوها من بيان أسس التقدير، وقيامها على تقدير جزافي، وعدم إخطار كافة الشركاء بالنموذج (15 ض . ع . م)، واحتياطيًّا: بعدم جواز مطالبته بالفروق الضريبية لعدم خضوع منتجاته (الخبز بأنواعه) للضريبة العامة على المبيعات، وللاحتياط الكلي: ندب مكتب خبراء وزارة العدل بالإسكندرية لتحقيق دفاعه في شأن تحديد قيمة مبيعاته السنوية الحقيقية، وفحص الإقرارات المقدمة منه عن فترات النزاع، توصلاً إلى إلغاء الفروق الضريبية المطالب بها على خلاف ما ورد بتلك الإقرارات. وذلك على سند من القول بأنه شريك في استغلال مخبز إفرنجي، وأنه مسجل لدى مصلحة الضرائب العامة على المبيعات (مأمورية الرمل بالإسكندرية) تحت رقم 917 - 872 - 430، ومنتظم وشركاؤه منذ تاريخ التسجيل في تقديم الإقرارات الضريبية الشهرية، إلا أن المأمورية المذكـورة أخطرتــه - وحده دون غيره من الشركــاء- بتعديل إقراراته، بموجب النموذج (15 ض . ع . م)، عن الفترات الضريبية من 12/ 2007 حتى 12/ 2009، وطالبته بمبلغ (4727,46 جنيهًا) إجمالي فروق الضريبة واجبة الأداء، بالإضافة إلى الضريبة الإضافية بواقع نصف في المائة عن كل أسبوع تأخير أو جزء منه، فتظلم من تلك المطالبة، ورفض تظلمه، فأقام دعواه الموضوعية. وبجلسة 7/ 4/ 2011، دفع الحاضر عن المدعي بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (18) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن نص الفقرة الأولى من المادة (18) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، يجري على أنه على كل منتج صناعي بلغ أو جاوز إجمالي قيمة مبيعاته من السلع الصناعية المنتجة محليًــا الخاضعة للضريبة والمعفاة منها خلال الاثني عشر شهرًا السابقة على تاريخ العمل بهذا القانون مبلغ 54 ألف جنيه، وكذلك على مورد الخدمة الخاضعة للضريبة وفقًــ8ا لأحكام هذا القانون إذا بلغ أو جاوز المقابل الذي حصل عليه نظير الخدمات التي قدمها في خلال تلك المدة هذا المبلغ، أن يتقدم إلى المصلحة بطلب لتسجيل اسمه وبياناته على النموذج المعد لهذا الغرض وذلك خلال المدة التي يحددها الوزير.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وقوامها أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًــا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان المدعي يبتغي من دعواه الموضوعية الحكم ببراءة ذمته من مبلغ الفروق الضريبية المطالب بها نتيجة تعديل إقراراته الضريبية عن الفترات من 12/ 2007 حتى 12/ 2009، وبطلان إجراءات وتقديرات مصلحة الضرائب، لقيامها على تقدير جزافي، ولبطلان إجراءات إخطــاره بالنمـوذج (15) ض .ع .م. وكــان النص المطعـون فيه - وفقًا لطلبات المدعي وما دفع به أمام محكمة الموضوع وصرحت به - هو الأساس القانوني لالتزامه كمسجل، بتحصيل الضريبة وتقديم الإقرارات الشهرية عنها وتوريد حصيلتها في المواعيد المقررة قانونًــا - وما يستتبعه من حق مصلحة الضرائب في تعديل تلك الإقرارات، وما قد يسفر عنه ذلك من فروق مالية وضريبة إضافية، الأمر الذي يكون معه الفصــل في دستورية ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (18) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، من أنه على كل منتج صناعي بلغ أو جاوز إجمالي قيمة مبيعاته من السلع الصناعية المنتجة محليًّــا الخاضعة للضريبة والمعفاة منها خلال الاثني عشر شهرًا السابقة على تاريخ العمل بهذا القانون مبلغ 54 ألف جنيه، أن يتقدم إلى المصلحة بطلب لتسجيل اسمه وبياناته على النموذج المعـد لهذا الغرض، محققًــا بذلك مصلحة المدعي الشخصية المباشرة، في الطعن على هذا النص، في حدود نطاقه المتقدم، دون سائر الأحكام الأخرى التي تضمنها، بحسبان الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها. ولا ينال من ذلك إلغاء قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه، بموجب نص المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة، إذ إن المقـرر فـي قضـاء هـذه المحكمة أن إلغـاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتهـا، لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طُبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها، فإذا استُعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعي بين المدعي ومصلحة الضرائب على المبيعات، تدور حول مدى أحقية الأخيرة في مطالبته بفروق ضريبة مبيعات عن نشاطه خلال الفترات الضريبية من 12/ 2007 حتى 12/ 2009، ومن ثم يظل المدعي مخاطبًا بالنص المطعون فيه، وتظل مصلحته الشخصية المباشرة في الفصل في دستوريته قائمة.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه- محددًا نطاقًا على نحو ما تقدم- مخالفته لأحكام للمواد (8، 38، 40) من دستور عام 1971، المقابلة للمواد (4، 9، 38، 53) من دستور عام 2014، قولًا منه إنه أقام تمييزًا بين من بلغ أو جاوز حد التسجيل، فأصبح ملزمًا بالتسجيل لدى مصلحة الضرائب، وبإضافة مبلغ الضريبة إلى أسعار منتجاته، وتحصيلها من عملائه، وتوريدها إلى المصلحة، مما أفضى إلى ارتفاع ثمنها، وعزوف المستهلك عن شرائها، وبين من لم تبلغ مبيعاته حد التسجيل، إذ يسقط عنه الالتزام بتحصيل الضريبة وتوريدهـا، مما يتأدى إلى تمكين هذه الطائفة من المنتجين الصناعيين من بيع منتجاتهم من السلع بأسعار تقل عن مثيلاتها التي يبيعها المنتج الصناعي الذي تم تسجيله لدى مصلحة الضرائب، الأمر الذي يُشكل تمييزًا تحكميًّا بين الطائفتين، مما يخل بمبدأ المساواة. ومن جانب آخر، لم يوازن النص المطعون فيه بين حق الدولة في استئداء دين الضريبة المستحقة قانونًا، وبين الضمانات الدستورية والقانونية المقررة في مجال فرضها، بقالة إن مقتضيات العدالة تستوجب إما تسجيل جميع المنتجين الصناعيين، أو عدم تسجيلهم جميعًا، وهو ما خالفه النص المطعون فيه، مناقضًــا بذلك مبدأ العدالة الاجتماعية.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبر عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، بحسبان نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبهـا الدستور القائــم كشــرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ما تقدم، وكان قانــون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، قد استمر العمل بأحكامه إلى أن تم إلغاؤه بموجب المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 2016، بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة في ظل العمل بأحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014. وكانت المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه، تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفته لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، تباشر هذه المحكمة رقابتها على دستورية النص المطعــون فيه، في ضــوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014 .
وحيث إن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعـد يمليهـا التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد - كذلك - بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المسـاواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًــا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصي المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطـوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن من المقرر - أيضًا - في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو عن طريق المزايا أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل المؤدية لها منطقيًّا، وليس واهيًا بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
وحيث إن الأصل في الضريبــة العامة على المبيعات - بحسبانها من الضرائب غير المباشرة - أن يتحمل المستهلك عِبْأها، غير أنه لتعذر تحصيلها من جموع المستهلكين من خلال أجهزة مصلحة الضرائب، توجه المشرع إلى تحديد ملتزم آخــر بهــا، هــو المكلف الذي يقــوم بتحصيل الضريبة من مشترى السلعـة أو متلقي الخدمة، وتوريد حصيلتها إلى الخزانة العامة بما يحقق الغرض المقصود منها، والحصول على غلتها لمواجهة الإنفاق العام.
وحيث إن المشرع في مجال إنفاذ الغايات التي سعى إليها قانون الضريبة العامة على المبيعات، اتخذ من التسجيل، عند بلوغ أو مجاوزة إجمالي قيمة مبيعات المنتج الصناعي الحد الذي أورده النص المطعون فيه، وسيلة لحصر المجتمع الضريبي من ملزمين بأداء الضريبة، ومسجلين مكلفين بتحصيلها وتوريد حصيلتها، مقدرًا افتقار من لم يبلغ إجمالي قيمة مبيعاته ذلك الحد أدوات تحصيل هذه الضريبة، واعتوازه الإمكانات الفنية والبشرية والمالية للتحصيل، ولازم ذلك تعريض هذه الفئة من المنتجين الصناعيين للمساءلة القانونية حال إخلالهم بالالتزامات الناشئة عن التسجيل لدى مصلحة الضرائب.
وحيث إنه عن النعي على النص المطعون فيه إخلاله بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المنتجين الصناعيين الذين بلغوا حد التسجيل، ونظرائهم ممن لم يبلغوه، فإنه مردود، ذلك أن المنتج الصناعي الذي بلغ أو جاوز إجمالي قيمة مبيعاته حد التسجيل، يستفيد مما يتيحه هذا التسجيل من مزية خصم ما سبق تحصيله منه، من مبالغ كضريبة مبيعات - سواء على المردودات من مبيعاته ومدخلاته ومشترياته بغرض الاتجار، وكذلك السلع التي استوردها خلال الفترة الضريبية - مــن وعائه الضريبي، وهــو ما لا يتوافر بالنسبة لغير المسجـــل على ما أفصحت عنه مناقشات النص المطعون فيـه، في جلســة مجلس الشعــب المعقـــودة بتاريخ 29/ 4/ 1991. ومن ثم فإن التسجيل الإجباري وفقًا للنص المطعون فيه، وما فرضه من أعباء على المسجل، وبما يؤدى إليه من خصم الضرائب التي سبق سدادها، على النحو المتقدم بيانه، إنما فرض لمواجهة تداعيات الازدواج الضريبي، واستهدف تنظيم المجتمع الضريبي وانضباطه، وإقامة التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، وقد أقره المشرع بقواعد عادلة مجردة في أثرها ومضمونها، ولا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بأحكامها ممن بلغوا حد التسجيل المقرر قانونًــا. كما أن الأهداف التي توخاها المشرع من تقرير هذا النص - من تحصيل الضريبة على مختلف السلع الخاضعة للضريبة العامة على المبيعات، باعتبارها أحد مصادر إيرادات الدولة - تتصل اتصالاً منطقيًّا ووثيقًا بالتنظيم الذى أتى به النص المطعون فيه، ومن ثم فإن قالة مناقضته لمبـدأي تكافـؤ الفـرص والمساواة، بما يخالف المواد (4، 9، 53) من الدستور، تكون لغوا.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من إخلاله بمبدأ العدالة الاجتماعية، فإنه مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن الضريبة بكل صورها، تمثل فى جوهرها عِبئًا ماليًّا على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمها نص المادة (38) من الدستور، ويتعين بالتالي - بالنظر إلي وطأتهـا وخطورة تكلفتها - أن يكون العدل من منظور اجتماعي، مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيًّا أن يلزم المشرع الدستوري الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبي، وتبنى النظم الحديثة التي تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب، ونص في المادة (38) من الدستور على أن يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المتخذ وعاءً لها، والملتزمين بها أداءً، والمكلفين بها تحصيلاً وتوريدًا.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة ، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يُقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم .
متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد فرض بموجب النص المطعون فيه أحكام التسجيل الإجباري، إلا أنه أجاز إلغاء هذا التسجيل في حالة فقد أحد شروطه التي يتطلبها القانون، وحال تحقيق المسجل لمبيعات أقل من حد التسجيل، وكذا في حال توقفه كليًّــا عن مزاولة النشاط أو تصفية نشاطه، وذلك على النحو المنصوص عليه في المواد (9، 18، 22) والفقرتين (5، 6) من المادة (47) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، وفى الفصلين الخامس والسادس من لائحته التنفيذية. ومن جانب آخر، فقد أقام توازنًا بين حقوق المسجل والتزاماته، على نحو ما قررته المادة (23) من القانون ذاته، وآية ذلك أحقية المسجل عند حساب الضريبة أن يخصـم ما سبق له سداده أو حسابه من ضريبة على المردودات من مبيعاته، وما سبق تحميله من هذه الضريبة على مدخلاته، وكذلك الضريبة السابق تحميلها على السلع المبيعة بمعرفته في كل مرحلة من مراحل توزيعها، وفى حالات التصدير إذا كانت الضريبة الواجبة الخصم أكبر من الضريبة المستحقـة على مبيعاته، وأوجب المشرع على المصلحة رد الفارق للمسجل. وبهذه المثابة يكون المشرع قد انتهج مبدأ راعى فيه مصلحة المسجــل، ولم يجاوز موازين القسط والاعتدال، وذلك كله بمراعاة أن الضريبة العامة على المبيعات، بحسبانها ضريبة غير مباشرة، يقوم المسجل بتوريدها، بعد تحصيلها من المستهلك، الذي يتحمل - وحده - بعبئها. ومن ثم فإن ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه يكون قد التزم بالضوابط الدستورية الحاكمة لسلطته التقديرية في مجال فرض الضريبة، التي أوردتها المادة (38) من الدستور، سواء ما يتعلق منها بتنمية موارد الدولة المالية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، محققًا التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، متخيرًا من بين البدائل أنسبها وأكفلها لتحقيق الأغراض التي يتوخاها لحصر المكلفين بتحصيل الضريبة من المستهلكين والإقرار عنها وتوريدها للمصلحة، وأكثرها ملاءمة لمعالجة المشكلات العملية التي تكتنف عمليات تحصيل الضريبة من المستهلكين مباشـرة، ليضحى الادعــاء بإخلال النص المطعون فيه لمبدأ العدالة الاجتماعية التي يؤسس عليها النظام الضريبي على النحو المنصوص عليه في المادة (38) من الدستور فى غير محله، وغير متساند إلى أساس سليم، حقيقًــا بالرفض.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور، فإن القضاء برفض الدعوى المعروضة يكون متعينًا .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق