جلسة 20 نوفمبر سنة 1930
تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.
----------------
(107)
القضية رقم 1787 سنة 47 القضائية
(أ) إثبات فى المواد الجنائية.
منع اختلاط الشهود. الغرض منه.
(المادة 166 من قانون تحقيق الجنايات)
(ب) اشتراك.
اعتبار الجريمة التى وقعت نتيجة محتملة للاتفاق. سلطة محكمة الموضوع فى ذلك.
(المواد 43 ع و229 و231 تحقيق)
(جـ) إتلاف.
الفرق بين المادتين 316 و342 عقوبات.
الوقائع
اتهمت النيابة الطاعنة المذكورة بأنها فى 28 ديسمبر سنة 1928 الموافق 16 رجب سنة 1347 بالمنصورة اشتركت بطريق التحريض والاتفاق مع حسن مصطفى حناوى وعباس أحمد على: (أوّلا) فى الشروع فى قتل محمد إبراهيم العربى عمدا بأن طعناه بمدية أصابته فى الجانب الأيسر من الرقبة والأذن اليسرى وقد خاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادتهما وهو إسعاف المجنى عليه بالعلاج وذلك مع سبق الإصرار. (ثانيا) فى إتلاف بوفيه وطاولة وجزء من سلم منزل بهية طلعت بقصد الإساءة فوقعت جريمتى الشروع فى القتل والإِتلاف بناء على هذا الاتفاق والتحريض وطلبت معاقبتهما بالمواد 45 و46 و194 و316 و40 فقرة أولى وثانية و41 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح المنصورة الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 25 فبراير سنة 1930 عملا بالمواد 198 فقرة أولى و40 و41 و43 و316 من قانون العقوبات بحبس المتهمة ستة شهور مع الشغل عن تهمة الشروع فى القتل وتغريمها 500 قرش عن تهمة الإتلاف.
فاستأنفت المتهمة وكذا النيابة هذا الحكم فى 27 فبراير سنة 1930.
ومحكمة المنصورة الابتدائية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها حضوريا بتاريخ 17 مايو سنة 1930 بقبول الاستئنافين شكلا وبرفضهما موضوعا وتأييد الحكم المستأنف.
وبتاريخ 17 و18 مايو سنة 1930 قرّرت المحكوم عليها بقلم الكتاب بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم حضرة المحامى عنها تقريرا بالأسباب فى 4 يونيه سنة 1930.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن الوجه الأوّل من أوجه النقض مردود بأن الاعتراض الذى يتقدّم الطاعن به الآن إلى هذه المحكمة خاصا بتجزئة سماع الشهود أمام محكمة أوّل درجة على فرض أهميته كان يجب أن يتمسك به أمام محكمة الموضوع ولكنه لم يفعل وكان اعتراضه قاصرا فقط على الاعتراض على التأجيل لذاته قائلا إن القضية مضى عليها نحو سنة وإن البنا افندى (وهو أحد الشهود الذين طلبت النيابة التأجيل لسماع أقوالهم) محام وسيحضر ويحتمى بسر المهنة. وأمام المحكمة الاستئنافية لم يشر بكلمة إلى موضوع تجزئة سماع الشهود أمام محكمة أوّل درجة. على أن الإجراء الذى نصت عليه المادة 166 من قانون تحقيق الجنايات خاصا بوجوب الاحتياط لمنع بعض الشهود من سماع شهادة الآخرين ومنع اختلاط من شهد منهم بمن لم يشهد بعد إنما هو قاصر على الشهود الذين حضروا إلى المحكمة لأداء الشهادة. ولو كان الغرض ما يقوله الطاعن لامتنع على المحكمة أن تسمع شهودا تخلفوا عن الحضور أوّل مرة لعذر من الأعذار مع أهمية شهادتهم فى الدعوى وعدم اقتناع المحكمة بشهادة من حضر من الشهود ولتعطلت بسبب ذلك وظيفة إقامة العدل وإحقاق الحق بين الخصوم ثم لامتنع على المحكمة الاستئنافية أيضا أن تسمع أقوال بقية الشهود الذين لم يسبق لمحكمة أوّل درجة أن سمعتهم إذا رأت هى لزوما لسماعهم لأن ذلك يعدّ أيضا تجزئة لسماع الشهود ويمكن أن يقوم عليه نفس الاعتراض الذى يقيمه الطاعن الآن مع أن من وجوه طعنه اليوم أنه طلب إلى المحكمة الاستئنافية سماع شهادة البنا افندى الذى لم يسبق لمحكمة أوّل درجة سماعه وأن المحكمة لم تجبه إلى هذا الطلب. أما ما يقوله الطاعن من أنه طلب أمام محكمة الاستئناف سماع شهادة البنا افندى الذى أخذت محكمة أوّل درجة بشهادته دون سماعه ولكن المحكمة لم تجبه إلى ذلك - فيخالفه ما ورد بمحضر جلسة 17 مايو سنة 1930 أمام المحكمة الاستئنافية من أنه قال إنه كان يودّ - فقط - أن تسمع أقوال محمد افندى على البنا أمام المحكمة ولكنه لم يحضر ثم قال مخاطبا المحكمة "فيمكن لحضراتكم استدعاء محمد افندى على البنا لسماع أقواله لأن النيابة لم تناقشه الخ". ومعنى ذلك أنه لم يصر على سماع شهادة الشاهد المذكور بل فوّض الأمر فى ذلك للمحكمة. على أن المادة 186 من قانون تحقيق الجنايات لا تلزم المحكمة الاستئنافية بسماع شهود بل تركت لها الخيار فى ذلك. وإذن يكون هذا الوجه من الطعن غير سديد ويتعين رفضه.
ومن حيث إن الوجه الثانى بنى على عدم بيان التهمة بيانا كافيا مع الخطأ فى تطبيق القانون لأن الحكم الابتدائى الذى أخذ الحكم الاستئنائى بأسبابه خال خلوا تاما من السبب الذى بنى عليه اعتبار الطاعنة شريكة فى جريمة الشروع فى القتل ولأن الشخص لا يمكن اعتباره شريكا فى جريمة إلا إذا كان عنده نية ارتكابها.
ومن حيث إنه ورد بأسباب الحكم الابتدائى التى أخذ بها الحكم المطعون فيه ما يفيد أنه يعدّ المتهم الأوّل شريكا للمتهم الثانى فى جريمة الشروع فى القتل طبقا للمادة 43 من قانون العقوبات ولو أنه أحدث بالمجنى عليه إصابات بسيطة وكانت نيته ضرب المجنى عليه فقط وذلك لأن الجريمة التى وقعت هى نتيجة محتملة للاتفاق الحاصل بينهما على ضرب المجنى عليه ثم أردفت ذلك بقولها:
(وحيث إن تهمة الاشتراك بالاتفاق والتحريض ثابتة على المتهمة الأخيرة - وهى الطاعنة اليوم - للأسباب السابقة وعقابها ينطبق على المواد 198 و40 و41 و43 من قانون العقوبات). ومعنى ذلك أن المحكمة بعد أن أثبتت وجه اشتراك الطاعنة مع المتهمين آخذتها بما آخذت به المتهم الأوّل فجعلتها مسئولة عن النتيجة المحتملة التى ترتبت على الاشتراك الحاصل بينها وبين المتهمين الآخرين ولذلك طبقت عليها حكم المادة 43 عقوبات أيضا كما طبقته على المتهم الأوّل. وبما أن تقدير أن جريمة معينة تعدّ نتيجة محتملة للاشتراك الحاصل بين المتهمين طبقا للمادة 43 عقوبات هو أمر موضوعى تفصل فيه محكمة الموضوع بما لها من السلطة المطلقة فلا رقابة لهذه المحكمة عليها ما دامت لم تشذ عن حكم القانون. فالقول بعد هذا بأن الحكم خلو من بيان التهمة بالنسبة للطاعنة غير مقبول. أما الزعم بأنه لا يمكن اعتبار الشخص شريكا فى جريمة إلا إذا كان عنده نية ارتكابها فيرد عليه نفس نص المادة 43 عقوبات إذ يقول صريحا (من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها ولو كانت غير التى تعمد ارتكابها متى كانت الجريمة الخ).
ومن حيث إن الوجه الثالث مبنى على خطأ آخر فى تطبيق القانون فيما يتعلق بالجريمة الثانية لأن المحكمة طبقت حكم المادة 316 من قانون العقوبات مع أن كل ما ورد بالحكم قاصر على حصول إتلاف بعض منقولات عمدا وهذا أمر اعتبره المشرع مخالفة منطبقة على المادة 342 عقوبات.
ومن حيث إن الفعل المادّى المكوّن للجريمة المنصوص عليها فى المادة 342 عقوبات يدخل ضمن الأفعال التى تعاقب عليها المادة 316 عقوبات كما يفهم ذلك من العبارة الفرنسية لكل من المادتين. فالمادة 342 تعاقب من تسبب عمدا فى إتلاف (causé du dommage) شىء من منقولات الغير. والمادة 316 تعاقب كل من خرّب (detruit) أموالا ثابتة أو منقولة أو جعلها غير صالحة للاستعمال (met hors ďusage) أو عطلها (endommagé). فالتعطيل فى المادة 316 لا يخرج فى معناه عن معنى الإتلاف فى المادة 342 وإذن يكون القول بأن المادة 316 تنص على التخريب بينما المادة 342 تنص على الإتلاف لا يصلح معيارا للتمييز بين مدى انطباق كل من المادتين وإنما يجب أن يقوم التمييز فيما يختص بهذه القضية التى موضوعها إتلاف منقولات على أساسين هما: (أوّلا) القصد الجنائى فى كل من المادتين. (وثانيا) مقدار الإتلاف أو التخريب الذى أحدثه الجانى.
ومن حيث إن الأصل فى المخالفات أنها جرائم غير عمدية إلا أن المخالفة المنصوص عليها فى المادة 342 واردة على خلاف الأصل إذ اشترط فيها بصريح النص أن تقع عمدا (volontairement) فهى والجريمة المنصوص عليها فى المادة 316 سواء من هذه الوجهة، غير أنه يشترط فى المادة 316 فوق ذلك أن ترتكب بقصد الإساءة (méchamment) وذلك هو أحد الفروق التى تميز بين الجريمتين.
ومن حيث إنه علاوة على ما تقدّم يكفى لتطبيق المادة 342 عقوبات أن يكون الإتلاف حادثا فرديا بسيطا بينما المادة 316 تكون واجبة التطبيق متى كان عدد الأشياء المعطلة أو المتلفة كبيرا. وهذا ما يستفاد من المذكرة الإيضاحية التى وضعت عند تعديل المادة 316 عقوبات القديمة ونشرت بالوقائع المصرية فى أوّل نوفمبر سنة 1923 ص 5 من العدد 105.
ومن حيث إن الوقائع التى أثبتها الحكم الابتدائى الذى أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه تدل على أن المتهمين إنما ارتكبوا جريمتى الضرب والإتلاف انتقاما من المجنى عليه ومن تدعى بهية طلعت بسبب العداء المستحكم بين الطاعنة وبهية طلعت المذكورة. وقد استنتجت محكمة الموضوع من ذلك أن الإتلاف قد وقع بقصد الإساءة وهو استنتاج لا شائبة فيه.
ومن حيث إن محكمة الموضوع قد أثبتت أيضا أن الإتلاف قد وقع على عدّة منقولات بينتها المحكمة فى تلخيصها للتهمة فى ختام حكمها.
ومن حيث إنه لا محل للشك بعد ذلك فى أن المادة الواجبة التطبيق هى المادة 316 من قانون العقوبات التى طبقتها محكمة الموضوع فعلا ولا يبقى بعد هذا محل للقول بأن المحكمة أخطأت فى تطبيق القانون.
ومن حيث إنه مما تقدّم كله يتبين أن الطعن واجب الرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق