بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 20-05-2025 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 485 لسنة 2025 طعن تجاري
طاعن:
ل. ب. ب. ج.
مطعون ضده:
ب. ا. ا. ش.
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2024/1766 استئناف تجاري بتاريخ 19-03-2025
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص الذي أعده وتلاه بالجلسة السيد القاضي المقرر د/ سيف الحداد الحازمي وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن- تَتَحصل في أن الطاعن أقام على البنك المطعون ضده الدعوى رقم 771 لسنة 2022 تجاري مصَارِف أمام محكمة دبي الابتدائية بطلبِ الحكم بندبِ خبير مَصرَفي للاطلاع على ملفِ القرضين السكنيين الممنوحين له من البنك المطعون ضده بشأن الوحدتين رقمي "جي1، جي 2" الكائنتين بإمارة دبي منطقة جبل علي، وبيان قيمة القرض الإجمالي المَمنوح له عن كل وحدة وتاريخ بدايته ونهايته، وقيمة القسط الأصلي والعوائد المُتَحصَل عليها ومدىَ اتفاقها مع عقدي القرض المؤرخين 20-9-2008 وكذلك بيان قيمة ما تم سدَاده بالفعل، وتصفية الحساب بين طرفي التداعي، وبإلزام البنك المطعون ضده -وفق الطلبات الختامية- بأن يؤدي إليه مبلغ 3,000,000 درهم على سبيلِ التعويض المادي والأدبي عن الأضرَّارِ التي لحقت به من جَرَّاءِ تقاعس البنك عن تنفيذ التزاماته، فكانت الدعوى. وقال بياناً لذلك إنه بتاريخ 20-9-2008 حَصل من البنك المطعون ضده على قرض سكني بمبلغ 1,213,468 درهماً شامل الرسوم والأتعاب كافةً، على أن يكون السداد بموجب أقساط شهرية قيمة كل منها مبلغ 9366 درهماً تنتهي بتاريخ 25-6-2034، بغرض تمويل شراء وحدات عقارية، فكانت الدعوى بطلباته سالفة البيان. نَدبت المحكمةُ خبيراً، وبعد أن أودع تقريره، وجَّه البنكُ المطعون ضده دعوى متقابلة بطلبِ الحكم بإلزامِ الطاعن بأن يؤدي إليه -وفق طلباته الختامية- مبلغ 2,249,656 درهماً والفائدة القانونية بواقع 8% سنوياً من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد، أعادت المحكمةُ نَدب خبير تلو الآخر، وبعد أن أودع الأخير تقريره النهائي، حكمت بتاريخ 12 سبتمبر 2024 برفضِ الدعوى الأصلية، وفي موضوع الدعوى المتقابلة بإلزام الطاعن بأن يؤدي إلى البنكِ المطعون ضده مبلغ 2,103,703 دراهم قيمة المُتَرصِد في ذمتهِ عن التسهيلات المَمنوحة له، والفائدة القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1766لسنة 2024 تجاري، طعن الطاعن بالتزوير على كتابِ تعديل التسهيلات الخاص بعقار التداعي، نَدبت المحكمة خبيراً من المُختبر الجنائي في شرطةِ دبي، وبعد أن أُودع تقريره، قَضت المحكمة بتاريخ 19 مارس 2025 برفضِ الادعاء بالتزوير، وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن على هذا الحكم بالتمييز بالطعن الماثل بموجب صحيفة اشتملت على أسباب الطعن بطلب نقض الحكم المطعون فيه والإحالة. قدم محامي المطعون ضده مذكرة بالرد. وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة للفصل فيه.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الخبير المُنتدب في الدعوى استند في مَتّنِ ونتيجة تقريره إلى مستندات مطعون عليها بالتزوير وثبت عدم صحتها من واقع تقرير المُختبر الجنائي لشرطة دبي الثابت منه أن نماذج توقيع -الطاعن- الأصلية لا تحتوي على نفس خصائص الحروف والحركات في التوقيعات المثبتة على المستندات المطعون عليها المنسوبة إليه، ومن ثم يكون مستند تعديل عقد التسهيلات مزور عليه ولم يصدر عنه، إلا أن الخبرة المُنتدبة في الدعوى تجاهلت تلك النتيجة وعَوَّلت في تقريرها النهائي على هذا المستند، فضلاً عن تعويلها على نُسَخ ضوئية غير مترجمة من مستندات بنكية أخرى بالمخالفة لنص المادة 53 من قانون الإثبات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى بقضائهِ إلى إلزام الطاعن بالمبلغِ المقضي به تأسيساً على ما انتهت إليه الخبرة في تقريرها النهائي -على الرغمِ من اعتراضهِ عليه- وجاءت أسبابه محمولة على أسباب التقرير، مِمَّا يعيبه ويستوجب نقضه. وينعي الطاعن بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، إذ رفض الحكم الدفع المُبدى منه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالاستئناف رقم 118 لسنة 2022 تنفيذ تجاري المقضي عليه فيه بإلزامه بأن يؤدي إلى البنك المطعون ضده مبلغ 984,782 درهماً قيمة المُتَرصِد في ذمته لصالح الأخير حتى تاريخ غلق الحساب الحاصل في 4-10-2021، وهو حكم نهائي وبات يحوز حجية لا يجوز المساس بها بشأن المبلغ المقضي به، وكذلك بشأن تاريخ غلق الحساب، إلا أن الحكم المطعون أقام قضاءه على ما انتهى إليه الخبير بتقريره النهائي الذي أثبت غلق الحساب في ذات التاريخ سالف البيان، إلا أنه استمر في احتساب المتأخرات والفوائد إلى ما بعد تاريخ 23-10-2023، مِمَّا يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود. ذلك بأنه من المقرَّر في قضاء محكمة التمييز أن العقد هو شريعة المتعاقدين، ويترتب عليه إلزام كل من العاقدين بما وجب عليه للآخر، ويجب تنفيذه طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، ولا يجوز لأحدهما تعديله إلا بالتراضي مع الطرف الآخر، أو بالتقاضي، أو بنص في القانون، وأنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها، وأن عقد التسهيلات المَصرِفية هو اتفاق بين البنك وعميله يتعهد فيه البنك بأن يضع تحت تصرف عميله مبلغاً من المال موضوع التسهيلات خلال مدة وقتية مقابل التزام العميل بأداء الفائدة والعمولة المُتفق عليها، وإذ اقترنت هذه التسهيلات بحساب جاري لدى البنك فإن الحقوق والالتزامات الناشئة عنها تتحول إلى قيود في الحساب تتناقص فيما بينها بحيث يكون الرصيد النهائي عند غلق الحساب ديناً على العميل مستحق الأداء إلى البنك، وأنه ولئن كانت كشوف الحساب الذي يُصدرها البنك لعميله ليست لها حجية قاطعة ملزمة له بما دونه البنك فيها دون مناقشة ما يقع فيها من أخطاء في الحساب، إلا أنها تصلُح من حيث الظاهر كدليل على جدية الادعاء بالمديونية، ويتعين على العميلِ عند المجادلة في صحةِ ما يَرد في هذه الكشوف أن يُثبت وجه الخطأ فيها باعتبار أنه يدعي خلاف الأصل- وأنه وفقاً لنص المادتين 409، 410 من قانون المعاملات التجارية أن القرض المَصرَفي عقد يقوم البنك بمقتضاهِ تسليم العميل مبلغاً من النقودِ على سبيل القرض، أو يُقيده في الجانبِ الدائن لحسابه لدى المصرف وفق الشروط والآجال المتفق عليها، ويلتزم العميل بسداد القرض وفوائده في المواعيد وبالشروط المُتفق عليها، ويُعتبر القرض المَصرَفي عملاً تجاريا أياً كانت صفة المُقترض أو الغرض من القرض، وأن التسهيلات المَصرَفية التي يمنحها البنك للعميل صاحب الحساب الجاري وقبول الأخير لهذه التسهيلات باستخدامهِ لها وسحب مبالغ منها، يترتب عليه التزامه بسداد ما قد يُسفر عنه الحساب من مديونية للبنك- وأن استخلاص مدى تنفيذ كل طرف من المتعاقدين للالتزامات التي التزم بها في العقد هو مِمَّا يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغاً له ما يسانده في الأوراق، وأن لمحكمة الموضوع سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها والأخذ منها بما تطمئن إليه واطراح ما عداها بما في ذلك تقرير الخبير المنتدب في الدعوى والأخذ بالنتيجة التي انتهى إليها محمولة على الأسبابِ التي بُنِى عليها -دون غيرها من الأدلة والمستندات المُقدمة من الخصوم- وذلك متى اطمأنت المحكمة إلى هذه النتيجة والأسباب التي بُنِيَت عليها ورأت كفايتها لتكوين عقيدتها في الدعوى مضافاً إليها باقي العناصر المقدمة في الدعوى، ودون أن تكون ملزمة بالردِ على اعتراضات الخصوم على التقرير أو أن تَتَتَبع الخصوم في أوجه دفاعهم كافةً، لأن في أخذها بما اطمأنت إليه ما يفيد أنها رأت كفاية تقرير الخبرة الذي اقتنعت به، وأن المطاعن التي وجهت له من الخصوم لا تستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنها التقرير وطالما أن الخبير قد تناول نقاط الخلاف المثارة بين الطرفين ودَلَّل عليها بأسبابٍ سائغةٍ لها معينها الصحيح من الأوراق ودون ما حاجة لإلزام الخبير بأن يؤدي المأمورية على وجه معين، إذ حسبه أن يقوم بها على النحو الذي يراه محققاً للغاية التي نُدب إليها وطالما أن عمله خاضع في النهاية لتقدير محكمة الموضوع - وأن عدم ترجمة المستندات التي تُقيم عليها المحكمة قضاءها من اللغةِ الأجنبية إلى اللغةِ العربية يجعل حكمها مخالفاً لما نصت عليه الفِقرة الرابعة من المادة 48 من قانون الإجراءات المدنية المعدل رقم 42 لسنة 2022، التي توجب ترجمة المستندات رسمياً إذا كانت محرَّرة بلغةِ أجنبية، غير أنه لما كان هذا الإجراء هو من قواعد الإثبات، وكانت هذه القواعد لا تَتَعلق بالنظام العام، ويجوز التنازل عنها، وكانت الترجمة الرسمية لا تشترط في ترجمة المستندات إلا حين لا يُسلم الخصوم بصحة الترجمة العرفية ويتنازعون أمرها- وأن المُدعي هو المكلف قانوناً بإثباتِ دعواه وتقديم الأدلة التي تؤيد ما يدعيه، فإذا عجز عن إقامة الدليل على صحة ادعائه خسر دعواه، وأنه لا حُجِية لحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفةٍ صريحةٍ أو ضمنيةٍ سواء في المنطوق أو الأسباب التي لا يقوم المنطوق بدونها، فما لم تفصل فيه المحكمة لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي- وأن تقدير قيام وحدة الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين أو نفيها هو من سلطة محكمة الموضوع بغير معقب متى أقامت قضاءها في ذلك على أسبابٍ سائغةٍ لها أصلها الثابت بالأوراق- وأن الطعن بالتزويرِ في ورقة من أوراق الدعوي المقدمة فيها، هو من مسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لا تلتزم بإجابته، لأن الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير مدى جدية الطعن بالتزوير وتقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة علي بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تَفصِل فيه بنفسها، فإذا ما اطمأنت الى صحة مستند، فإنها تكون قد فَصَلت في أمر موضوعي- وأن طلب الخصم من المحكمة إعادة الدعوى للخبير المُنتدب ليس حقاً متعيناً على المحكمة إجابته إليه في كل حال، بل لها أن ترفضه إذا ما وجدت أن الخبير المَنتدب قد أنجز المهمة وحقَق الغاية من ندبهِ، أو وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها والفصل فيها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خَلُص في قضائهِ وفي ضوءِ ما اطمأن إليه من تقرير الخبير المُنتدب في الدعوى إلى أن الطاعن قد تَحصَّل من المَصرِف المطعون ضده على قرضين سكنيين بشأن تمويل شراء وحدات عقارية بموجب عقدي القرض المؤرخين 20-9-2008، وأن الطاعن قد امتنع عن سداد أقساط القرضين المستحقة عليه، فأقام البنك دعوى بيع عقار مرهون لتحصيل قيمة تلك الأقساط، وقد قضي لصالحة فيها بموجب الاستئناف رقم 118 لسنة 2022 تنفيذ عقاري، إلا أن البنك المطعون ضده أقام دعواه المتقابلة لاستيفاء باقي المبالغ المُترَصِدة في ذمةِ الطاعن من جَرَّاءِ استمرار امتناعه عن سداد أقساط القرضين محل التداعي ، وثبت للخبرة من تصفية الحساب بين طرفي التداعي في ضوءِ جميع المستندات المُقدمة في الدعوى استمرار امتناع الطاعن عن سداد باقي المديونية المُترَصِدة في ذمته لصالح البنك بعد بيع العقارات المرهونة من قِبل البنك، ورتب الحكم على ذلك بما له من سلطة تقديرية إلى أن الدعوى المتقابلة المقامة من البنك المطعون ضده تختلف سبباً عن الدعوى رقم 118 لسنة 2022 تنفيذ عقاري -المُحاج بها من قِبل الطاعن- ومن ثم لا تحوز الأخيرة حجية تمنع نظر الدعوى الراهنة، وانتهى الحكم إلى إلزام الطاعن بالمبلغ المقضي به بأسبابٍ سائغةٍ لها أصلها في الأوراق وفيها الرد الضمني المسقط لكل حُجة تخالفه، فلا يعدو ما يثيره الطاعن أن يكون مجرد جدل فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره واستخلاصه من واقع الأدلة المطروحة عليها في الدعوى بغرضِ الوصول إلى نتيجة مغايرة لتلك التي انتهت إليها، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة التمييز. ولا يُجدي الطاعن تمسكه بأن التوقيع المنسوب إليه على عقد تعديل التسهيلات لم يصدر عنه، إذ أن الثابت من مَتّنِ تقرير خبير المُختبر الجنائي أن التوقيع المنسوب إلى الطاعن يجمع بينه وبين توقيعه المُستكتب بمعرفةِ الخبير بمُمَيزات خطية فردية واحدة تُشير إلى أنه هو محرِّره، وكان الحكم المطعون فيه بما له من سلطة تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة علي بساطِ البحث -إذ إن المحكمة هي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تَفصِل فيه بنفسِها- قد انتهى إلى صحةِ الورقة المطعون عليها وعدم قدرة الطاعن على إثبات تزويرها، فإن ما يَنعاه الطاعن يكون على غير أساس.
وحيث انه ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الطعن وبإلزام الطاعن بالمصروفات وبمبلغ الفي درهم مقابل اتعاب المحاماة مع مصادرة مبلغ التامين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق