الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الجمعة، 22 أغسطس 2025

الطعن 6822 لسنة 87 ق جلسة 7 / 7 / 2019 مكتب فني 70 ق 52 ص 464

جلسة 7 من يوليو سنة 2019
برئاسة السيد القاضي / حمد عبد اللطيف نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / خالد مقلد ، محمد قنديل، مصطفى الدخميسي وأشرف كمال المخزنجي نواب رئيس المحكمة .
-------------------
(52)
الطعن رقم 6822 لسنة 87 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر الجرائم التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة استعرضتها المحكمة وألمت بها إلماماً شاملاً . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
مثال .
(2) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
صيغة الاتهام المبينة بالحكم . جزء منه . كفاية الإحالة إليها بياناً للواقعة . النعي على الحكم بالقصور في هذا الشأن . غير مقبول .
(3) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم . غير لازم . كفاية إيراد مضمونها . النعي بإسقاط المحكمة بعض أقواله . غير مقبول . علة ذلك ؟
(4) قتل عمد . قصد جنائي . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
قصد القتل . أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر . إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه . استخلاصه . موضوعي .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال لتدليل سائغ على توافر قصد القتل في جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد .
(5) سبق إصرار . ترصد . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر سبق الإصرار " . قتل عمد . عقوبة " العقوبة المبررة " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
ظرفي سبق الإصرار والترصد . ماهيتهما ؟
البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد . موضوعي .
النعي على الحكم بشأن ظرفي سبق الإصرار والترصد . غير مقبول . ما دامت العقوبة المقضي بها تدخل في نطاق العقوبة المقررة للقتل العمد مجرداً من هذين الظرفين . لا يغير منه أخذ المحكمة الطاعن بالرأفة . علة ذلك ؟
مثال لتدليل سائغ على توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في جريمة قتل عمد .
(6) نيابة عامة . سبق إصرار . ترصد . نقض " المصلحة في الطعن " .
رأي وكيل النيابة المحقق في التصرف في الجنايات . اقتراح . للمحامي العام أو من يقوم مقامه عدم الأخذ به .
النعي بإضافة ظرفي سبق الإصرار والترصد بمعرفة النيابة الكلية . غير مجد . حد ذلك ؟
(7) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
اتصال أوجه الطعن بالحكم المطعون فيه . شرط لقبولها .
مثال .
(8) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟
لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى . ولو خالفت أقواله أمامها .
ورود الشهادة على الحقيقة المراد إثباتها بكافة تفاصيلها . غير لازم . كفاية أن تؤدي إليها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة أن تعول على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة . لها تجزئتها والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(10) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي بأن الواقعة تشكل جناية ضرب أفضى إلى موت . منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة وجدل موضوعي في سلطتها في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها .
عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها . القضاء بالإدانة لأدلة الثبوت . مفاده : اطراحها .
(11) باعث . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
الباعث على ارتكاب الجريمة . ليس من أركانها . الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله . لا يعيب الحكم .
(12) نيابة عامة . إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
ثبوت سؤال الطاعن بتحقيقات النيابة . النعي بخلاف ذلك . غير مقبول .
النعي بإجراء تحقيقات النيابة العامة في غيبة الطاعن . تعييب للإجراءات السابقة على المحاكمة . إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض . غير مقبول .
(13) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها . إغفالها وقائع غير مؤثرة في قضائها . لا يعيب الحكم .
(14) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بنفي التهمة وإنكارها وانتفاء الصلة بالواقعة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله " أنه نشب شجار بين الطاعن والمجني عليه بسبب شراكتهما في التجارة وتهرب المجني عليه من تسوية الحسابات بينهما وسداد ما عليه من مال له ، وأنه بتاريخ .... وأثناء جلوس الطاعن أمام باب مسكنه شاهد المجني عليه يقود عربة " كارو" وبرفقته آخر يدعى/ .... ، فقام الطاعن بإطلاق عياراً نارياً في الهواء من سلاح ناري كان يحمله لإرهابه وحمله على التوقف إلا أن المجني عليه أسرع بالفرار وقد تعالت ضحكات الاستهزاء والسخرية مما بدر من الطاعن الذي استشاط غضباً وزين له شيطانه الثأر لكرامته من سخرية المجني عليه وإصراره على عدم رد أمواله ورفضه تسوية ما بينهما من حساب مالي ، فعقد العزم وبيت النية على قتله ، ولأنه يعلم أنه لا سبيل أمام المجني عليه للعودة إلا بالمرور من أمام منزله لعدم وجود طريق فرعي آخر أو مخرج يسلكه ، فقرر التربص به عند عودته لينفذ ما عزم وبيت النية عليه ، وترصده قابعاً خلف إحدى السيارات بالطريق قابضاً على سلاحه الناري الذي أعده لتنفيذ جريمته ، وبعد مرور فترة من الوقت عاد المجني عليه ورفيقه معتقداً انصراف الطاعن إلى شئونه وحال مروره من ذات الطريق الذي فر منه واقترابهما من السيارة التي كمن خلفها الطاعن الذي باغتهما بالظهور شاهراً سلاحه مطلقاً منه عياراً تجاه المجني عليه إلا أنه لم يصبه ، فأسرع المجني عليه بالفرار وقد عادت ضحكاته وسخريته من الطاعن الذي سعى خلفهما بعد أن أوقف دراجة بخارية حال مرورها وركب خلف قائدها لمطاردة المجني عليه حتى لحق به في منعطف الطريق وهبط من الدراجة البخارية وانطلق نحوه شاهراً سلاحه الناري وما إن اقترب منه صوب سلاحه الناري صوب صدره وأطلق عليه عياراً نارياً قاصداً إزهاق روحه فأحدث به إصابة في مقتل وسقط على أثرها مدرجاً في دمائه متأثراً بإصابته المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي نجم عنها تهتكات حيوية بالرئة اليمنى والقلب ونزيف دموي بالتجويف الصدري والتي أودت بحياته " . وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - في حق الطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية . لما كان ذلك ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ويكون منعى الطاعن على الحكم بالقصور في التسبيب غير سديد .
2- من المقرر أن صيغة الاتهام المبينة في الحكم جزءً منه فيكفي في بيان الواقعة الإحالة عليها ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة - بفرض صحة ذلك - لا يكون صحيحاً .
3- من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ، ولا يُقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها ، لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها ـــــ كما هو الحال في الدعوى المطروحة ـــــ ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من إغفاله تحصيل بعض أقوال شاهد الإثبات الأول لا يكون له محل .
4- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لقصد القتل وأثبت توافره في حق الطاعن بقوله " .... لما كان الثابت من الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة لا سيما ما اطمأنت إليه من تحريات الشرطة التي أجراها شاهد الإثبات الثالث وما قرره المتهم ذاته بالتحقيقات وأكده المدافع عنه بجلسة المحاكمة أن خلافاً كان قد شجر فيما بين المتهم والمجني عليه اعتقاداً منه بتهرب المجني عليه من تسوية حسابات مالية بينهما وإعطائه ما يستحقه من مال في ذمته ، فلما استحال عليه ذلك بسبب استمرار تهرب المجني عليه منه استشاط غضباً وأثار حفيظته سخرية المجني عليه منه وإطلاقه لضحكات عند فراره منه ورفضه التوقف عند مروره أمام منزله رغم إطلاقه عياراً نارياً في الهواء لإرهابه مما أوغر صدره فأوعز إليه شيطانه أن يثأر لكرامته بقتله فعقد العزم وبيت النية على ذلك فتدبر أمره ومكث متربصاً عودته من ذات الطريق الذي سلكه عند فراره باعتبار أنه لا سبيل للخروج منه إلا بالعودة منه ، فترصده مختبئاً خلف إحدى السيارات الرابضة على جانب الطريق قابضاً على سلاحه الناري " فرد خرطوش " الذي أعده لتنفيذ جرمه وبعد فترة من الزمن ــــ حوالى نصف ساعة ـــــ عاد المجني عليه وشاهد الإثبات الثاني أدراجهما معتقدين بانصراف المتهم إلى شئونه وانشغاله عنهما إلا أنه باغتهما وخرج فجأة من مكمنه وأطلق تجاههما عياراً نارياً لم يصب هدفاً وطاردهما حتى ظفر بالمجني عليه فوجه إليه سلاحه الناري واقترب منه إلى مسافة لا تزيد عن مترين للتيقن من عدم حيدة الطلق الناري عن هدفه ـــــ تحقيقاً لما عقد العزم عليه ـــــ حتى صوب فوهة سلاحه نحو صدره وأطلق منه عياراً نارياً قاصداً إزهاق روحه ، فأحدث به كسر حيوي متفتت بكل من غضروف الضلعين السادس والسابع من الناحية اليمنى قرب اتصاله بعظمة القفص ، وتهتكات حيوية بالرئة اليمنى والقلب ونزيف دموي بالتجويف الصدري والتي أودت بحياته ، وهو ما تستخلص منه المحكمة وبجلاء تحقق نية القتل في حق المتهم ... " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يُدرك بالحس الظاهر وإنما يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ، واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وإذ كان ذلك ، وكان الحكم قد دلل على هذه النية تدليلاً سائغاً ـــــ على نحو ما سلف بيانه ـــــ فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
5- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض على استقلال لظرفي سبق الإصرار والترصد واستظهر توافرهما في حق الطاعن في قوله " ... وحيث إنه عن الدفع بانتفاء ظرفي سبق الإصرار والترصد فإن المحكمة تلتفت عنه لاطمئنانها إلى تحققهما وتطمئن كذلك إلى أن هذا القتل كان بناء على قصد مصمم عليه بناء على تفكير وتدبير هادئ تدبر خلاله المتهم أمره وأعد سلاح الجريمة وخطة تنفيذها متربصاً بالمجني عليه منتظراً عودته وكامناً له خلف إحدى السيارات الرابضة بالطريق الذي تيقن مروره منه منتظراً عودته ، وما إن ظفر به حتى خرج إليه مباغتاً مطلقاً عياراً نارياً أخطأه فتعقبه مطارداً مصراً على تنفيذ جرمه الذي عقد عزمه على تنفيذه حتى ظفر به مرة أخرى واقترب منه للتيقن من إحداث إصابته في مقتل إمعاناً في تنفيذ مقصده الإجرامي بإزهاق روح المجني عليه ووجه فوهة سلاحه الناري إلى موضع قاتل من جسد المجني عليه (صدره) للتيقن من إحداث الطلق الناري أثره بإزهاق روحه فلما أطلقه أحدث إصابته المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ... " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة ، بل هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي ، كما أن ظرف الترصد يتحقق بتربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أم قصرت في مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء ، وكان البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب هذه الظروف والعناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه ـــــ على السياق المتقدم ـــــ كافياً في استخلاص توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً ، هذا فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه قد قضى على الطاعن بعقوبة تدخل في نطاق العقوبة المقررة للقتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة ، إذ إن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا بالوصف القانوني الذي تكيفه المحكمة وهي إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات ، فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
6- من المقرر أن رأى وكيل النيابة المحقق في التصرف في الجنايات لا يعدو أن يكون اقتراحاً خاضعاً لتقدير المحامي العام المختص وحده - أو من يقوم مقامه - ومن المقرر أن من حق المحامي العام اطراح رأي وكيل النيابة وعدم الأخذ به ، ومن ثم فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره بشأن أن إضافة ظرفي سبق الإصرار والترصد المشددين للعقوبة تم إضافتهما في النيابة الكلية - بفرض صحته - طالما أن ما أمر به المحامي العام تم صحيحاً وفقاً للقانون .
7- من المقرر أن الأصل أنه لا يُقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بهذا الحكم ، وكان ما يثيره الطاعن بوجه طعنه من أن الحكم لم يبين عناصر القصد الاحتمالي لديه ، فإن هذا النعي بحسب ما ساقه لا يتصل بالحكم المطعون فيه لخلو مدوناته من العبارات التي حملها منعاه ، ومن ثم لا يكون مقبولاً .
8- من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وأن تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ، كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت أقواله أمامها ، وأنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق ، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها ، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال شهود الإثبات وحصلها بما لا تناقض فيه واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال شهود الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض .
9- من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه ، فإن ما يثيره الطاعن في صدد الواقعة كما تناولتها التحريات وما أخذ به الحكم منها لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض .
10- لما كان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد كما هي معرفة به في القانون ، وكان النعي بأن الواقعة تشكل جناية الضرب المفضي إلى الموت ناتجة عن مشاجرة لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، هذا إلى أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ، إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها اطرحتها ولم تعول عليها ، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير مقبول .
11- من المقرر أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيان الباعث تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة ، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم في هذا الخصوص .
12- لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن تم سؤاله بتحقيقات النيابة العامة - خلافاً لما يزعمه - فإن نعيه في هذا الصدد لا يكون له محل ، فضلاً عن أن ما يثيره من أن تحقيقات النيابة العامة قد جرت في غيبته لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم ، هذا إلى أنه لا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار أي منهما هذا النعي فلا يُقبل منهما طرحه لأول مرة أمام محكمة النقض .
13- من المقرر أن الأصل أن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، ومن ثم فلا يقدح في سلامة الحكم إغفال بعض الوقائع والتحدث عنها لأنها لم تكن ذات أثر في قضاء المحكمة ولم تعول عليها .
14- من المقرر أن الدفع بنفي التهمة وإنكار الاتهام وانتفاء الصلة بالواقعة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
أولاً : قتل المجني عليه/ .... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية وعقد العزم المصمم على ذلك وكمن له بالمكان الذي أيقن سلفاً مروره به وما إن ظفر به حتى أطلق صوبه عياراً نارياً من سلاح ناري - حاد عنه - فطارده حتى ظفر به وأطلق صوبه عياراً نارياً آخر من ذات السلاح قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به إصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته .
ثانياً: أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن " فرد خرطوش " .
ثالثاً: أحرز ذخائر مما تستعمل على السلاح سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازته وإحرازه .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230 ، 231 /1 ، 232 من قانون العقوبات ، والمواد 1/1 ، 26 /4،1 ، 30 /1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والجدول رقم (2) المرفق ، مع إعمال المادتين رقمي 17 ، 32 /2 من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالسجن المؤبد عما أسند إليه .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز سلاح ناري " غير مششخن " وذخيرته بدون ترخيص ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك أنه لم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ولم يورد مؤدى أدلة الإدانة مكتفياً في هذا الشأن بترديد صيغة الاتهام ، واجتزأ أقوال شاهد الإثبات الأول وأورد مضمونها بصورة مبتسرة ، وما ساقه للتدليل على توافر نية القتل وظرفي سبق الإصرار والترصد لا يكفي لتوافرهم في حقه ، هذا إلى أن هذين الظرفين المشددين قد تم إضافتهما بمعرفة النيابة الكلية ، كما قصر الحكم في استظهار عناصر القصد الاحتمالي لديه ، وعول على أقوال شهود الإثبات واعتنق تصويرهم للواقعة رغم ما شاب أقوالهم من تناقض في شأن تصوير الواقعة والسلاح المستخدم في الحادث ، كما تباينت أقوال شاهد الإثبات الأول في مراحل الدعوى ، واستند الحكم إلى تحريات الشرطة رغم عدم جديتها واجتزأ منها ، فلم يورد ما ورد بها من أن الواقعة تشكل جناية الضرب المفضي إلى الموت ولم يعرض لدفاعه في هذا الشأن ، وأغفل التحدث عن الباعث على ارتكاب الجريمة ، وقضى بإدانته رغم عدم سؤاله في التحقيقات ، ولم يعرض للوقائع الدالة على صحة دفعه بنفي التهمة وإنكارها وانتفاء صلته بالواقعة ، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله " أنه نشب شجار بين الطاعن والمجني عليه بسبب شراكتهما في التجارة وتهرب المجني عليه من تسوية الحسابات بينهما وسداد ما عليه من مال له ، وأنه بتاريخ .... وأثناء جلوس الطاعن أمام باب مسكنه شاهد المجني عليه يقود عربة " كارو" وبرفقته آخر يدعى/ .... ، فقام الطاعن بإطلاق عياراً نارياً في الهواء من سلاح ناري كان يحمله لإرهابه وحمله على التوقف إلا أن المجني عليه أسرع بالفرار وقد تعالت ضحكات الاستهزاء والسخرية مما بدر من الطاعن الذي استشاط غضباً وزين له شيطانه الثأر لكرامته من سخرية المجني عليه وإصراره على عدم رد أمواله ورفضه تسوية ما بينهما من حساب مالي ، فعقد العزم وبيت النية على قتله ، ولأنه يعلم أنه لا سبيل أمام المجني عليه للعودة إلا بالمرور من أمام منزله لعدم وجود طريق فرعي آخر أو مخرج يسلكه ، فقرر التربص به عند عودته لينفذ ما عزم وبيت النية عليه ، وترصده قابعاً خلف إحدى السيارات بالطريق قابضاً على سلاحه الناري الذي أعده لتنفيذ جريمته ، وبعد مرور فترة من الوقت عاد المجني عليه ورفيقه معتقداً انصراف الطاعن إلى شئونه وحال مروره من ذات الطريق الذي فر منه واقترابهما من السيارة التي كمن خلفها الطاعن الذي باغتهما بالظهور شاهراً سلاحه مطلقاً منه عياراً تجاه المجني عليه إلا أنه لم يصبه ، فأسرع المجني عليه بالفرار وقد عادت ضحكاته وسخريته من الطاعن الذي سعى خلفهما بعد أن أوقف دراجة بخارية حال مرورها وركب خلف قائدها لمطاردة المجني عليه حتى لحق به في منعطف الطريق وهبط من الدراجة البخارية وانطلق نحوه شاهراً سلاحه الناري وما إن اقترب منه صوب سلاحه الناري صوب صدره وأطلق عليه عياراً نارياً قاصداً إزهاق روحه فأحدث به إصابة في مقتل وسقط على أثرها مدرجاً في دمائه متأثراً بإصابته المبينة بتقرير الصفـــة التشريحية والتي نجم عنها تهتكات حيوية بالرئة اليمنى والقلب ونزيف دموي بالتجويف الصدري والتي أودت بحياته " . وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - في حق الطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية . لما كان ذلك ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ويكون منعى الطاعن على الحكم بالقصور في التسبيب غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت صيغة الاتهام المبينة في الحكم جزءً منه فيكفي في بيان الواقعة الإحالة عليها ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة - بفرض صحة ذلك - لا يكون صحيحاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ، ولا يُقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها ، لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من إغفاله تحصيل بعض أقوال شاهد الإثبات الأول لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لقصد القتل وأثبت توافره في حق الطاعن بقوله " .... لما كان الثابت من الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة لا سيما ما اطمأنت إليه من تحريات الشرطة التي أجراها شاهد الإثبات الثالث وما قرره المتهم ذاته بالتحقيقات وأكده المدافع عنه بجلسة المحاكمة أن خلافاً كان قد شجر فيما بين المتهم والمجني عليه اعتقاداً منه بتهرب المجني عليه من تسوية حسابات مالية بينهما وإعطائه ما يستحقه من مال في ذمته ، فلما استحال عليه ذلك بسبب استمرار تهرب المجني عليه منه استشاط غضباً وأثار حفيظته سخرية المجني عليه منه وإطلاقه لضحكات عند فراره منه ورفضه التوقف عند مروره أمام منزله رغم إطلاقه عياراً نارياً في الهواء لإرهابه مما أوغر صدره فأوعز إليه شيطانه أن يثأر لكرامته بقتله فعقد العزم وبيت النية على ذلك فتدبر أمره ومكث متربصاً عودته من ذات الطريق الذي سلكه عند فراره باعتبار أنه لا سبيل للخروج منه إلا بالعودة منه ، فترصده مختبئاً خلف إحدى السيارات الرابضة على جانب الطريق قابضاً على سلاحه الناري " فرد خرطوش " الذي أعده لتنفيذ جرمه وبعد فترة من الزمن - حوالى نصف ساعة - عاد المجني عليه وشاهد الإثبات الثاني أدراجهما معتقدين بانصراف المتهم إلى شئونه وانشغاله عنهما إلا أنه باغتهما وخرج فجأة من مكمنه وأطلق تجاههما عياراً نارياً لم يصب هدفاً وطاردهما حتى ظفر بالمجني عليه فوجه إليه سلاحه الناري واقترب منه إلى مسافة لا تزيد عن مترين للتيقن من عدم حيدة الطلق الناري عن هدفه - تحقيقاً لما عقد العزم عليه - حتى صوب فوهة سلاحه نحو صدره وأطلق منه عياراً نارياً قاصداً إزهاق روحه ، فأحدث به كسر حيوي متفتت بكل من غضروف الضلعين السادس والسابع من الناحية اليمنى قرب اتصاله بعظمة القفص ، وتهتكات حيوية بالرئة اليمنى والقلب ونزيف دموي بالتجويف الصدري والتي أودت بحياته ، وهو ما تستخلص منه المحكمة وبجلاء تحقق نية القتل في حق المتهم ... " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يُدرك بالحس الظاهر وإنما يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ، واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وإذ كان ذلك ، وكان الحكم قد دلل على هذه النية تدليلاً سائغاً ـــــ على نحو ما سلف بيانه ـــــ فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض على استقلال لظرفي سبق الإصرار والترصد واستظهر توافرهما في حق الطاعن في قوله " ... وحيث إنه عن الدفع بانتفاء ظرفي سبق الإصرار والترصد فإن المحكمة تلتفت عنه لاطمئنانها إلى تحققهما وتطمئن كذلك إلى أن هذا القتل كان بناء على قصد مصمم عليه بناء على تفكير وتدبير هادئ تدبر خلاله المتهم أمره وأعد سلاح الجريمة وخطة تنفيذها متربصاً بالمجني عليه منتظراً عودته وكامناً له خلف إحدى السيارات الرابضة بالطريق الذي تيقن مروره منه منتظراً عودته ، وما إن ظفر به حتى خرج إليه مباغتاً مطلقاً عياراً نارياً أخطأه فتعقبه مطارداً مصراً على تنفيذ جرمه الذي عقد عزمه على تنفيذه حتى ظفر به مرة أخرى واقترب منه للتيقن من إحداث إصابته في مقتل إمعاناً في تنفيذ مقصده الإجرامي بإزهاق روح المجني عليه ووجه فوهة سلاحه الناري إلى موضع قاتل من جسد المجني عليه (صدره) للتيقن من إحداث الطلق الناري أثره بإزهاق روحه فلما أطلقه أحدث إصابته المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ... " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة ، بل هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي ، كما أن ظرف الترصد يتحقق بتربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أم قصرت في مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء ، وكان البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب هذه الظروف والعناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه -على السياق المتقدم - كافياً في استخلاص توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً ، هذا فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه قد قضى على الطاعن بعقوبة تدخل في نطاق العقوبة المقررة للقتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد ، ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة ، إذ إن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا بالوصف القانوني الذي تكيفه المحكمة وهي إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات ، فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان رأى وكيل النيابة المحقق في التصرف في الجنايات لا يعدو أن يكون اقتراحاً خاضعاً لتقدير المحامي العام المختص وحده ـــــ أو من يقوم مقامه ـــــ ومن المقرر أن من حق المحامي العام اطراح رأي وكيل النيابة وعدم الأخذ به ، ومن ثم فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره بشأن أن إضافة ظرفي سبق الإصرار والترصد المشددين للعقوبة تم إضافتهما في النيابة الكلية ـــــ بفرض صحته ـــــ طالما أن ما أمر به المحامي العام تم صحيحاً وفقاً للقانون . لما كان ذلك ، وكان الأصل أنه لا يُقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بهذا الحكم ، وكان ما يثيره الطاعن بوجه طعنه من أن الحكم لم يبين عناصر القصد الاحتمالي لديه ، فإن هذا النعي بحسب ما ساقه لا يتصل بالحكم المطعون فيه لخلو مدوناته من العبارات التي حملها منعاه ، ومن ثم لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وأن تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه- كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ، كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت أقواله أمامها ، وأنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق ، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها ، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال شهود الإثبات وحصلها بما لا تناقض فيه واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال شهود الإثبات أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه ، فإن ما يثيره الطاعن في صدد الواقعة كما تناولتها التحريات وما أخذ به الحكم منها لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكــمـة النقــض . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد كما هي معرفة به في القانون ، وكان النعي بأن الواقعة تشكل جناية الضرب المفضي إلى الموت ناتجة عن مشاجرة لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، هذا إلى أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ، إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها اطرحتها ولم تعول عليها ، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيان الباعث تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة ، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم في هذا الخصوص . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن تم سؤاله بتحقيقات النيابة العامة - خلافاً لما يزعمه - فإن نعيه في هذا الصدد لا يكون له محل ، فضلاً عن أن ما يثيره من أن تحقيقات النيابة العامة قد جرت في غيبته لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم ، هذا إلى أنه لا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار أي منهما هذا النعي فلا يُقبل منهما طرحه لأول مرة أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، ومن ثم فلا يقدح في سلامة الحكم إغفال بعض الوقائع والتحدث عنها لأنها لم تكن ذات أثر في قضاء المحكمة ولم تعول عليها . لما كان ذلك ، وكان الدفع بنفي التهمة وإنكار الاتهام وانتفاء الصلة بالواقعة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق