جلسة 20 من نوفمبر سنة 1986
برياسة السيد المستشار: حسن جمعة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة ومصطفى طاهر وحسن عميرة وحسن عشيش.
-----------------
(177)
الطعن رقم 3843 لسنة 56 القضائية
(1) جريمة "أركانها". موظفون عموميون. عقوبة "تطبيقها". الاتجار بالنفوذ. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
ما يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المؤثمة بالمادة 106 مكرراً عقوبات؟
متى تكون عقوبة جريمة الاتجار بالنفوذ تلك المقررة للجناية المنصوص عليها بالمادة 104 عقوبات ومتى تكون تلك المقررة للجنحة المنصوص عليها بالمادة 106 مكرراً عقوبات؟
(2) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه. طالما كان له مأخذه الصحيح من الأوراق.
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشهود.
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى غير جائز أمام النقض.
(3) نقض "المصلحة في الطعن" عقوبة "العقوبة المبررة". ارتباط. رشوة. الاتجار بالنفوذ.
عدم جدوى ما يثيره الطاعن من إدانته بجريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة 103 مكرراً عقوبات. متى كانت المحكمة قد وقعت عليه عقوبة الاتجار بالنفوذ المرتبطة بها ذات العقوبة الأشد.
(4) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات".
تقدير جدية التحريات. لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها فيما انتهت إليه. غير جائز.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه (أولاً) طلب لنفسه عطية لاستعمال نفوذ مزعوم للحصول من سلطة عامة على حكم حالة كونه موظفاً عمومياً ذلك أنه وهو سكرتير جلسة محكمة السيدة زينب الجزئية طلب من.... مبلغ ألف جنيه مقابل استعمال نفوذ مزعوم له للحصول على حكم لصالحه في القضية رقم... جنح السيدة زينب. (ثانياً) بصفته المبينة بالتهمة السابقة طلب وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب لنفسه وأخذ من... مبلغ خمسين جنيهاً على سبيل الرشوة مقابل تمكينه من التقرير بالاستئناف في القضية المبينة بالتهمة السابقة، وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 32، 103، 103 مكرراً، 104، 106 مكرراً، 111/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ ألفي جنيه عما هو منسوب إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي الاتجار بالنفوذ والرشوة قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، ذلك أنه قضى بإدانته عن الجريمة الأولى بالرغم من عدم توافر مقوماتها واستدل على ثبوتها في حقه بمجرد أقوال المجني عليه المجافية للحقيقة، ودانه عن الجريمة الثانية رغم انتفاء اختصاصه بالعمل المقال بأنه سبب الرشوة، هذا إلى أن الحكم جاء قاصراً في الرد على ما دفع به الطاعن من بطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التي بني عليها، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما يجمل في أن الطاعن الذي يشغل وظيفة سكرتير جلسة الجنحة بمحكمة السيدة زينب الجزئية التقى بالمجني عليه بمناسبة تردد الأخير على المحكمة للاستعلام عما تم في قضية جنحة مقامه ضده وطلب منه أول الأمر مبلغ ألف جنيه مقابل العمل على استصدار حكم لصالحه في تلك القضية فلما اعتذر المجني عليه عن دفع هذا المبلغ ثم صدر الحكم عليه في القضية بالحبس مع إيقاف التنفيذ والغرامة طلب منه الطاعن مبلغ خمسين جنيهاً مقابل تمكينه من توريد الغرامة المقضي بها والتقرير باستئناف الحكم، فأبلغ المجني عليه الرقابة الإدارية بالأمر، وكلفه رجالها بمسايرة الطاعن إلى أن تمكنوا بعد استئذان النيابة العامة من القبض عليه أثر تقاضيه من المجني عليه هذا المبلغ الأخير وضبطه بحوزته، ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة ومنها أقوال المجني عليها التي حصلها بما يطابق هذا التصوير، وانتهى الحكم إلى إدانة الطاعن عن جريمتي الاتجار بالنفوذ والرشوة وأوقع عليه عقوبة واحدة عن هاتين الجريمتين عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات. لما كان ذلك وكان يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها في المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعداً أو عطية تذرعاً بنفوذه الحقيقي أو المزعوم بغرض الحصول أو محاولة الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة، وبذلك تتحقق المسائلة ولو كانت النفوذ مزعوماً، والزعم هنا أن مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية. فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها في عجز المادة 106 مكرراً عقوبات، وإذ التزم الحكم هذا النظر واعتبر ما وقع من الطاعن - وهو موظف عام - من طلب نقود من المجني عليه بزعم العمل على استصدار حكم لصالحه محققاً لجناية الاتجار بالنفوذ فإنه يكون قد أعمل القانون على وجهه الصحيح ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير سديد - لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لأقوال المجني عليه على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الحكم قد خلص إلى إدانة الطاعن عن جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة 103 مكرراً من قانون العقوبات على أساس زعمه الاختصاص بالعمل الذي طلب الجعل من أجله وهو تمكين المجني عليه من توريد مبلغ الغرامة المقضي عليه بها واستئناف الحكم الصادر ضده، ولم يسائله الحكم على مقتضى المادة 103 من قانون العقوبات على أساس أن هذا العمل يندرج في أعمال وظيفته، فإن ما ينعاه من انتفاء اختصاصه بهذا العمل لا يكون له محل، هذا إلى عدم جدوى نعيه في هذا الصدد ما دام أن المحكمة طبقت عليه المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد عن التهمة الأخرى المسندة إليه الخاصة بالاتجار بالنفوذ. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعن من بطلان إذن النيابة العامة بالتفتيش لإبتنائه على تحريات غير جدية فأطرحه مقراً النيابة على ما ارتأته من جديتها وصلاحيتها لإصدار هذا الإذن، وكان تقدير جدية التحريات متروكاً لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى أقرتها عليه فلا يجدي المتهم نعيه أن إذن التفتيش صدر بناء على تحريات غير جدية مما لا يجوز مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها فيما انتهت إليه. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق