جلسة 25 من يوليو سنة 1992
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد المنعم عبد العظيم جيرة نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد مجدي محمد خليل وأحمد إبراهيم عبد العزيز ومحمد عزت السيد إبراهيم - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(209)
الطعن رقم 3178 لسنة 34 القضائية
عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الواجبات الوظيفية والمخالفات التأديبية (خطأ) (مسئولية).
ليس كل خطأ يرتكبه الموظف العام خارج نطاق وظيفته العامة يرتب مسئوليته التأديبية - معيار مسئولية العامل - يجب أن يصل الخطأ ويرقى إلى الحد الذي يمس كرامة الوظيفة وينال من الاحترام الواجب لها - إذا نأى الخطأ عن هذا المعيار بحيث لم يكن له ثمة تأثير على الوظيفة فلا يسأل الموظف داخل مجال وظيفته تأديبياً - لا ينال مما سبق أن يرتب نفس الخطأ لنوع آخر في المسئولية المدنية - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 14 من شهر أغسطس سنة 1988 أودع الأستاذ/ محمد عبد المجيد الشاذلي المحامي نائباً عن الأستاذ/ علي محمد مخلوف المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن ........ قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3178 لسنة 34 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها بجلسة 28 من شهر يونيو 1988 في الدعوى رقم 400 لسنة 29 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن والقاضي بمجازاة الطاعن بخفض وظيفته إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه والقضاء مجدداً ببراءة الطاعن مما نسب إليه.
وأعلن تقرير الطعن للنيابة الإدارية في 28 من شهر أغسطس سنة 1988.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 27/ 2/ 1991 وتم تداول نظره بالجلسات التالية على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 12/ 6/ 1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة - موضوع التي نظرته بجلسة 20/ 7/ 1991 وبالجلسات اللاحقة، وبجلسة 11/ 4/ 1992 قررت المحكمة حجز الطعن لإصدار الحكم فيه بجلسة 30/ 5/ 1992 ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم في الطعن لجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن الماثل قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الراهنة تتحصل حسبما تدلي بها أوراقها في أنه بتاريخ 21/ 3/ 1987 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 400 لسنة 29 ق ضد الطاعن ....... مفتش المساجد بمديرية أوقاف الفيوم وعضو مجلس إدارة جمعية المغازي لتيسير الحج والعمرة بالدرجة الثانية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم متضمنة تقريراً باتهامه بأنه خلال المدة من 13/ 2/ 1985 وحتى 14/ 11/ 1986 وبوصفه السبق لم يؤد عمله بدقة وأمانة وسلك في تصرفه مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب وخرج على مقتضى الواجب الوظيفي وخالف اللوائح والتعليمات بأن:
1} استولى دون وجه حق على مبالغ جملتها 3972.904 جنيهاً قسمة باقي اشتراكات الحجاج الذين اشتركوا في رحلة الحج التي قامت بها جمعية المغازي لتيسير الحج والعمرة بالفيوم عام 1405 هجرية والتي كان مسئولاً عنها وكذا قيمة التبرعات التلقائية الواردة إلى الجمعية خلال عام 1985.
2} امتنع عن تسليم السجلات والمستندات المالية والإدارية الخاصة برحلة الحج المشار إليها إلى أمين الصندوق بالجمعية حال اتخاذ مجلس إدارة الجمعية قراراً بذلك حتى سلمها إلى النيابة الإدارية في 4/ 11/ 1986.
3} فرق في المعاملة بين أعضاء جمعية الحج سواء بالنسبة إلى المبالغ المحصلة أو نوعية العملة المحصلة بالمخالفة للتعليمات المنظمة لهذا الشأن.
وارتأت النيابة الإدارية أن الطاعن ارتكب بذلك المخالفات المالية والإدارية المنصوص عليها في المواد 76/ 1، 77/ 1 و3 و4، 78 من قانون العاملين المدنيين بالدولة وطلبت محاكمته تأديبياً بتلك المواد وبالمواد الواردة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 28/ 6/ 1988 أصدرت المحكمة التأديبية حكمها المطعون فيه وشيدت قضاءها بمجازاة الطاعن بخفض وظيفته لوظيفة من الدرجة الأدنى لثبوت خروجه على مقتضى الواجب الوظيفي ومخالفته للتعليمات بأن جاءت المخالفة الأولى ثابتة في حقه من تقارير اللجان التي شكلت لفحص مستنداته والتي لا ينال منها ما أبداه في مذكرة دفاعه وما قدمه من مستندات تفيد وجود مبلغ 2123.758 برصيد الجمعية بالبنك، إذ تبين أن من ضمن ذلك المبلغ ألفين من الجنيهات قام مدير أوقاف الفيوم بتحويلها من المبالغ المخصصة لحساب مسجد الصباحية لتغطية العجز، كما أن المحال المذكور لم يقدم للجان التي فحصت أعماله أي مستندات تبرر العجز الدفتري بين المبالغ التي قام بتوريدها لحساب الاشتراكات وبين ما قام بتحصيله، ولم يقدم لتلك اللجان ما يدل على إيداعه قيمة التبرعات التي وردت للجمعية كما تلتفت المحكمة عن الحساب الختامي الذي قدمه المحال لعدم اعتماده من أية جهة حكومية تختص بالجمعيات، وجاءت المخالفة الثانية ومفادها امتناع الطاعن عن تسليم السجلات والمستندات المالية والإدارية الخاصة برحلة الحج والخاصة بالجمعية لأمين الصندوق حال اتخاذ مجلس إدارة الجمعية قراراً بذلك حتى سلمها للنيابة الإدارية في 14/ 11/ 1986 ثابتة أيضاً في حقه بما قدمه من سجلات إلى النيابة الإدارية وبعدم تقديمه كشف حساب رحلة الحج لمجلس الإدارة، وجاءت المخلفة الثالثة بتفريق المحال في المعاملة بين أعضاء الجمعية من الحجاج بالنسبة للمبالغ المحصلة ونوعية العملة التي تم تحصيلها ثابتة في حقه أيضاً من تقارير اللجان السالفة الذكر ومن قيام المحال بتحصيل بعض الاشتراكات بالريالات السعودية وبعضها بالجنيهات المصرية.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على النعي بأن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وجاء قاصراً في التسبيب فقد سلم تسليماً مطلقاً بما جاء في تقريري اللجنة التي شكلت لفحص أعمال الطاعن والتفت عن دفاعه بشأن الرد عليهما، كما التفت عن طلبه تشكيل لجنة محايدة أو إحالة الدعوى لكتب الخبراء حتى يُطمأن إلى صحة النتيجة التي تستخلص من واقع الأوراق والمستندات والتي تؤكد بذاتها أن الطاعن له حق في مطالبة الجمعية ببعض المبالغ الأمر الذي ينتهي إلى تبرئة ساحته مما نسب إليه، فضلاً عن أن جزاء الخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة الذي حمله الحكم المطعون فيه جاء مشوباً بالغلو في التقدير بفرض صحة ما نسب للطاعن مما يعيبه بعدم المشروعية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه جاء تقديره للجزاء الموقع على الطاعن مبنياً على ثبوت الاتهامات الثلاثة التي أوردها تقرير النيابة الإدارية باتهامه في حقه، ومن ثم قضى بمجازاته عنها بخفض وظيفة الطاعن إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.
ومن حيث إنه يلزم التقرير ابتداء بأنه ليس كل خطأ يرتكبه الموظف العام خارج نطاق وظيفته العامة يرتب مسئوليته التأديبية، وإنما يتعين لقيام تلك المسئولية أن يصل الخطأ ويرقى إلى الحد الذي يمس كرامة الوظيفة وينال من الاحترام الواجب لها، فإن نأى الخطأ المرتكب عن هذا الإطار بحيث لم يكن له ثمة تأثير على الوظيفة فلا يسأل عنه الموظف داخل مجال وظيفته تأديبياً حتى ولو كان ذلك الخطأ مرتباً لنوع آخر من المسئولية كالمسئولية المدنية.
ومن حيث إنه وفقاً لذلك، ومتى كانت النيابة الإدارية قد أسندت للطاعن الاتهامين الثاني والثالث وحاصلهما أنه امتنع عن تقديم السجلات لمجلس إدارة جمعية المغازي لتيسير الحج والعمرة بالفيوم حال تكليفه بذلك من مجلس إدارة الجمعية حتى تقدم بها للنيابة الإدارية، وأنه فرق في المعاملة بين الحجاج الذين اشتركوا في رحلة حج عام 1405 هجرية وتلقى من بعضهم ريالات سعودية بينما قبل من الآخرين جنيهات مصرية، بحسبان أن هذين الاتهامين يشكلان خروجاً وإخلالاً منه بواجبات وظيفته في حين أنهما وبفرض وقوعهما منه وهو متطوع للعمل غير ذلك إذ هما لا يؤثران بذاتهما على وظيفته الأصلية ولا ينالان منها مما تضحى معه إحالته بسببهما للمحاكمة التأديبية أمراً غير جائز من الوجهة القانونية، وتضحى إدانته فيهما بمقتضى الحكم المطعون فيه في غير محلها مما يستتبع وجب القضاء بإلغائه وببراءته منهما.
ومن حيث إنه بالنسبة للاتهام الأول القائم على استيلاء الطاعن بغير حق على مبالغ تمثل قيمة الباقي من اشتراكات الحجاج والتبرعات التلقائية الواردة للجمعية عام 1405 هجرية باعتبار أن ذلك الأمر يعد ماساً بأمانته وسمعته ويشكل بالتالي خروجاً على مقتضيات وظيفته، فإن القاعدة الأصولية في العقاب - سواء في المجال الجنائي أو في المجال التأديبي - تقضي بأن الشك يفسر في صالح المتهم، وبأنه متى تعذر إسناد فعل إيجابي أو سلبي محدد للمتهم يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية ويعزز دليل الاتهام له عد ذلك مانعاً من المؤاخذة التأديبية.
ومن حيث إنه متى كانت اللجنة مشكلة من الإدارة العامة للتفتيش بالمديرية المالية بالفيوم قد أعدت تقريراً في عام 30/ 1/ 1986 بمناسبة فحصها مستندات جمعية تنمية المجتمع بجامع المغازي بالفيوم عن رحلة الحج التي قامت بها عام 1405 هجرية، 1985 ميلادية استظهرت فيها عدم إمكانها تصوير الحساب الختامي للجمعية عن العام المذكور وحده لعدم تأكدها من أرصدتها في العام السابق، وأنها قد لاحظت أن هناك فارقاً قدره خمسون جنيهاً عن كل حاج لم يستخرج به إيصالات تفيد توريده للجمعية على حين أنه لوحظ تحصيل تبرع تلقائي منهم لصالح الجمعية بذات القدر، وقد كلف الطاعن بضرورة القيام بتحصيل المبالغ التي ظهرت في جانب المدينين نتيجة بحث اللجنة من مشرفي الرحلة ومبلغ 14 جنيهاً منه هو ذاته بالإضافة لمبلغ 600 ريال سعودي كان قد اشتراها بالسعودية، واستظهرت اللجنة في تقريرها المشار إليه أن ثمة فائضاً للرحلة قدره 1376.080 جنيهاً مصرياً تعين توزيعه على الحجاج دون المسئول والمشرف بواقع 20.230 جنيهاً للفرد، وأنه تم سداد مبلغ 20 جنيهاً لسبعين حاجاً أثناء الرحلة من ثمانية وتسعين حاجاً، وأوصت اللجنة بأن تقوم الجمعية بإمساك دفاتر قانونية مرقمة ومختومة وبضرورة الفصل بين حسابات إيرادات الجمعية أياً كانت وحسابات الحج التي تتضمن كافة مصروفات الرحلة بما فيها من نسبة إعفاء مقررة للمسئول والمشرف على رحلة الحج، ومن ثم - وفي ضوء العرض المتقدم - لا تطمئن المحكمة إلى صحة ثبوت ذلك الاتهام وعناصر إسناده للطاعن لما شاب العمل بالجمعية من تداخل وعدم انتظام في الحسابات والأرقام، الأمر الذي جعل اللجنة المشكلة لفحص المستندات عاجزة عن إخراج الحسابات الختامية لها عن العام المذكور على نحو دقيق يمكن به تحديد المساءلة والقطع بنسبتها للطاعن، وخاصة وأن مديرية أوقاف الفيوم - التي يعمل الطاعن مفتشاً للمساجد بها - قد قطعت بكتابها الموجه للنيابة الإدارية في 25/ 1/ 1992 والمرفق صورة منه بملف الطعن بأن الطاعن دائن للجمعية المذكورة بمبلغ 52.190 جنيهاً وليس مديناً لها وفقاً لما أجرته من بحث ومراجعة للمستندات على نحو تفصيلي بما ينفي مسئوليته عن الاتهام المسند إليه في هذا الشأن.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر ونأى عنه حين دان الطاعن بالمخالفات الثلاثة التي أوردها تقرير الاتهام المقدم من النيابة الإدارية، وبالتالي يكون قد خالف القانون وحق القضاء بإلغائه، وببراءة الطاعن مما أسند إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعن مما أسند إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق