الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الثلاثاء، 12 أغسطس 2025

الطعن 2183 لسنة 34 ق جلسة 25 / 7 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 37 ج 2 ق 208 ص 1908

جلسة 25 من يوليو سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد المهدي عبد الله مليحي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عبد اللطيف محمد الخطيب وعلي شحاته محمد وحسني سيد محمد والطنطاوي محمد الطنطاوي - نواب رئيس مجلس الدولة.

----------------

(208)

الطعن رقم 2183 لسنة 34 القضائية

نيابة إدارية - أعضاؤها - سلطة رئيس الجمهورية في تعيين مدير النيابة الإدارية (هيئات قضائية).
المادة 35 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، المادة 44 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972، المادة 83 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، المادة 16 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1986.
خول القانون رئيس الجمهورية تعيين مدير النيابة الإدارية بسلطة تقديرية دون أن يقيده في ذلك بأية قيود أو ضوابط شكلية كأن يختار المدير من بين نواب مدير الهيئة أو بعد أخذ رأي مجلس أو لجنة معينة كما فعل بالنسبة إلى تعيين رؤساء الهيئات القضائية الأخرى - غاير المشرع في الحكم بالنسبة إلى إجراءات وقيود تعيين رؤساء الهيئات القضائية فبينما أوجب تعيين رؤساء محكمة النقض ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة من بين نواب الرئيس وبعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى أو الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة أو المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة حسب الأحوال، لم يوجب ذلك بالنسبة إلى تعيين مدير النيابة الإدارية فقد أطلق سلطة تعيينه من أي قيد مما ذكر فلم يوجب أن يكون من بين نواب المدير ولم يقيدها بأخذ رأي أو الرجوع إلى اللجنة المشكلة داخل هيئة النيابة الإدارية للنظر في شئون الأعضاء - نتيجة ذلك: يملك رئيس الجمهورية تعيين مدير النيابة الإدارية من بين أعضائها أو من خارج هذه الهيئة دون معقب عليه في ذلك طالما سلم قراره من عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها - لا يغير من ذلك الاجتهاد بأن هناك قيود على سلطة رئيس الجمهورية عندما يختار تعيين مدير النيابة من بين أعضائها تتمثل في اختيار الأقدم من بين النواب إذا تساووا في درجة النيابة - أساس ذلك: هذا الاجتهاد لا محل ولا موجب له أمام صراحة النص وهو تخصيص بغير مخصص - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 4/ 6/ 1988 أودع الأستاذ/ محمد عصفور المحامي بصفته وكيلاً عن الأستاذ..... سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في حكم محكمة القضاء الإداري (دائرة الترقيات) الصادر بجلسة 7/ 4/ 1988 في الدعوى رقم 4936/ 40 ق المقامة من الطاعن ضد كل من رئيس الجمهورية ووزير العدل والقاضي:
أولاً: بقبول تدخل الأستاذ عبد الرحمن فرج محسن خصماً منضماً للجهة الإدارية.
ثانياً: بعدم قبول طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب.
ثالثاً: بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات، وطلب في ختام الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم:
1} بإلغاء القرار الجمهوري رقم 304/ 1986 بتاريخ 9/ 7/ 1986 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين في وظيفة مدير النيابة الإدارية وأحقية الطاعن في هذه الوظيفة.
2} بإلزام المدعى عليهما الأول والثاني بتقرير معاش نهاية الخدمة المستحقة للطاعن على أساس استحقاقه للدرجة المالية المخصصة لوظيفة مدير النيابة الإدارية من تاريخ العمل بالقرار المطعون فيه مع صرف الفروق المالية في المرتب الشهري الذي استحق للطاعن منذ صدور القرار المطعون فيه وحتى انتهاء عمله في وظيفته بتاريخ 30/ 6/ 1987.
3} بإلزام المدعى عليهما الأول والثاني بأن يؤديا للمدعي مبلغ أربعين ألف جنيه تعويضاً عما لحقه من أضرار معنوية نتيجة القرار المطعون فيه، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - للأسباب التي ساقتها - الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات، وقد نظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 13/ 5/ 1992 قدم وكيل الطاعن مذكرة عقب فيها على تقرير هيئة مفوضي الدولة واختتمها بالتصميم على طلباته الواردة بتقرير الطعن.
وبجلسة 6/ 6/ 1992 وبعد أن استمعت المحكمة ما رأت لزوماً سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة 18/ 7/ 1992 ومذكرات لمن يشاء خلال ثلاثة أسابيع وفي غضون هذه المدة قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها انتهت فيها إلى طلب الحكم:
أصلياً: بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي مصلحة.
احتياطياً: برفض الطعن مع إلزام الطاعن المصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي، وبجلسة 18/ 7/ 1992 قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً.
من حيث إن الجهة الإدارية المطعون ضدها دفعت بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي مصلحة استناداً إلى أن الطاعن قد أحيل إلى المعاش من 29/ 10/ 1986.
ومن حيث إنه ولئن كان الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي مصلحة من الدفوع التي لا يؤثر التأخر في إبدائها إلى ما بعد مواجهة الموضوع، إلا أن هذا الدفع في غير محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه وقد قضى برفض الدعوى بكل أشطارها التي تضمنت طلب إلغاء القرار الإداري المطعون فيه، والتعويض عنه، فإنه لا شك في وجود مصلحة مباشرة للطاعن في طلب إلغاء هذا الحكم، ويكون الدفع المبدى من الجهة الإدارية المطعون ضدها على غير أساس من القانون، وإذ استوفى الطعن أوضاعه الشكلية فإنه يتعين القضاء بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4936 لسنة 40 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات والترقيات) بصحيفة أودعها قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 3/ 1/ 1986 طلب في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الجمهوري رقم 304/ 1986 الصادر بتاريخ 9/ 7/ 1986 بتخطي المدعي في التعيين في وظيفة مدير النيابة الإدارية، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وأحقية المدعي في التعيين في هذه الوظيفة مع إلزام المدعى عليهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعي في بيان دعواه أنه اختير من بين رجال القضاء لتدعيم النيابة الإدارية وظل يتدرج في الترقي بكفاءة واقتدار حتى أصبح نائباً لمدير النيابة الإدارية بالقرار الجمهوري رقم 353/ 1981 بتاريخ 29/ 6/ 1981، وعندما خلت وظيفة مدير النيابة الإدارية سنة 1983 كان المدعي مديراً للنيابة الإدارية بالإنابة وكان مما قام به أثناء رئاسته للنيابة الإدارية بالإنابة رئاسة اللجنة الخماسية التي قامت بترشيح أقدم خمسة وكلاء عامين أول للترقية إلى وظائف نواب مدير النيابة الإدارية وكان آخرهم هو الأستاذ عبد الرحمن فرج محسن الذين عين مديراً للنيابة الإدارية متخطياً ستة من رجال القضاء السابقين أقدم منه، واستطرد المدعي أن القرار الجمهوري المطعون فيه وإن كان في ظاهره قرار تعيين إلا أنه في حقيقته قرار بالترقية وهو يخضع في ذلك للضوابط المستقرة في هذا الشأن، وأحكام القضاء مستقرة على أنه وإن كان شغل الوظيفة القيادية يتم بالاختيار إلا أن هذا الاختيار ليس مطلقاً ولا تحكمياً، وإنما لابد أن يتقيد بالأقدمية في حالة تساوي المتزاحمين في الكفاية فإن الأقدم هو الأولى بالترقية، وأن المدعي وهو على رأس نواب مدير النيابة الإدارية لا يمكن أن تقل كفايته عن المطعون في تعيينه، بل يؤكد أنه أكفأ بكثير، وأنه ليس في قانون الوظيفة العامة مما يجعل للأقدمية في التخرج أي وزن في ترجيح موظف على آخر، بل أن ما يعتد به في هذا المجال هي الأقدمية في الوظيفة وفي الدرجة وأن المدعي نائب لمدير النيابة الإدارية منذ عام 1981 في حين أن الأستاذ عبد الرحمن فرج محسن لم يشغل هذه الوظيفة إلا في سنة 1983 بناء على ترشيح المدعي عندما كان يشغل وظيفة مدير النيابة الإدارية بالإنابة، وأضاف المدعي أن القرار المطعون فيه فضلاً عن مخالفته للقانون فإنه ينطوي على إساءة بالغة لسمعة المدعي والإيحاء بأن هناك ما يشينه ويحجبه عن هذا المنصب رغم أنه الأول بين نواب المدير وشغل المدير بالإنابة، واختتم صحيفة الدعوى بطلباته المبينة في الصحيفة، وبجلسة 11/ 9/ 1986 حضر وكيل المطعون ضده الثالث وطلب قبوله خصماً في الدعوى منضماًً إلى الجهة الإدارية المدعى عليها، وبجلسة 1/ 10/ 1987 قدم الحاضر عن الطاعن صحيفة معلنة بتعديل طلباته طلب في ختامها الحكم:
بإلغاء القرار الجمهوري رقم 304/ 1986 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة مدير النيابة الإدارية وإلزام المدعى عليهما بتقرير معاش نهاية الخدمة المستحقة له على أساس استحقاقه الدرجة المالية المخصصة لوظيفة مدير النيابة الإدارية من تاريخ العمل بالقرار المطعون فيه مع صرف الفروق المستحقة له على هذا الأساس، وكذلك صرف الفروق المالية في المرتب الشهري الذي استحق له منذ صدور هذا القرار حتى انتهاء خدمته بتاريخ 30/ 6/ 1987، وإلزام المدعى عليهما بأن يؤديا للمدعي مبلغ أربعين ألف جنيه تعويضاً عما لحقه من أضرار معنوية نتيجة القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 7/ 4/ 1988 أصدرت محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات والترقيات) حكمها القاضي:
{أولاً} بقبول تدخل الأستاذ عبد الرحمن فرج محسن في الدعوى خصماً منضماً إلى الجهة الإدارية.
{ثانياً} بعدم قبول طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المدعي مصروفات هذا الطلب.
{ثالثاً} بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات، وأقامت قضاءها على أسباب محصلها أنه يجوز طبقاً لحكم المادة 126 من قانون المرافعات لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم، وإذ كان طالب التدخل قد عين بالقرار المطعون فيه مديراً للنيابة الإدارية فإن له مصلحة في تدخله في الدعوى خصماً منضماً للجهة الإدارية وبالنسبة إلى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه قالت المحكمة أن هذا القرار لا يجوز طلب وقف تنفيذه لأنه من القرارات التي لا تقبل طلب إلغائها قبل التظلم منها إدارياً طبقاً لحكم المادة 49 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1972.
وبالنسبة إلى موضوع الدعوى قالت أنه طبقاً لنص المادة 35 من قانون النيابة الإدارية رقم 117/ 1958 يكون تعيين مدير النيابة الإدارية بقرار من رئيس الجمهورية ويكون تعيين سائر أعضاء النيابة الإدارية وترقياتهم ونقلهم بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على عرض مدير النيابة وبعد أخذ رأي لجنة تشكل من المدير والوكلاء العامين، ومن ثم فإن المشرع جعل سلطة رئيس الجمهورية في تعيين مدير النيابة الإدارية سلطة مطلقة أي سلطة تقديرية لا معقب عليها في هذا الشأن طالما خلا القرار من عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، ومقتضى ذلك أنه يجوز لرئيس الجمهورية أن يعين مدير النيابة الإدارية من بين أعضاء النيابة الإدارية (ومن غير هؤلاء الأعضاء دون التقيد في حالة التعيين من بين أعضاء النيابة الإدارية بأن يكون من بين نواب المدير أو بالأقدمية فيما بين هؤلاء النواب، ولا يندرج في ذلك ما ساقه المدعي من أنه لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان هذا الأخير ظاهر الامتياز حسبما استقر عليه قضاء مجلس الدولة وأنه أقدم النواب ولا يقل كفاءة عن المطعون على تعيينه، ذلك أن قاعدة الالتزام بالأقدمية في حالة التساوي في مرتبة الكفاية يعمل بها في مجال الترقية وليس في مجال التعيين، وإذا كانت النصوص التي تناولت الترقيات بالاختيار صرحت على النص على الالتزام بالأقدمية في حالة التساوي في مرتبه الكفاية عند إجراء حركة الترقيات فإنه في مجال التعيين لا يمكن القول بوجوب الالتزام بقاعدة الأقدمية، خاصة أنه في الحالة الماثلة يمكن تعيين مدير النيابة الإدارية من خارجها دون الاحتجاج بأن ثمة تخطياً لأجد من أعضائها، كما أن وضع قيد سلطة رئيس الجمهورية في تعيين مدير النيابة الإدارية بالالتزام بتعيين أقدم النواب إنما يلغي السلطة التقديرية الممنوحة لرئيس الجمهورية في هذا الشأن ويصادرهما تماماً الأمر الذي يخالف صريح نص المادة 35 المشار إليها، ووفقاً لذلك إذا ما صدر القرار المطعون فيه متضمناً تعيين مدير النيابة الإدارية من بين نواب المدير دون التقيد بالأقدمية فيما بينهم فإن هذا القرار صحيحاً ومتفقاً وأحكام القانون وتكون الدعوى بطلب إلغائه غير قائمة على سند من القانون جديرة بالرفض.
وبالنسبة إلى طلب التعويض فإن أساس مسئولية الإدارة عن قراراتها الإدارية هو صدور هذه القرارات مشوبة بعيب أو أكثر من عيوب القرارات الإدارية وهو يشكل ركن الخطأ في جانبها ويترتب على هذا الخطأ ضرر وتقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وإذا كان القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً فإن ركن الخطأ يكون قد انتفى وبالتالي انهيار المسئولية لانهيار ركن من أركانها مما يتعين معه رفض طلب التعويض.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو مخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن التفسير الصحيح للمادة 35 من قانون النيابة الإدارية رقم 117/ 1958 يؤدي إلى أنه لا توجد سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية إذ أنه يحده مبدأ المشروعية، وإنما سلطته في هذا الشأن سلطة تقديرية بالنسبة لعنصر أو أكثر من عناصر القرار الإداري ومقيدة بالنسبة إلى باقي العناصر وتتمثل هذه السلطة في أنه يحق له أن يختار من خارج النيابة الإدارية أو من داخلها، أما إذا اختار من داخلها فإنه يكون مقيداً بالقواعد المستقرة في الاختيار، والقول بغير ذلك يعطي لرئيس الجمهورية الحق في أن يصدر قراراً بتعيين أي عضو بالنيابة الإدارية مديراً لها مهما قلت درجة الوظيفة وهو أمر نزه عنه قصد المشرع، فضلاً عن أن الأخذ بالتفسير الذي اعتنقه الحكم للمادة 35 يؤدي إلى مخالفة مبدأ أساسي من مبادئ القانون المستقرة فقهاً وقضاء وهو ضرورة أن تلتزم الإدارة باحترام القواعد المنطقية في تصرفاتها ومن تطبيقات هذا المبدأ في أحكام المحكمة الإدارية العليا عدم جواز تخطي الأقدم إلى الأحدث في حالة التساوي في مرتبة الكفاية، كما أخطأ الحكم المطعون فيه عندما سلم بأن القرار المطعون فيه يتضمن تعييناً وليس ترقية في حين أن المادة 24 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أنه إذا كان التعيين متضمناً ترقية اعتبرت الأقدمية على أساس الأقدمية في الوظيفة السابقة وقد استقرت أحكام المحكمة الإدارية العليا على أن التعيين في الوظائف من الدرجة الأولى بقانون بقرار من رئيس الجمهورية هو ترقية تتقيد بضوابط الترقية بالاختيار، والواقع أن قرار رئيس الجمهورية باختياره تعيين مدير النيابة الإدارية من داخل النيابة الإدارية ومن بين نواب المدير هو في حقيقته قرار تعيين متضمن ترقية ومن ثم يتعين إعمال نص المادة 24 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة باعتباره القانون العام الساري على كافة موظفي الدولة مما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن، كما لا يجوز قياس حكم المادة 35 من قانون النيابة الإدارية المشار إليه بشأن تعيين مدير النيابة الإدارية على النصوص الخاصة بتعيين رؤساء الهيئات القضائية التي توجب أن يتم التعيين من بين أقدم النواب لأن هذه النصوص تتضمن خروجاً على المبادئ العامة حيث قيد المشرع سلطة رئيس الجمهورية بأن أوجب عليه أن يعين رؤساء هذه الهيئات من بين نواب الرئيس وفي ذات الوقت أعطى له سلطة تقديرية في أن يختار من بين النواب دون التقيد بالأقدمية، أما قانون النيابة الإدارية فقد أعطى لرئيس الجمهورية السلطة التقديرية في أن يختار من داخل الهيئة أو من خارجها ولم يمنحه أية سلطة تقديرية في حالة اختياره من بين نواب المدير من داخل الهيئة في أن يختار دون التقيد بالأقدمية، ولما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون حرياً بالإلغاء.
ومن حيث إن دفاع الجهة الإدارية المطعون ضدها يقوم على أن سلطة رئيس الجمهورية في تعيين مدير النيابة الإدارية سلطة تقديرية طبقاً لحكم المادة 35 من قانون النيابة الإدارية رقم 117/ 1958 فلم يقيده المشرع بأي قيد كأن يكون التعيين من بين نواب مدير النيابة الإدارية إذ يملك التعيين أيضاً من خارجها دون معقب عليه من القضاء ولا يحده في ذلك سوى عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، وهو ما لم يقم عليه دليل في هذا الطعن، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه وقد صدر صحيحاً فإن طلب التعويض عنه يكون في غير محله ذلك أنه بثبوت صحة القرار الإداري ينتفي ركن الخطأ وبالتالي تنهار المسئولية لانهيار أهم ركن فيها، أما طلب تعديل المعاش وصرف الفروق المالية فإن ربط المعاش إنما يتم على أساس الدرجة المالية التي كان يشغلها الطاعن عند إحالته إلى المعاش وقد سوى معاشه على أساسها فعلاً فلا حق له وراء ذلك.
ومن حيث إن المادة 35 من القانون رقم 117/ 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية الساري على واقعة النزاع تنص على أن: "يكون تعيين مدير النيابة الإدارية بقرار من رئيس الجمهورية، ويكون تعيين سائر أعضاء النيابة الإدارية وترقياتهم ونقلهم بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض مدير النيابة وبعد أخذ رأي لجنة تشكل من المدير والوكلاء العامين......". ومن هذا النص يتبين أن القانون خول لرئيس الجمهورية تعيين مدير النيابة الإدارية بسلطة تقديرية دون أن يتقيد في ذلك بأية قيود أو ضوابط كأن يختار المدير من بين نواب مدير الهيئة أو بعد أخذ رأي مجلس أو لجنة معينة كما فعل بالنسبة إلى تعيين رؤساء الهيئات القضائية الأخرى، فقد نصت المادة 44 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46/ 1972 على أنه: "........ ويعين رئيس محكمة النقض من بين نواب الرئيس وبعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى......".
وكما جاء بنص المادة 83 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 حيث نصت على أن "يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأي جمعية عمومية خاصة تشكل من رئيس مجلس الدولة ونوابه ووكلائه والمستشارين الذين شغلوا وظيفة مستشار لمدة سنتين".
كذلك نصت المادة 16 من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1986 على أن "يكون شغل وظائف أعضاء الهيئة سواء بالتعيين أو بالترقية بقرار من رئيس الجمهورية ويعين رئيس الهيئة من بين نواب الرئيس بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للهيئة" ويبين من هذه النصوص أن المشرع قد غاير في الحكم بالنسبة إلى إجراءات وقيود تعيين رؤساء الهيئات القضائية فبينما أوجب تعيين رؤساء محكمة النقض، ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة من بين نواب الرئيس بعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى أو الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة أو المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة حسب الأحوال لم يوجب ذلك بالنسبة إلى تعيين مدير النيابة الإدارية فقد أطلق سلطة تعيينه من أي قيد مما ذكر فلم يوجب أن يكون من بين نواب المدير ولم يقيدها بأخذ الرأي أو الرجوع إلى اللجنة المشكلة داخل هيئة النيابة الإدارية للنظر في شئون الأعضاء وبذلك يملك رئيس الجمهورية تعيين مدير النيابة الإدارية من بين أعضائها أو من خارج هذه الهيئة دون معقب عليه في ذلك طالما سلم قراره من عيب إساءة استعمال أو الانحراف بها، أما ما نحى إليه الطاعن من اجتهاد في إيجاد قيود على سلطة رئيس الجمهورية عندما يختار تعيين مدير النيابة الإدارية من بين أعضائها تتمثل في اختيار الأقدم من بين النواب إذا تساووا في درجة النيابة فإن هذا الاجتهاد لا محل ولا موجب له أمام صراحة النص وهو تخصيص بغير مخصص، ومتى كان ذلك وكانت الأوراق خلواً مما يفيد وجود ثمة غاية قصدت إليها الجهة الإدارية بإصدارها القرار المطعون فيه غير المصلحة العامة، ولم يستطع الطاعن إقامة الدليل على غير ذلك كأن يثبت الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها، وبذلك يكون القرار قد صدر صحيحاً لا مطعن عليه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يكون قد أصاب في قضائه ويكون الطعن عليه غير قائم على سند من الواقع والقانون حرياً بالرفض.
ومن حيث إنه متى كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى هذه النتيجة وهي صحيحة كما سلف البيان فإن طلبات الطاعن الأخرى تكون قد تداعت بدورها، فطلب تقرير معاش نهاية الخدمة على أساس استحقاقه للدرجة المالية لوظيفة مدير النيابة الإدارية لم يعد قائماً على سند من القانون، وكذلك الأمر بالنسبة إلى طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بالطاعن من جراء صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 304/ 1986 المطعون فيه فإنه لا سند له، ذلك أن مسئولية الإدارة عن قراراتها الإدارية تتطلب قيام ركن الخطأ في جانبها وذلك بصدور قرار إداري غير مشروع بأن يشوبه عيب أو أكثر من عيوب القرارات الإدارية المنصوص عليها في المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1972 وهي عيوب عدم الاختصاص والشكل ومخالفة القوانين أو اللوائح والخطأ في تطبيقها أو تأويلها وعيب إساءة استعمال السلطة، ثم قيام الضرر ووجود علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وإذ تبين انهيار ركن الخطأ لصدور القرار الإداري المطلوب التعويض عنه صحيحاً من أي من هذه العيوب فقد انهارت تبعاً لذلك المسئولية، وهو ما قضى به الحكم المطعون فيه بحق، وبناء على ما تقدم يكون الطعن الماثل قد أقيم على غير سند من الواقع أو القانون حرياً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق