جلسة 31 من مايو سنة 1992
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل محمد زكي فرغلي وفريد نزيه تناغو وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.
---------------
(172)
الطعن رقم 1712 لسنة 35 القضائية
شركات - شركات الاستثمار - شركات توظيف الأموال - المعاملة الضريبية لها.
المادة (3) من نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة الصادرة بالقانون رقم 43 لسنة 1974 القانون رقم 146 لسنة 1988 في شأن الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال.
حظر المشرع على أية جهة تلقي أموال من الجمهور بأية عملة أو وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة فيها إلا إذا أخذت شكل الشركة المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام وقيدت في السجل المعد لذلك في هيئة سوق المال - اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 146 لسنة 1988 تتوقف الشركات التي تعمل في هذا النشاط عن تلقي الأموال وتقوم بتوفيق أوضاعها طبقاً لأحكامه إذا رغبت في الاستمرار في النشاط المذكور - هذا النص نسخ ضمنياً حكم البند (4) من المادة 3 من قانون استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة المشار إليه الخاص بنشاط شركات الاستثمار في مجال توظيف الأموال - عبارة "مع عدم الإخلال بأحكام قانون الشركات المساهمة وغيره من القوانين المنظمة لصور من الاكتتاب العام أو تجميع الأموال" الواردة في صدر المادة الأولى من القانون رقم 146 لسنة 1988 لا تعني استثناء نشاط تلقي الأموال من أجل توظيفها - تجميع الأموال على سبيل التبرع للمشروعات الخيرية تحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية هو المستثنى من أحكام القانون - أساس ذلك: أنه لا يعد من مظاهر النشاط الاقتصادي الذي يهدف إلى توظيف الأموال أو استثمارها - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 12 من إبريل سنة 1989 أودع الأستاذ/ محمد محمد شرين المحامي نيابة عن الشركة السعودية المصرية للاستثمار والتمويل قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجداولها تحت رقم 1712 لسنة 35 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 28/ 2/ 1989 في الدعويين رقمي 3397، 3463 لسنة 39 ق والقاضي بعدم قبول الدعويين لانتفاء المصلحة فيها بالنسبة لطلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بوضع شروط على قبول الودائع وأحقيتها في أن تعامل بالنسبة للضرائب على أساس قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974 وبرفض طلب التعويض وإلزام الشركة المدعية المصروفات.
وطلبت الشركة الطاعنة للأسباب الموضحة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً.
أولاً: - بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من فرض قيود على نشاط الشركة في توظيف الأموال على خلاف أحكام القانون رقم 43 لسنة 1974.
ثانياً: - إعفاء نشاط الشركة خلال الفترة المحددة آنفاً من دفع الضرائب وفقاً لأحكام القانون المذكور.
ثالثاً: - تعويض الشركة الطاعنة عما لحقها من أضرار نتيجة لصدور القرار المطلوب إلغاؤه بتعويض مبدئي مقداره 101 جنيه مصري.
وقدم الأستاذ المستشار علي رضا مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة في الطعن الذي ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بأحقية الشركة الطاعنة في الإعفاء الضريبي متى توافرت أركانه وعدم التزامها بإجراء مخصص من الأرباح لمواجهتها، ورفض الطعن فيما عدا ذلك من طلبات وإلزام الشركة الطاعنة بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7/ 1/ 1991 وتم تداول الطعن بالجلسات المذكورة والجلسات التالية على النحو المبين بمحاضرها حتى قررت الدائرة بجلسة أول يوليو سنة 1991 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، حيث نظرت الطعن بجلسة 20/ 7/ 1991 والجلسات التالية حتى قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة السبت 26/ 10/ 1991 ثم أعيد الطعن إلى المرافعة لتغيير التشكيل وقررت إصدار الحكم بجلسة 22/ 3/ 1992 ثم تقرر مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 26/ 4/ 1992 ثم بجلسة 31/ 5/ 1992 لإتمام المداولة صدر هذا الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يتضح من الأوراق - في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 3397 لسنة 39 ق أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بتاريخ 26/ 3/ 1985، كما أقامت الدعوى رقم 3463/ 39 ق بتاريخ 28/ 3/ 1985، وطلبت في ختام الدعويين الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من الهيئة العامة للاستثمار بوقف نشاط الشركة في قبول القروض المتخذة شكل ودائع نقدية ووضع قيود على النشاط المذكور، ووقف قرار الهيئة الصادر بتاريخ 26/ 1/ 1985 بعدم تحويل أرباح الجانب السعودي في الشركة، وفي الموضوع بإلغاء القرارين مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها أحقية الشركة في تحويل أرباح الجانب السعودي في رأسمالها وفقاًً للقواعد المنظمة لتحويل الأرباح، وأحقيتها في أن تعامل بالنسبة للضرائب على أساس قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974، وذلك تأسيساً على أن الشركة أسست طبقاً لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1974، وكان من بين أغراضها عقد القروض والتسهيلات بكافة أنواعها والحصول على الموارد المالية والقروض والإيداعات بكافة صورها والمساهمة في تدبير التمويل الذي تطلبه الحكومة والمؤسسات التابعة لها وكذلك الشركات والأفراد وتمويل عمليات التجارة بوجه عام، وقد باشرت الشركة نشاطها منذ عام 1976 على النحو الوارد في القرار الوزاري رقم 35 لسنة 1976 بالترخيص للشركة بتأسيسها، ألا أنها تلقت مؤخراً اعتراضات من جانب الهيئة العامة للاستثمار تدعي فيها الهيئة أن قيام الشركة بقبول الودائع يعتبر مخالفة لقانون لبنوك والائتمان، وقامت الشركة بالرد على الهيئة موضحة أن الودائع التي تقبلها لا تعتبر ودائع مصرفية بل هي مجرد قروض في شكل إيداعات ترد عند انتهاء مدتها تقبلها الشركة في حدود الأغراض المرخص لها بها وهذه القروض لا تعتبر ودائع مصرفية لأنها لا ترد عند الطلب أو لأجل مما يجاوز سنة، وبعد أن اقتنعت الهيئة بوجهة نظر الشركة في أن قبول الودائع على هذا النحو لا يعتبر خروجاً عن أغراضها أصدرت قراراً بوضع قيود على عملية قبول الودائع هي: - (1) ألا تكون ودائع وتحت الطلب. (2) ألا تكون خاضعة لهيكل أسعار الفائدة المصرفية (3) ألا يكون قبول الودائع على سبيل الاعتياد.
(4) قصر استخدام القروض على تدبير احتياجات الشركة في تنفيذ المشروعات التي تساهم فيها أو تؤسسها والتي تكون قد تمت الموافقة عليها من الجهات المختصة.
ولما كانت هذه القيود تشكل مصادرة لنشاط الشركة ووقفه كلية، إذ أن قانون الاستثمار أجاز للشركة عقد القروض وأعفى هذه القروض من الضرائب والرسوم واكتسبت الشركة بمقتضى الترخيص الصادر لها مركزاً ذاتياً في هذا الشأن، فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر مخالفاً للقانون لا سيما وأن الودائع التي تقبلها الشركة هي (قروض) في شكل إيداعات وليست تحت الطلب، وأن القصد منها هو تمويل المشروعات وليست على وجه الاعتياد.
وبجلسة 28/ 2/ 1989 قضت المحكمة بعدم قبول الدعويين لانتفاء المصلحة فيها بالنسبة لطلب وقف التنفيذ وإلغاء القرار الصادر بوضع شروط على قبول الودائع وأحقيتها في أن تعامل بالنسبة للضرائب على أساس قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974 وبرفض طلب التعويض وألزمت الشركة المدعية المصروفات، وأقامت قضاءها على أنه أثناء نظر الدعوى صدر القانون رقم 146 لسنة 1988 في شأن الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها وحظر القانون على غير الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة العامة لسوق المال أن تتلقى أموالاً من الجمهور بأية عملة وبأية وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء كان هذا الغرض صريحاً أو مستتراً، ويعتبر هذا القانون مانعاً قانونياً يحول بين الشركة وبين ما تستهدفه من الطعن في القرار الصادر بوضع قيود على نشاطها المتعلق بقبول الودائع، وبهذه المثابة لا يكون للشركة ثمة مصلحة في الاستمرار في الدعويين بالنسبة لطلبي الإلغاء ووقف التنفيذ، أما بالنسبة لطلب التعويض فلم يثبت من الأوراق أن الهيئة قد رفضت الموافقة على تحويل حصة الجانب السعودي في أرباح الشركة، وإنما توقفت عن ذلك حتى تقوم الشركة بتصويب موقفها والالتزام بالقيود التي وضعتها بالنسبة لنشاط قبول الودائع وأن التأخير قد تم بسبب عدم التزام الشركة بسعر الصرف الذي يتم التحويل وفقاً له وأنه بمجرد التزام الشركة بهذه القواعد فقد صدر قرار الهيئة بالموافقة على تحويل الحصة المشار إليها في 9/ 10/ 1985 مما ينفي عن الجهة الإدارية ركن الخطأ المسوغ للتعويض، أما بالنسبة لطلب الشركة أحقيتها في الإعفاء من الضرائب فإن الأساس الذي تستند إليه الشركة هو نص المادة (18) من قانون الاستثمار، ومن ثم لم يعد للشركة أية مصلحة في المطالبة به بعد إلغاء القانون المذكور.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم الطعين قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية: -
أولاً: - أن صدور القانون رقم (146) لسنة 1988 لا يعتبر مانعاً قانونياً لأعمال مصلحة الشركة المدعية في إلغاء القرار المطعون فيه والتعويض عما رتبه من ضرر، إذ إن الشركة المدعية قد أسست في ظل قانون الاستثمار الذي لم يلغ بمقتضى القانون رقم 146 لسنة 1988 المشار إليه حيث خلا القانون المذكور من أي نص يلغي الفقرة الرابعة من المادة الثالثة، بل أنه يقضي بأن أحكامه لا تخل بما أورده ق 43 لسنة 1974 من أحكام، ومن ثم تظل الشركة خاضعة لأحكام الأخير، لا سيما وأن الشروط والأحكام التي نشأت الشركة في ظلها بمقتضى قانون الاستثمار تختلف تماماً عن تلك التي نص عليها القانون رقم 46/ 1988 ومن ثم فلا محل للاستناد إلى هذا القانون لحرمان الشركة من المطالبة بحقوقها، وقد أشار المشرع في قانون شركات توظيف الأموال إلى وجود شركات مساهمة أخرى تعمل في نشاط تلقي الأموال وتنظمها قوانين خاصة غير القانون المذكور، ومن ثم تظل مصلحة الشركة قائمة في الطعن في القرارات المذكورة حتى بعد صدور القانون رقم 146 لسنة 1988 المشار إليه.
ثانياً: - أن المشرع في القانون رقم 43 لسنة 1974 وهو قانون لاحق على قانون 163 لسنة 1957 قد أجاز بل حث كافة المشروعات المنشأة في ظله على عقد القروض وقبول الودائع اللازمة لتمويل نشاطها، بل وأعفى هذه القروض من الضرائب والرسوم على النحو الوارد في المادة (18) منه، كما تضمنت موافقة هيئة الاستثمار النص على أعمالها المرخص بها ومن بينها عقد القروض وإجراء التسهيلات بكافة أنواعها، الأمر الذي يجعل القرار المطعون فيه يشكل تعديلاً لقرار الترخيص إهداراً لحقوق الشركة المكتسبة.
ثالثاً: - أن الودائع التي تقبلها الشركة تختلف عن تلك التي تقبلها البنوك كودائع مصرفية في كون الأولى على خلاف الثانية غير خاضعة للسحب عند الطلب، وأنها غير محددة المدة، وأنها لا تقبل على سبيل الاعتياد، وإنما بمناسبة عارضة تتبلور في تصدي الشركة لتمويل بعض المشروعات.
رابعاً: - أن الشركة معفاة أصلاً من الضرائب المستحقة على فوائد القروض طبقاً للقانون 43 لسنة 1974، وبالتالي فإن اعتراض الهيئة على تحويل نصيب الشريك الأجنبي عن الأرباح بحجة إجراء مخصص للضرائب هو تعويق مقصود وغير مشروع يسبب ضرراً ويستوجب التعويض عنه.
خامساً: - أن زيادة فوائد القروض على 7% وهى الحد الأقصى الوارد في القانون المدني تجيز للمدين فقط أن يطلب قضاء تخفيض الفائدة إلى الحد الأقصى المسموح به قانوناً ولكنه لم يسمح لأية جهة إدارية أن تتدخل لفرض أحكام هذه المادة على الشركة الدائنة وإنما هو أمر يخص الشركة والمتعاملين معها.
ومن حيث إن طلبات الشركة قد أضحت تنحصر بعد تعديلها الثابت بمحضر جلسة 3/ 3/ 1987 أمام محكمة القضاء الإداري في: - أولاً: - إلغاء القرار المبلغ لها من هيئة الاستثمار في 14/ 11/ 1984 بوضع قيود على نشاطها في قبول الودائع النقدية مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ثانياً: - إلزام الهيئة بأن تدفع للشركة الطاعنة مبلغاً وقدره 101 جنيه على سبيل التعويض المؤقت لامتناعها عن الموافقة على تحويل أرباح الجانب السعودي في 26/ 1/ 1985.
ومن حيث إن القانون رقم 43 لسنة 1974 المعدل بالقانون رقم 32 لسنة 1977 الذي أسست الشركة الطاعنة في ظله قد نظم الأحكام الخاصة باستثمار المال العربي والأجنبي في حدود الأهداف والمجالات التي نصت عليها المادة الثالثة والتي قضت "بأن يكون استثمار المال العربي والأجنبي في جمهورية مصر العربية لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار السياسة العامة للدولة وخطتها القومية على أن يكون ذلك في المشروعات التي تتطلب خبرات عالمية في مجالات التطوير الحديثة أو تحتاج إلى رءوس أموال أجنبية وفي نطاق القوائم التي تعدها الهيئة ويعتمدها مجلس الوزراء وذلك في المجالات الآتية: -
(1) التصنيع والتعدين والطاقة والسياحة والنقل وغيرها من المجالات.
(2) .............. (3) ..............
(4) شركات الاستثمار التي تهدف إلى توظيف الأموال في المجالات المنصوص عليها في هذا القانون.
(5) شركات الاستثمار وبنوك الأعمال وشركات إعادة التأمين التي يقتصر نشاطها على العمليات التي تتم بالعملة الحرة.
(6) البنوك التي تقوم بعمليات بالعملة المحلية متى كانت في صورة مشروعات مشتركة مع رأسمال محلي مملوك لمصريين لا تقل نسبته في جميع الأحوال عن 51%.
واستناداً إلى القيد "4" المشار إليه صدرت موافقة الهيئة العامة للاستثمار في 4/ 10/ 1974 على الطلب المقدم من الشركة الطاعنة لإقامة الشركة السعودية المصرية للاستثمار والتمويل، وبتاريخ 7/ 3/ 1976 صدر قرار وزير الاقتصاد والتعاون الاقتصادي رقم 35 لسنة 1976 بالترخيص لها بمزاولة نشاطها طبقاً للعقد الابتدائي والنظام الأساسي لها والذي حدد أغراضها في القيام بعمليات وكلاء تمويل وترويج الاكتتاب في الأوراق المالية......، وعقد القروض والتسهيلات بكافة أنواعها والحصول على كافة الموارد والقروض والإيداعات بكافة صورها والمساهمة في تدبير التمويل الذي تطلبه حكومة جمهورية مصر العربية والمؤسسات التابعة لها والشركات والأفراد وتمويل عمليات التجارة الخارجية في يونيو سنة 1988 في شأن الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها ونص في المادة الأولى منه على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادرة بالقانون رقم 159 لسنة 1981 وغيره من القوانين المنظمة لصور من الاكتتاب العام أو تجميع الأموال لا يجوز للشركات المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة العامة لسوق المال أن تتلقى أموالاً من الجمهور بأية عملة وبأية وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحاً أم مستتراً.
ومن حيث إنه يبين من صياغة النص المتقدم والمناقشات التي دارت بشأنه - في مجلس الشعب والتي انتهت بإقرار الموافقة عليه بالصيغة التي صدر بها القانون، أن المشرع قد ابتغى بإصداره القانون أن يفرد نوعاً من النشاط الاقتصادي بنظام قانوني خاص وموحد لما له من خطورة بالغة التأثير في النظام الاقتصاد والاجتماعي في الدولة وهو نشاط تلقي الأموال من المواطنين بأية عمله وبأية وسيلة بقصد استثمارها أو توظيفها أو المشاركة بها إذ الثابت من المناقشات التي انطوت عليها مضبطة مجلس الشعب أن المشرع كان يواجه قضية شركات تجميع الأموال التي استطاعت أن تستغل معاناة المواطنين بحاجاتهم إلى تنمية مدخراتهم واستحوزت على أموالهم ومقدراتهم في ظل غياب القواعد القانونية السليمة التي تحقق الرقابة الكاملة والفعالة على هذا النوع من النشاط الاقتصادي على النحو الذي يحمي حقوق المواطنين البسطاء الذين يفتقرون إلى الخبرة الكاملة لحماية أموالهم وكيفية تنمية مدخراتهم بالوسائل الاقتصادية السليمة والذين عادة ما يسهل إخضاعهم للأفراد أو للشركات التي تلوح لهم بالعائد الكبير والضخم والتسهيلات الائتمانية المتميزة، يتقدمون لها - تحت تأثير هذه الإغراءات بما جمعوه من أموال وإذا كان استغلال أصحاب المدخرات هذه أمراً ميسوراً لبعض الأفراد والشركات العاملة في ظل القانون العام، فإن هذا الاستغلال يكون أوسع نطاقاً وأبلغ أثراً بالنسبة للشركات العاملة في ظل قانون استثمار المال العربي والأجنبي الذي يقوم أساساً على تحقيق الحماية الكاملة للمستثمر وتحويله أكبر قدر من الجدية للاستثمار بوسائله المختلفة وسحب أرباحه وتحويلها إلى الخارج بعيداً عن رقابة الأجهزة المختصة حيث تتمكن هذه الشركات من تجميع أموال المواطنين وتصديرها إلى الخارج مقابل فائدة أو عائد يشغلهم عن رقابة رأس المال النازح من مصر لتوظيفه على حسابهم في الدول الأخرى على نحو يتناقض تماماً مع الهدف من قانون الاستثمار الذي يقوم أساساً على جذب رؤوس الأموال من الخارج لاستثمارها داخل مصر، الأمر الذي يؤكد اتجاه الشارع نحو إخضاع هذا النوع من النشاط الاقتصادي لنظام قانوني متميز وموحد ويحقق رقابة فعالة من الدولة على الشركات العاملة في ظله لتتحمل مسئولياتها تجاه المواطنين لحماية مصالحهم وأموالهم وحماية الاقتصاد القومي في ذات الوقت مما عساه أن يقعوا فيه ويتحملوا مغبته، لذلك فقد حرص المشرع في المادة الأولى من القانون 146 لسنة 1988 المشار إليه على النص صراحة على أن يحظر على أية جهة أن تتلقى أموالاً من الجمهور بأية عملة أو بأية وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحاً أو ضمنياً إلا إذا أخذت هذه الجهة شكل الشركة المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام وتقيد في السجل المعد لذلك في هيئة سوق المال وواجب المشرع بنص صريح وعام - على كل شركة تعمل في هذا النشاط وقت صدور القانون أن تتوقف نهائياً عن تلقي الأموال من تاريخ العمل به وأن تقوم بتوفيق أوضاعها وفقاً لأحكامه إذا رغبت في الاستمرار في العمل في المجال المذكور ولا ريب في أن النص بصيغته الحالية قد نسخ ضمنياً حكم البند (4) من المادة الثالثة من قانون استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة المشار إليه والذي حدد المجالات التي يجوز للشركات العمل في نطاقها وهي (1) ..... (2) ...... (3) ..... (4) شركات الاستثمار التي تهدف إلى توظيف الأموال في المجالات المنصوص عليها في هذا القانون. (5) ...... وذلك في النطاق الذي يكون توظيف المال مصدره تلقي الأموال من أفراد الجمهور، ولا في سلامة هذا النظر ما ورد في صدر المادة الأولى من القانون 146 لسنة 1988 المشار إليه من أنه "مع عدم الإخلال بأحكام قانون شركات المساهمة.... وغيره من القوانين المنظمة لصور من الاكتتاب العام أو تجميع الأموال.... فليس في صياغة هذه العبارات الأخيرة ما يؤدي إلى استثناء نشاط تلقي الأموال من أجل توظيفها واستثمارها لصالح مودعيها أما القوانين المنظمة لتجميع الأموال فيقصد بها القوانين المنظمة للاكتتاب في المشروعات من أصحاب الأموال التي يسهمون فيها بأموالهم أو لعمليات تجميع الأموال على سبيل التبرع للمشروعات الخيرية وطريقة تجميعها تحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية بحسبان ذلك النوع من تجميع الأموال لا يعد من مظاهر النشاط الاقتصادي الذي يهدف إلى توظيف الأموال أو استثمارها ومن ثم يكون من السائغ استثناؤه من أحكام القانون 146 لسنة 88 المذكور، أما النشاط الخاص بتلقي الأموال من الجمهور لتوظيفها، فيظل خاضعاً لأحكام هذا القانون محظوراً على أي فرد أو شركة أن تقوم به إلا إذا وقفت أوضاعها وفقاً لأحكامه.
فإذا كان الثابت من الأوراق أن الشركة الطاعنة قد حصلت من الهيئة العامة للاستثمار على ترخيص يسمح لها طبقاً للبند 3 من المادة الثالثة منه بعقد القروض والتسهيلات بكافة أنواعها والحصول على الموارد والقروض والإيداعات بكافة صورها...." فإن الترخيص بهذا النشاط يسقط في مجال التطبيق فور نفاذ قانون توظيف الأموال المشار إليه، ومن ثم لا تعدو للشركة أية مصلحة في وقف تنفيذ أو إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة للاستثمار يتقيد نشاطها في هذا المجال، بعد أن أضحى النشاط ملغياً بأكمله بصدور القانون رقم 46 لسنة 1988 المذكور الذي يعد - بلا ريب - مانعاً قانونياً يحول بين الشركة وبين ما تستهدفه من ممارسة نشاطها المتعلق بقبول الودائع، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها شكلاً لانتفاء المصلحة القانونية التي ينبغي أن تظل قائمة في أية حالة تكون عليها الدعوى، وإذ انتهى الحكم الطعين إلى هذه النتيجة فإنه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون النعي عليه لمخالفته للقانون قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض فإن الشركة الطاعنة تستند في طلبها إلزام الهيئة بأن تؤدي مبلغ 101 جنيه على سبيل التعويض المؤقت - إلى الهيئة المطعون ضدها قد أخطأت بترخيصها في الموافقة على طلب الشركة تحويل حصة الجانب السعودي من الأرباح وامتنعت عن تحويل الحصة إلا بعد أن استجابت الشركة الطاعنة إلى طلبها لتكوين مخصص لما عساه أن يستحق من الضرائب على هذه الأرباح، الأمر الذي أصاب الشركة بأضرار تتمثل - حسبما ما تدعيه - في الفرق بين سعر التحويل للدولار الذي كان مقرراً وقت طلب تحويل الحصة وهو (84) قرشاً للدولار، وسعره وقت التصريح بتحويله وهو (134.00) قرشاً.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن امتناع الهيئة المطعون ضدها عن الموافقة على تحويل حصة الجانب السعودي من أرباح عام 1983، خلال الفترة من 22/ 7/ 1984 تاريخ تقديم طلب التحويل وحتى 8/ 10/ 1985 تاريخ إصدار الموافقة النهائية على التحويل كان بسبب عدم التزام الشركة بقرار مجلس إدارة الهيئة بشأن عدم توزيع الأرباح إلا بعد سداد الضرائب المستحقة على نشاط الودائع والإقراض وفقاًً للاشتراطات التي انتهت إليها اللجنة المشكلة من الهيئة والبنك المركزي المصري في هذا الخصوص، وبتاريخ 14/ 7/ 1985 وافق مجلس إدارة الهيئة بناء على المكاتبات المتبادلة بين الهيئة والشركة على توزيع أرباح عام 1983 بعد تكوين مخصص للضرائب التي قد تستحق على نشاط الإقراض وقبول الودائع، ومن ثم فإن تريث الهيئة في الموافقة على تحويل حصة الشريك الأجنبي خلال الفترة المشار إليها كان قائماً على سبب يبرره قانوناً هو التحوط من تحويل حصة الشريك المذكور بما عساه أن تكون محملة به من ضرائب مستحقة للدولة، الأمر الذي قد يعد من الهيئة إعانة للشركة على التهرب من الضريبة، ولا يسوغ التحدي في هذا المجال بأن نص المادة 18 من القانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديلاته صريحة في إعفاء الفوائد المستحقة على القروض من جميع الضرائب والرسوم، ذلك أن الإعفاء المشار إليه لا يسري إلا على نشاط القروض التي تعقد بالنقد الأجنبي فقط، وهو أمر لا يقتصر عليه نشاط الشركة الطاعنة حيث إن الترخيص الممنوح لها يسمح لها بعقد القروض بأية عملة من العملات ومن فيها العملة المصرية، فضلاً عن أن الخلاف بين الشركة الطاعنة والهيئة إنما يقوم أساساً على خروج الشركة الطاعنة عن الأهداف المرخص لها بها، مما يجعل لمصلحة الضرائب - في نظر الهيئة - حقاً في أرباح المشروع مما دعاها إلى التحوط من عدم تحويل الحصة إلا بعد سداد الضرائب، فإذا ما انتهى الخلاف المذكور إلى حل مقبول لدى الطرفين هو تحويل الحصة المطلوبة مع تكوين مخصص للضرائب التي قد تستحق على أرباح الشريك الأجنبي، مما ينفي عن الهيئة والقائمين على إدارتها أي تعسف مقصود في الامتناع عن تحويل الأرباح إذ كان تأخيرها في التحويل قائماً على أسباب سائغة ومستخلصة من أصول منطقية ومعقولة هي عدم ضياع حقوق الدولة فيما يستحق من ضرائب على أرباح النشاط الذي كان محلاً للخلاف بين الهيئة وبين الشركة الطاعنة، مما يعدو معه تصرف الهيئة تصرفاً طبيعياً وسائغاً ومقبولاً مما ينتفي معه في حقها ركن الخطأ الموجب لمسئوليتها عما قد يصيب الشركة من أضرار، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب التعويض، قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن الشركة وقد خسرت الطعن فتلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة 184 مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وألزمت الشركة الطاعنة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق