الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 يناير 2025

الطعن 6717 لسنة 89 ق جلسة 17 / 3 / 2022 مكتب فني 73 ق 27 ص 247

جلسة 17 من مارس سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / مصطفى أحمد الصادق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد قزامل و د. أحمد عاصم عجيلة نائبي رئيس المحكمة وأيمن عبد الوهاب وأحمد جلال .
------------------
(27)
الطعن رقم 6717 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراده على ثبوتها في حق الطاعنين أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
مثال .
(2) رشوة .
دخول الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها في نطاق وظيفته مباشرة . غير لازم . كفاية أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس .
(3) رشوة . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " .
القصد الجنائي في جريمة الرشوة . مناط توافره ؟
استظهار الحكم القصد الجنائي في جريمة الرشوة استقلالاً . غير لازم . متى دلت الوقائع على توافره .
(4) إثبات " قرائن " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
نعي الطاعن على الحكم عدم بيان مؤدى المكالمات الهاتفية بين الطاعنين والمتهم الثالث . غير مقبول . متى استند إلى حصولها في وقت معاصر للواقعة كقرينة معززة لأدلة الثبوت الأخرى ولم يتخذ من نتيجتها دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام .
(5) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه . ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق .
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(6) رشوة .
التناسب بين قيمة الرشوة والغرض منها . غير لازم . حد ذلك ؟
(7) رشوة . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
جريمة الرشـوة لم يجعل القانون لإثباتها طريقاً خاصاً . كفاية اطمئنان المحكمة لثبوتها من الأدلة السائغة التي أوردتها .
(8) إثبات " شهود " . محكمـة الموضـوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكـم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بشهادة شاهد . مفاده ؟
تناقض رواية الشاهد في بعض تفاصيلها . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
للمحكمة الأخذ بشهادة الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة . متى اطمأنت إليها .
(10) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
إدلاء الشاهد بشهادته في حدود ما سمحت له ذاكرته وإحالته لأقواله بالتحقيقات وتعويل المحكمة عليها . النعي بعدم تذكره للواقعة . غير مقبول .
(11) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة . حد ذلك ؟
عدم إفصاح الضابط عن مصدر تحرياته . لا ينال من جديتها .
(12) دفوع " الدفع ببطلان الإقرار " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
مثال سائغ في اطراح الدفع ببطلان الإقرار .
(13) دفوع " الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة " " الدفع بتلفيق التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفائها وتلفيق الاتهام . موضوعي . لا يستوجب رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
(14) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة الإعراض عن قالة شهود النفي . ما دامت لا تثق فيما شهدوا به . عدم التزامها بالإشارة إلى أقوالهم . قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها . مفاده : اطراحها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(15) نقض " الصفة في الطعن " " المصلحة في الطعن " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون متصلاً بشخص الطاعن وله مصلحة فيه .
(16) قانون " تفسيره " . دعوى جنائية " قيود تحريكها " . رشوة . نيابة عامة .
المادة ١٨٠ من القانون ۲۸ لسنة 1981 المعدل بالقانون 136 لسنة ٢٠١٠ . مفادها ؟
اختصاص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها دون قيد إلا استثناءً . تحقيقها واقعة الرشوة المؤثمة بالمادة 104 عقوبات وتحريك الدعوى عنها . لا يستلزم صدور طلب كتابي من وزير الطيران . النعي بمخالفة الحكم لقانون الطيران المدني . غير مقبول .
(17) غرامة . عقوبة " العقوبة التكميلية " " تطبيقها " .
الغرامة المنصوص عليها في المادة 104 عقوبات . ماهيتها ؟
إلزام الحكم كل من الطاعنين بغرامة محددة في جريمة واحدة . صحيح . أساس ذلك ؟
(18) عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " عدم جواز مُضارة الطاعن بطعنه " . محكمة النقض " سلطتها " .
معاقبة الطاعنين بالحبس مع الشغل لمدة سنة عن جريمة الرشوة بعد إعمال المادة 17 عقوبات . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . علة وأساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وساق على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وأورد مؤدى كل منها في بيان واف يكشف عن مدى إلمامه بتلك الأدلة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسـم شكلاً خاصاً يصـوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققا لحكم القانون ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعنين أخذا عطية من المتهم الثالث " الراشي " مقابل تسهيل سفره من مطار .... إلى خارج البلاد وبحوزته مبلغ خاص به قدره خمسمائة وعشرين ألف ريــال سعودي مستغلين في ذلك عملهما في هذا المطار - كلاهما كاتب شـئون مالية ثالث وأولهما المسئول عن المشـتريات والثاني أمين الخزينة فيه - وعدم خضـوعهما للتفتيش داخله ، وأنهما تسـلما منه ذلك المبلغ خارج المطار قبيل دخوله إليه يوم الواقعة ، ومن بعد إنهاء إجراءات سفره بصالة السفر الدولي وقبيل توجهه إلى بوابة الصعود إلى الطائرة التقى به الطاعن الأول داخل الحمام الموجود بتلك الصالة وأعاد إليه ذلك المبلغ الذي تمكن شاهد الإثبات الأول من ضـبطه بحوزته حال تفتيشـه الركاب المغادرين على الرحلة رقم .... المتجهة إلى .... قبل صعودهم إلى الطائرة ، وما أورده الحكم يتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادة 104 من قانون العقوبات على ما هي محددة به في القانون .
2- من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشـرة ، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من طلب منه الرشوة قد اتجر معه على هذا الأسـاس ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت على نحو ما سـلف بيانه وظيفة كل من الطاعنين بذلك المطار ، واطمان إلى أن وظيفتهما تسمح لهما بالدخول إليه دون خضـوعهما للتفتيش ، وأن المتهم الثالث - الراشي - قد اتفق معهما على الرشوة على هذا الأساس ، ودانهما الحكم على هذا الاعتبار، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً ، ويكون ما ينعاه الطاعن الأول في هذا الشأن لا أساس له .
3- من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لإتجاره بوظيفته واستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسـات التي صـاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قُدمت للطاعنين تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينهما وبين المتهم الثالث - الراشي - مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به في القانون ، ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشـأن غير سـديد .
4- لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من المكالمات الهاتفية التي جرت بين الطاعنين والمتهم الثالث والتي لم يجر تسجيلها ، وإنما استندت إلى حصول تلك المكالمات بينهم في وقت معاصر للواقعة كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتهـا ، فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينـة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة تلك المكالمات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين ، ويكون ما ينعياه على المحكمة في هذا الخصوص في غير محله .
5- من المقرر أن لمحكمة الموضـوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صـور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح في الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متسـاندة ويكمل بعضها بعضـاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشـته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصـده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليها ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة أخذ الرشوة في حق الطاعنين ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في أدلة الثبوت التي عولت عليها محكمة الموضوع وهو ما لا تسوغ إثارته أمام محكمة النقض .
6- من المقرر أنه لا يشترط في القانون شيئاً من التناسب بين قيمة مقابل الرشوة والغرض منها ما دام تقديم هذه العطية يخل بثقة جمهور الناس في نزاهة الوظيفة العامة ولم يبلغ درجة من الضـآلة تنتفي عنه صـفة المقابل في الرشـوة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا المنحى يضـحى تأويلاً غير صحيح في القانون .
7- لما كان القانون لم يجعل لإثبات جريمة الرشـوة طريقاً خاصاً ما دامت المحكمة قد اطمأنت من الأدلة السائغة التي أوردتها إلى ثبوت الجريمة ، فإن نعي الطاعنين بخلو الأوراق من تسجيلات أو عدم ضبط مبلغ الرشوة يكون على غير سند .
8- من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع بغير معقب ، ومتى أخذت بشهادة شـاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي سـاقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان لا يعيب الحكم تناقض رواية الشاهد في بعض تفاصيلها ما دام استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط شاهد الإثبات الثاني وحصلت أقواله بما لا تناقض فيه وبما تتوافر به أركان جريمة الرشوة وقيام الدلائل الكافية على مقارفة الطاعنين لها ، فإن ما يثيره الطاعنان في ذلك الخصوص إنما ينحل إلى جدل موضـوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض .
9- من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كان بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إليها فإن ما يثيره الطاعنان بشـأن تعويل الحكم على شهادة شاهد الإثبات الثاني يكون في غير محله .
10- لما كان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة استعمت إلى أقوال شاهد الإثبات الثاني العقيد .... فأدلى بشهادته عن الواقعة في حدود ما سمحت له به ذاكرته ، لما قرره من مُضي مدة كبيرة على تاريخ الواقعة وأحال في بعض أقواله إلى ما قرره في التحقيقات ثم مضت مرافعة الدفاع على الطاعنين دون أن تتضمن شيئاً عن قالة الشاهد نسيانه الواقعة ، وكانت المحكمة قد استعملت حقها في التعويل علي أقوال الشاهد في التحقيقات وبالجلسـة فقد بات من غير المقبول من الطاعنين القول بأن الشاهد المذكور قرر بالجلسة بعدم تذكره للواقعة ، ويكون منعاهما في هذا الخصوص في غير محله .
11- من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشـرطة باعتبارها قرينة معززة لما سـاقته من أدلة ، ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ، كما أنه لا محل للاستناد إلى عدم إفصـاح الضابط عن مصـدر تحرياته في القول بعدم جدية التحريات ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم جدية التحريات ورد عليه بردٍ سائغ ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الصدد يكون لا سند له .
12- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إقرار الطاعن الأول بمحضر جمع الاستدلالات ورد عليه بقوله : ( وكانت هذه المحكمة ترى أن إقرار المتهمين الأول والثالث بمحضـر الضبط والذي تطمئن المحكمة لأقوالهما على المتهم الثاني في واقعات جريمة الرشوة المسندة إليهم قد جاءت عن إرادة حرة واختيار مطابق للحقيقة وقد ساندها في ذلك أحاديثهم الهاتفية وتواجد المتهمين بصالة السفر الدولي بمطار .... وعقب ذلك دلف المتهم الثالث للمرحاض وأعقبه المتهم الأول ، ولخلو الأوراق مما يفيد صدور ذلك الإقرار تحت وطأة أي إكراه مادي أو معنوي ولم يقدم الدفاع ما يؤيد ذلك كما خلت الأوراق من ثمة شـائبة تشـوبها ، وإذ كان ذلك وكانت هذه المحكمة تطمئن تمام الاطمئنان إلى صحة إقرار المتهمين الأول والثالث بمحضر الضبط ومطابقته للحقيقة والواقع على الرغم من إنكار المتهمين جميعاً للواقعة أمام النيابة والمحكمة ومن ثم يكون منعى الدفاع في هذا الشـأن غير سديد وتلتفت عنه المحكمة ) ، وإذ كان البين من محضر الجلسة الأخيرة للمحاكمة أن المدافع عن الطاعنين أبدى دفعه هذا بعبارة مرسـلة ولم يشـر إلى نوع الإكراه الذي وقع على الطاعن الأول ولم يسـق دليلاً على وقوعه ، ومن ثم فإنه لم يكن بالحكم حاجة في اطراحه إلى أكثر مما ذكره .
13- من المقرر أن الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفائها في حق المتهم وتلفيق الاتهام له كل ذلك إنما هو دفاع موضوعي لا يستوجب في الأصل من المحكمة رداً خاصاً أو صريحاً طالما أن الرد عليها يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم - كما هو الحال في هذه الدعوى – ، ومن ثم فلا على محكمة الموضوع إن هي لم ترد في حكمها على تلك الدفوع أو أن تكون قد اطرحتها بالرد عليها إجمالاً ، ويكون معه ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير سديد .
14- من المقرر أن للمحكمة أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها وأن في قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها ما يتضمن بذاته الرد على شهادة شهود النفي وأنها لم تطمئن إلى صحة أقوالهم فأطرحتها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من تعييب الحكم لإطراحه أقوال شـاهدي النفي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي وزن المحكمة لعناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
15- لما كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً منها بشخص الطاعن ، وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم بشأن المحكوم عليه الثالث لا يتصل بشخصهما ولا مصلحة لهما فيه فإن ما يثيراه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
16- لما كانت المادة ١٨٠ من القانون رقم ۲۸ لسنة 1981 بإصدار قانون الطيران المدني المعدل بالقانون رقم 136 لسنة ٢٠١٠ قد نصت على أنه : ( عدا الجرائم المنصوص عليها في المواد " ۱۷۰ و ۱۷۱ و ۱۷۲ و ۱۷۳ و 174 و 175 و ١٧٦ " من هذا القانون لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات التحقيق في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلا بناءً على طلب كتابي من الوزير المختص ) ، وكانت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا في الأحوال الاستثنائية التي نص عليها القانون ، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى قبل المتهمين ليس عن جريمة من تلك التي استلزمت المادة آنفة البيان بشـأن رفع الدعوى الجنائية عنها صدور طلب كتابي من وزير الطيران المدني ، وإنما عن جريمة الرشوة المؤثمة بالمادة 104 من قانون العقوبات ، وكان هذا القانون قد خلا من أي قيد على حرية النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها في هذه الجريمة ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون علي غير سند .
17- من المقرر أن عقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألفي جنيه ، ولما كانت المادة 44 المذكورة قد نصت على أنه : ( إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على انفراد خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونوا متضامنين في الإلزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك ) ، وكان إعمال هذا النص يوجب الحكم على المتهمين معاً بهذه الغرامة متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم سـواءً في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضـــــامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا وخص كل من الطاعنين بغرامة ألف جنيه فإنه يكون في هذا الخصـوص قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
18- لما كان الحكم المطعون فيه قد عاقب كل من الطاعنين بالحبس مع الشغل لمدة سنة بعد أن عاملهما بالرأفة ، وكانت العقوبة السالبة للحرية المقررة للجريمة التي دانهما بها هي السجن المؤبد ، فما كان للمحكمة أن تنزل بهذه العقوبة إلا إلى السجن وفقاً لنص المادة 17 من قانون العقوبات ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون إلا أن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يُضار الطاعنان بطعنهما .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من : 1- .... ( طاعن ) 2- .... ( طاعن ) 3- .... بأنهم :
المتهمان الأول والثاني :
- بصفتهما موظفين عموميين الأول .... والثاني .... أخذا رشوة للإخلال بواجب من واجبات وظيفتهما بأن أخذ كلٌ منهما من المتهم الثالث مبلغاً مالياً ( خمسة آلاف جنيه ) وذلك لتسهيل سفره من مطار .... خارج البلاد وبحوزته مبلغ مالي ( خمسمائة وعشرين ألف ريــال سعودي ) بأن تقابلا معه خارج المطار وتسلما منه مبلغاً مالياً ( خمسمائة وعشرين ألف ريـــال سعودي ) ودلفا به إلى داخل المطار مستغلين في ذلك طبيعة عملهما بمطار .... وعدم خضوعهما للتفتيش داخل المطار وتقابل المتهم الأول مع المتهم الثالث بداخل المرحاض الخاص بصالة السفر الدولي عقب إنهاء الأخير لجميع إجراءات التفتيش وسلمه مبلغاً مالياً ( خمسمائة وعشرين ألف ريال سعودي ) وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
المتهم الثالث :
- قدم رشوة لموظفين عموميين للإخلال بواجب من واجبات وظيفتهما بأن قدم لكل من المتهمين الأول والثاني مبلغاً مالياً ( خمسة آلاف جنيه ) وذلك لتسهيل سفره من مطار .... خارج البلاد وبحوزته مبلغ مالي ( خمسمائة وعشرين ألف ريال سعودي ) .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول والثاني وغيابياً للثالث عملاً بالمواد 103 ، 104 ، ۱۰۷ مكرراً /1 من قانون العقوبات ، بعد إعمال المادة 17 من ذات القانون ، أولاً : بمعاقبة كل من .... و .... بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبتغريمه ألف جنيه عما أسند إليهما وبعزله من وظيفته لمدة سنتين وألزمتهما المصاريف الجنائية ، ثانياً : بمعاقبة .... بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه خمسة آلاف جنيه عما أُسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن - الذي تضمنته مذكرتا الأسباب المقدمة من الطاعنين – هي أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما بجريمة الارتشاء فقد شـابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، وانطوى على خطأ في القانون وبطلان في الإجراءات ، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة التي دانهما بها ، والتفت عن دفاع الطاعن الأول القائم على انتفاء صلته بالعمل مقابل الرشوة ، ولم يستظهر توافر القصد الجنائي في حقه والطاعن الثاني ، ولم يبين مؤدى المكالمات الهاتفية التي عول عليها ، كما أن أدلة الثبوت التي ســاقها الحكم المطعون فيه لا تكفي للقول بتوافر أركان جريمة الرشوة في حق الطاعنين ويستحيل بها الوقوف على الصورة الصحيحة للواقعة محل الاتهام فضلاً عن عدم التناسب بين مبلغ الرشوة والغرض منها وخلو أوراق الدعوى من ثمة دليل على ارتكابهما لهذه الواقعة بدلالة خلوها من أية تسجيلات لذلك ، وعول على أقوال شـاهد الإثبات الثاني .... بتحقيقات النيابة رغم تناقضها فيما بينها وأقوال شاهدي النفي فضلا ًعن عداوته مع الطاعن الثاني وعدم تذكره الواقعة لدى مثوله أمام المحكمة ، كما تساند الحكم إلى التحريات رغم عدم جديتها وتجهيل مصـدرها ، كما اطرح الحكم بما لا يصـلح رداً الدفع ببطلان إقرار الطاعن الأول بمحضـر جمع الاستدلالات لكونه وليد إكراه ، والدفع بعدم معقولية الواقعة ، وبانتفاء صلة الطاعنين بها بدلالة عدم ضبطهما في حالة تلبس كما لم يُضبط مبلغ الرشوة ، وبتلفيق الاتهام وكيديته بدلالة إنكار المتهم الثالث - الراشـي – للواقعة ، والتفت عما شهد به شاهدا النفي من خضوع موظفي المطار للتفتيش ، وما دفع به المتهم الثالث بانتفاء القصد الجنائي لديه وحسن نيته وجهله بالقوانين ، وأخيراً فإن الحكم قد دان الطاعنين بالمخالفة لأحكام قانون الطيران المدني التي تستوجب لرفع الدعوى الجنائية قبلهما صـدور طلب كتابي من وزير الطيران المدني . مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وساق على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وأورد مؤدى كل منها في بيان واف يكشف عن مدى إلمامه بتلك الأدلة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسـم شكلاً خاصـاً يصـوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعنين أخذا عطية من المتهم الثالث - الراشي - مقابل تسهيل سفره من مطار .... إلى خارج البلاد وبحوزته مبلغ خاص به قدره خمسمائة وعشرون ألف ريــال سعودي مستغلين في ذلك عملهما في هذا المطار - كلاهما كاتب شـئون مالية ثالث وأولهما المسئول عن المشـتريات والثاني أمين الخزينة فيه - وعدم خضـوعهما للتفتيش داخله ، وأنهما تسـلما منه ذلك المبلغ خارج المطار قبيل دخوله إليه يوم الواقعة ، ومن بعد انهاء إجراءات سفره بصالة السفر الدولي وقبيل توجهه إلى بوابة الصعود إلى الطائرة التقى به الطاعن الأول داخل الحمام الموجود بتلك الصالة وأعاد إليه ذلك المبلغ الذي تمكن شاهد الإثبات الأول من ضـبطه بحوزته حال تفتيشـه الركاب المغادرين على الرحلة رقم .... المتجهة إلى .... قبل صعودهم إلى الطائرة ، وما أورده الحكم يتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادة 104 من قانون العقوبات على ما هي محددة به في القانون . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشـرة ، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من طلب منه الرشوة قد اتجر معه على هذا الأسـاس ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت على نحو ما سـلف بيانه وظيفة كل من الطاعنين بذلك المطار ، واطمان إلى أن وظيفتهما تسمح لهما بالدخول إليه دون خضـوعهما للتفتيش ، وأن المتهم الثالث - الراشي - قد اتفق معهما على الرشوة على هذا الأساس ، ودانهما الحكم على هذا الاعتبار ، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً ، ويكون ما ينعاه الطاعن الأول في هذا الشأن لا أساس له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لإتجاره بوظيفته واستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسـات التي صـاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قُدمت للطاعنين تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينهما وبين المتهم الثالث - الراشي - مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به في القانون ، ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ويكون النعي على الحكم في هذا الشـأن غير سـديد . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من المكالمات الهاتفية التي جرت بين الطاعنين والمتهم الثالث والتي لم يجر تسجيلها ، وإنما استندت إلى حصول تلك المكالمات بينهم في وقت معاصر للواقعة كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتهـا فـإنـه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينـة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة تلك المكالمات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين ويكون ما ينعياه على المحكمة في هذا الخصوص في غير محله . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضـوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صـور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح في الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث يُنبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متسـاندة ويكمل بعضها بعضـاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشـته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصـده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليها ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة أخذ الرشوة في حق الطاعنين ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في أدلة الثبوت التي عولت عليها محكمة الموضوع وهو ما لا تسوغ إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يشترط في القانون شيئاً من التناسب بين قيمة مقابل الرشوة والغرض منها ما دام تقديم هذه العطية يخل بثقة جمهور الناس في نزاهة الوظيفة العامة ولم يبلغ درجة من الضـآلة تنتفي عنه صـفة المقابل في الرشـوة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا المنحى يضـحى تأويلاً غير صحيح في القانون . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يجعل لإثبات جريمة الرشـوة طريقاً خاصاً ما دامت المحكمة قد اطمأنت من الأدلة السائغة التي أوردتها إلى ثبوت الجريمة ، فإن نعي الطاعنين بخلو الأوراق من تسجيلات أو عدم ضبط مبلغ الرشوة ، يكون على غير سند . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع بغير معقب ، ومتى أخذت بشهادة شـاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي سـاقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان لا يعيب الحكم تناقض رواية الشاهد في بعض تفاصيلها ما دام استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط شاهد الإثبات الثاني وحصلت أقواله بما لا تناقض فيه وبما تتوافر به أركان جريمة الرشوة وقيام الدلائل الكافية على مقارفة الطاعنين لها ، فإن ما يثيره الطاعنان في ذلك الخصوص إنما ينحل إلى جدل موضـوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شانه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كان بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إليها فإن ما يثيره الطاعنان بشـأن تعويل الحكم على شهادة شاهد الإثبات الثاني يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة استعمت إلى أقوال شاهد الإثبات الثاني العقيد .... فأدلى بشهادته عن الواقعة في حدود ما سمحت له به ذاكرته ، لما قرره من مُضي مدة كبيرة على تاريخ الواقعة وأحال في بعض أقواله إلى ما قرره في التحقيقات ثم مضت مرافعة الدفاع على الطاعنين دون أن تتضمن شيئاً عن قالة الشاهد نسيانه الواقعة ، وكانت المحكمة قد استعملت حقها في التعويل على أقوال الشاهد في التحقيقات وبالجلسـة فقد بات من غير المقبول من الطاعنين القول بأن الشاهد المذكور قرر بالجلسة بعدم تذكره للواقعة ، ويكون منعاهما في هذا الخصوص في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشـرطة باعتبارها قرينة معززة لما سـاقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ، كما أنه لا محل للاستناد إلى عدم افصـاح الضابط عن مصـدر تحرياته في القول بعدم جدية التحريات ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم جدية التحريات ورد عليه بردٍ سائغ ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الصدد يكون لا سند له . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إقرار الطاعن الأول بمحضر جمع الاستدلالات ورد عليه بقوله : ( وكانت هذه المحكمة ترى أن إقرار المتهمين الأول والثالث بمحضـر الضبط والذي تطمئن المحكمة لأقوالهما على المتهم الثاني في واقعات جريمة الرشوة المسندة إليهم قد جاءت عن إرادة حرة واختيار مطابق للحقيقة وقد ساندها في ذلك أحاديثهم الهاتفية وتواجد المتهمين بصالة السفر الدولي بمطار .... وعقب ذلك دلف المتهم الثالث للمرحاض وأعقبه المتهم الأول ، ولخلو الأوراق مما يفيد صدورذلك الإقرار تحت وطأة أي إكراه مادي أو معنوي ولم يقدم الدفاع ما يؤيد ذلك كما خلت الأوراق من ثمة شـائبة تشـوبها ، وإذ كان ذلك ، وكانت هذه المحكمة تطمئن تمام الاطمئنان إلى صحة إقرار المتهمين الأول والثالث بمحضر الضبط ومطابقته للحقيقة والواقع على الرغم من إنكار المتهمين جميعاً للواقعة أمام النيابة والمحكمة ومن ثم يكون منعى الدفاع في هذا الشـأن غير سديد وتلتفت عنه المحكمة ) ، وإذ كان البين من محضر الجلسة الأخيرة للمحاكمة أن المدافع عن الطاعنين أبدى دفعه هذا بعبارة مرسـلة ولم يشـر إلى نوع الإكراه الذي وقع على الطاعن الأول ولم يسـق دليلاً على وقوعه ، ومن ثم فإنه لم يكن بالحكم حاجة في اطراحه إلى أكثر مما ذكره . لما كان ذلك ، وكان الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفاءها في حق المتهم وتلفيق الاتهام له ، كل ذلك ، إنما هو دفاع موضوعي لا يستوجب في الأصل من المحكمة رداً خاصاً أو صريحاً ، طالما أن الرد عليها يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم - كما هو الحال في هذه الدعوى - ، ومن ثم فلا على محكمة الموضوع إن هي لم ترد في حكمها على تلك الدفوع أو أن تكون قد اطرحتها بالرد عليها إجمالاً ويكون معه ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها وأن في قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها ما يتضمن بذاته الرد على شهادة شهود النفي وأنها لم تطمئن إلى صحة أقوالهم فأطرحتها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من تعييب الحكم لإطراحه أقوال شـاهدي النفي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي وزن المحكمة لعناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً منها بشخص الطاعن ، وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم بشأن المحكوم عليه الثالث لا يتصل بشخصهما ولا مصلحة لهما فيه ، فإن ما يثيراه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكانت المادة ١٨٠ من القانون رقم ۲۸ لسنة 1981 بإصدار قانون الطيران المدني المعدل بالقانون رقم 136 لسنة ٢٠١٠ قد نصت على أنه : ( عدا الجرائم المنصوص عليها في المواد " ۱۷۰ و ۱۷۱ و ۱۷۲ و۱۷۳ و 174 و 175 و ١٧٦ " من هذا القانون لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات التحقيق في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلا بناءً على طلب كتابي من الوزير المختص ) ، وكانت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا في الأحوال الاستثنائية التي نص عليها القانون ، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى قبل المتهمين ليس عن جريمة من تلك التي استلزمت المادة آنفة البيان بشـأن رفع الدعوى الجنائية عنها صدور طلب كتابي من وزير الطيران المدني ، وإنما عن جريمة الرشوة المؤثمة بالمادة 104 من قانون العقوبات ، وكان هذا القانون قد خلا من أي قيد على حرية النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها في هذه الجريمة ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون علي غير سند . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن عقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألفي جنيه ، ولما كانت المادة 44 المذكورة قد نصت على أنه : ( إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على انفراد خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونوا متضامنين في الإلزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك ) ، وكان إعمال هذا النص يوجب الحكم على المتهمين معاً بهذه الغرامة متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم سـواءً في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا وخص كل من الطاعنين بغرامة ألف جنيه فإنه يكون في هذا الخصـوص قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد عاقب كل من الطاعنين بالحبس مع الشغل لمدة سنة بعد أن عاملهما بالرأفة ، وكانت العقوبة السالبة للحرية المقررة للجريمة التي دانهما بها هي السجن المؤبد ، فما كان للمحكمة أن تنزل بهذه العقوبة إلا إلى السجن وفقاً لنص المادة 17 من قانون العقوبات ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون إلا أن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يُضار الطاعنان بطعنهما . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق