جلسة 9 من مايو سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.
-----------------
(110)
القضية رقم 589 لسنة 4 القضائية
بدل سفر
- قرار مجلس الوزراء في 4/ 3/ 1951 بشأن لجنة إصلاح الحرمين الشريفين وتحديد ما يصرف من بدل للأعضاء - عدم اشتماله على تقرير ما يمنح من بدل لمن يندب لهذه المهمة من موظفين وقياسين وعمال - اختصاص وزير الأشغال بتحديد قيمة البدل الذي يمنح لهؤلاء.
إجراءات الطعن
في 29 من مايو سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 589 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الأشغال والحربية بجلسة 30 من مارس سنة 1958 في الدعوى رقم 84 لسنة 3 القضائية المقامة من السيد/ محمد أحمد حسن ضد وزارة الأشغال، القاضي "بأحقية المدعي في بدل السفر طبقاً لما وافقت عليه لجنة إصلاح الحرمين الشريفين في أول مايو سنة 1951؛ وذلك عن المدة التي انتدب فيها لمأمورية إصلاح الحرمين، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات، وألزمت كلاً من الطرفين المصروفات المناسبة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، وأحقية المدعي في احتساب بدل السفر طبقاً لقرار لجنة إصلاح الحرمين الشريفين الصادر في 11 من مارس سنة 1951". وقد أعلنت وزارة الأشغال بهذا الطعن في 25 من يونيه سنة 1958، وأعلن به الطعن عليه في 16 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 24 من فبراير سنة 1959، ومنها أجل لجلسة 21 من مارس سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 84 لسنة 3 القضائية ضد وزارة الأشغال ومصلحة المساحة لدى المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 21 من مارس سنة 1958، طالباً الحكم "بأحقيته في بدل السفر طبقاً لما وافقت عليه لجنة إصلاح الحرمين الشريفين في أول مايو سنة 1951؛ وذلك عن المدة من 20 من يونيه سنة 1951 حتى 21 من نوفمبر سنة 1951، وجملة ما يستحقه من ذلك مبلغ ثلثمائة وأربعة وخمسين جنيهاً وعشرة مليمات، وإلزام المدعي عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال شرحاً للدعوى إنه كان ضمن مهندسي مصلحة المساحة التفصيلية اللذين ندبوا للعمل في مهمة إصلاح الحرمين الشريفين في الفترة من 20 من يونيه إلى 21 من نوفمبر سنة 1951، وقد أصدرت لجنة إصلاح الحرمين الشريفين المشكلة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 7 من فبراير سنة 1937 قراراً في أول مايو سنة 1951 يقضي باعتبار قيمة بدل السفر المقرر لمن يعملون في مهمة على أن لا إصلاح الحرمين الشريفين على أساس ضعف بدل السفر العادي في مصر، على أن لا يقل عن 500 م و22 ج ولا يزيد على 500 م و67 ج شهرياً، مضافاً إليه ثلاثة جنيهات عن كل يوم؛ ومن ثم كان يتعين على مصلحة المساحة أن تصرف له بدل السفر المستحق على الأساس المتقدم، مع مراعاة فرق العملة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من ديسمبر سنة 1949، باعتباره مندوباً لمأمورية في خارج القطر، إلا أن مصلحة المساحة صرفت له بدل السفر على أساس آخر، فحددته بثلاثة أمثال مرتبه الأصلي الشهري عن كل شهر، دون أن تضيف إلى ذلك أية إضافة، ودون أن تصرف له فرق العملة؛ وبذلك خالفت قرار إصلاح الحرمين الصادر في أول مايو سنة 1951، كما خالفت أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من ديسمبر سنة 1949. وقال إن استحقاقه لبدل السفر عن مدة ندبه طبقاً لقرار لجنة إصلاح الحرمين الصادر منها في أول مايو سنة 1951 إنما يستند إلى السلطة المخولة للجنة المذكورة بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 7 من فبراير سنة 1937 بتحديد مأموريتها وتخصيصها بدراسة أعمال الإصلاح ووضع مشروعاتها وتقدير المبالغ اللازمة لتنفيذها، على أن تكون سلطتها في ذلك نهائية دون الرجوع إلى أية سلطة أخرى إلا فيما يختص بالموافقة على الأعمال والحصول على المال اللازم لتنفيذها. ثم أوضح أن مذكرة وزير الأشغال المرفوعة إلى مجلس الوزراء، والتي وافق عليها هذا المجلس في 4 من مارس سنة 1951، أبرزت سلطة لجنة إصلاح الحرمين في تقرير بدل السفر لأعضاء البعثة، كما أكدت أنه بعد اعتماد نتيجة المناقصة يمكن ندب من تسند إليهم مهمة الإشراف على التنفيذ، وتحديد قيمة بدل السفر اللازم تقريره بوساطة لجنة إصلاح الحرمين الشريفين. ثم ختم صحيفة دعواه منوها بأنه يستحق طبقاً لقرار لجنة إصلاح الحرمين بدل سفر قدره خمسمائة وثلاثة وستون جنيهاً وخمسمائة مليم، وأنه - إذ عومل في صرف بدل السفر على أساس يخالف ما وافقت عليه اللجنة المتقدم ذكرها - فإنه يكون مستحقاً لمبلغ ثلثمائة وأربعة وخمسين جنيهاً مصرياً وعشرة مليمات، بعد خصم ما تسلمه من المصلحة فعلاً. وقد ردت مصلحة المساحة على الدعوى بأن إصلاح الحرمين الشريفين وافقت في أول مايو سنة 1951 على حساب بدل السفر لأعضاء لجنة إصلاح الحرمين على أساس ضعف بدل السفر العادي في مصر، على ألا يقل عن 500 م و22 ج ولا يزيد على 500 م و67 ج شهرياً مضافاً إليه ثلاثة جنيهات عن كل يوم. إلا أن المصلحة تقدمت إلى وزارة الأشغال بكتابها المؤرخ 26 من أبريل سنة 1951 أعلمتها فيه بأن المقايسة التي علمت لهذه المهمة ومقدارها 22000 جنيه حسبت على أساس ما يتقاضاه أفراد بعثة الجراد بالحجاز، وهى أبدال توازي ثلاثة أمثال المرتب بالنسبة إلى الموظفين، أما القياس فيتقاضى بدلاً قدره 500 م في اليوم، والقياس المحلي أجراً قدره 400 م في اليوم. وقد وافق وزير الأشغال - وهو رئيس لجنة إصلاح الحرمين الشريفين - على ذلك بكتابه المؤرخ 16 من مايو سنة 1951، وفتح بناء على ذلك، من قبل وزارة المالية، اعتماد مالي مقدراه 22000 جنيه للصرف في شئون هذه المأمورية. وقد صرف إلى المدعي ما يستحقه عن مدة ندبه بالحجاز على أساس القواعد الواردة في المقاسية سالفة الذكر التي وافق عليها وزير الأشغال في 16 من مايو سنة 1951. وقد انتهى السيد مفوض الدولة في تقريره إلى أحقية المدعي في بدل السفر وفقاً لقرار لجنة إصلاح الحرمين الشريفين الصادر في أول مايو سنة 1951 وإلى عدم استحقاقه لفرق العملة المطالب به. وبجلسة 30 من مارس سنة 1958 حكمت المحكمة الإدارية "بأحقية المدعي في بدل السفر طبقاً لما وافقت عليه لجنة إصلاح الحرمين الشريفين في أول مايو سنة 1951؛ وذلك عن المدة التي انتدب فيها لمأمورية إصلاح الحرمين، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات، وألزمت كلاً من الطرفين المصروفات المناسبة". وأقامت قضاءها بالنسبة إلى طلب المطعون عليه الأول على أن لجنة إصلاح الحرمين الشريفين "كانت قد قررت بجلستها المنعقدة في 11 من مارس سنة 1951 أن يكون بدل السفر الذي يعطي في هذه المهمة معادلاً لبدل السفر المقرر للمأموريات في الخارج، وهو جنيهان مصريان زائداً 1% من الماهية الشهرية عن الليلة الواحدة، إلا أنها عادت وقررت في أول مايو سنة 1951 - بناء على الشكاوى المقدمة من أعضاء البعثة - الخروج عن القواعد العامة التي سبق لها مراعاتها في قرارها الأول، فقررت صرف هذا البدل على أساس ضعف بدل السفر العادي في مصر، على أن لا يقل عن 500 م و22 ج ولا يزيد عن 500 م و67 ج شهرياً يضاف إلى ذلك ثلاثة جنيهات عن كل يوم. لذلك فإن هذا القرار الأخير، وقد صدر من اللجنة بناء على السلطة المخولة من مجلس الوزراء، ويكون هو الواجب التطبيق بالنسبة للمدعي". كما أسست قضاءها أيضاً على أنه "لا يجدي الجهة الإدارية المحاجة بأن وزير الأشغال بوصفة الرئيس الأعلى للجنة إصلاح الحرمين الشريفين قد وافق بكتابه المؤرخ 16 من مايو سنة 1951 على اعتماد المبالغ التي قدرت لمأمورية إصلاح الحرمين الشريفين، ومن بينها بدل السفر الذي احتسب على أساس القواعد التي كانت مقررة لأفراد بعثة الجراد بالحجاز؛ وبذلك فلا يستحق المدعي بدل السفر إلا على هذا الأساس - لا يجدي الجهة الإدارية ذلك؛ إذ أن وزير الأشغال ولو أنه رئيس اللجنة إلا أنه لا يملك وحده أن يعدل في القرار الذي صدر من اللجنة بناء على السلطة المخولة لها طبقاً لنظام إنشائها". وأسست قضاءها برفض الطلب الثاني على ما تبين لها من "أن لجنة إصلاح الحرمين الشريفين هي الجهة التي خولت سلطة تقرير بدل السفر لأعضاء البعثة على ما سلف بيانه، وأنه وجه لاستناد المدعي إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من ديسمبر سنة 1949 بشأن بدل السفر عن المهام التي تؤدى خارج القطر للمطالبة بفرق العملة - لا وجه لذلك، طالما أنه قد روعي عند تقرير بدل السفر لأعضاء هذه البعثة الخروج عن القواعد المالية المتبعة؛ وذلك بوضع قاعدة خاصة بهم؛ ومن ثم يسري في شأنهم القواعد التي قررها مجلس الوزراء في قراره سالف الذكر. ولما كان قرار اللجنة في هذا الصدد لم ينص على مراعاة فرق العملة؛ لذلك فلا يحق للمدعي المطالبة بهذا الفرق".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه "يبين من القرار الصادر من لجنة إصلاح الحرمين الشريفين بزيادة بدل السفر الذي تضمنه قرارها المؤرخ 11 من مارس سنة 1951 أن هذه الزيادة قاصرة على أعضاء اللجنة التي كان يرأسها المهندس مصطفى فهمي، وأن وزارة الأشغال أوضحت البواعث الداعية لذلك، وهى قصر المدة التي أمضاها أعضاء هذه اللجنة بالأراضي الحجازية والنفقات التي أنفقوها"، وعلى أن "لا محل لتطبيق القرار الصادر بالزيادة على غير أعضاء هذه اللجنة، ويظل واجب التطبيق القرار الصادر من اللجنة في 11 من مارس سنة 1951 بتطبيق بدل السفر المقرر للمأموريات في الخارج، وهو جنيهان مضافاً إليهما 1% من المرتب الشهري، وأن الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب، ويكون قد خالف القانون".
ومن حيث إن الطعن، إذ انصب على ما قضى به الحكم المطعون فيه لصالح المطعون عليه، فإنه يتعين - حيال استقلال طلبي المطعون عليه أحدهما عن الآخر - الاقتصار على بحث موضوع الطعن الحاضر.
ومن حيث إنه بتقصي الملابسات التي أحاطت بتأليف لجنة إصلاح الحرمين الشريفين، والسلطات التي خولتها هذه اللجنة، يبين أن مجلس الوزراء كان قد قرر بجلسته المنعقدة في 7 من فبراير سنة 1938 الموافقة على مضمون المذكورة المرفوعة من وزارة الداخلية بإعادة تأليف لجنة إصلاح الحرمين السابق إنشاؤها بقرار مجلس الوزراء في 29 من ديسمبر سنة 1936، وقد أورد قرار 7 من فبراير سنة 1938، بياناً لاختصاصات هذه اللجنة وسلطتها، النص الآتي "تكون مأمورية اللجنة دراسة أعمال الإصلاح التي يرى إجراؤها في الحجاز، ووضع مشروعاتها، وتقدير المبالغ اللازمة لتنفيذها، واقتراح وسائل تدبير هذه المبالغ، وتحديد ما تساهم به حكومة الحجاز فيها وكيفية الحصول عليه، والإشراف على تنفيذ هذه الأعمال بوساطة وزارة الأشغال، وأن تكون سلطتها في ذلك انتهائية دون الرجوع إلى أية سلطة أخرى، إلا فيما يتعلق بالموافقة على الأعمال والحصول على المال اللازم لتنفيذها، وعمل الاتفاقات مع حكومة الحجاز، وأن تقوم وزارة الأشغال بتحضير الأعمال وتنفيذها بالكيفية التي تراها مناسبة وموصلة لسرعة تحقيق الأغراض من هذه الأعمال، دون التقيد في ذلك بالقواعد المالية، ودون الرجوع إلى أية سلطة أخرى سوى اللجنة للموافقة على تجاوز هذه القواعد، ويكون لها في سبيل تحضير الأعمال وتنفيذها استخدام الموظفين التابعين لها لغيرها من الوزارات الأخرى بعد الاتفاق مع رؤسائهم على ذلك، أو من ترى تعيينهم من الموظفين المستخدمين خصماً على الاعتمادات المخصصة للأعمال". وعلى إثر ما طرأ من خلل وتصدع على بعض أعمدة الحرم النبوي الشريف فوتحت الحكومة المصرية في فبراير سنة 1951 في شأن اتخاذ اللازم مع الحكومة السعودية لإعانتها على تدارك الخلل بالإصلاح العاجل، فكان ذلك مدعاة لاهتمام الحكومة المصرية، ولجعل نظرتها الفنية إلى ما اقتضاه الإصلاح في الحرم النبوي أشمل من مجرد الاقتصار على علاج مظاهر الخلل علاجاً وقتياً، سيما وأن هذا العمل الفني كان متعلقاً ببقعة طاهرة تهفو إليها المشاعر وتهوى إليها أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
ومن حيث إن وزير الأشغال رفع آنذاك إلى مجلس الوزراء في 3 من مارس سنة 1951 مذكرة فصل فيها مقترحاته في شأن التخطيط المناسب المزمع عمله حول الحرم النبوي، والإصلاح العاجل اللازم إجراؤه لعلاج ذلك الخلل الطارئ على أعمدة الحرم الشريف، ووصَّى - لتحقيق هذا الغرض الأسنى - بأن توفد الحكومة المصرية لجنتين أولاهما اللجنة الهندسية العليا التي حشدت فيها كل كفايات التخصص الهندسي في مختلف فروعه للمعاينة والبحث، على أن تصحبها إلى الحجاز اللجنة الفنية الثانية التي ضمت المهندس المعماري والمصور للمعاينة وإعداد الرسومات الأولية، على أن تتلقى هذه اللجنة نتيجة معينة اللجنة العليا من توجيهات وخطوط رئيسية تسترشد بها في إنجاز تصميم المشروع وإعداد مواصفاته، ثم أشار وزير الأشغال في مذكرته إلى اللجنة الثالثة التي نيط بها الإشراف على التنفيذ والمراقبة بقوله: "وبعد أن يستقر الرأي نهائياً على ما يجب عمله يشهر المشروع في المناقصة العامة، ويتم اختيار المهندسين والملاحظين والمساحين وغيرهم اللازمين للإشراف على التنفيذ والمراقبة"، وأورد بعد ذلك بياناً بأسماء الأشخاص الذين اقترح تأليف اللجنة العليا من بينهم، كما عرض أسماء الذين رؤى تأليف اللجنة الفنية منهم لإيفادهم مع اللجنة الرئيسية العليا لتجهيز المشروع، ثم عرض الوزير بعد ذلك للهيئة التي نيط بها تحديد بدل السفر لأعضاء هاتين اللجنتين فقال: "وتحديد قيمة بدل السفر اللازم تقريره لحضرات أعضاء اللجنتين المذكورتين وغيرهم ممن سيقع الاختيار عليهم، وذلك بوساطة لجنة إصلاح الحرمين الشريفين والمرافق المتصلة بها الصادر بتشكيلها وبيان مأموريتها قراراً مجلس الوزراء المؤرخان 29 من ديسمبر سنة 1936، و7 من فبراير سنة 1938 الذي نص الأخير منهما على ما يأتي: (تكون مأمورية اللجنة دراسة أعمال الإصلاح التي يرى إجراؤها في الحجاز، ووضع مشروعاتها، وتقدير المبالغ اللازمة لها لتنفيذها، واقتراح وسائل تدبير هذه المبالغ، وتحديد ما تساهم به حكومة الحجاز فيها، وكيفية الحصول عليه، والإشراف على تنفيذ هذه الأعمال بوساطة وزارة الأشغال، وأن تكون سلطتها في ذلك انتهائية دون الرجوع إلى أية سلطة أخرى إلا فيما يتعلق بالموافقة على الأعمال والحصول على المال اللازم لتنفيذها وعمل الاتفاقات مع حكومة الحجاز، وأن تقوم وزارة الأشغال بتحضير الأعمال وتنفيذها بالكيفية التي تراها مناسبة وموصلة لسرعة تحقيق الأغراض من هذه الأعمال، دون التقيد في ذلك بالقواعد المالية، ودون الرجوع إلى أية سلطة أخرى سوى اللجنة للموافقة على تجاوز هذه القواعد، ويكون لها (أي لوزارة الأشغال) في سبيل تحضير الأعمال وتنفيذها استخدام الموظفين التابعين لها أو الموظفين التابعين لغيرها من الوزارات الأخرى بعد الاتفاق مع رؤسائهم على ذلك، أو من ترى تعيينهم من الموظفين المستخدمين خصماً على الاعتمادات المخصصة للأعمال)". وقد عرضت هذه المذكرة المتقدمة على مجلس الوزراء فوافق بجلسته المنعقدة في 4 من مارس سنة 1951 على كل ما جاء فيها؛ وتنفيذاً لأحكام هذا القرار اجتمعت لجنة إصلاح الحرمين الشريفين برياسة وزير الأشغال في 11 من مارس سنة 1951 وجرت بين أعضائها مناقشة دونت في محضر جلستها الرابعة والثلاثين، وقد ورد على لسان رئيسها ما يأتي: (الصفحة 106 من إشارة وزارة الأشغال قسم المحفوظات رقم 355/ 4/ 16) "ثم هناك بعد ذلك مسألة بدل السفر الذي يقرر لهاتين اللجنتين ومن رأيي توفير جميع وسائل الراحة لحضراتهم...". وفي نهاية الجلسة تداول الأعضاء الرأي في موضوع بدل السفر، ثم صدر قرار اللجنة "بأن يكون بدل السفر الذي يعطى في هذه المهمة معادلاً لبدل السفر المقرر للمأموريات في الخارج، وهو جنيهان مصريان زائداً 1% من الماهية الشهرية عن الليلة الواحدة"، وفوضت إلى وزير الأشغال أمر "اختيار الموظفين والمساعدين والعمال على اختلاف أنواعهم اللازم سفرهم لمعاونة هاتين اللجنتين"، وقصدت بهذه الإشارة تنفيذ قرار مجلس الوزراء في خصوص اللجنة التي نيط بها الإشراف على التنفيذ والمراقبة على ما سلف البيان.
وحيث إنه قد جد بعد ذلك ما دعا إلى تشكي بعض أعضاء اللجنتين الرئيستين شخصياً إلى الوزير عقب عودتهم من مهمتهم من ضآلة بدل السفر الذي تقرر لهم بجلسة لجنة إصلاح الحرمين الرابعة والثلاثين، واستهلاكه في النفقات التي تكبدوها في الفترة القصيرة التي قضوها بالحجاز؛ وعلى ذلك رفع وكيل وزارة الأشغال إلى وزير الأشغال مذكرة في 10 من أبريل سنة 1951 طلب فيها إعادة النظر في بدل السفر الذي سبق تقريره في اجتماع لجنة إصلاح الحرمين بتاريخ 11 من مارس سنة 1951، ولما علق الوزير على هذه المذكرة بما يأتي "أجو إفادتي بما هو مطلوب لعرضه على لجنة الحرمين في أول اجتماع"، تقدم وكيل الوزارة بمذكرة إلى وزير الأشغال موضحاً فيها أن ما طلبه أعضاء البعثة هو صرف بدل السفر لهم على غرار ما صرف لأعضاء البعثة التي سبق إيفادها عام 1947، أي على أساس استحقاق العضو لضعف بدل السفر العادي في مصر، على ألا يقل عن 500 م و22 ج ولا يزيد على 500 م و67 ج شهرياً مضافاً إلى ذلك ثلاثة جنيهات عن كل يوم شهرياً. وقد عرض هذا الطلب على لجنة إصلاح الحرمين الشريفين، فوافقت عليه في أوائل مايو سنة 1951. وفي 26 من أبريل سنة 1951 طلبت مصلحة المساحة من وزارة الأشغال بكتابها رقم 9 - 13/ 5 - 6 الموافقة على فتح اعتماد بمبلغ 22000 جنيه للمهمة التي اضطلعت بها بناء على تعليمات رئيس اللجنة الهندسية العليا وهى "رفع كل من الحرمين المكي والنبوي والمساحة التي تحيط بهما وباقي المدينة المنورة، وإثبات المناسيب المختلفة للشوارع المحيطة بالحرمين ومقاسات المعالم المختلفة للحرمين"، وحددت ضمن التقديرات المالية اللازمة لهذا الغرض بدل سفر للموظفين من أعضاء بعثتها بواقع ثلاثة أمثال المرتب الأصلي، وللقياسين بواقع خمسمائة مليم يومياً، وللقياسين المحليين أجراً يومياً مقداره أربعمائة مليم، وحسبت المقايسة فيما يتعلق بالأبدال على غرار ما يتقاضاه أعضاء بعثة الجراد. وقد وافق وزير الأشغال على هذا الطلب، وكتبت وزارة الأشغال إلى وزارة المالية في 16 من مايو سنة 1951 تعلمها بأن "الوزير قد وافق بمقتضى السلطة المخولة له من لجنة إصلاح الحرمين الشريفين والمرافق المتصلة بهما على وضع مبلغ اثنين وعشرين ألف جنيه تحت تصرف مصلحة المساحة للصرف منه على الأعمال الموكولة إليها بالمدينة المنورة ومكة المكرمة؛ وذلك من المتجمد بوزارة المالية على ذمة اللجنة المذكورة من المستقطع من ميزانية إدارة الحج، وطلبت منها التنبيه بقبول الخصم بهذا المبلغ على الاعتماد سالف الذكر". وبعد تمام هذا الإجراء وتأدية المهمة صرف لأعضاء لجنة المساحة من المهندسين - ومنهم المطعون عليه - بدل السفر على الأساس المشار إليه.
ومن حيث إنه يبين من قرارات مجلس الوزراء ومحاضر أعمال لجنة إصلاح الحرمين الشريفين والمكاتبات المتبادلة التي سلف إيرادها أن قراري لجنة إصلاح الحرمين الشريفين في 11 من مارس وأول مايو سنة 1951 إنما كانا يحددان بدل السفر الخاص بأعضاء اللجنتين الهندسية العليا والفنية، وهم الذين عين أشخاصهم في قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من مارس سنة 1951، بل إن لزيادة في بدل سفر هؤلاء الأعضاء لم تتقرر من قبل لجنة إصلاح الحرمين في أوائل مايو سنة 1951 إلا بناء على تشكي بعض أعضاء هاتين اللجنتين من ضآلة البدل المقرر لهم من قبل؛ وذلك عقب أو بتهم من مهمتهم؛ مما دعا إلى عرض الأمر على اللجنة المذكورة لإعادة النظر فيما قررته من قبل بزيادته على ما سبق البيان.
ومن حيث إن ما ورد في قرار مجلس الوزراء المؤرخ في 4 من مارس سنة 1951، بياناً لسلطة لجنة إصلاح الحرمين الشريفين، قاطع في اختصاصها بتحديد بدل السفر الخاص بأعضاء اللجنتين الهندسية العليا والفنية، ومع أن هذا القرار قد تناول اختصاص اللجنة الثالثة التي وكل إليها مهمة تنفيذ أعمال الإصلاح بالحرمين، فإنه لم يعين الأشخاص الذين تؤلف منهم هذه اللجنة، بل وأمسك عن بيان الجهة المختصة بتقرير بدل السفر الخاص بأعضائها من موظفين وقياسين وعمال؛ مما يجعلهم خاضعين في ذلك لولاية وزير الأشغال بوصفة السلطة الرئيسية الإدارية التي يتبعها هؤلاء الأعضاء. وكلهم من موظفي المساحة ومستخدميها ممن يخضعون لإشراف وزير الأشغال الإداري.
ومن حيث إنه مما يظاهر هذا الفهم أن قرار مجلس الوزراء الصادر 4 من مارس سنة 1951 واضح في تقريره قاعدة عامة من حيث تفويض وزارة الأشغال في تحضير أعمال إصلاح الحرمين وتنفيذها بالكيفية التي تراها محققة للأعراض المقصودة من هذه الأعمال، ومن حيث تخويلها في سبيل تنفيذ تلك الأعمال سلطة استخدام الموظفين التابعين لها أو لغيرها من الوزارات الأخرى خصماً على الاعتمادات المخصصة للأعمال المذكورة. وسياق هذه العبارة ينبئ بأن لوزير الأشغال - باعتباره صاحب شأن في اختيار من يلزم لتنفيذ أعمال إصلاح الحرمين - حق تحديد بدل السفر الخاص بالموظفين الذين يختارهم في نطاق الاعتمادات المخصصة لتلك الأعمال، وبخاصة إذا كانوا خاضعين لإشرافه الرياسي، ولا يتعين عليه من ثم عرض الأمر في هذا الصدد على لجنة إصلاح الحرمين الشريفين، كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه. يؤكد ذلك أن هذه اللجنة عندما عقدت جلستها الرابعة والثلاثين في 11 من مارس سنة 1951 لم تتداول إلا في شأن بدل السفر الذي "يقرر لأعضاء هاتين اللجنتين"، ثم فوضت إلى وزير الأشغال "سلطة اختيار الموظفين والمساعدين والعمال على اختلاف أنواعهم اللازم سفرهم لمعاونة هاتين اللجنتين".
ومن حيث إن لجنة إصلاح الحرمين ما كان لها أن تتعدى ما رسمه قرار مجلس الوزراء المشار إليه من جهة أنها لا شأن لها بغير بدل السفر الخاص بأعضاء اللجنتين الهندسية العليا والفنية، ومن ناحية أن وزارة الأشغال هي التي خولت وحدها سلطة اختيار الموظفين اللازمين لتنفيذ أعمال الإصلاح، وذلك خصماً على الاعتمادات المرصدة لتلك الأعمال، وإذا ثبت ما تقدم تبين أن وزير الأشغال كان في حدود سلطاته عندما استقل بالموافقة في 16 من مايو سنة 1951 على أسس بدل السفر المقترح لموظفي وعمال مصلحة المساحة على اختلاف طوائفهم، وأنه لم يكن مجازاً هذه السلطة عندما اتجه رأساً إلى وزارة المالية بطلب الموافقة على هذه الاعتمادات، ولو قيل بغير ذلك وأجيب المطعون عليه إلى طلباته لأفضى ذلك حتماً إلى مجاوزة الاعتمادات التي فتحت لمواجهة نفقات البعثة التي اختير عضواً بها؛ إذ واقع الحال في بدل السفر الذي حددته وزارة الأشغال لأعضاء بعثة المساحة أنه قدرت على أساسه الاعتمادات المالية المقررة فعلاً، وأنه لم ينطو على أي تعديل لبدل السفر الذي زادته لجنة إصلاح الحرمين الشريفين في أوائل مايو سنة 1951، لما تبين من أن البدل الأخير خاص بأعضاء اللجنتين الهندسية العليا والفنية، وعلى ما سلف البيان.
ومن حيث إنه لا تثريب على وزارة الأشغال إذا كانت قد وضعت لمنح بدل السفر لأعضاء بعثة مصلحة المساحة قواعد أخرى غير التي أرستها لجنة إصلاح الحرمين؛ ذلك لأن البدل المقرر لأعضاء هذه البعثة - موظفين كانوا أم عمالاً - يتفق وطبيعة عمل هذه البعثة المتعلق بالتنفيذ، وعلى اعتبار أن عكوفها على مباشرة مهمتها يتطلب بقاء أعضائها فترة طويلة بالأراضي الحجازية، بينما لم تلبث اللجنتان الرئيسيتان - بحكم عملهما الفني والتخطيطي - سوى ثلاثة عشر يوماً، وفضلاً عن ذلك فقد وفرت لأعضاء بعثة المساحة - ومنهم المطعون عليه - جميع سبل الراحة من مسكن ومواصلات وتموين وأثاث وخلافه، وتحملت الحكومة المصرية نفقات سفرهم هم وأفراد عائلاتهم.
ومن حيث إنه يتبين مما تقدم إنه لا شيء في قرارات مجلس الوزراء ولجنة إصلاح الحرمين مفيد في تأييد وجهة نظر المطعون عليه، ولا شيء في هذه القرارات يدل على استحقاقه لبدل السفر المزيد الذي قررته لجنة إصلاح الحرمين الشريفين في أوائل مايو سنة 1951، وما دام المطعون عليه لم يكن من أعضاء اللجنتين الهندسية العليا والفنية المذكورتين بأسمائهم في قرار مجلس الوزراء المؤرخ 4 من مارس سنة 1951، فإنه وزير الأشغال وحده هو صاحب الشأن في تحديد بدل السفر المقرر له ولأمثاله من أعضاء بعثة مصلحة المساحة، وما يقرره من ذلك هو أمر راجع إلى سلطته التقديرية في حدود الاعتماد المالي المقرر لمواجهة نفقات تلك البعثة. وإذن فيكون قضاء الحكم المطعون فيه باستحقاقه بدل السفر الخاص بأعضاء اللجنتين الرئيسيتين قضاء في غير محله؛ لمخالفته لقواعد التفسير الصحيحة؛ ولأن فيه تجاوزاً في الاستدلال؛ ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه، وبرفض دعوى المدعي بجميع أشطارها، ومع إلزامه بكامل مصروفاتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق