جلسة 9 من مايو سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
----------------
(109)
القضية رقم 288 لسنة 4 القضائية
(أ) عقد إداري
- تعاقد الإدارة مع الأفراد أو الهيئات عن طريق المناقصات العامة أو المحلية - الاعتبارات الواجب مراعاتها عند ذلك - تعلقها بمصلحة المرفق المالية وبمصلحته الفنية - إرساء المناقصة على صاحب العطاء الأقل تحقيقاً للمصلحة الأولى واختيار المناقص الأفضل تحقيقاً للمصلحة الثانية - الترجيح بين المصلحين - تمتع الإدارة فيه بسلطة تحددها القواعد المقررة في هذا الشأن.
(ب) مناقصة عامة
- التأمين المؤقت الواجب إيداعه كشرط للنظر في العطاءات التي تقدم في المناقصات العامة - الغاية منه - عدم ترتب البطلان على عدم إيداعه إذا ما أطمأنت الإدارة إلى ملاءة مقدم العطاء.
(ج) مناقصة عامة
- إجازة التفاوض بعد فتح المظاريف مع صاحب العطاء الأقل المقترن بتحفظ أو بتحفظات للنزول عن تحفظاته كلها أو بعضها - حكمته وشروطه - لا إخلال في ذلك بالمساواة الواجب مراعاتها بالنسبة لمقدمي العطاءات ولا ضرر عليهم منه - عدم جواز إرساء المناقصة إلا على صاحب أقل عطاء متى كان مستوفياً لجميع المواصفات والشروط أو كانت المفاوضة قد أسفرت عن جعل عطائه أصلح العطاءات.
(د) مناقصة عامة
- التأمين المؤقت الواجب إيداعه كشرط للنظر في العطاءات التي تقدم في المناقصات العامة - تخلف صاحب العطاء الأقل عن إيداعه اعتماداً على وجود مبالغ مودعة لدى جهة الإدارة كتأمين نهائي منه عن عقد سابق - يعتبر بمثابة تحفظ اقترن به العطاء - التفاوض معه لإيداع مبلغ التأمين المؤقت - جائز قانوناً.
إجراءات الطعن
في 27 من فبراير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 288 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 10578 لسنة 8 القضائية المقامة من عوض الله إبراهيم ضد مصلحة السكك الحديدية، القاضي "بإلزام هيئة السكة الحديد بأن تدفع للمدعي مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وكامل مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية في 11 من مارس سنة 1958، وإلى المطعون عليه في 22 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 21 من مارس سنة 1959. وفي 9 من فبراير سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات في أسبوعين.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 10578 لسنة 8 القضائية ضد مصلحة السكك الحديدية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 12 من يوليه سنة 1954 ذكر فيها أنه في أول مايو سنة 1954 أعلنت المصلحة عن مناقصة خاصة بأعمال الشيالة بمحطات ومواصلات سكك حديد الحكومة والنقل المائي، وعن شروط هذه المناقصة، ومن بينها ما ورد في البند الخامس من أنه يجب، كشرط أساسي للنظر في أي عطاء - أن يدفع مقدم العطاء مبلغاً محدداً في المناقصة بصفة تأمين مؤقت، وألا يتأخر دفع هذا التأمين عن الوقت المحدد كآخر موعد لوصول العطاءات. وقد تقدم بعطائه في العملية الخاصة بالقسم الرابع من المناقصة، وأرفق بعطائه قيمة التأمين المشترط. وبجلسة 25 من مايو سنة 1954 قامت لجنة فحص العطاءات بفحص مظاريف العطاءات، وقررت استبعاد عطاء يوسف علي فاضل لعدم إرفاق قيمة التأمين به، كما أوصت بإرساء العطاء على المدعي؛ لأن عطاءه كان أقل العطاءات الجائز النظر فيها قانوناً طبقاً للشروط. غير أنه تبين بعد ذلك أن المصلحة أرسلت إلى يوسف علي فاضل بعد فتح مظاريف العطاءات بخمسة وعشرين يوماً كتاباً تطلب إليه فيه أن يسدد لها التأمين المؤقت الذي كان قد تخلف عن تقديمه في الوقت المحدد. ولما كان هذا الإجراء مخالفاً للقانون ولسرية العطاءات ومبدأ المساواة بين المتقدمين للمناقصة، وكانت شروط المناقصة صريحة في وجوب تقديم العطاء مصحوباً بالتأمين كشرط أساسي للنظر فيه، فقد اضطر إلى إنذار المصلحة؛ حتى تضع حداً لهذه المخالفة. ومع ذلك فقد قبلت المصلحة من يوسف فاضل أن يدفع إليها التأمين المشروط لقبول العطاء بعد شهر تقريباً من تاريخ فتح المظاريف؛ وعلى هذا الأساس قامت بإرساء العطاء عليه، واستصدرت من المجلس الأعلى للسكة الحديد قراراً بذلك، مع أن هذا المجلس لا يمكن بقرار إداري يصدر منه أن يغير حكم القانون أو أن يمحو عيباً في إجراءات قبول العطاء، ولما كانت مصلحة السكك الحديدية قد بادرت بتسليم العملية إلى يوسف علي فاضل المذكور في أول يوليه سنة 1954، وكان يحق للمدعي إزاء ذلك أن يطلب إلغاء القرار المشار إليه، مع إلزام المصلحة بالتعويضات التي يقدرها من الآن بملغ عشرة آلاف جنيه على الأقل، بيد أنه يكتفي الآن مؤقتاً بطلب مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض الرمزي لحين تحديد مقدار التعويض الكامل والمطالبة به بدعوى أخرى، فإنه يطلب "صدور الحكم بإلغاء القرار الصادر من المجلس الأعلى للسكة الحديد المتضمن إرساء مناقصة أعمال الشيالة بمحطات ومواصلات السكك الحديدية والنقل المائي عن المدة من أول يوليه سنة 1953 إلى آخر يونيه سنة 1954 - عن القسم الرابع من المناقصة المذكورة - على من يدعى يوسف علي فاضل، مع إلزام مصلحة السكك الحديدية بأن تدفع للطالب مبلغ قرش صاغ مصري بصفة تعويض رمزي مؤقت، مع المصاريف والأتعاب، ومع حفظ حق الطالب في المطالبة بالتعويض الكامل، وكذلك كافة الحقوق الأخرى من أي نوع كانت". وقد أودعت مصلحة السكك الحديدية ما لديها من ملفات متعلقة بهذا الموضوع، إلا أن - المدعي عقب على ذلك بأن ثمت أوراقاً نزعت من الملف الخاص بها، وأخرى يتعين ضمها لإظهار الحقيقة وبيان السوابق التي جرت عليها المصلحة، وصمم في مذكرته على ضم هذه الأوراق جميعاً، ثم أودع مذكرة أخرى ردد فيها وقائع النزاع تفصيلاً، وهي السابق إيرادها في صحيفة الدعوى، وأضاف إليها أن المناقصة موضوع النزاع الحالي هي مناقصة مفتوحة تلتزم فيها الإدارة باختيار من يتقدم بأفضل الشروط المالية من بين مقدمي العطاءات، وقد حددت الإدارة شرطاً مالياً من دفتر الشروط جعلت منه الشرط الأساسي لقبول أي عطاء، وهو وجوب إيداع مقدار التأمين المطلوب؛ إذ ورد في البند الخامس من الدفتر المذكور، الذي تسلم كل متقدم للمناقصة نسخة منه مقابل رسم معلوم لكي يلتزم بالخضوع لأحكامه، أنه يجب ألا يتأخر دفع هذا التأمين عن آخر موعد محدد لوصول العطاء، وذلك كشرط أساسي للنظر في العطاء، كما جاء في البند السابع منه أن ورد في هذا الدفتر المطبوع يعتبر جزاءاً متمماً لشروط التعاقد، وفي البند الثامن أنه إذا سحب مقدم العطاء عطاءه قبل الميعاد المحدد لفتح المظاريف فإن التأمين المؤقت المشروط دفعه مقدماً يصبح حقاً للمصلحة بدون اتخاذ أية إجراءات. غير أن المصلحة قبلت التأمين المشار إليه من يوسف علي فاضل بعد أن فتحت المظاريف، وتبين لها أن عطاءه خال من هذا التأمين، وبعد أن أصبحت العطاءات جميعها معروفة لجميع المتناقصين وزالت سريتها؛ وبذا يكون قد دفع التأمين المؤقت لا لكي يتقدم في المناقصة، بل لأنه علم أن المناقصة سوف ترسو عليه حتماً، وتكون المساواة بين المتناقصين قد انعدمت، كما انعدمت السرية، ولا يملك المجلس الأعلى للسكك الحديدية بقرار يصدر منه، بعد فتح المظاريف، أن يهدر قاعدة المساواة بين مقدمي العطاءات في المناقصة، وأن يقوم بتسليم العملية إلى شخص قررت المصلحة أن عطاءه غير مقبول وأنه مستبعد من النظر فيه. وإذا كان من المسلم أن للمصلحة الحق في أن تعيد المناقصة إذا شاءت أو أن تلغيها كلية، أو أن لا تقبل العطاء الأقل بين العطاءات المقدمة، إلا أنه ليس من حقها - بعد إذ أعلنت أنها لا تقبل عطاء شخص لا يرفق به مبلغ التأمين المطلوب، وبعد إذ فتحت المظاريف - أن تقبل مناقصة الشخص الذي لم يرفق هذا التأمين، وأن تسبب بذلك اختلال الموازنة بين المتناقصين. ولا حجة في القول بأن لصاحب العطاء المقبول تأميناً سابقاً؛ لأن هذه التأمين إنما هو خاص بعملية أخرى لا علاقة لها بالعملية الجديدة فضلاً عن أن شروط المناقصة واضحة في وجوب استبعاد العطاء غير المصحوب بتأمين؛ ومن ثم فإن تصرف المصلحة بقبول العطاء المشار إليه، وهو الذي كان واجباً استبعاده، يكون مشوباً بإساءة استعمال السلطة فضلاً عن مخالفته للقانون.
ومن حيث إن الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية ردت على هذه الدعوى بمذكرة بدفاعها، ويتحصل في أنه عندما طرحت المناقصة موضوع النزاع من أعمال الشيالة بمحطات ومواصلات سكك حديد الحكومة والنقل المائي عن منطقة مصر، قامت لجنة البت في العطاءات بفحص جميع العطاءات المتقدمة، وأوصت بقبول أرخصها في ترتيب الأسعار، وكان أرخص العطاءات في منطقة القاهرة هو العطاء المقدم من يوسف فاضل بمبلغ 26.75 مليماً للطعن، ويليه عطاء المدعي بمبلغ 32.5 مليماً أي بزيادة قدرها 5.75 مليمات في الطعن الواحد، أي أن عطاء هذا الأخير يزيد في مجموعة عن العطاء الأول بنحو أربعة آلاف من الجنيهات، ولم يكن مقدم العطاء الأرخص قد أرفق بعطائه التأمين المؤقت وقدره أربعمائة جنيه؛ معتمداً في ذلك على أنه كان متعاقداً مع المصلحة في العام السابق عن العملية ذاتها وعن المنطقة عينها، وأن له تأميناً نهائياً قدره ألفان من الجنيهات بالإضافة إلى مبالغ أخرى مستحقة له عن عمليات الشيالة ذاتها. وعلى الرغم من ذلك فقد قررت لجنة البت في العطاءات تكليفه دفع التأمين المؤقت الذي قام بتوريده فعلاً، فقرر قبول عطائه. وقد أيدت مراقبة الإيرادات والمصروفات التي لها الإشراف على المصلحة قرار اللجنة بقبول العطاء الأرخص، وعرض الأمر على مجلس إدارة السكة الحديد، فوافق عليه وصدر بذلك القرار الوزاري رقم 130 لسنة 1954 وتم التعاقد. وقد رفع المدعي هذه الدعوى، فأودعت الهيئة الملف المتعلق بها، إلا أن المذكور أثار اعتراضاً بشأن ما يتبين من أن الأرقام المسلسلة بالملف رقم 123/ 6/ 50 قد قفزت من 30 إلى 68 مباشرة، زاعماً أن ثمت أورقاً كانت لمصلحته ونزعت من الملف عمداً. وحقيقة الواقع أن في الأمر التباسا نتج عن سهو غير مقصود من موظف محفوظات الإدارة العامة بالمصلحة؛ ذلك أن كتاباً صادراً من سكرتارية البضائع إلى السيد المهندس مساعد المدير العام تحت رقم 740/ 1/ 26 ومؤرخاً 26 من يونيه سنة 1954 رؤى نقله إلى الملف 123/ 6/ 50، في حين أنه خاص بالملف رقم 29/ 4/ 1، ولما كان رقمه في هذا الملف الأخير هو 68، فقد وضع بعد آخر ورقة في الملف الأول ورقمها 30، إلا أن الموظف المختص لم يفطن إلى تعديل رقمه إلى 31، بل تركه على حاله حاملاً رقم 68، فلما أرفقت الورقة التالية بعد ذلك أعطيت رقم 69، وهكذا حتى نهاية الملف. ومصداق ذلك أن الرقم المسلسل 30 تاريخه 24 من يونيه سنة 1954، والرقم المسلسل 68 تاريخه 26 منه، ولو كانت هناك أوراق أخرى من 31 إلى 67 لتسلسلت تواريخها في فاصل زمني لا يقل عن بضعة أشهر. أما عن الموضوع فإن الغاية التي يجب أن يستهدفها القرار الإداري بإرساء العطاء في مثل الحالة المعروضة هي التعاقد على أرخص العطاءات وأحسنها؛ حتى تتحقق المصلحة العامة وتقتصد أموال الدولة؛ ومن أجل ذلك وضعت شروط المناقصة بحيث تكفل للإدارة حرية واسعة في التصرف حتى يمكنها الوصول إلى الغاية المقصودة؛ فنص في البند الرابع من الشروط على أنه "ليست المصلحة ملزمة بقبول أقل عطاء أو أي عطاء آخر، ولها الحق أن تلغى المناقصة حسبما يتراءى لها بعد تقديم العطاءات أو قبل ذلك بدون إبداء الأسباب، ولا يكون لمقدمي العطاءات الحق في المطالبة بأي تعويض". كما أن المادتين الرابعة والسادسة من القانون رقم 236 لسنة 1954 الخاص بتنظيم المناقصات والمزادات أجازتا التفاوض مع صاحب العطاء الأقل إذا كان مقترناً بتحفظات؛ لينزل عن تحفظاته كلها أو بعضها؛ حتى يجعل عطاءه متفقاًَ مع شروط المناقصة بقدر الإمكان، وبما لا يدع مجالاً للشك في أنه أصلح العطاءات. وفي ضوء هذا يكون يوسف فاضل، صاحب أرخص عطاء، قد تحفظ في دفع التأمين المؤقت رغبة في خصمه مما هو مستحق له من تأمين نهائي ومبالغ أخرى عن عملية العام السابق، ولكن المصلحة - إذ رأته أرخص كثيراً من العطاء التالي - فأوصته ليدفع التأمين المؤقت نقداً ففعل؛ وبذا استوفى الشروط، وأصبح عطاؤه أصلح العطاءات، ولا تثريب عليها في ذلك ما دامت قد ابتغت بهذا الصالح العام وحده، وهو توفير زهاء أربعة آلاف جنيه في العام؛ ومن ثم يكون عيب إساءة استعمال السلطة الذي ينسبه المدعي إلى القرار المطعون فيه غير قائم على أساس من الواقع أو القانون. أما عيب مخالفة الشكل أو الإجراءات الذي ينعاه على القرار المطعون فيه فمردود بأن الإجراءات الشكلية إنما تقرر دائماً بقصد تحقيق الصالح العام في حسن الإدارة، وأن القضاء في مصر وفي فرنسا قد اتجه إلى حل وسط بين التمسك الدقيق بالشكل وبين التساهل الكبير فيه، وذلك بالأخذ بالتفرقة بين الشكليات الجوهرية والشكليات الثانوية، وبين الشكليات المفروضة لصالح الإدارة والشكليات المقررة لصالح الأفراد. فالقضاء الإداري لا يترتب جزاء البطلان على مخالفة الشكل إلا إذا كان الإجراء الذي أهمل إجراء جوهرياً من ناحية، وموضوعاً لصالح الأفراد من ناحية أخرى، أما إذا كان الإجراء مقرراً لصالح الإدارة وحدها فلا يترتب على عدم مراعاته البطلان، إلا إذا كانت الإدارة هي التي تتمسك بهذا البطلان. والشرط الشكلي في هذه الدعوى، وهو إرفاق التأمين المؤقت بالعطاء إنما هو موضوع لصالح الإدارة وحدها، ولا شأن للمدعي ولا لغيره من الأفراد به؛ إذ أن حكمته أن يكون ضماناً تحت يدها تصادره إذا ما نكل مقدم العطاء عن إيجابه. فإذا رأت أن مقدم العطاء مضمون لها من جهة أخرى - كما هو الحال بالنسبة إلى يوسف فاضل الذي له مبالغ كبيرة لديها - فلا تثريب عليها إذا ضربت صفحاً عن هذا الشرط، ولو مؤقتاً، حتى تكلفه بالدفع على الرغم مما له عندها. وقد أوضح رئيس لجنة البت في العطاءات هذا النظر؛ إذ ذكر في محضر اجتماعها أن المبدأ المتبع لديها هو أن العطاء الذي لم يدفع عنه تأمين ابتدائي ويرى من المصلحة قبوله يوصى عليه ويطالب صاحبه بدفع التأمين قبل إتمام العقد. وقد عرض الأمر على المجلس الأعلى للسكك الحديدية فأقره. ولا وجه لقياس مسلك الإدارة في الحالة المعروضة على مسلكها في حالات أخرى تمسك فيها بضرورة تقديم التأمين المؤقت؛ إذ لكل حالة ظروفها، هذا إلى أن من سلطة الجهة التي تصادق على قرار إرساء المناقصة، وهي المجلس الأعلى للسكك الحديدية، أن تصحح ما وقع من مخالفة في الإجراءات. ومتى كان الأمر كذلك فلا تترتب أية مسئولية على الإدارة؛ ما دام القرار المعيب شكلاً له ما يبرره من ناحية الموضوع. وخلصت الهيئة من هذا إلى طلب: "أولاً - الحكم برفض الدعوى يشقيها، مع إلزام المدعي بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ثانياً - إعفاء الحكومة من الغرامات المحكوم بها".
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة أودع تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهي فيه - للأسباب التي أبداها - إلى أنه يرى الحكم "بإلغاء القرار الصادر من مجلس إدارة سكك حديد جمهورية مصر بتاريخ 29 من مايو سنة 1954 فما تضمنه من إرساء مناقصة أعمال الشيالة خلال سنة 1954 - 1955 في القسم الرابع من المناقصة على يوسف علي فاضل، وإلزام المصلحة المدعي عليها بدفع قرش صاغ للمدعي على سبيل التعويض الرمزي، وإلزام المدعى عليها بالمصروفات". وبجلسة 2 من ديسمبر سنة 1956 ألزمت المحكمة مصلحة السكك الحديدية بغرامة قدرها خمسة جنيهات، كما ألزمتها بجلسة 24 من فبراير سنة 1957 بغرامة قدرها عشرة جنيهات تمنح للمدعي؛ لعدم تقديمها ما طلبه من أوراق.
ومن حيث إنه بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) في هذه الدعوى "بإلزام هيئة السكة الحديد بأن تدفع للمدعي مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت وكامل مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن جهة الإدارة عند تعاقدها مع الأفراد أو الهيئات العامة تسير على مقتضى تنظيم إداري تضمنته أحكام القانون رقم 236 لسنة 1954 الخاص بتنظيم المناقصات والمزايدات وكذا نصوص لائحة المخازن والمشتريات فيما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون، وأن مقتضى هذا التنظيم أن الإجراءات التي تنتهي بالتعاقد تتولاها جهات ثلاث: (الأولى) لجنة فتح المظاريف، و(الثانية) لجنة البت في العطاءات، و(الثالثة) جهة التعاقد. ولكل من هذه الجهات الثلاث اختصاص معين، وقد أشار القانون رقم 236 لسنة 1954 إلى هذه الجهات في المادة الثانية منه. وهذا الاختصاص هو اختصاص مقيد؛ بمعنى أن القواعد التي تحكم إجراءات المناقصة ليست مجرد قواعد مصلحيه داخلية للإدارة إن شاءت تمسكت بها وإن شاءت تنازلت عنها، بل هي قواعد وضعت لصالح الإدارة والأفراد على السواء، وقصد بها كفالة احترام مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المتناقصين جميعاً؛ حتى تنتهي الإجراءات بإرساء المناقصة على صاحب أقل عطاء. ويقابل هذا الاختصاص المقيد سلطة تقديرية لجهة التعاقد، هي حق هذه الجهة في عدم إتمام التعاقد والعدول عنه بإلغاء المناقصة؛ حتى لا يفرض عليها التعاقد مع شخص لا تقلبه، أو إذا تبينت ملاءمة اتخاذ هذا القرار لظروف تتعلق بالمصلحة العامة أو المصلحة المالية أو الإدارية. وقد نصت الشروط العامة التي طرحت على أساسها المناقصة موضوع النزاع في البند الخامس منها على أنه يجب كشرط أساسي للنظر في أي عطاء أن يدفع مقدمه تأميناً مؤقتاً عن كل قسم من أقسام الشيالة، ويجب ألا يتأخر دفع التأمين عن الوقت المحدد كآخر موعد لوصول العطاءات، وهذا الالتزام بتقديم التأمين المؤقت يعتبر من الشروط الجوهرية التي يحتملها مبدأ المساواة بين المتناقصين ضماناً لجدية العطاءات؛ ومن ثم فإن اختصاص جهة الإدارة في شأنه يكون مقيداً، ويكون ما قررته لجنة فتح المظاريف - من استبعاد عطاء يوسف علي فاضل لعدم دفعه التأمين المؤقت - مطابقاً للقانون، وما قررته لجنة البت في العطاءات - من التوصية بقبول عطاء يوسف علي فاضل بشرط دفع التأمين قبل التعاقد وكذا ما قرره مجلس إدارة الهيئة متفرقاً في 28 و29 من يونيه سنة 1954 من إرساء المناقصة على المذكور - مشوباً بعيب مخالفة القانون، وكان يتعين الحكم بإلغائه. إلا أنه نظراً لأن ميعاد تنفيذ المناقصة قد انقضى وتم تنفيذها فعلاً، فلم تعد ثمت جدوى من الحكم بالإلغاء، ويكفي لتقرير مسئولية الهيئة عن هذا القرار الحكم للمدعي بالتعويض المؤقت الذي طلبه، مع إلزام الهيئة بكامل مصروفات الدعوى، سواء ما كان منها خاصاً بطلب الإلغاء أو بطلب التعويض، وحفظ حق المدعي في المطالبة بالتعويض الكامل عما لحقه من ضرر بدعوى على حدة.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قد طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتارية هذه المحكمة في 27 من فبراير سنة 1958 وطلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام رافعها المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أن الهيئة العامة السكك الحديدية عندما فأوصت مقدم العطاء الأرخص لينزل عن تحفظه الخاص بخصم التأمين المؤقت من المبالغ المستحقة له عند المصلحة من عمليات سابقة إنما فاوضته بمقتضى ما لها من سلطة القانون رقم 236 لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات التي تبيح لها اتخاذ هذا الإجراء. والحكم الوارد في القانون المذكور في هذا الشأن هو حكم عام مجرد لم يوضع لصالح مقدم عطاء بذاته، إنما وضع لصالح الإدارة؛ تمكيناً لها من أن تختار من بين العطاءات المقدمة أفضلها. والمناط في استعمال هذه الرخصة هو تحقيق الشروط الواجب توافرها في العطاء الذي يصح أن يكون محلاً لهذه المفاوضة، فلا يتصور - والحالة هذه - أن يكون في تطبيق هذا الحكم أي إخلال بالمبادئ الأساسية التي تحكم المناقصات؛ لأن جميع المتناقصين يعلمون به سلفاً، فبمقتضى هذا الحكم يكون للإدارة كامل الحق في أن تتفاوض مع صاحب أقل عطاء لينزل عن تحفظاته التي اقترنت بطريقة دفع التأمين مثلاً، أو بوسيلة التوريد أو بالمدة المحددة له أو بطريقة السداد، طالما أن هذه المفاوضة لا تمس فئات الأسعار؛ إذ أن التفاوض في ذلك أو في التحفظات التي قد يتأثر بها زيادة أو نقصاً هو فقط الذي يخل بمبدأ المساواة إذا أتيحت الفرصة لمتناقص بعد فتح المظاريف لكي يعدل في فئات أسعار العطاء. وعلى ذلك فمتى تقدم العطاء قبل الميعاد المحدد لفتح المظاريف كان للإدارة - إذا توافرت له شروط الحكم المشار إليه - أن تتفاوض مع مقدمه لينزل عن كل أو بعض تحفظاته بما يجعل عطاءه متفقاًَ مع شروط المناقصة بقدر الإمكان، وبما لا يدع مجالاً للشك في أنه أصلح من العطاء الأقل غير المقترن بأي تحفظ. فإذا كان الثابت في الحالة المعروضة أن صاحب العطاء الذي تفاوضت معه الهيئة العامة للسكك الحديدية هو صاحب أقل عطاء ويقل عن أقل عطاء من العطاءات غير المقترنة بتحفظات بحوالي أربعة آلاف جنيه، فإن الهيئة لا تكون قد فعلت أكثر من أنها استعملت سلطتها تحقيقاً لصالح المرفق الذي تقوم على إدارته، مما كان يتعين معه رفض الطعن في القرار الصادر منها في هذا الخصوص، ورفض التعويض عنه تبعاً لذلك. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً، فإنه يكون قد خالف القانون، واستوجب الطعن فيه.
ومن حيث إن ما يثيره المدعي من اعتراض قائم على زعمه بأن ثمت أوراقاً من رقم 31 إلى رقم 67 نزعت من الملف المضموم رقم 123/ 6/ 50 الخاص بمقاومة الشيالة عن المدة من أول يوليه سنة 1954 إلى 30 يونيه سنة 1955 موضوع النزاع، منتزعاً هذا الاستنتاج من عدم تسلسل ترقيم مرافقات هذا الملف وانتقال أرقام صفحاته من رقم 30 إلى رقم 68، ومستخلصاً من ذلك أن الأوراق المظنون سلخها من الملف إنما كانت لمصلحته وسحبت عمداً إضراراً به، مع أنه يبين محتوياتها أو مدى تعلقها بموضوع الدعوى وتأثيرها في وجه الفصل فيها، وإن ما يثيره المدعي في هذا الشأن مردود بما أبدته الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية من تعليل مقبول لهذا الفراغ في التسلسل من أنه إنما وقع نتيجة سهو من موظف محفوظات الإدارة العامة بها لدى إرفاقه كتاب سكرتارية البضائع الموجه إلى مساعد المدير العام في 26 من يونيه سنة 1954 تحت رقم 740/ 1/ 26 والخاص بالملف المشار إليه في صدره، وهو الملف رقم 29/ 4/ 1 لا بالملف المضموم رقم 123/ 6/ 50؛ إذ أنه عند إرفاقه الكتاب المذكور بهذا الملف الأخير - وقد كان يحمل في ملفه الأصلي رقم 68 - وضعه بعد الورقة رقم 30 التي كانت آخر ورقة وقتذاك، وفاته أن يعدل رقمه إلى 31، فأبقاه برقمه كما هو، ولم يفطن إلى هذه الطفرة في التسلسل، ثم تدرج في ترقيم ما تلاه من مرافقات ابتداء من رقم 69؛ ومصداق ذلك ما هو ملحوظ من اتحاد التاريخ بين كل من المرفق30 والمرفق رقم 68؛ إذ كلاهما مؤرخ 26 من يونيه سنة 1954. ومن غير المعقول أن تكون المكاتبات المدعي بنزعها من الملف والتي كان واجباً أن تتسلسل من رقم 31 إلى رقم 67 قد صدرت جميعها في اليوم ذاته دون فاصل زمني. على أنه مهما يكن من أمر في شأن صحة أو عدم صحة اعتراض المدعي في هذا الخصوص، فإن ما هو موجود من الأوراق بملف المقالة آنف الذكر وبملف الدعوى يتضمن كافة العناصر اللازمة لاستجلاء وقائعها وإمكان الفصل في موضوعها.
ومن حيث إن من الأسس التي يقوم عليها تعاقد الإدارة مع الأفراد أو الهيئات عن طريق المناقصات العامة أو المحلية أن يخضع هذا التعاقد لاعتبارات تتعلق بمصلحة المرفق المالية التي تتمثل في إرساء المناقصة على صاحب العطاء الأرخص بتغليب مصلحة الخزانة على أي اعتبار أخر، وكذا بمصلحته الفنية التي تبدو في اختيار المناقص الأفضل من حيث الكفاية الفنية وحسن السمعة، وفي ترجيح أي من هاتين المصلحتين تتمتع الإدارة بسلطة تحددها القواعد المقررة في هذا الشأن، ومنها لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يونيه سنة 1948، والمرسوم بقانون رقم 58 لسنة 1953 الخاص بتنظيم المناقصات المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1953، والقانون رقم 384 لسنة 1953 بتعديل بعض الأحكام المتعلقة باختصاصات مجلس الوزراء، ثم القانون رقم 236 لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات. ويحكم المناقصات العامة مبدآ المنافسة والمساواة، بيد أن هذا الأخير يخضع لقيود منها ما يتعلق بمصلحة المرفق، ومنها ما يتصل بحماية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، ومن الأولى أهلية مقدم العطاء القانونية وحسن سمعته وكفايته الفنية وكذا كفايته المالية التي يقتضي التثبت منها أن يودع تأميناً مؤقتاً تنص عليه وتعين مقداره كراسة الشروط كضمان لجدية العطاء وصدق النية فيه ولتنفيذ العقد ممن يرسو عليه وتعويض الإدارة في حالة إعادة المناقصة على حسابه إذا ما نكل عن إيجابه، وهذا كله بخلاف التأمين النهائي. وقد نص البند الخامس من قائمة شروط ومواصفات العطاء موضوع الدعوى المتعلق بأعمال الشيالة بمحطات ومواصلات سكك حديد جمهورية مصر والنقل المائي عن المدة من أول يوليه سنة 1954 لغاية آخر يونيه سنة 1955، وهو البند الخاص بالتأمين المؤقت "على أنه يجب كشرط أساسي للنظر في أي عطاء أن يدفع مقدم العطاء بالكيفية المنصوص عنها فيما بعد المبلغ المبين بعد، وذلك بصفة تأمين مؤقت عن كل قسم من أقسام الشيالة... ويجب ألا يتأخر دفع هذا التأمين عن الوقت المحدد كآخر موعد لوصول العطاءات. ويجوز تقديم هذا التأمين المؤقت على أي وجه من الوجوه الآتية: ( أ ) نقداً، وتدخل تحت ذلك الحوالات والأذونات البريدية والشيكات المقبولة من بنك معروف وموجود في جمهورية مصر... (ب) سندات الحكومة المصرية أو أية سندات أخرى لحاملها متعمدة من المصلحة... (ج) خطاب كفالة حسب الاستمارة حرف "أ" المرفقة بهذه الشروط من أحد البنوك الموجودة في جمهورية مصر والمعتمدة من وزارة المالية المصرية...". ونص القانون رقم 236 لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات في الفقرة الأولى من مادته الثانية على أنه: "يجب أن يسبق قرار الجهة المختصة بإبرام العقود - فيما يجب أن يتم منها بطريق المناقصات العامة وفقاً لأحكام المادة السابقة - أن تتولى فحص العطاءات، إذا تمت بطريق المظاريف لجنتان تقوم إحداهما بفتح المظاريف وتقوم الثانية بالبت في هذه العطاءات..". وبذا عين الجهات التي تتولى الإجراءات الخاصة بالمناقصات في مختلف مراحلها، وهي: لجنة فتح المظاريف، ولجنة البت في العطاءات، ثم الجهة المختصة بإبرام العقود. كما نص في مادته الرابعة على أنه "لا يجوز بعد فتح المظاريف الدخول في مفاوضة مع أحد مقدمي العطاءات في شأن تعديل عطائه، ومع ذلك إذا كان العطاء الأقل مقترناً بتحفظ أو تحفظات، وكان أقل عطاء غير المقترن بشيء من ذلك تزيد القيمة الرقمية كثيراً على العطاء المقترن بتحفظات، جاز التفاوض مع مقدم أقل عطاء مقترن بتحفظات لينزل عن كل تحفظاته أو بعضها بما يجعل عطاءه متفقاًَ مع شروط المناقصة بقدر الإمكان، وبما لا يدع مجالاً للشك في أنه أصلح من العطاء الأقل غير المقترن بأي تحفظ، فإذا رفض فيجوز التفاوض مع من يليه؛ بحيث لا تجرى مفاوضة في التعديل مع صاحب عطاء إلا إذا رفض هذا التعديل جميع مقدمي العطاءات الأقل منه. ويسري الحكم المتقدم ولو كانت العطاءات كلها مقترنة بتحفظات أو كانت كلها غير مقترنة بشيء منها وكان العطاء الأقل يزيد على القيمة السوقية ولم يتقرر إلغاء المناقصة لهذا السبب...". كذلك نص في المادة السادسة منه على أنه "مع مراعاة حكم المادة السابقة لا يجوز بعد البت في طلبات الاستبعاد إرساء المناقصة إلا على صاحب أقل عطاء، سواء أكان هذا العطاء مستوفياً لجميع المواصفات والشروط أم أنه أصبح أصلح العطاءات بعد المفاوضة". وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 58 لسنة 1953 بتنظيم المناقصات، تعليقاً على المادة الرابعة منه المقابلة للمادة الرابعة من القانون رقم 236 لسنة 1954 آنف الذكر والمطالبة لها - أن "المساواة في العطاءات تكون قبل الدخول في المناقصة بتوحيد الشروط التي تطرح على أساسها. وبعد فتح المظاريف بإرساء المناقصة على صاحب أقل عطاء، ما لم يستبعد لأسباب تبرر هذا الاستبعاد. وقد جاء نص المادتين الرابعة والخامسة مطابقاً لهذا الحكم ومكملاً له؛ فنص صراحة في المادة الرابعة على أنه لا يجوز، بعد فتح المظاريف، المفاوضة في تعديل العطاء إلا مع صاحب أقل عطاء، وإذا رفع فمع من يليه؛ بحيث لا تجرى مفاوضة مع صاحب عطاء إلا إذا رفض هذا التعديل جميع مقدمي العطاءات الأقل؛ ذلك لأن صاحب أقل عطاء، ما لم يستبعد، هو في الأصل صاحب الحق في إرساء المناقصة عليه إذا كان عطاؤه مناسباً، فلا ضير على أحد من أصحاب العطاءات الأخرى، ولا يخل بالمساواة الواجبة بالنسبة إليهم أن يعدل العطاء الأقل إلى ما هو أقل، أو لكي يكون متمشياً مع مواصفات المناقصة وشروطها. وقد اشترط لإجراء المفاوضة صدور قرار بها من لجنة البت؛ لأنه سواء كيف هذا الإجراء بأنه تصفية لإجراءات المناقصة، أم هو ممارسة على أساس ما أسفرت عنه المناقصة، فإن لجنة البت، وقد تولت إجراءات المناقصة، أقدر على الاضطلاع بهذه المهمة من أية هيئة أخرى". ومفاد ما تقدم إنه ولئن كان إيداع التأمين المؤقت من مقدم العطاء في الوقت المحدد كآخر موعد لوصول العطاءات شرطاً أساسياً للنظر في عطائه، سواء كان هذا التأمين نقداً أو سندات أو كفالة مصرفية، وكان هذا الشرط مقرراً للصالح العام للمحكمة التي سلف بيانها، دون ترتيب جزاء البطلان على مخالفته إذا ما اطمأنت الإدارة إلى ملاءة مقدم العطاء شأن الجمعيات التعاونية، إلا أن الشارع رأى مع ذلك - رغبة منه في تمكين الإدارة من الحصول على أصلح العطاءات لخير المرفق وصيانة لأموال الدولة إجازة المفاوضة بعد فتح المظاريف، مع صاحب العطاء الأقل إذا كان مقترناً بتحفظ أو تحفظات، وكانت القيمة الرقمية لأقل عطاء غير المقترن بشيء من ذلك تزيد كثيراً على العطاء المقترن بتحفظات وذلك لكي ينزل عن كل تحفظاته أو بعضها بما يوفق بين عطائه وشروط المناقصة قدر الاستطاعة ويجعله أصلح من العطاء الأقل غير المقترن بأي تحفظ، فإذا رفض، جاز التفاوض مع من يليه؛ ذلك لأن صاحب أقل عطاء، ما لم يستبعد، هو في الأصل صاحب الحق في إرساء المناقصة عليه إذا كان عطاؤه مناسباً؛ ولأن تعديل عطائه إلى ما هو أقل أو إلى ما يجعله متمشياً مع مواصفات المناقصة وشروطها لا ضير منه على أي من أصحاب العطاءات الأخرى، ولا يخل بقاعدة المساواة الواجبة بالنسبة إليهم، سواء كيف هذا الإجراء بأنه تصفية لإجراءات المناقصة، أو بأنه ممارسة على أساس ما تمخضت عنه المناقصة، ومرجع الأمر في هذا إلى لجنة البت في العطاءات باعتبارها أقدر من أية هيئة أخرى على الاضطلاع بهذه المهمة، وهي تتولى إجراءات المناقصة وتبت فيها. ولا يجوز بعد البت في طلبات الاستبعاد إرساء المناقصة إلا على صاحب أقل عطاء بالوضع المتقدم، أي سواء كان مستوفياً لجميع المواصفات والشروط، أو كانت المفاوضة قد أسفرت عن صيرورته أصلح العطاءات.
ومن حيث إن الحكم المتقدم يصدق ما دام العطاء الأقل قائماً لم يستبعد، وتنص المادة الثالثة من القانون رقم 236 لسنة 1954 على أن "تعرض العطاءات على لجنة البت مشفوعة بملاحظات رئيس المصلحة أو الفرع المختص. ويجب أن تتضمن هذه الملاحظات إبداء الرأي في أصحاب العطاءات من حيث كفايتهم المالية والفنية وحسن السمعة. وإذ رأى استبعاد عطاء أو أكثر يجب أن يكون رأيه مسبباً. كما يجب قرار اللجنة بالاستبعاد مسبباً إذا كان العطاء المستبعد هو أقل عطاء". والثابت من الأوراق أن إدارة الحركة والبضائع بمصلحة السكك الحديدية التي قامت بفحص العطاءات المقدمة من أعمال الشيالة والنقل المائي لعام 1954/ 1955 الخاصة بالمناطق المطروحة لم تر استبعاد العطاء المقدم من يوسف علي فاضل عن منطقة بسعر 26 و3/ 4 مليم للطن على الرغم من عدم استيفائه للتأمين، وذلك لكونه أرخص العطاءات، ويليه العطاء المقدم من المدعي بسعر 32 و1/ 2 مليم للطن. وقد كان سندها في عدم استبعاد عطاء يوسف علي فاضل أن المذكور هو نفس المقاول الذي كان متعاقداً مع المصلحة في السنة الماضية عن المنطقة ذاتها، وأن لديها تأميناً نهائياً مودعاً منه عن العقد السابق علاوة على مبالغ أخرى مستحقة له مما يطمئن إلى ملاءته، وأنه ارتكن في عطائه الجديد على هذا التأمين. وقد فحصت لجنة البت في العطاءات جميع العطاءات المقدمة، وأوصت بقبول أرخصها في ترتيب الأسعار عن المناطق جميعاً، على أن يطلب إلى يوسف علي فاضل مقدم العطاء الأرخص عن المنطقة الرابعة (مصر) استيفاء التأمين المطلوب، وفي حالة رفضه دفع هذا التأمين يوصى بقبول عطاء المدعي الذي يليه في الرخص، وقد قام يوسف فاضل فعلاً بإيداع التأمين المؤقت بمخازن بضائع مصر فور مطالبته به، ولم يقبل عطاؤه إلا بعد هذا الإيداع. وقد جاء بمحضر اجتماع لجنة البت في العطاءات بجلستها المنعقدة في 15 من يونيه سنة 1954 على لسان رئيسها أن "المبدأ المتبع في هذه اللجنة أن العطاء الذي لم يدفع تأميناً ابتدائياً ويرى أنه من صالح المصلحة قبوله يوصى عليه ويطالب بدفع التأمين قبل إبرام العقد؛ لذلك أرى اتباع ذلك بالنسبة إلى صاحب العطاء الأرخص المقدم عن قسم مصر، فإذا لم يقبل دفع التأمين يوصى على التالي له". وقد وافقت اللجنة على هذا الرأي، ثم رفعت به إلى مجلس إدارة السكة الحديد المذكور رقم 6 المؤرخة 28 من يونيه سنة 1954 فوافق عليها المجلس في 28 و29 منه، وصدر القرار الوزاري رقم 130 لسنة 1954 (سكة حديد) بتكليف مدير عام المصلحة تنفيذ ما أقره المجلس.
ومن حيث إن اعتماد يوسف علي فاضل على ما له من مبالغ مستحقة قبل المصلحة كتأمين نهائي ومبالغ أخرى عن عملية العام السابق تجاوز في مقدارها قيمة التأمين المؤقت المطلوب في المناقصة موضوع النزاع لا يعني تخلفه قصداً عن استيفاء شرط البند الخامس من دفتر الشروط أو تحلله منه، بل مجرد فهم منه لجواز التحفظ الضمني في شأن طريقة دفع التأمين؛ ارتكاناً على إمكان تحقيق شرط أدائه بالخصم في تلك المبالغ، ولا سيما أن البند الخامس المشار إليه أورد ضروباً من الأوجه التي يجوز أن يؤدي بها التأمين المذكور، كالنقد والحوالات والاذونات البريدية والشيكات المقبولة وسندات الحكومة والسندات لحاملها والكفالة المصرفية. وليس شأن يوسف فاضل في هذا المقام بالنظر إلى وضعه الخاص إزاء المصلحة شأن من لم تسبق له علاقة تعامل معها، أو من ليس له مال لديها يفي بالتأمين المطلوب، وإن يكن ماله غير حال الأداء. وقد بادر بسداد قيمة هذا التأمين بمجرد دعوته إلى ذلك، ولم تقبل المصلحة عطاءه أو ترتبط به إلا بعد أن قام بتوريد مبلغ التأمين اللازم، وقد صادق مجلس إدارة السكة الحديد وكذا وزير المواصلات على هذه الإجراءات جميعها مقراً لها ومصححاً إياها. وبذلك استعملت الإدارة حقها في المفاوضة المخول لها قانوناً؛ لكي ينزل صاحب العطاء والأرخص عن تحفظه القائم على خصم التأمين الابتدائي مما هو مستحق له في ذمتها من مبالغ، وتغيت بإعمال هذه الرخصة، بمقتضى سلطتها التقديرية في تيسر المرفق القائمة عليه، وجه المصلحة العامة مجردة عن الميل أو الهوى، ولم تصدر في هذا عن رغبة غير مشروعة في محاباة أحد مقدمي العطاءات على الآخر بدون وجه حق إضراراً بصالح المرفق أو بالصالح العام، بل فاوضت يوسف فاضل بعد إذ وجدت عطاءه أرخص من العطاء التالي له غير المقترن بتحفظ وهو عطاء المدعي، فلما قبل إيداع التأمين المؤقت وأودعه أصبح عطاؤه أصلح العطاءات؛ الأمر الذي تنتفي معه شبهة إساءة استعمال السلطة، ولا ينطوي على أي إخلال بمبدأ المساواة أو تكافؤ الفرص بين مقدمي العطاءات المفروض علمهم مقدماً بحكم القانون في جواز هذه المفاوضة التي اقتصرت في خصوصية هذا النزاع على النزول عن التحفظ الخاص بوسيلة دفع التأمين الابتدائي لا على الإعفاء منه، ولم تمس فئات الأسعار أو الشروط الموضوعية. ولا سيما أن البند الرابع من دفتر الشروط ينص على أنه "ليست المصلحة ملزمة بقبول أقل عطاء أو أي عطاء آخر، ولها الحق أن تلغي المناقصة حسبما يتراءى لها بعد تقديم العطارات أو قبل ذلك بدون إبداء الأسباب، ولا يكون لمقدمي العطاءات الحق في المطالبة بأي تعويض". وقد ضبطت المادة السابعة من القانون رقم 236 لسنة 1954 حدود مثل هذا الشرط؛ إذ بينت الحالات التي يجوز فيها إلغاء المناقصات أو العطاء الأقل. وإذ كان تصرف المصلحة سليماً مطابقاً للقانون وغير مشوب بإساءة استعمال السلطة، فلا وجه لما يطلبه المدعي من إلغاء قرار إرساء المناقصة على يوسف علي فاضل، ولا يترتب له، تبعاً لذلك، أي حق في تعويض؛ ومن ثم فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يكون على أساس سليم من القانون، ويكون حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه، إذ قضى بإلزام الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية بأن تدفع للمدعي مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وكامل مصروفات الدعوى، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى في شقيها، مع إلزام المدعي بكامل مصروفاتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بكامل المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق