الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 يناير 2025

الطعن 3282 لسنة 89 ق جلسة 3 / 1 / 2021 مكتب فني 72 ق 1 ص 23

جلسة 3 من يناير سنة 2021
برئاسة السيد القاضي / حمد عبد اللطيف نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / خالد مقلد ، محمد قنديل ومصطفى الدخميسي نواب رئيس المحكمة ومحمد محمد يوسف.
----------------
(1)
الطعن رقم 3282 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) رشوة . قصد جنائي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
القصد الجنائي في جريمة الرشوة . تحققه بعلم المرتشي عند طلب الوعد أو العطية أو الفائدة بفعل ذلك مقابل القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجباته . استنتاجه من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال .
تدليل سائغ على توافر القصد الجنائي في جريمة الرشوة .
(3) رشوة .
اختصاص الموظف بجميع العمل المتعلق بالرشوة . غير لازم . كفاية أن يكون له علاقة به أو نصيب من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض منها .
(4) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم . غير لازم . كفاية إيراد مضمونها . النعي بإسقاط المحكمة بعض أقواله . غير مقبول . حد ذلك ؟
(5) إثبات " اعتراف " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إيراد الحكم من اعتراف الطاعن والمتهمين الآخرين ما يحقق مراد الشارع بالمادة 310 إجراءات جنائية من بيان مؤدى أدلة الإدانة . لا قصور .
الجدل الموضوعي في وزن المحكمة لعناصر الدعوى واستنباط معتقدها . غير جائز أمام محكمة النقض .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " . دفوع " الدفع ببطلان الاعتراف " .
تقدير قيمة الاعتراف وحجيته وعما إذا كان انتزع بطريق الإكراه . موضوعي .
إفصاح المحكمة عن اطمئنانها لصحة الاعتراف . كفايته رداً على الدفع ببطلانه .
إطالة مدة التحقيق مع المتهم . لا يعد إكراهاً إلا إذا كان منكراً للتهمة وتعمد المحقق الإطالة للحصول على الاعتراف . نعيه بالبطلان رغم اعترافه بالجريمة من بداية التحقيق . غير مقبول .
(7) دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " . نقض " الصفة في الطعن " " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
لا صفة لغير من وقع في حقه إجراء في الدفع ببطلانه ولو استفاد منه . علة ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال .
(8) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . رشوة . شريعة إسلامية .
للقاضي الجنائي تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه . ما دام له مأخذه من الأوراق .
تعويل الحكم على اعتراف المتهمَين الآخرين على الطاعن رغم صدوره بغية إعفائهما من عقوبة الرشوة . صحيح . النعي بمخالفة ذلك لمبادئ الشريعة الإسلامية وفق المادة الثانية من الدستور . لا ينال من هذا النظر . علة ذلك ؟
(9) استدلالات . رقابة إدارية . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات ".
لمحكمة الموضوع التعويل على تحريات الرقابة الإدارية باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . عدم الإفصاح عن مصدرها أو وسيلتها . لا يعيبها . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها . حد ذلك ؟
(10) نقض " أسباب الطعن . تحديدها . ما لا يقبل منها " . إجراءات " إجراءات التحقيق " .
وجوب تفصيل أسباب الطعن ابتداءً . علة ذلك ؟
تعييب التحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن في الحكم . علة ذلك ؟
مثال .
(11) تسجيل المحادثات . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
عدم إيراد الحكم نص التسجيلات التي عول عليها بكل فحواها . لا ينال من سلامته . كفاية إيراد مضمونها .
(12) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه .
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
عدم اشتراط صراحة الدليل على الواقعة المراد إثباتها . كفاية استخلاص ثبوتها بالاستنتاج من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات .
مثال .
(13) رشوة . دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
دفاع الطاعن بخلو التسجيلات مما يفيد طلبه أو أخذه مبالغ مالية أو عطايا على سبيل الرشوة . نفي للتهمة . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
بحسب الحكم كيما يتم تدليله إيراد الأدلة المنتجة على وقوع الجريمة المسندة للطاعن . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(14) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه . ماهيته ؟
مثال لما لا يعد طلباً جازماً .
(15) مأمورو الضبط القضائي " سلطاتهم " . تسجيل المحادثات .
لمأمور الضبط القضائي تنفيذ الإذن الصادر له بتسجيل المحادثات بما يراه كفيلاً بتحقيق الغرض منه . له الاستماع للأحاديث المسجلة . حد ذلك ؟
(16) إجراءات " إجراءات التحريز " .
إجراءات التحريز . تنظيمية . لا بطلان على مخالفتها .
مثال .
(17) تسجيل المحادثات . إجراءات " إجراءات التحقيق " .
وضع عضو النيابة المحقق بصمة صوتية في بداية ونهاية التسجيلات التي تمت نفاذاً للإذن الصادر بها أو توقيعه عليها . غير لازم . النعي في هذا الشأن . تعييب للإجراءات السابقة على المحاكمة .
(18) نقض " الصفة في الطعن " " المصلحة في الطعن " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون متصلاً بشخص الطاعن وله مصلحة فيه .
مثال .
(19) تسجيل المحادثات . رشوة . دفوع " الدفع ببطلان إذن التسجيل " .
صدور الإذن بالتسجيل بعد طلب الطاعن الرشوة . مفاده : صدوره لضبط جريمة تحقق وقوعها . التزام الحكم هذا النظر رداً على الدفع ببطلانه . صحيح .
(20) استدلالات . تسجيل المحادثات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التسجيل . موضوعي .
تناقض تحريات الرقابة الإدارية مع ما تضمنته تقاريرها السابقة من صلاحية الطاعن لشغل وظيفته وخلوها من تحديد قيمة مبلغ الرشوة وأسماء المتعاملين معه . لا يقدح في جديتها . النعي في هذا الشأن . غير مقبول .
(21) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه . حد ذلك ؟
تعويل المحكمة على أقوال عضو الرقابة الإدارية . صحيح . متى انتهت لصحة ما قام به من إجراءات .
(22) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن . موضوعي . المجادلة في هذا الشأن أمام محكمة النقض . غير جائزة .
عدم التزام المحكمة بإعادة المأمورية للخبير أو ندب خبير آخر . حد ذلك ؟
مثال .
(23) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدفع بعدم الدستورية " . دفوع " الدفع بعدم الدستورية " .
تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية . موضوعي . انتهاء الحكم لعدم جديته بأسباب سائغة . النعي عليه بخلاف ذلك . غير مقبول . أساس ذلك ؟
(24) محاماة . دفوع " الدفع ببطلان الاستجواب " .
مباشرة النيابة استجواب الطاعن دون حضور محامٍ معه . جائز . متى أصبح ندبه غير ممكن . النعي بخلاف ذلك . غير مقبول . أساس وعلة ذلك ؟
(25) نيابة عامة . دفوع " الدفع ببطلان التحقيق " .
النعي ببطلان تحقيقات النيابة العامة لعدم إجرائها من رئيس بها . غير مقبول . ما دام مجريها أياً كانت درجته لم يباشرها في نطاق سلطات قاضي التحقيق . أساس ذلك ؟
(26) دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " . رقابة إدارية . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إثارة الدفع ببطلان الإجراءات لإحالة الطاعن للتحقيق دون حصول عضو الرقابة الإدارية على موافقة رئيس مجلس الوزراء لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة .
حصول الرقابة الإدارية على موافقة رئيس مجلس الوزراء قبل إحالة الموظفين من درجة مدير عام للتحقيق . إجراء تنظيمي . لا يقيد النيابة العامة في مباشرة التحقيق والتصرف . علة وأساس ذلك ؟
(27) دفوع " الدفع بتلفيق التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بكيدية الاتهام وتلفيقه . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي عولت عليها المحكمة .
(28) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة قعودها عن اتخاذ إجراء لم يطلب منها . غير مقبول . حد ذلك ؟
(29) إثبات " أوراق رسمية " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(30) قضاة " صلاحيتهم " .
الرغبة في الإدانة . مسألة داخلية تقوم بنفس القاضي . تقدير الإدانة . متروك له .
(31) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " .
النعي بعدم إدراك الحكم لحقيقة الواقعة وتكييفها القانوني الصحيح . جدل في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورتها . غير جائز أمام محكمة النقض .
(32) دعوى جنائية " وقفها " .
إغفال الحكم طلب الطاعن وقف الدعوى الجنائية لحين الفصل في دعوى دستورية . لا يعيبه . علة وأساس ذلك ؟
(33) محضر الجلسة . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم كاملاً . لا يعيب الحكم . علة ذلك ؟
ثبوت تمكين المدافع عن الطاعن من إبداء دفاعه كاملاً . لا إخلال بحق الدفاع .
(34) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
النعي على الحكم بخطأ في الإسناد غير مؤثر في عقيدة المحكمة أو بدفاع ظاهر البطلان أو موضوعي . غير مقبول . علة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات ، وما قرره المتهمون بالتحقيقات ، وما جاء بتقرير خبير الأصوات ، ومن مطالعة المحكمة لمحاضر استلام المتهم الثالث للأرض ، ومما ثبت للنيابة العامة من استماعها للتسجيلات المأذون بها ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى وإيرادها لمضمونها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وينحسر عن الحكم قالة القصور ، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن لا محل له .
2- من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن في هذا الشأن ، ودلل على أن العطايا قُدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المتهمة الثانية بواسطة المتهم الثالث لقاء إنهاء إجراءات تنفيذ القرار الصادر لصالح شركة المتهمة الثانية من لجنة فض المنازعات بأحقية الانتفاع بالأراضي المسحوبة منها مسبقاً من جهاز مدينة .... ، فهذا مما يتحقق معه معنی الاتجار بالوظيفة ويقوم به القصد الجنائي كما هو معرف في القانون ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد على غير أساس .
3- من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي عُرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة ، بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد .
4- من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم ، بل يكفي أن يورد مضمونها ، ولا يُقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد ؛ لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها ، لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ، ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها ، بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله .
5- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من مؤدى الأدلة ما يكفي لتبرير اقتناعها بالإدانة ، ما دامت قد اطمأنت إلى هذه الأدلة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها ، وكان ما أورده الحكم بالنسبة لاعتراف الطاعن واعتراف المتهمين الآخرين عليه يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية من دعوى بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في بيان دليل الإثبات الذي استمده منها ، لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الشأن يكون على غير أساس .
6- من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف ، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها ، وإذ كانت المحكمة مما أوردته في حكمها قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف المتهم (الطاعن) لم يكن نتيجة إكراه واقتنعت بصحته لأن قوله جاء مرسلاً عارياً من أي دليل يساند مدعاه ، فإن رد المحكمة على ما دفع به المدافع عن المتهم في هذا الشأن يكون كافياً وسائغاً بما لا شائبة معه تشوب الحكم ، هذا إلى أن القول بأن إطالة مدة التحقيق مع المتهم يمثل إكراها معنوياً له ، فهذا قول ظاهر الفساد وبعيد عن محجة الصواب ، لأن إطالة مدة التحقيق مع المتهم لا يمثل إكراهاً له ، إلا إذا كان المتهم منكراً للتهمة ، وتعمد المحقق إطالة مدة التحقيق لإرهاقه بغية الحصول منه على اعتراف ، وليس الحال كذلك في الدعوى المطروحة ، إذ الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المتهم الطاعن قد اعترف منذ بدء التحقيق معه بارتكاب الوقائع موضوع الدعوى ، وجاءت اعترافاته متفقة فيما بينها ومؤيدة لأدلة الدعوى الأخرى ، بما يضحى معه منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد .
7- من المقرر أنه لا صفة لغير من وقع في حقه إجراء ما في أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه ؛ لأن تحقق المصلحة في الدفع لاحق لوجود الصفة فيه ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن من بطلان اعتراف المتهمين الآخرين عليه لتناقضه مع ماديات الدعوى والتسجيلات ولحصوله بغية إعفائهما من عقوبة جريمة الرشوة عملاً بنص المادة ۱۰۷ مکرراً من قانون العقوبات وقصور الحكم في الرد على دفاعه في هذا الشأن يكون غير سديد ، وتنحل المجادلة في هذا الشأن إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض .
8- لما كان الأصل أن الشارع قد ترك للقاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ، طالما أن له مأخذه الصحيح في الأوراق ، فإن تعويل الحكم على اعتراف المتهمين الآخرين عليه رغم صدوره بغية إعفائهما من عقوبة جريمة الرشوة ، ليس فيه مخالفة للقانون ، وينحل نعي الطاعن في هذا الصدد إلى جدل في تقدير الدليل ، مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ولا ينال من ذلك منعى الطاعن بمخالفة ذلك مبادئ الشريعة الإسلامية ؛ ذلك أن ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ليس واجب الإعمال بذاته ، وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين ، ومن ثم فإن أحكام الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ ، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول .
9- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على تحريات الرقابة الإدارية باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، ما دامت تلك التحريات قد عُرضت على بساط البحث ، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو عن وسيلته في التحري ، وإذ كانت الأدلة والقرائن التي أوردها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها ، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها ، مما تستقل به محكمة الموضوع .
10- من المقرر أن تفصيل أسباب الطعن ابتداءً مطلوب على وجه الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه ، وكان الطاعن لم يفصح بأسباب طعنه عن أوجه القصور وعدم الكفاية التي رمى بها تحقيقات النيابة العامة ، فضلاً عن أن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم ، إذ إنه من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحكم ، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ، وطالما لم يطلب الدفاع إليها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب ، فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه ، فإن النعي في هذا الصدد يكون غير سديد .
11- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه وخلافاً لما يذهب إليه الطاعن بأسباب الطعن قد أورد مضمون التسجيلات التي عول عليها في قضائه ، فإن هذا حسبه كما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المقام .
12- لما كانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها ، بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، ولما كان الحكم - على ما هو ثابت بمدوناته – لم يعول في إثبات التهمة قبل الطاعن على ما ورد بالتسجيلات فحسب ، وإنما استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها في مجموعها ، وكان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أدلة الدعوى والأخذ بما ترتاح إليه منها ، ولا يقبل مجادلتها في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها لكونه من الأمور الموضوعية التي تستقل بها بغير معقب ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
13- لما كان النعي على الحكم التفاته عن دفاع الطاعن بخلو التسجيلات مما يفيد طلبه أو أخذه مبالغ مالية وعطايا عينية من المتهمة الثانية على سبيل الرشوة ، مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً ، ما دام كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ؛ لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
14- من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ، ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية ، وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن كان قد طلب لدى مرافعته بجلسة .... سماع كافة التسجيلات ، إلا أنه لم يعود إلى التحدث عن طلبه هذا في مرافعته الختامية بجلسة .... والتي اقتصر فيها على طلب البراءة ، ولما كان الطلب بهذا النحو غير جازم ولم يصر عليه الدفاع في ختام مرافعته ، فإن ما ينعاه الطاعن من قالة الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل .
15- من المقرر قانوناً أن لمأموري الضبط القضائي – إذا ما صدر إليهم إذن من النيابة العامة بتسجيل الأحاديث – في الجرائم التي يجيز فيها القانون للنيابة العامة إصدار مثل ذلك الإذن كالشأن في جريمة الرشوة عملا بالمادتين ۹5 ، ۲۰6 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية – أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض من الإذن دون أن يلتزموا في ذلك طريقاً معيناً ، ما داموا لا يخرجون في إجراءاتهم على القانون ، لما كان ذلك ، وكان تسجيل الأحاديث في هذه الدعوى مأذوناً به قانوناً ، فلا تثريب على مأمور الضبط إن هو استمع إلى الأحاديث المسجلة ، ما دام أنه قد رأى أن ذلك الاستماع ضروري لاستكمال إجراءاته وهو على بينة من أمره ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم .
16- من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قُصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ، ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً ، بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى سلامة الأحراز في الدعوى وأنها لم يمتد إليها العبث ، فإن ما يثيره الطاعن من ذلك لا يكون له محل .
17- لما كانت نصوص القانون ليس فيها ما يوجب على عضو النيابة العامة المحقق أن يضع بصمة صوتية في بداية ونهاية أشرطة التسجيلات التي تمت نفاذاً للإذن الصادر بها أو أن يوقع عليها ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن يكون غير سديد . هذا فضلاً عن أن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة ، مما لا يصح أن يكون سبباً للنعي على الحكم .
18- لما كان الأصل أنه لا يُقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه ، فإن ما ينعاه الطاعن في شأن بطلان تسجيل المحادثات الهاتفية لأشخاص غير المتهمين لم يصدر إذن بالتسجيل بشأنهم يكون غير مقبول .
19- لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن إذن النيابة العامة بالتسجيل قد صدر بعد أن طلب الطاعن الرشوة ، فإن مفهوم ذلك أن الإذن صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها بالفعل من الطاعن ، لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة ، وإذا انتهى إلى ذلك الحكم المطعون فيه في معرض رده على دفع الطاعن في هذا الصدد ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويكون منعی الطاعن في هذا الشأن على غير أساس .
20- من المقرر أن تقدیر جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، ومتى اقتنعت المحكمة بجدية الاستدلالات التي بُني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن ، فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، وكانت المحكمة قد سوغت الإذن بالتسجيل وردت رداً سائغاً على الدفع ببطلانه ، وكان تناقض التحريات مع ما تضمنته التقارير السابقة لهيئة الرقابة الإدارية من صلاحية الطاعن لشغل وظيفته الحالية ، وما شهد به رئيس جهاز .... بالتحقيقات ، وخلوها من تحديد قيمة مبلغ الرشوة الذي سيحصل عليه الطاعن ، ومن بيان أسماء المتعاملين معه ، لا يقدح بذاته في جدية تلك التحريات ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
21- لما كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ، ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته ، ومتى كان لا بطلان فيما قام به عضو الرقابة الإدارية من إجراءات ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقواله في الإدانة ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم .
22- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن ، مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير، شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة ، ولا يُقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير خبير الأصوات باتحاد الإذاعة والتليفزيون ، فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في ذلك ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بإعادة المأمورية للخبير أو ندب خبير آخر في الدعوى ، ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء - كالحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول .
23- لما كان مفاد الفقرة الثانية من المادة ۲۹ من القانون رقم 48 لسنة ۱۹۷۹ بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية ، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها التقديرية رأت أن الدفع بعدم الدستورية غير جدي وردت عليه بأسباب سائغة تتفق وصحيح القانون ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد .
24- لما كانت المادة ۱۲4 من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانونين رقمي 145 لسنة ۲۰۰6 ، 74 لسنة ۲۰۰۷ قد جرى نصها على أنه : " لا يجوز للمحقق في الجنايات وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبا أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور عدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذي يثبته المحقق في المحضر . وعلى المتهم أن يعلن اسم محاميه بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن أو يخطر به المحقق ، كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا الإعلان أو الإخطار. وإذا لم يكن للمتهم محام أو لم يحضر محاميه بعد دعوته وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن يندب له محامياً .... " ، ومفاد ذلك أن المشرع وضع ضمانة خاصة لكل متهم في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس وجوباً ، وهي وجوب دعوة محاميه إن وجد قبل استجوابه أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود ، وأعطى للمتهم الحق في اختيار محاميه وذلك بإعلان اسمه بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن أو أن يقوم المحامي بذلك ، فإذا لم يكن للمتهم محام وجب على المحقق أن ينتدب له محامياً من تلقاء نفسه واستثنى المشرع من ذلك حالتين توخى فيهما الحفاظ على أدلة الدعوى ، وهما حالة التلبس وحالة السرعة لشبهة الخوف من ضياع الأدلة ، واستلزم أن يثبت المحقق حالة السرعة التي دعته إلى التحقيق مع المتهم دون دعوة أو انتظار محاميه تطميناً للمتهم وصوناً لحقه في الدفاع عن نفسه ، لما كان ذلك ، وكان الحكم قد اطرح دفاع الطاعن في هذا الشأن بما مفاده أن وكيل النيابة المحقق عندما تبين عدم وجود محام للطاعن أرسل إلى نقابة المحامين ليندب له أحد المحامين ، إلا أنه لم يجد أحداً منهم فلم يجد مناصاً من إجراء التحقيق وقام باستجوابه ، فإن هذا الذي أورده الحكم يكون كافياً وسائغاً في اطراح ذلك الدفع ، ولا تثريب على النيابة إن هي باشرت التحقيق مع المتهم في غيبة أحد المحامين ، ما دام أصبح ندبه أمر غير ممكن - كما هو الحال في هذه الدعوى - وإلا تعطلت عن أداء وظيفتها ، ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير مقبول .
25- من المقرر أن النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل بالتحقيق الابتدائي في جميع الجرائم - مادة ۱۹۹ من قانون الإجراءات الجنائية - واستثناء يجوز ندب قاضي التحقيق في جريمة معينة أو جرائم من نوع خاص ، ومتى أحيلت الدعوى إليه كان مختص دون غيره بتحقيقها - مادة 69 من قانون الإجراءات الجنائية - وحدد القانون إجراءات التحقيق التي يختص بها قاضي التحقيق والتي يحظر على أعضاء النيابة العامة اتخاذ أي إجراء منها قبل الحصول مقدماً على إذن مسبب من القاضي الجزئي ، وليس التحقيق من بين هذه الإجراءات – مادة 206 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية - ومن ثم يظل عضو النيابة العامة أياً كانت درجته هو صاحب الاختصاص الأصيل في مباشرة التحقيق في جميع الجرائم ومن بينها جرائم الرشوة ، ولأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل إضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة سلطات قاضي التحقيق في تحقيق جرائم الرشوة المشار إليها آنفا فيما عدا مدد الحبس الاحتياطي – مادة 206 مکرراً من قانون الإجراءات الجنائية - وإذ كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن إذن تسجيل المحادثات قد صدر من المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا ولم يصدر من وكيل نيابة وأن إجراءات التحقيق التي باشرها وكلاء النيابة في القضية ليس فيها مما يدخل في اختصاصات قاضي التحقيق ، إنما باشرها وكلاء النيابة في نطاق سلطات النيابة العامة دون سلطات قاضي التحقيق ، فإن دعوى بطلان التحقيقات لهذا السبب لا يكون لها وجه .
26- لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان كافة إجراءات الدعوى لعدم حصول عضو الرقابة الإدارية على موافقة رئيس مجلس الوزراء عند إحالته للتحقيق طبقاً للمادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة ۱۹64 ، فإنه لا يجوز له إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض . هذا فضلاً عن أن ما نص عليه الشارع في المادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية من أنه " يجوز للرقابة الإدارية أن تجري التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كلما رأت مقتضی لذلك ، وإذ أسفرت التحريات أو المراقبة عن أمور تستوجب التحقيق أحيلت الأوراق إلى النيابة العامة حسب الأحوال بإذن من رئيس الرقابة الإدارية أو من نائبه ، وعلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة إفادة الرقابة بما انتهى إليه التحقيق ، ويتعين الحصول على موافقة رئيس المجلس التنفيذي " أصبح رئيس مجلس الوزراء " بالنسبة إلى الموظفين الذين في درجة مدير عام فما فوقها أو الموظفين الذين تجاوز مرتباتهم الأصلية 1500 جنيه سنوياً عند إحالتهم للتحقيق " .
لا يعدو أن يكون تنظيماً للعمل في الرقابة الإدارية ولا يعتبراً قيداً على حرية النيابة العامة في إجراء التحقيق ، فالخطاب في النص موجه إلى الرقابة الإدارية ، أما النيابة العامة فهي تسير في التحقيق والتصرف فيه وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية ، فطالما كانت الجريمة التي باشرت الرقابة الإدارية إجراءات التحريات والمراقبة بشأنها من الجرائم التي لا يخضع رفع الدعوى الجنائية عنها أو ضد المتهم بارتكابها لأي قيد من القيود الواردة في قانون الاجراءات الجنائية ، فإن ما تتخذه النيابة العامة من إجراءات يكون بمنأى عن أي طعن ، ولو كانت الرقابة الإدارية قد أحالت الأوراق إليها دون أن تلتزم بما نصت عليه المادة الثامنة - المار ذكرها - لأن من حق النيابة العامة أن تتخذ ما تراه من إجراءات ولو أُبلغت إليها الجريمة من آحاد الناس ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير سند .
27- من المقرر أن الدفع بكيدية الاتهام وتلفيقه هو من قبيل الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل رداً صريحاً ، بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الأدلة التي عولت عليها المحكمة بما يفيد اطراحها له ، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
28- لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة ، أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة تحقيق ما أثاره من دفاع ودفوع في الدعوى ، فليس له - من بعد - النعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلب منها ، ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه ، ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ، فإن ما ينعاه في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
29- لما كانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ، فللمحكمة أن تلتفت عن دلیل النفي ولو حملته أوراق رسمية ، ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة المنتجة في الدعوى التي صحت لدى المحكمة على ما استخلصته من مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ، واطرحت المحكمة في نطاق ما هو مخول لها في تقدير موضوعي ما جاء بالمستندات المقدمة منه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة وفي استنباط المحكمة لمعتقدها ، وهو مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
30- من المقرر أن حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره ، وترك المشرع أمر تقدير الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن .
31- لما كان ما يثار من الطاعن في شأن عدم فهم الحكم المطعون فيه للواقعة على حقيقتها وعدم إدراكه التكييف القانوني الصحيح لها ، فإن ذلك مردود بأن هذا الوجه من النعي لا محل له ؛ لأنه لا يعدو وأن يكون نعياً وارداً على سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الحقيقية لواقعة الدعوى أخذ بأدلة الثبوت التي وثقت بها واطمأنت إليها ، مما تستقل به بغير معقب ، ما دام قضاؤها في ذلك سليماً ، ومن ثم لا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأن هذا الأمر أمام محكمة النقض .
32- لما كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن محكمة الموضوع لا تلتزم بالرد على الدفاع القانوني الظاهر البطلان ، وكان القانون طبقاً لنص المادة ۲۲۳ من قانون الإجراءات الجنائية لا يلزم المحكمة بإيقاف الدعوى الجنائية ، إلا إذا كان الحكم فيها يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية ، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يرد على طلب إيقاف الدعوى حتى يفصل في الدعوى رقم .... دستورية يكون قد أغفل طلباً ظاهر البطلان لا يلزم بالرد عليه .
33- لما كان لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم كاملاً ، إذ كان عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته بالمحضر ، كما عليه إن ادعى أن المحكمة صادرت حقه في الدفاع قبل إقفال باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم أن يقدم الدليل على ذلك وأن يسجل عليها هذه المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم ، وكان البين من جلسات المرافعة أنها جاءت خلواً مما يدعيه الطاعن من مصادرة حقه في الدفاع ، بل أن الثابت أن المحكمة مكنت المدافع عنه من إبداء دفاعه كاملاً بما لا يوفر الإخلال بحق الدفاع ، ويكون هذا الزعم غير قويم .
34- لما كان باقي ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه إما دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب لا على محكمة الموضوع إن هي التفتت عنه ، أو خطأ في الإسناد غير مؤثر في عقيدة المحكمة ، أو دفاعاً موضوعياً لا يعيب حكمها إن هي لم تورده أو ترد عليه اكتفاء منها بما أوردته من أدلة الثبوت السائغة التي عولت عليها في قضائها بالإدانة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كل من 1- .... (الطاعن) ، 2- .... ، 3- .... بأنهم :
أولاً: المتهم الأول (الطاعن) :
بصفته موظفاً عاماً - نائب رئيس جهاز مدينة .... - طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب وأخذ من المتهمة الثانية بوساطة المتهم الثالث إقامة له بدولة .... قيمتها .... ومبلغ .... مصاريف سفره على سبيل الرشوة مقابل إنهاء إجراءات تنفيذ القرار الصادر لشركة المتهمة الثانية من لجنة فض المنازعات بأحقية الانتفاع بالأراضي المسحوبة منها مسبقاً من جهاز مدينة .... على النحو المبين بالتحقيقات .
ثانياً : المتهمة الثانية :
قدمت رشوة لموظف عمومي لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن قدمت للمتهم الأول عطايا وأموال الرشوة موضوع الاتهام الوارد بالبند أولاً على النحو المبين بالتحقيقات .
ثالثاً : المتهم الثالث :
توسط في رشوة موظف عمومي لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن توسط في جريمة الرشوة موضوع الاتهام الوارد بالبند أولاً على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول والثانية وغيابياً للثالث عملاً بالمواد 24/ثانياً ، 25 ، 26 ، 103 ، 107 ، 107 مكرراً ، 110 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادة 17 من القانون ذاته . بمعاقبة كل من الأول والثالث بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وتغريمه عشرين ألف جنيه وعزل الأول من وظيفته وبإعفاء الثانية من العقاب .
فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه - بمذكرتي الأسباب – أنه إذ دانه بجريمة الرشوة ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، والخطأ في تطبيق القانون ، ومخالفة الثابت بالأوراق ؛ ذلك بأنه لم يحط بوقائع الدعوى وأدلتها عن بصر وبصيرة ، ولم يستظهر عناصر وأركان الجريمة التي دانه بها لاسيما القصد الجنائي ولم يدلل على توافرها في حقه ، ورد على دفاعه بانتفائها في حقه برد قاصر ، ودانه على الرغم من عدم انفراده بالعمل الذي قيل بأخذ الرشوة من أجله ، وأغفل في تحصيله لأقوال الشاهد الثاني/ .... رئيس جهاز .... ما قرره بأن الطاعن لم تقدم ضده شكاوى من المتعاملين مع الجهاز تتعلق بطلبه رشوة منهم مقابل أداء عمل من أعمال وظيفته ، وعول في الإدانة على اعتراف الطاعن واعتراف المتهمين الآخرين عليه بتحقيقات النيابة العامة دون أن يورد مضمونهما ، واطرح دفاعه ببطلان الاعتراف المعزو إليه لصدوره تحت تأثير الإكراه المادي والمعنوي الواقع عليه نتيجة احتجازه بمبنى الرقابة الإدارية وتهديد مستقبل نجله الطالب بالكلية الحربية واستمرار تحقيق النيابة العامة معه لعدة ساعات ، وببطلان اعتراف المتهمين الآخرين عليه لتناقضه مع ماديات الدعوى والتسجيلات ، ولحصوله بغية إعفائهما من عقوبة جريمة الرشوة عملاً بنص المادة ۱۰۷ مكرر من قانون العقوبات ، رغم مخالفة ذلك لأحكام الشريعة الإسلامية مما يتعارض مع أحكام الدستور الذي نص عليها كمصدر رئيسي للتشريع ، بما لا يصح معه الاعتماد عليه في إدانته ، برد غير سائغ ولا كاف ، واتخذ من تحريات عضو الرقابة الإدارية دليلاً على الإدانة مع أنها لا تصلح لذلك ، ورغم أن مجريها أمسك بغير مبرر عن الكشف عن مصدرها ، وتساند إلى تحقيقات النيابة العامة رغم قصورها وعدم كفايتها ، واعتمد في قضائه على ما جاء بالتسجيلات دون إيراد مضمون ومؤدى الدليل المستمد منها ، ومع أن الأحاديث التي تضمنتها لا تفيد أن الطاعن طلب أو أخذ مبالغ مالية وعطايا عينية من المتهمة الثانية على سبيل الرشوة ، ولم يعرض لدفاعه في هذا الشأن ، ولم تستمع المحكمة للتسجيلات في حضور الطاعن رغم تمسك دفاعه بذلك ، هذا وقد دفع الطاعن ببطلان تلك التسجيلات وعدم جواز الاعتداد بها كدليل لاطلاع رجال الضبطية القضائية عليها قبل عرضها على النيابة العامة ، ولتعرض الأحاديث التي تضمنتها للعبث بدلالة عدم وضع مُصدر إذن التسجيل بصمة صوتية في بداية ونهاية أشرطة التسجيل وعدم توقيعه عليها ، وشمولها تسجيل محادثات لأشخاص غير المتهمين لم يصدر إذن بالتسجيل بشأنهم الأمر الذي يشكل جريمة استراق السمع المؤثمة بالمادة ۳۰۹ مكرراً من قانون العقوبات ، كما دفع ببطلان الإذن بالتسجيل لصدوره عن جريمة مستقبلة لم تقع بعد ، ولعدم جدية التحريات التي بُني عليها بدلالة تناقضها مع ما تضمنته التقارير السابقة لهيئة الرقابة الإدارية بصلاحية الطاعن لشغل وظيفته الحالية وما شهد به رئيس جهاز .... بالتحقيقات ، وخلوها من تحديد قيمة مبلغ الرشوة الذي سيحصل عليه الطاعن ، ومن بيان أسماء المتعاملين معه ، مما يبطل شهادة عضو الرقابة الإدارية والتي جاءت وليدة إجراءات باطلة ، كما دفع ببطلان تقرير تفريغ التسجيلات لصدوره من غير مختص فنياً في تحليل الأصوات ومطابقتها ، ولم تنتدب المحكمة خبير آخر في الدعوى لتحقيق دفاعه ، إلا أن الحكم أعرض عن بعض تلك الدفوع ، ورد على باقيها بغير ما يسوغ به اطراحها ، كما اطرح دفوعه بعدم دستورية المواد ۹5 ، ۲۰6 ، ۲۰6 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، والمادة ۱۰۷ مکرراً من قانون العقوبات ، وببطلان تحقيقات النيابة العامة لعدم حضور محام معه ، ولعدم إجرائها من رئيس نيابة بالمخالفة لنص المادتين ۱۲4 ، ۲۰6 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، بما لا يتفق وصحيح القانون ، وأغفل الرد على دفاعه ببطلان كافة إجراءات الدعوى لعدم حصول عضو الرقابة الإدارية على موافقة رئيس مجلس الوزراء عند إحالة الطاعن للتحقيق طبقا للمادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1996 ، وبكيدية الاتهام وتلفيقه ، ولم يعن بإجراء تحقيق في الدعوى لاستجلاء حقيقة ما أثاره الطاعن من دفاع ودفوع فيها ، ولم يعرض للمستندات المقدمة من دفاعه ودلالتها ، واعتنق فكرة إدانة الطاعن دون أن يقدم دليلاً سائغاً على صحة إسناد الاتهام له ، ولم يفهم الواقعة على حقيقتها ، ولم يدرك التكييف القانوني الصحيح لها ، ولم يستجب لطلب الطاعن وقف الدعوى وقفاً تعليقياً لحين الفصل في في الدعوى رقم .... دستورية ، ولم تفسح المحكمة صدرها لسماع دفاع الطاعن ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات ، وما قرره المتهمون بالتحقيقات ، وما جاء بتقرير خبير الأصوات ، ومن مطالعة المحكمة لمحاضر استلام المتهم الثالث للأرض ، ومما ثبت للنيابة العامة من استماعها للتسجيلات المأذون بها ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى وإیرادها لمضمونها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وينحسر عن الحكم قالة القصور ، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن لا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن في هذا الشأن ، ودلل على أن العطايا قُدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المتهمة الثانية بواسطة المتهم الثالث لقاء إنهاء إجراءات تنفيذ القرار الصادر لصالح شركة المتهمة الثانية من لجنة فض المنازعات بأحقية الانتفاع بالأراضي المسحوبة منها مسبقاً من جهاز مدينة .... ، فهذا مما يتحقق معه معنی الاتجار بالوظيفة ويقوم به القصد الجنائي كما هو معرف في القانون ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي عُرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة ، بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم ، بل يكفي أن يورد مضمونها ، ولا يُقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد ؛ لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها اطرحت ما لم تشر إليه منها ، لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ، ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها ، بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من مؤدى الأدلة ما يكفي لتبرير اقتناعها بالإدانة ، ما دامت قد اطمأنت إلى هذه الأدلة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها ، وكان ما أورده الحكم بالنسبة لاعتراف الطاعن واعتراف المتهمين الآخرين عليه يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية من دعوی بیان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في بيان دليل الإثبات الذي استمده منها ، لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الشأن يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف ، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها ، وإذ كانت المحكمة مما أوردته في حكمها قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف المتهم (الطاعن) لم يكن نتيجة إكراه واقتنعت بصحته لأن قوله جاء مرسلاً عارياً من أي دليل يساند مدعاه ، فإن رد المحكمة على ما دفع به المدافع عن المتهم في هذا الشأن يكون كافياً وسائغاً بما لا شائبة معه تشوب الحكم ، هذا إلى أن القول بأن إطالة مدة التحقيق مع المتهم يمثل إكراها معنوياً له ، فهذا قول ظاهر الفساد وبعيد عن محجة الصواب ، لأن إطالة مدة التحقيق مع المتهم لا يمثل إكراهاً له ، إلا إذا كان المتهم منكراً للتهمة ، وتعمد المحقق إطالة مدة التحقيق لإرهاقه بغية الحصول منه على اعتراف ، وليس الحال كذلك في الدعوى المطروحة ، إذ الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المتهم الطاعن قد اعترف منذ بدء التحقيق معه بارتكاب الوقائع موضوع الدعوى ، وجاءت اعترافاته متفقة فيما بينها ومؤيدة لأدلة الدعوى الأخرى ، بما يضحى معه منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا صفة لغير من وقع في حقه إجراء ما في أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه ؛ لأن تحقق المصلحة في الدفع لاحق لوجود الصفة فيه ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن من بطلان اعتراف المتهمين الآخرين عليه لتناقضه مع ماديات الدعوى والتسجيلات ولحصوله بغية إعفائهما من عقوبة جريمة الرشوة عملاً بنص المادة ۱۰۷ مکرراً من قانون العقوبات وقصور الحكم في الرد على دفاعه في هذا الشأن يكون غير سديد ، وتنحل المجادلة في هذا الشأن إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن الشارع قد ترك للقاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ، طالما أن له مأخذه الصحيح في الأوراق ، فإن تعويل الحكم على اعتراف المتهمين الآخرين عليه رغم صدوره بغية إعفائهما من عقوبة جريمة الرشوة ، ليس فيه مخالفة للقانون ، وينحل نعي الطاعن في هذا الصدد إلى جدل في تقدير الدليل ، مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ولا ينال من ذلك منعى الطاعن بمخالفة ذلك مبادئ الشريعة الإسلامية ؛ ذلك أن ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ليس واجب الإعمال بذاته ، وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين ، ومن ثم فإن أحكام الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ ، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على تحريات الرقابة الإدارية باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، ما دامت تلك التحريات قد عُرضت على بساط البحث ، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو عن وسيلته في التحري ، وإذ كانت الأدلة والقرائن التي أوردها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التي دین بها ، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تفصيل أسباب الطعن ابتداءً مطلوب على وجه الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه ، وكان الطاعن لم يفصح بأسباب طعنه عن أوجه القصور وعدم الكفاية التي رمى بها تحقيقات النيابة العامة ، فضلاً عن أن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم ، إذ إنه من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحكم ، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ، وطالما لم يطلب الدفاع إليها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب ، فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه ، فإن النعي في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه وخلافاً لما يذهب إليه الطاعن بأسباب الطعن قد أورد مضمون التسجيلات التي عول عليها في قضائه ، فإن هذا حسبه كما يتم تدليله ويستقیم قضاؤه ، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المقام . لما كان ذلك ، وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها ، بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، ولما كان الحكم - على ما هو ثابت بمدوناته – لم يعول في إثبات التهمة قبل الطاعن على ما ورد بالتسجيلات فحسب ، وإنما استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها في مجموعها ، وكان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أدلة الدعوى والأخذ بما ترتاح إليه منها ، ولا يقبل مجادلتها في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها لكونه من الأمور الموضوعية التي تستقل بها بغير معقب ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان النعي على الحكم التفاته عن دفاع الطاعن بخلو التسجيلات مما يفيد طلبه أو أخذه مبالغ مالية وعطايا عينية من المتهمة الثانية على سبيل الرشوة ، مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً ، ما دام كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ؛ لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ، ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية ، وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن كان قد طلب لدى مرافعته بجلسة .... سماع كافة التسجيلات ، إلا أنه لم يعود إلى التحدث عن طلبه هذا في مرافعته الختامية بجلسة .... والتي اقتصر فيها على طلب البراءة ، ولما كان الطلب بهذا النحو غير جازم ولم يصر عليه الدفاع في ختام مرافعته ، فإن ما ينعاه الطاعن من قالة الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر قانوناً أن لمأموري الضبط القضائي - إذا ما صدر إليهم إذن من النيابة العامة بتسجيل الأحاديث - في الجرائم التي يجيز فيها القانون للنيابة العامة إصدار مثل ذلك الإذن كالشأن في جريمة الرشوة عملا بالمادتين ۹5 ، ۲۰6 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية – أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض من الإذن دون أن يلتزموا في ذلك طريقاً معيناً ، ما داموا لا يخرجون في إجراءاتهم على القانون ، لما كان ذلك ، وكان تسجيل الأحاديث في هذه الدعوى مأذوناً به قانوناً ، فلا تثريب على مأمور الضبط إن هو استمع إلى الأحاديث المسجلة ، ما دام أنه قد رأى أن ذلك الاستماع ضروري لاستكمال إجراءاته وهو على بينة من أمره ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قُصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ، ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً ، بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى سلامة الأحراز في الدعوى وأنها لم يمتد إليها العبث ، فإن ما يثيره الطاعن من ذلك لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكانت نصوص القانون ليس فيها ما يوجب على عضو النيابة العامة المحقق أن يضع بصمة صوتية في بداية ونهاية أشرطة التسجيلات التي تمت نفاذاً للإذن الصادر بها أو أن يوقع عليها ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن يكون غير سديد . هذا فضلاً عن أن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة ، مما لا يصح أن يكون سبباً للنعي على الحكم . لما كان ذلك ، وكان الأصل أنه لا يُقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه ، فإن ما ينعاه الطاعن في شأن بطلان تسجيل المحادثات الهاتفية لأشخاص غير المتهمين لم يصدر إذن بالتسجيل بشأنهم يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن إذن النيابة العامة بالتسجيل قد صدر بعد أن طلب الطاعن الرشوة ، فإن مفهوم ذلك أن الإذن صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها بالفعل من الطاعن ، لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة ، وإذا انتهى إلى ذلك الحكم المطعون فيه في معرض رده على دفع الطاعن في هذا الصدد ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويكون منعی الطاعن في هذا الشأن على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، ومتى اقتنعت المحكمة بجدية الاستدلالات التي بُني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن ، فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، وكانت المحكمة قد سوغت الإذن بالتسجيل وردت رداً سائغاً على الدفع ببطلانه ، وكان تناقض التحريات مع ما تضمنته التقارير السابقة لهيئة الرقابة الإدارية من صلاحية الطاعن لشغل وظيفته الحالية ، وما شهد به رئيس جهاز.... بالتحقيقات ، وخلوها من تحديد قيمة مبلغ الرشوة الذي سيحصل عليه الطاعن ، ومن بيان أسماء المتعاملين معه ، لا يقدح بذاته في جدية تلك التحريات ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، ولئن كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ، ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته ، ومتى كان لا بطلان فيما قام به عضو الرقابة الإدارية من إجراءات ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقواله في الإدانة ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم . لما كان ذلك ، وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن ، مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير، شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة ، ولا يُقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير خبير الأصوات باتحاد الإذاعة والتليفزيون ، فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في ذلك ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بإعادة المأمورية للخبير أو ندب خبير آخر في الدعوى ، ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء - كالحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان مفاد الفقرة الثانية من المادة ۲۹ من القانون رقم 48 لسنة ۱۹۷۹ بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية ، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها التقديرية رأت أن الدفع بعدم الدستورية غير جدي وردت عليه بأسباب سائغة تتفق وصحيح القانون ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت المادة ۱۲4 من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانونين رقمي 145 لسنة ۲۰۰6 ، 74 لسنة ۲۰۰۷ قد جرى نصها على أنه : " لا يجوز للمحقق في الجنايات وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبا أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور عدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذي يثبته المحقق في المحضر . وعلى المتهم أن يعلن اسم محاميه بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن أو يخطر به المحقق ، كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا الإعلان أو الإخطار. وإذا لم يكن للمتهم محام أو لم يحضر محاميه بعد دعوته وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن يندب له محامياً .... " ، ومفاد ذلك أن المشرع وضع ضمانة خاصة لكل متهم في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس وجوباً ، وهي وجوب دعوة محاميه إن وجد قبل استجوابه أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود ، وأعطى للمتهم الحق في اختيار محاميه وذلك بإعلان اسمه بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن أو أن يقوم المحامي بذلك ، فإذا لم يكن للمتهم محام وجب على المحقق أن ينتدب له محامياً من تلقاء نفسه واستثنى المشرع من ذلك حالتين توخى فيهما الحفاظ على أدلة الدعوى ، وهما حالة التلبس وحالة السرعة لشبهة الخوف من ضياع الأدلة ، واستلزم أن يثبت المحقق حالة السرعة التي دعته إلى التحقيق مع المتهم دون دعوة أو انتظار محاميه تطميناً للمتهم وصوناً لحقه في الدفاع عن نفسه ، لما كان ذلك ، وكان الحكم قد اطرح دفاع الطاعن في هذا الشأن بما مفاده أن وكيل النيابة المحقق عندما تبين عدم وجود محام للطاعن أرسل إلى نقابة المحامين ليندب له أحد المحامين ، إلا أنه لم يجد أحداً منهم فلم يجد مناصاً من إجراء التحقيق وقام باستجوابه ، فإن هذا الذي أورده الحكم يكون كافياً وسائغاً في اطراح ذلك الدفع ، ولا تثريب على النيابة إن هي باشرت التحقيق مع المتهم في غيبة أحد المحامين ، ما دام أصبح ندبه أمر غير ممكن - كما هو الحال في هذه الدعوى - وإلا تعطلت عن أداء وظيفتها ، ومن ثم يكون منعی الطاعن في هذا الصدد غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل بالتحقيق الابتدائي في جميع الجرائم - مادة ۱۹۹ من قانون الإجراءات الجنائية - واستثناء يجوز ندب قاضي التحقيق في جريمة معينة أو جرائم من نوع خاص ، ومتى أحيلت الدعوى إليه كان مختص دون غيره بتحقيقها - مادة 69 من قانون الإجراءات الجنائية - وحدد القانون إجراءات التحقيق التي يختص بها قاضي التحقيق والتي يحظر على أعضاء النيابة العامة اتخاذ أي إجراء منها قبل الحصول مقدماً على إذن مسبب من القاضي الجزئي ، وليس التحقيق من بين هذه الإجراءات – مادة 206 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية - ومن ثم يظل عضو النيابة العامة أياً كانت درجته هو صاحب الاختصاص الأصيل في مباشرة التحقيق في جميع الجرائم ومن بينها جرائم الرشوة ، ولأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل إضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة سلطات قاضي التحقيق في تحقيق جرائم الرشوة المشار إليها آنفا فيما عدا مدد الحبس الاحتياطي – مادة 206 مکرراً من قانون الإجراءات الجنائية - وإذ كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن إذن تسجيل المحادثات قد صدر من المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا ولم يصدر من وكيل نيابة وأن إجراءات التحقيق التي باشرها وكلاء النيابة في القضية ليس فيها مما يدخل في اختصاصات قاضي التحقيق ، إنما باشرها وكلاء النيابة في نطاق سلطات النيابة العامة دون سلطات قاضي التحقيق ، فإن دعوى بطلان التحقيقات لهذا السبب لا يكون لها وجه . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان كافة إجراءات الدعوى لعدم حصول عضو الرقابة الإدارية على موافقة رئيس مجلس الوزراء عند إحالته للتحقيق طبقاً للمادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة ۱۹64 ، فإنه لا يجوز له إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض . هذا فضلاً عن أن ما نص عليه الشارع في المادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية من أنه " يجوز للرقابة الإدارية أن تجري التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كلما رأت مقتضی لذلك ، وإذ أسفرت التحريات أو المراقبة عن أمور تستوجب التحقيق أحيلت الأوراق إلى النيابة العامة حسب الأحوال بإذن من رئيس الرقابة الإدارية أو من نائبه ، وعلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة إفادة الرقابة بما انتهى إليه التحقيق ، ويتعين الحصول على موافقة رئيس المجلس التنفيذي " أصبح رئيس مجلس الوزراء " بالنسبة إلى الموظفين الذين في درجة مدير عام فما فوقها أو الموظفين الذين تجاوز مرتباتهم الأصلية 1500 جنيه سنوياً عند إحالتهم للتحقيق " . لا يعدو أن يكون تنظيماً للعمل في الرقابة الإدارية ولا يعتبراً قيداً على حرية النيابة العامة في إجراء التحقيق ، فالخطاب في النص موجه إلى الرقابة الإدارية ، أما النيابة العامة فهي تسير في التحقيق والتصرف فيه وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية ، فطالما كانت الجريمة التي باشرت الرقابة الإدارية إجراءات التحريات والمراقبة بشأنها من الجرائم التي لا يخضع رفع الدعوى الجنائية عنها أو ضد المتهم بارتكابها لأي قيد من القيود الواردة في قانون الاجراءات الجنائية ، فإن ما تتخذه النيابة العامة من إجراءات يكون بمنأى عن أي طعن ، ولو كانت الرقابة الإدارية قد أحالت الأوراق إليها دون أن تلتزم بما نصت عليه المادة الثامنة - المار ذكرها - لأن من حق النيابة العامة أن تتخذ ما تراه من إجراءات ولو أُبلغت إليها الجريمة من آحاد الناس ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير سند . لما كان ذلك ، وكان الدفع بكيدية الاتهام وتلفيقه هو من قبيل الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل رداً صريحاً ، بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الأدلة التي عولت عليها المحكمة بما يفيد اطراحها له ، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة ، أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة تحقيق ما أثاره من دفاع ودفوع في الدعوى ، فليس له - من بعد - النعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلب منها ، ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه ، ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ، فإن ما ينعاه في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ، فللمحكمة أن تلتفت عن دلیل النفي ولو حملته أوراق رسمية ، ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة المنتجة في الدعوى التي صحت لدى المحكمة على ما استخلصته من مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ، واطرحت المحكمة في نطاق ما هو مخول لها في تقدير موضوعي ما جاء بالمستندات المقدمة منه ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة وفي استنباط المحكمة لمعتقدها ، وهو مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكانت حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره ، وترك المشرع أمر تقدير الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن . لما كان ذلك ، وكان ما يثار من الطاعن في شأن عدم فهم الحكم المطعون فيه للواقعة على حقيقتها وعدم إدراكه التكييف القانوني الصحيح لها ، فإن ذلك مردود بأن هذا الوجه من النعي لا محل له ؛ لأنه لا يعدو وأن يكون نعياً وارداً على سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الحقيقية لواقعة الدعوى أخذ بأدلة الثبوت التي وثقت بها واطمأنت إليها ، مما تستقل به بغير معقب ، ما دام قضاؤها في ذلك سليماً ، ومن ثم لا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأن هذا الأمر أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن محكمة الموضوع لا تلتزم بالرد على الدفاع القانوني الظاهر البطلان ، وكان القانون طبقاً لنص المادة ۲۲۳ من قانون الإجراءات الجنائية لا يلزم المحكمة بإيقاف الدعوى الجنائية ، إلا إذا كان الحكم فيها يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية ، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يرد على طلب إيقاف الدعوى حتى يفصل في الدعوى رقم .... دستورية يكون قد أغفل طلباً ظاهر البطلان لا يلزم بالرد عليه . لما كان ذلك ، وكان لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم كاملاً ، إذ كان عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته بالمحضر ، كما عليه إن ادعى أن المحكمة صادرت حقه في الدفاع قبل إقفال باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم أن يقدم الدليل على ذلك وأن يسجل عليها هذه المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم ، وكان البين من جلسات المرافعة أنها جاءت خلواً مما يدعيه الطاعن من مصادرة حقه في الدفاع ، بل أن الثابت أن المحكمة مكنت المدافع عنه من إبداء دفاعه كاملاً بما لا يوفر الإخلال بحق الدفاع ، ويكون هذا الزعم غير قویم . لما كان ذلك ، وكان باقي ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه إما دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب لا على محكمة الموضوع إن هي التفتت عنه ، أو خطأ في الإسناد غیر مؤثر في عقيدة المحكمة ، أو دفاعاً موضوعياً لا يعيب حكمها إن هي لم تورده أو ترد عليه اكتفاء منها بما أوردته من أدلة الثبوت السائغة التي عولت عليها في قضائها بالإدانة . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق