جلسة 27 من نوفمبر سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: أبو بكر محمد رضوان، ومحمد أبو الوفا عبد المتعال، وغبريال جاد عبد الملاك، وسعيد أحمد برغش - نواب رئيس مجلس الدولة.
-----------------
(25)
الطعن رقم 2104 لسنة 38 القضائية
عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - ما يخرج من نطاق المخالفات التأديبية.
وجود المرء في وضع يثير الشبهات والريب لا يعني وجوباً أنه هو الذي وضع نفسه فيه - قد يساق المرء قدراً إلى وضع مشبوه ومريب دون إرادة منه ودون أن يمكن وصم سلوكه بالغفلة وعدم الحذر - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 7/ 6/ 1992 أودع الأستاذ/ ......... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنة - قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2104 لسنة 38 ق في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنصورة بجلسة 26/ 4/ 1992 في الدعوى رقم 982 لسنة 19 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعنة والقاضي بمجازاتها بالفصل من الخدمة.
وطلبت الطاعنة - للأسباب الواردة بالتقرير - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع أصلياً إلغاء الحكم المطعون فيه وبراءتها مما هو منسوب إليها واحتياطياً تخفيض العقوبة.
وقد تم إعلان الطعن إلى النيابة الإدارية بتاريخ 20/ 6/ 1992.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بفصل الطاعنة من الخدمة ومجازاتها بخفض وظيفتها إلى وظيفة بالدرجة الأدنى مباشرة.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 10/ 3/ 1993 وتدوول على النحو المبين بمحاضر الجلسات حيث قدم الحاضر عن الطاعنة حافظة طويت على مستند واحد كما قدم مذكرة صمم فيها على طلباته.
وقدمت النيابة الإدارية مذكرة طلبت فيها رفض الطعن.
وبجلسة 28/ 4/ 1993 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظره جلسة 19/ 6/ 1993.
وقد تم نظر الطعن بالجلسة المحددة وتدوول بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر وبجلسة 9/ 10/ 1993 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 26/ 4/ 1992 وأن تقرير الطعن فيه قد أودع قلم كتاب المحكمة بتاريخ 7/ 6/ 1992 فمن ثم يكون الطعن قد أقيم بمراعاة المواعيد القانونية المقررة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى - فضلاً عما تقدم - بقية أوضاعه الشكلية فمن ثم يتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إن وقائع الموضوع تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن النيابة الإدارية كانت قد أقامت الدعوى رقم 982 لسنة 19 ق بإيداع أورقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالمنصورة منطوية على تقرير باتهام الطاعنة أنها وبوصفها موجهة المواد الاجتماعية بمديرية التربية والتعليم بالشرقية بالدرجة الأولى وفي الفترة من 12/ 7/ 1987 حتى 17/ 11/ 1989 قد خالفت القانون وسلكت سلوكاً معيباً لا يتفق وكرامة الوظيفة العامة وخرجت على مقتضياتها بأن:
1 - وضعت نفسها موضع الشبهات بتواجدها بالعقار رقم 16 شارع المسجد بمنطقة روكسي بمصر الجديدة بالقاهرة والذي كان محدد لمراقبة شرطة الآداب، وضبطت بتاريخ 21/ 10/ 1989 بتهمة ممارسة الدعارة في المحضر رقم 6055 لسنة 1986 بجنح القاهرة على النحو الموضح بالأوراق.
2 - ضمنت أوراق سفرها رقم 59089 في 14/ 7/ 1987 الزقازيق في خانة المهنة أنها مدرسة سابقة بالتربية والتعليم بالمخالفة للحقيقة.
3 - ضمنت طلب استخراج إذن العمل رقم 142779 في 2/ 10/ 1989 بياناً عن المهنة غير صحيح مما سهل لها استخراج إذن العمل المنوه عنه بتلك الصفة المغايرة للحقيقة.
4 - استعملت جواز السفر وإذن العمل سالفي الذكر في مغادرة البلاد إلى الخارج رغم علمها بمخالفة بياناتهما للحقيقة ودون موافقة جهة عملها.
5 - التحقت بخدمة جهة أجنبية هي سلطنة عمان دون ترخيص من جمهورية مصر العربية وبالمخالفة للقانون.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة الطاعنة طبقاً للمواد الواردة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 26/ 4/ 1992 قضت المحكمة التأديبية بالمنصورة بمجازاة الطاعنة بالفصل من الخدمة وأقامت المحكمة قضاءها على أساس ثبوت المخالفات الخمس في حقها إذ تم ضبطها بشقة مشبوهة بمعرفة شرطة الآداب بمصر الجديدة كما أن وقائع المخالفات الأربع الباقية غير منكورة، وأنها كانت تعلم يقيناً بأنها مدرسة بالخدمة وليست مدرسة سابقة.
ونعى تقرير الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون لقصور التسبيب بانتزاع المخالفتين الأولى والخامسة من أوراق لا تؤدي إلى ثبوتها إذ أن الطاعنة لم تعترف أمام النيابة العامة بممارسة الدعارة كما أن محضر الضبط ملفق وأنه بالنسبة لمخالفة الالتحاق بخدمة جهة أجنبية دون ترخيص من جمهورية مصر العربية فإنه كان بوسع الجهة الإدارية أن تمنحها عن مدة الانقطاع أجازة بدون مرتب وأن تمنحها ترخيصاً.
ومن حيث إنه عن المخالفة الأولى فإن الثابت من الأوراق أن الطاعنة قد ضبطت بالفعل بمعرفة شرطة الآداب بتاريخ 21/ 10/ 1989 بإحدى شقق العقار رقم 16 شارع المسجد بمنطقة روكسي بمصر الجديدة بصحبة شخصين أحدهما ليبي والآخر سوداني، وأنه قد تمت محاكمتها جنائياً بتهمة ممارسة الدعارة وأنه قد قضى ببراءتها لبطلان إجراءات القبض والضبط.
ومن حيث إنه بعيداً عن جريمة ممارسة الدعارة التي برئت الطاعنة منها فإنه يظل قائماً يقيناً واقعة ضبط الطاعنة بشقة غرباء بالقاهرة حال أنها مدرسة بإحدى مدن محافظة الشرقية وهو باليقين وضع يثير الشبهات والريب.
ومن حيث إنه من المسلمات المنطقية أن وجود المرء في وضع يثير الشبهات والريب لا يعني وجوباً أنه هو الذي وضع نفسه فيه، إذ قد يساق قدراً إلى وضع مشبوه ومريب دون إرادة منه ودون أن يمكن وصم سلوكه بالغفلة وعدم الحذر.
ومن حيث إن الثابت أن الطاعنة قد أصرت على أنها قد حضرت إلى القاهرة في ذات يوم ضبطها بالشقة لشراء ملابس شتوية لأولادها وأنها قد اختارت منطقة روكسي بالذات لأنها تعرف المنطقة جيداً باعتبار أنها خريجة كلية البنات جامعة عين شمس وأنها قد قابلت إحدى السيدات التي أفهمتها أن هناك سيدة تربي أيتام وتقوم بالاتجار بالملابس بشقتها وأنها قد ذهبت معها إلى الشقة التي ضبطت فيها حيث أغمى عليها بمجرد دخولها الشقة ولم تفق إلا على وجود الشرطة والغرباء بالشقة حيث اكتشفت أنها قد جردت من حليها.
ومن حيث إنه على الرغم من غرابة الأحداث التي ساقتها الطاعنة إلا أنها ليست بمستحيلة الوقوع في زمن قل فيه التحقيق وكثر فيه التلفيق، خاصة أن الوضع الاجتماعي للطاعنة كمعلمة بالتربية والتعليم وزوجة لرجل يشغل درجة مدير عام وأم لخمسة أبناء بالتعليم الجامعي والثانوي والابتدائي وعلى درجة من اليسار المادي وأن سنها قد جاوز الخمسين ما يجعل احتمالات ذهابها إلى الشقة التي ضبطت فيها لممارسة الجنس مع مواطن سوداني من عابري السبيل أمر لا يحتمله منطق ولا يستسيغه عقل ويزيد في غرابته عن الرواية التي ساقتها ويجعل احتمالات قبولها ممكناً ويرجح احتمالات أنها لم تضع نفسها موضع الشبهات وإنما هي التي وضعت موضع الشبهات.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم وإعمالاً لقاعدة درء الحدود بالشبهات وأن الإدانة لا تبنى إلا على يقين، فإنه لا يمكن إدانة الطاعنة بتهمة أنها وضعت نفسها موضع الشبهات على النحو الذي انتهى إليه الحكم الطعين.
ومن حيث إنه عن المخالفات الأربع الأخر التي أدينت الطاعنة بالاستناد إليها بالحكم الطعين فإنها ثابتة في حقها واقعاً بغير إنكار من الطاعنة حال علمها بأن صفتها الوظيفية كمدرسة لم تكن قد زايلتها بعد، وأن الطاعنة قد اعترفت ضمناً في طعنها بصحة ارتكابها لهذه المخالفات بعدم تعرضها لنفيها في تقرير الطعن.
ومن حيث إن الحكم الطعين قد استند فيما قضى به من فصل الطاعنة من الخدمة إلى المخالفات الخمس المنسوبة إليها بتقرير الاتهام حال أن المخالفة الأولى والأكثر جسامة قد انتفت في حقها وأن المخالفات الأربع الباقية لا تكفي لحمل ما قضى به الحكم الطعين من مجازاة الطاعنة بالفصل من الخدمة محمل الصحة، فمن ثم فإنه يتعين إلغاء الحكم الطعين ومجازاة الطاعنة بما يتفق وما ثبت في حقها من مخالفات وهو ما تقدره المحكمة بالخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة الطاعنة بالخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق