باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الحادي عشر من فبراير سنة 2023م،
الموافق العشرين من رجب سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمـــد غنيم
والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبوالعطا وعلاء الدين أحمد
السيد نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 42
قضائية منازعة تنفيذ
المقامة من
1- السيد أبو العزم عبد الرحمـن نصــر
2- عبد الجيد عبد الحميد رضوان عمارة
3- محمد عبد العزيز أحمد عبد الوهـاب
4- محمد عــوض عبد الحميــد البنـداري
ضــد
1- وزيــر الدفاع
2- وزيــر الداخليـة
3- المدعي العام العسكري
4- رئيس مصلحة السجون
-----------------
" الإجراءات "
بتاريخ السادس من يناير سنة 2020، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم
كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم: بالاستمرار في تنفيذ أحكام المحكمة
الدستورية العليا الصادرة بجلسة 14/10/2017، في الدعاوى أرقام 33 و34 و35 لسنة 38
قضائية تنازع، وعدم الاعتداد بحكم المحكمة العسكرية للجنايات الصادر بجلسة
11/2/2015، في الدعوى رقم 319 لسنة 2014 جنايات عسكرية شمال القاهرة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - علي ما يتبين من صحيفـــة الدعوى وسائر
الأوراق - في أن النيابة العسكرية كانت قد أسندت إلى المدعين، وآخرين، في الجناية
رقم 319 لسنة 2014 جنايات عسكرية شمال القاهرة، أنهم بتاريخ 12/8/2014، بدائرة
مركز شرطة السادات، محافظة المنوفية، ارتكبوا الجرائم الآتية:
(1) خربوا عمدًا ممتلكات عامة (سيارة الشرطة رقم 2168/11)، والمبينة وصفًا
ونوعًا بالأوراق والمملوكة لوزارة الداخلية، بأن أحدثوا بها تلفياتها الموصوفة
بمحضر المعاينة المرفق بالأوراق، وقد وقعت تلك الجريمة بقصد إشاعة الفوضى وإحداث
الرعب بين الناس، وذلك على النحو الموضح تفصيلاً بالأوراق.
(2) اشتركوا، هم وآخرون ومجهولون، في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص من
شأنه أن يجعل السلم العام في خطر، وكان الغرض منه ارتكاب جرائم الاعتداء على
الأشخاص، والتأثير على رجال السلطة العامة في أداء أعمالهم بالقوة والعنف، وذلك
حال حمل بعضهم لأدوات مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص (شماريخ)، مع علمهم
بالغرض الذي يدعو إليه ذلك التجمهر، وقد وقعت تنفيذًا للغرض المقصود الجرائم
الآتية:
أ - جهروا بالصياح بعبارات من شأنها إثارة الفتن.
ب - استعرضوا، هم وآخرون ومجهولون، القوة، ولوحوا بالعنف والتهديد،
وكان ذلك بقصد ترويع المواطنين وتخويفهم بإلحاق الأذى المادي والمعنوي بهم، مما
ترتب عليه تكدير الأمن والسكينة العامة.
ج - شاركوا، هم وآخرون مجهولون، في تظاهرة لأغراض سياسية دون الإخطار
عنها على النحو الذي نظمه القانون، وأخلوا خلالها بالأمن والنظام العام، وقطعوا
الطريق على النحو الوارد بالتحقيقات.
د - حازوا بواسطة مجهولين، أدوات مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص
(حجارة)، دون أن يوجد لحملهـــا أو إحرازها مسوغ من الضرورة المهنية أو الحرفية.
وقدمت النيابة العسكرية المدعين، وآخرين، للمحاكمة العسكرية، بطلب
عقابهم بالمواد (90/1، 3، 5 و375 مكررًا/1) من قانون العقوبات، و(1 و2/2 و3) من
القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر، و(7 و8 و19) من القرار بقانون رقم 107
لسنة 2013 بشأن تنظيم الحق في الاجتماعات والمواكب والتظاهرات السلمية، و(1/1 و25
مكرر/ فقرة أولى) من القانون رقم 394 لسنة 1954، المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة
1978، و165 لسنة 1981، والبند رقم (7) المرفق بالقانون الأول، والمعدل والمستبدل
بقرار وزير الداخلية رقم 1756 لسنة 2007، والمادتين (1 و2) من قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية. وبجلسة
11/2/2015، حكمت المحكمة العسكرية للجنايات (الدائرة الثالثة) حضوريًّا على
المدعين، وآخرين، بالسجن المشدد لمدة خمسة عشر عامًا، وتم التصديق على ذلك الحكم،
فطعن عليه المدعـون أمام المحكمة العسكرية العليا للطعون، بالطعن رقم 155 لسنة 10
قضائية طعون عسكرية. وبجلسة 1/8/2016، حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً، وفى
الموضوع: برفضه بالنسبة للمدعين. وقد ارتأى المدعون أن القضاء السابق يعد عقبة في
سبيل تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بجلسة 14/10/2017، في الدعاوى
أرقام 33 و34 و35 لسنة 38 قضائية تنازع، التي وسدت لمحاكم جهة القضاء العادي
الاختصاص بمحاكمة متهمين لارتكابهم جرائم مماثلة للجرائم التي تم إدانة المدعين
بارتكابها، إذ لم تقع تلك الجرائم ضد منشآت عسكرية، ومن أشخاص غير عسكريين، ولم
تكن تلك المنشآت خاضعة لتأمين القوات المسلحة وقت الاعتداء عليها، وكان محل ارتكاب
هذه الجرائم هو الشارع العام. ومن ثم، فقد أقام المدعون الدعوى المعروضة، بطلباتهم
السالفة البيان.
وحيث إن منازعة التنفيذ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قوامها أن
التنفيذ لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا
- بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك أو تقيد اتصال حلقاته
وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ
القانونية هي ذاتهــا موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التي تتوخى في
ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة
عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ
إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة
الدستورية العليا، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي يضمها، والآثار
المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هي التي تحدد
جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل
المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم
48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها
كاملة في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية
المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن
تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - قد حالت فعلاً، أو من
شأنها أن تحــول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها.
ثانيها: أن يكون إسناد هذه العوائق إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا،
فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر
غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعـة التنفيـذ لا تُعـد
طريقًا للطعـن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.
وحيث إن الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة في
دعاوى التنازع ومنازعات التنفيذ - على ما جرى به نص المادة (195) من الدستور- إنما
تلحق - نطاقًا - بما قد تتضمنه هذه الأحكام، من تقريرات دستورية، تعرض لنصوص -
بذاتها - من الوثيقة الدستورية، لها محل من الإعمال على وقائع النزاع الموضوعي،
ومؤدية - لزومًا - إلى الفصل في موضوعه، بما يعكس بيان هذه المحكمة لمؤدى تلك
النصوص الدستورية، وإفصاحها عن دلالتها، فيكون إلزامها للكافة وجميع سلطــات
الدولة، بما أقرته في شأنها من مفاهيم، متعينًا.
ولا كذلك الحال بالنسبة لغيرها من عناصر الحكم في دعاوى التنازع
ومنازعات التنفيذ، التي تقضي المحكمة الدستورية العليا في أولاها بوصفها محكمة
تنازع، وفى الأخرى باعتبارها قضاء تنفيذ، وذلك دون إخلال بثبوت قوة الأمر المقضي
فيه، لمنطوق الحكم الصادر في أي من تلك الدعاوى، والأسباب المرتبطة به ارتباطًا
حتميًّا، قِبل أطراف خصومة الموضوع، وفى مواجهة المخاطبين بتنفيذه وإعمال آثاره.
وحيث كان ما تقدم، وكان موضوع الدعاوى أرقام (33 و34 و35) لسنة 38
قضائية تنازع، الفصل في التنازع السلبي على الاختصاص بين جهتي القضاء العادي،
والقضاء العسكري، بمناسبة تسلب كلتا الجهتين القضائيتين من اختصاصهما بنظر جرائم
جنائية ارتكبت من قِبل أشخاص - ليس من بينهم المدعون- اتهموا بالمشاركة في تظاهرة
دون إخطار مسبق من الجهة المختصة، حال حملهم ألعابًا نارية وأسلحة بيضاء، ترتب
عليها الإخلال بالأمن العام وتعطيل مصالح المواطنين. وقد قضت هذه المحكمة في كلٍ من
هذه الدعاوى بتعيين جهة القضاء العادي جهة مختصة بنظر الدعوى، وشيدت قضاءها على أن
الدستور القائم قد حدد في الفقرة الأولى من المادة (204) منه الاختصاص المحجوز
للقضاء العسكري دون غيره، بالفصل في الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها
وأفرادها ومن في حكمهم. مستندة في ذلك القضاء إلى ما تضمنته الفقـــرة الثانيـــة
مـــن هـــذه المادة من ضوابط حاكمة لاختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين
أمامه، بأن تُمَثّـلَ الجريمة المرتكبة اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكرية أو
معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، كاشفة عن أن الدستور قد اعتمد معيارًا
شخصيًّــا وآخر مكانيًّــا لاختصاص القضــاء العسكري بمحاكمة المدنيين عن الجرائم
التي تقع منهم بصفتهم هذه على المنشآت العسكرية ومعسكرات القوات المسلحة، وما يأخذ
حكمها من منشآت. وكان البين كذلك من نصوص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 136
لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، المعدل بالقانون رقم 65
لسنة 2016، أنها قد تضمنت حكمًـــا وقتيًّـــا عين بموجبه المشرع المنشآت المدنية
التي تدخل في حكم المنشآت العسكرية ومعسكرات القوات المسلحة، وتخضع الجرائم التي
تقع عليها ومرتكبوها لولاية القضاء العسكري، طوال فترة سريان أحكامه، وهي المنشآت
العامة والحيوية، بما في ذلك محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول
البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري، وغيرها من المنشآت والمرافق
والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها. وبذلك ينعقد لهذا القضاء الاختصاص بالفصل في
تلك الجرائم، ومحاكمة مرتكبيها من المدنيين، إذا توافرت شروط ثلاثــة، أولهــا: أن
يمثل الفعل اعتداءً مباشـرًا علــى أي مــن تلك المنشــآت أو المرافق أو الممتلكات
العامة. وثانيها: أن يقع الاعتداء حال قيام القوات المسلحة بتأمين وحماية هذه
المنشآت والمرافق والممتلكــات العامة تأمينًــا فعليًّــا وليس حكميًّــا.
وثالثها: أن يكون الفعل الذي يقع على أي منها مؤثمًا بهذا الوصــف طبقًــا
لأحكــام قانون العقوبات أو القوانين المنظمة لهذه المنشآت أو المرافق أو
الممتلكات العامة، باعتبارها القواعد العامة الحاكمة للتجريـم والعقـاب في هذا
الخصوص، التي تتحـدد على أساسها المسئولية الجنائية بالنسبة لمرتكبي أي من هذه
الأفعال من المدنيين. فإذا ما تخلف في الفعل أو مرتكبه أي من هذه الشروط، كان
الاختصاص بنظر الجريمة والفصل فيها منعقدًا للقضاء العادي صاحب الولاية العامة
بالفصل في الجرائم، عدا ما استثني بنص خاص، وعقد الاختصاص به لجهة قضاء أخرى.
وحيث إن التقرير الدستوري الذي تضمنته أحكام هذه المحكمة في الدعاوى
أرقام 33 و34 و35 لسنة 38 قضائية تنازع، في شأن ضوابط اختصاص القضاء العسكري
بمحاكمة المدنيين طبقًا لنص الفقرة الثانية من المادة (204) من الدستور، مقروءًا
في مجال إعماله على نصوص القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014، بشأن تأمين وحماية
المنشآت العامة والحيوية، المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 2016، لا يناقضه حكم
المحكمة العسكرية للجنايات، الصــادر فــي الدعــوى رقــم 319 لسنة 2014 جنايات
عسكرية شمال القاهرة، الذي تستقل الخصومة فيه بموضوعها وأطرافها عن الأحكام
المنازع في تنفيذها، والتي تثبت قوة الأمر المقضي فيه لمنطوقهــا قِبل أطرافهـــا
وفـــي مواجهـة المخاطبين بتنفيذهــا، ولا تتعـــدى إلى سواهــم، ولا تبارح ما
فصلت فيه من حقوق إلى غيرها مما يكون محلاًّ لدعاوى التنازع ومنازعات التنفيذ
الأخرى، وتبعًا لذلك فإن حكم المحكمة العسكرية للجنايات المشار إليه، لا يُعد عقبة
في تنفيذ أحكام هذه المحكمـة الصادرة في الدعاوى أرقام 33 و34 و35 لسنة 38 قضائية
تنازع، مما لزامه القضاء بعدم قبول الدعوى.
ولا ينال مما تقدم، ما أثاره المدعون من النعي على الحكم المصور عقبة
في التنفيذ، من ارتكاب الوقائع التي أُدينوا عنها في تاريخ سابق على سريان قرار
رئيس الجمهورية بالقانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة
والحيوية المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 2016، مما مؤداه عدم اختصاص جهة القضاء
العسكري بنظرها، إذ ينحل هذا النعي إلى طعن في حكم المحكمة العسكرية للجنايات
المار ذكره، يخــرج البت فيه عن ولاية هذه المحكمة، كونها لا تُعد جهة طعن في
الأحكام الصادر من جهات القضاء، أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعين المصروفات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق