الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 سبتمبر 2022

فرمان الكلخانة

خط شريف كلخانة المعروف بـ فرمان الكلخانة هو فرمان أصدره عبد المجيد الأول السلطان عبد المجيد الأول يوم 26 شعبان 1255 هـ (3 تشرين الثاني / نوفمبر  1839 م)، وبها بدأت حركة إصلاح الإصلاحات الواسعة المعرفة بـ التنظيمات العثمانية "التنظيمات" وكان نصه :

لا يخفى على عُمُوم النَّاس ان دولتنا الْعلية من مبدأ ظُهُورهَا وَهِي جَارِيَة على رِعَايَة الأحكام القرآنية الجليلة والقوانين الشَّرْعِيَّة المنيفة بِتَمَامِهَا وَلذَا كَانَت قُوَّة ومكانة سلطتنا السّنيَّة ورفاهية وعمارية أهاليها وصلت حد الْغَايَة وَقد انعكس الامر مُنْذُ مائَة وَخمسين سنة بِسَبَب عدم الانقياد والامتثال للشَّرْع الشريف وَلَا للقوانين المنيفة بِنَاء على طروء الكوارث المتعاقبة والأسباب المتنوعة فتبدلت قوتها بالضعف وثروتها بالفقر وَبِمَا أن الممالك الَّتِي لَا تكون إدارتها بِحَسب القوانين الشَّرْعِيَّة لَا يُمكن ان تكون ثَابِتَة كَانَت افكارنا الْخَيْرِيَّة الملوكية منحصرة فِي إعمار الممالك واتحاد ورفاهية الاهالي والفقراء من يَوْم جلوسنا السعيد وَصَارَ التشبث فِي الأسباب اللَّازِمَة بِالنّظرِ إِلَى مواقع ممالك دولتنا الْعلية الجغرافية ولأراضيها الخصبة ولاستعداد وقابلية اهاليها لتحصل بِمَشِيئَة الله تَعَالَى الْفَائِدَة الْمَقْصُودَة فِي ظرف خمس اَوْ عشر سِنِين واعتمادا على المعونة الالهية واستنادا على الإمدادات الروحانية النَّبَوِيَّة قد رُؤِيَ من الْآن فَصَاعِدا أهمية لُزُوم وضع وتأسيس قوانين جَدِيدَة تتحسن بهَا ادارة ممالك دولتنا الْعلية المحروسة والمواد الاساسية لهَذِهِ القوانين هِيَ عبارَة عَن الامن على الارواح وَحفظ الْعرض والناموس وَالْمَال وَتَعْيِين الْخراج وهيئة طلب العساكر للْخدمَة وَمُدَّة استخدامهم لانه لَا يُوجد فِي الدُّنْيَا اعز من الرّوح وَالْعرض والناموس وَالْمَال فَلَو رأى إنسان ان هَؤُلَاءِ مهددون وَكَانَت خلقته الذاتية وفطرته الأصلية لَا تميل إِلَى ارْتِكَاب الْخِيَانَة فوقاية لحفظ روحه وناموسه لَا بُد ان يتشبث فِي بعض إجراءات للتخلص مِنْهَا وَهَذَا الأمر لَا يخفى انه مُضر بالدولة وَالْملَّة كَمَا انه إِذا كَانَ امينا على مَاله وناموسه لَا يحيد عَن طَرِيق الاسْتقَامَة وتنحصر أفكاره وأشغاله فِي الْقيام بِوَاجِب الْخدمَة لدولته وملته وكما انه فِي حَال فقدان الامن على المَال لَا يمِيل الشَّخْص إِلَى دولته وملته وَلَا ينظر للِانْتِفَاع بأملاكه بل كَمَا انه لَا يَخْلُو دَائِما من الْفِكر وَالِاضْطِرَاب فَلَو قدر الْعَكْس اعني لَو كَانَ الانسان آمنا على مَاله واملاكه فَلَا شكّ انه يشْتَغل باموره وتوسيع دَائِرَة تعيشه وتتولد يَوْمًا فيوما عِنْده الْغيرَة على الدولة والمملكة وتزداد محبته للوطن وَبِهَذَا يجْتَهد فِي تَحْسِين حَاله

وأما مَادَّة تعْيين الْخراج فَكل دولة لَا بُد ان تكون محتاجة إِلَى العساكر وَسَائِر المصاريف الْمُقْتَضِيَة للمحافظة على ممالكها وَهَذَا لَا تتيسر ادارته الا بالنقود والنقود لَا تتحصل الا من الْخراج فَلَا غرو أن النّظر إِلَى تَحْسِين هَذِه الْمَادَّة من اهم الامور هَذَا وَلَو ان اهالي ممالكنا المحروسة تخلصوا لله الْحَمد قبل الْآن من بلوى الْيَد الْوَاحِدَة الَّتِي كَانَت متسلطة على الإيرادات الوهمية لَكِن أصول الالتزامات الْمضرَّة الْمُعْتَبرَة من ضمن أسباب الخراب الَّتِي لم يظْهر مِنْهَا ثَمَرَة نافعة فِي أَي حَال لم تزل جَارِيَة للآن وَهَذَا يعد كتسليم مصَالح المملكة السياسية وإدارتها الْمَالِيَّة ليد رجل وبالأحرى أن نقُول بوضعها تَحت قهره وجبره فانه ان لم يكن رجلا امينا لَا شكّ انه ينظر إِلَى فَائِدَته الشخصية وَتَكون كل حركاته وسكناته عبارَة عَن غدر وظلم فَيلْزم بعد الْآن تعْيين خراج مُنَاسِب على قدر اقتدار وأملاك كل فَرد من أفراد أهالي المملكة وَلَا يُؤْخَذ شَيْء زِيَادَة عَن الْمُقَرّر من اُحْدُ مَا وتحديد وَبَيَان سَائِر مصرف عَسَاكِر دولتنا الْعلية الْبَريَّة والبحرية وكل لوازماتهم بِمُوجب قوانين ايجابية والاجراء بمقتضاها .

وأما مَسْأَلَة الجندية فلكونها من الْموَاد المهمة حسب مَا ذكر وَمَعَ كَونه مَفْرُوضًا على ذمَّة الاهالي تَقْدِيم العساكر اللَّازِمَة للمحافظة على الوطن لَكِن الْجَارِي للآن هُوَ عدم النّظر والالتفات إِلَى عدد النُّفُوس الْمَوْجُودَة بالبلدة بل يطْلب من بعض الْبلدَانِ زِيَادَة عَن تحملهَا وَمن الْبَعْض الآخر انقص مِمَّا تتحمل وَهَذَا فضلا عَمَّا فِيهِ من عدم النظام فانه مُوجب لاختلال موارد مَنَافِع الزِّرَاعَة وَالتِّجَارَة واستخدام العساكر إِلَى نِهَايَة الْعُمر امْر مُسْتَلْزم لقطع التناسل فعلى تَقْدِير طلب انفار عسكرية من كل بلد يلْزم وضع وتأسيس اصول مستحسن لاستخدام العساكر ارْبَعْ اَوْ خمس سنوات بطرِيق المناوبة وَالْحَاصِل انه بِدُونِ تدوين هَذِه القوانين النظامية لَا يُمكن حُصُول الْقُوَّة والعمار والراحة فان أساس جَمِيع ذَلِك هُوَ عبارَة عَن الْموَاد المشروحة وَلَا يجوز بعد الْآن إعدام وتسميم أرباب الجنح جهارا اَوْ خُفْيَة بِدُونِ أن تنظر دعاويهم علنا بِكُل دقة بِمُقْتَضى القوانين الشَّرْعِيَّة وَلَا يجوز مُطلقًا تسلط اُحْدُ على عرض وناموس آخر وكل إنسان يكون مَالِكًا لمَاله وَملكه ومتصرفا فيهمَا بِكَمَال الْحُرِّيَّة وَلَا يُمكن أن يتدخل فِي أموره شخص آخر وَإِذا فرض وَرفعت تُهْمَة على اُحْدُ وَكَانَت ورثته بريئي الساحة مِنْهَا فَبعد مصادرة أمواله لَا تحرم ورثته من ميراثهم الشَّرْعِيّ وتمتاز سَائِر تَبَعِيَّة دولتنا الْعلية من الْمُسلمين وَسَائِر الْملَل الأخرى بمساعداتنا هَذِه الملوكية بِدُونِ اسْتثِْنَاء وَقد أعطيت من طرفنا الملوكي الأمنية التَّامَّة فِي الرّوح وَالْعرض والناموس وَالْمَال بِمُقْتَضى الحكم الشَّرْعِيّ لكل أهالي ممالكنا المحروسة وسيعطى الْقَرار اللَّازِم بِاتِّفَاق الآراء عَن المواضيع الأخرى أيضا وستزاد أعضاء مجْلِس الأحكام العدلية على قدر اللُّزُوم وتجتمع هُنَاكَ وكلاء وَرِجَال دولتنا الْعلية فِي بعض الأيام الَّتِي ستعين وجميعهم يبدون أفكارهم وآراءهم بِالْحُرِّيَّةِ التَّامَّة بِدُونِ تحاش وتتقرر القوانين الْمُقْتَضِيَة المختصة بالأمن على الرّوح وَالْمَال وَتَعْيِين الْخراج وستجري المكالمة اللَّازِمَة عَنْهَا بدار شُورَى بَاب السِّرّ عسكرية وَكلما تقرر قانون يعرض لطرفنا الملوكي لتتويج عاليه بخطنا الملوكي حَتَّى يكون دستورا للْعَمَل إِلَى ما شاء الله وَبِمَا أن هَذِه القوانين الشَّرْعِيَّة ستوضع لإحياء الدّين والدولة وَالْملك وَالْملَّة فسيؤخذ الْعَهْد والميثاق اللَّازِم من قبلنَا الملوكي بِعَدَمِ وُقُوع أَي حَرَكَة مُخَالفَة لَهَا وسنحلف قسما بِاللَّه الْعَظِيم فِي اودة الْخِرْقَة الشَّرِيفَة بِحُضُور جيمع الْعلمَاء والوكلاء وسيصير تحليفهم أيضا وعَلى هَذَا فَكل من خَالف هَذِه القوانين الشَّرْعِيَّة من الوكلاء وَالْعُلَمَاء اَوْ أَي انسان كَانَ مهما كَانَت صفته سيجرى توقيع الْعقَاب اللَّازِم عَلَيْهِم بِدُونِ رِعَايَة رُتْبَة وَلَا خاطر وسيصير تدوين قانون جَزَاء مُخْتَصّ بذلك وَلكَون كَافَّة المأمورين لَهُم راتب واف الْآن فان وجد مِنْهُم من يكون راتبه قَلِيلا سيصير ترقية حَاله هَذَا ولينظر فِي مَادَّة الرِّشْوَة الكريهة بتدوين قانون شَدِيد لذَلِك لِأَنَّهَا اعظم سَبَب لخراب الْملك وممقوتة شرعا وَلكَون الإصلاحات المشروحة آنِفا ستزيل طوارئ الْفقر والفاقة كُلية فَكَمَا انه سيصير اعلان ارادتنا الملوكية هَذِه للاستانة ولكافة اهالي ممالكنا المحروسة يلْزم ان تبلغ ايضا لسفراء الدولة المتحابة الْمَوْجُودين بالاستانة ليكونوا شُهُودًا على دوَام هَذِه الاصلاحات إِلَى الابد ان شَاءَ الله تَعَالَى ونسأل مَالك الممالك ان يلهمنا التَّوْفِيق جَمِيعًا وان يصب على كل من خَالف هَذِه القوانين المؤسسة سَوط عَذَاب النقمَة وان لَا ينجح لَهُ أعمالا مدى الدَّهْر آمين .

حرر فِي يَوْم الأحد 26 شعْبَان سنة 1255

كتاب تاريخ الدولة العلية العثمانية ص481

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق