باسم
الشعب
المحكمة
الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة
في يوم السبت 15 إبريل 1995 الموافق 15 ذو القعدة 1415 هــ .
برئاسة السيد المستشار
الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة
المستشارين:- الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبدالرحيم غنيم وسامى
فرج يوسف والدكتور عبدالمجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور أعضاء
وحضور السيد المستشار
الدكتور/ حنفي على جبالي
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدي أنور
صابر
أمين السر
أصدرت
الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا برقم 27 لسنة 16 قضائية "دستورية "
المقامة
من
الممثل القانوني لبنك
القاهرة الشرق الأقصى
ضد
1- السيد / رئيس الوزراء
2- السيد / وزير
العدل
3- السيد / وزير المالية
"
الإجراءات "
بتاريخ 25 يوليه 1994
أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا بطلب الحكم بعدم
دستورية المادة (14/1) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بشأن الرسوم القضائية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة
مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للفقرة الثانية من المادة (14)،
وبرفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ،
أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه
المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
"
المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق،
والمداولة .
حيث أن الوقائع -على ما
يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم
3102 لسنة 1990 تجارى محكمة الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزام كل من الممثل
القانوني لشركة التنمية الوطنية للشحن والتفريغ، والممثل القانوني لشركة القاهرة
للتجارة والتوكيلات، بأن يدفعا له متضامنين مبلغ 225ر205734 جنيهاً والمصاريف.
وبجلسة 31/5/1992 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليها الأولى بمبلغ 9ر92239 والمدعى
عليها الثانية بمبلغ 705ر205349 جنيها، مع المناسب من المصاريف، ومبلغ عشرة جنيهات
مقابل أتعاب المحاماة . بيد أن قلم الكتاب أعلن المدعى بأمر تقدير رسوم عن تلك
الدعوى ، مطالباً إياه بها إعمالاً لنص المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944 في
شأن الرسوم القضائية والتوثيق في المواد المدنية . ومن ثم تظلم أمام محكمة
الإسكندرية الابتدائية من هذا الأمر. وبتاريخ 27/3/1994 قضت المحكمة برفض هذا
التظلم، تأسيساً على أن المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944 تخول قلم الكتاب،
طلب الرسوم القضائية من المدعى ، ولو كان كاسباً لدعواه. وإذ لم يرتض المدعى هذا
الحكم، فقد طعن عليه بطريق الاستئناف، وقيد هذا الطعن برقم 275 لسنة 50 قضائية .
وأثناء نظر النزاع أمام المحكمة الاستئنافية ، دفع بعدم دستورية المادة (14)
المشار إليها. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد أجلت نظر دعواه حتى
يتخذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فأقام الدعوى الدستورية الماثلة .
وحيث أن الفقرة الأولى من
المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية والتوثيق في المواد
المدنية ، تقضى بأن يلزم المدعى بأداء الرسوم القضائية ، كما يلزم بدفع الباقي
منها عقب صدور الحكم ولو استؤنف. وتنص فقرتها الثانية على أنه: "ومع ذلك إذا
صار الحكم نهائياً، جاز لقلم الكتاب تحصيل الرسوم المستحقة من المحكوم عليه".
وحيث أن حكم الفقرة
الثانية من المادة (14) المشار إليها، أسفر عن مجافاته للمنطق وروح العدالة ،
وتعقيده للتقاضي ، إذ يخول قلم كتاب المحكمة الحق فى تحصيل الرسوم القضائية من
المدعى ، ولو كان كاسباً لدعواه بحكم نهائي ، مما كان مثاراً للشكوى التي عايشها
المواطنون، وكان كذلك مدعاة لظلمهم وإعناتهم، وإرهاقاً لا قبل لهم به، ونكولاً عن
إحقاق الحق، وإهداراً للأصل فى قواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية ، من
إلزامها الخصم المحكوم عليه فى الدعوى ، بمصروفاتها.
وحيث أن البين من مضبطة
الجلسة الخمسين "الفصل التشريعي السادس -دور الانعقاد العادي " المعقودة
فى 21 فبراير سنة 1995، أن مجلس الشعب ناقش تفصيلاً تعديلاً مقترحاً فى شأن المادة
(14) المشار إليها لمواجهة مساوئها في التطبيق، وانحرافها عن صحيح حكم القانون،
ولرد الأمور إلى نصابها. وقد دعاه ذلك إلى إقرار قانون بتعديلها، هو القانون رقم 7
لسنة 1959 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 90 لسنة 1944، وذلك بإبدال مادته الرابعة
عشر ة ، بمادة جديدة نصها الآتي :-
"يلزم المدعى بأداء
الرسوم المستحقة عقب تقديم صحيفة دعواه إلى قلم الكتاب، كما يلزم بأداء ما يستحق
عليها من رسوم أثناء نظرها، وحتى قفل باب المرافعة فيها.
وتصبح الرسوم التزاماً
على الطرف الذى ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى . وتتم تسويتها على هذا الأساس. ولا
يجوز الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم.
وتسلم للمحكوم له صورة
تنفيذية من الحكم دون توقف على تحصيل باقي الرسوم الملتزم بها الغير".
وحيث أن النص المتقدم،
يدل بعبارته على أن المدعى -وقد أقام الخصومة القضائية ابتداء- فإن عليه أن يتحمل
مقدماً بنفقاتها، والتي تتمثل أساساً في الرسوم القضائية يؤديها عند تقديم صحيفتها
إلى قلم كتاب المحكمة . ويظل أمر هذه الرسوم قلقا إلى أن تفصل المحكمة في الخصومة
المطروحة عليها، وتحدد من يكون ملتزماً بمصروفاتها، ليقع عبؤها عليه انتهاء.
والأصل أن يتحمل بمصروفات الدعوى من خسرها لا يتعداه إلى غيره. ولا شأن لسواه بها
ولا يعطل تراخيه في الوفاء بها، حق المحكوم له في الحصول على صورة تنفيذية من
الحكم.
وحيث أن المشرع أفصح كذلك
بالنص المتقدم عن إلغاء القاعدة التي تضمنتها الفقرة الثانية من المادة (14) من
القانون رقم 90 لسنة 1944 -قبل تعديلها- والتي كانت تخول قلم كتاب المحكمة الخيار
بين تحصيل الرسوم القضائية من المحكوم عليه بها، أو الرجوع بها على من يكون كاسباً
لدعواه ولم يلزمه الحكم بمصروفاتها، وكان من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية
العليا أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها. لا يحول دون الطعن عليها من قبل من
طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق
بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة . ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية ، هو
سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها. فإذا
استعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة ، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها،
ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها. وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان
كل من القاعدتين. فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية ،
وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكوماً بها وحدها.
وحيث أن مناط المصلحة
الشخصية المباشرة - وهى شرط قبول الدعوى الدستورية - أن يكون ثمة ارتباط بينها
وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المطاعن
الدستورية لازماً للفصل في النزاع الموضوعي ، وكان جوهر الطعن ينصب على الاختصاص
المخول لأقلام كتاب المحاكم - في ظل العمل بأحكام المادة (14) من القانون رقم 90
لسنة 1944 قبل تعديلها -باقتضاء الرسوم القضائية من غير المحكوم عليه بها- ولو كان
كاسباً لدعواه- فإن الفقرة الثانية من المادة (14) المشار إليها قبل تعديلها
بالقانون رقم 7 لسنة 1995، هي التي يتحدد بها نطاق الطعن بعدم الدستورية . وهى
كذلك التى دار حولها الدفع بعدم الدستورية ، المثار أمام محكمة الموضوع.
وحيث أن المدعى ينعى على
الفقرة الثانية المشار إليها، إخلالها بأحكام المواد (34، 35، 36) من الدستور التي
تكفل جميعها حقوق الملكية الخاصة ، ولا تجيز تأميمها إلا للصالح العام، وبقانون،
ومقابل تعويض. كما تحول دون مصادرتها مصادرة عامة . فإذا كان الأمر متعلقاً
بمصادرة خاصة ، فلا تجوز إلا بحكم قضائي . كذلك فإن نزع الملكية مقيد بأن يكون
متوخياً نفعاً عاماً ومقابل تعويض وفقاً للقانون. بيد أن النص المطعون فيه، نقض
هذه القواعد حين أجاز اقتضاء الرسوم القضائية من غير المدين بها، وأهدر بذلك قوة
الأمر المقضي التي تحوزها الأحكام النهائية ، وكان بالتالي مدخلاً لانتزاع أموال
هؤلاء الذين لم يُحَمِّلهم الحكم النهائي بتلك الرسوم، وعدواناً على ولاية القضاء
التي كفل الدستور أصلها، ولم يجز إلا توزيعها في حدود التفويض المخول للسلطة
التشريعية بنص المادة (167) من الدستور. وهو ما يعنى أن تظل هذه الولاية ثابتة ،
فلا تنال السلطة التشريعية منها، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر.
وحيث أن الأصل في الرسوم
القضائية ، هو أن يلزم بها من خسر الدعوى ، وتتم تسويتها على هذا الأساس. إذ ليس
عدلاً ولا قانوناً أن يتحمل بها من كان محقاً في دعواه، وحُمل حملاً على اللجوء
إلى القضاء انتصافاً، ودفعاً لعدوان، وإلا كان الاعتصام بشريعة العدل ومنهاجه
عبثاً ولهواً، والذود عن الحقوق -من خلال الإصرار على طلبها وتقريرها- إفكاً
وبهتاناً. بيد أن النص المطعون فيه نقض هذا الأصل الذى تمليه طبائع الأشياء، ورد
الساعين إلى الحق على أعقابهم، بأن حَمَّلهَم برسوم قضائية لا يلتزمون بها أصلاً،
ولا شأن لهم بها. فكان عقاباً من خلال جزاء مالى لغير خطأ، وعدواناً منهياً عنه
بنصوص الدستور. إذ لا جريرة لهؤلاء حتى تقتطع من الحقوق التي ظفروا بها بمقتضى حكم
نهائي ، مبالغ مالية بقدر قيمة الرسوم القضائية التي ألزم هذا الحكم غيرهم بها.
ولكن قلم الكتاب اقتضاها منهم ناقلاً عبئها إليهم، مخالفاً بذلك منطوق الحكم
النهائي ، ومتغولاً على القاعدة العامة فى مصروفات الدعوى التى تبنتها المادتان
(184، 186) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، التى تقضى أولاًهما: بأن
مصاريف الدعوى -ويدخل في حسابها مقابل أتعاب المحاماة - إنما يتحملها الخصم
المحكوم عليه بها. فإذا تعدد المحكوم عليهم، جاز الحكم بقسمتها فيما بينهم بالتساوي
، أو بنسبة مصلحة كل منهم في الدعوى وفق ما تقدره المحكمة . ولا يلزمون بالتضامن في
المصاريف إلا إذا كانوا متضامنين في أصل التزامهم المقضي به. وتنص ثانيتهما: على
أنه إذا أخفق كل من الخصمين في بعض الطلبات، جاز الحكم بأن يتحمل كل خصم بما دفعه
من المصاريف، أو بتقسيم المصاريف بينهما، على حسب ما تقدره المحكمة في حكمها.
وحيث أن مؤدى القاعدة التي
تبلورها وتؤكدها المادتان (184، 186) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، أن
لمصاريف الدعوى أصلاً يحكمها. ويهيمن عليها يتحصل في ألا يحكم بها -سواء بأكملها
أو فى جزء منها- إلا على الخصم الذى خسر الدعوى ، سواء بتمامها أو في بعض جوانبها.
وهو ما يكفل قيام الخصومة القضائية على دورها فى إيصال الحقوق لذويها دون نقصان،
فلا تكون نفقاتها عبئاً إلا على هؤلاء الذين جحدوا تلك الحقوق، إعناتاً أو مماطلة
أو نكاية ، لترتد سهامهم إليهم، وكان الاستثناء التشريعي من هذه القاعدة من حصراً
فى الأحوال التى قدر المشرع فيها أن مسار الخصومة القضائية أو ظروفها، تدل على
مجاوزتها للحدود القانونية التى ينبغي أن يتقيد بها حق التقاضي ، وتنكبها الأغراض
التى شرع هذا الحق من أجل بلوغها، بأن كانت فى واقعها لدداً أو اندفاعاً أو
تغريراً، وهى أحوال حددتها حصراً المادة (185) من قانون المرافعات المدنية
والتجارية ، التى تخول المحكمة أن تحكم بإلزام الخصم الذى كسب الدعوى كلها أو
بعضها بمصروفاتها إذا كان الحق الذى يدعيه مسلماً به من المحكوم عليه، أو كان
المحكوم عليه قد تسبب فى إنفاق مصاريف لا فائدة منها، أو ترك خصمه على جهل بما فى
يده من المستندات القاطعة فى الدعوى ، أو بمضمونها.
وحيث أن النص المطعون فيه
يخول أقلام كتاب المحاكم على اختلافها- كل وفقاً لتقديره الخاص- أن تُحَمِّل
بالرسوم القضائية غير المدينين المحكوم عليهم بها. وهو ما يعنى تعديلها بإرادتها
المنفردة لمنطوق الحكم القاطع فى شأن تلك الرسوم ولو كان نهائياً، وكان من المقرر
أن كل حكم قطعى -ولو لم يكن نهائياً-يعد حائزاً لحجية الأمر المقضي . فإذا صار
نهائياً بامتناع الطعن فيه بطريق من طرق الطعن العادية ، غدا حائزاً لقوة الأمر
المقضي ، وكان الحكم فى هاتين الحالتين كلتيهما، لا يقوم على قرينة قانونية يجوز
التدليل على عكسها، بل يرتد إلى قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها
ولو بالإقرار أو اليمين، وكان مما ينافى قوة الحقيقة القانونية التي تكشفها
الأحكام القضائية ، وتعبر عنها، أن يخول المشرع جهة ما، أن تعدل من جانبها الآثار
القانونية التي رتبها الحكم القضائي ، ما لم تكن هذه الجهة قضائية بالنظر إلى
خصائص تكوينها، وكان موقعها من التنظيم القضائي ، يخولها قانوناً مراقبة هذا الحكم
تصويباً لأخطائه الواقعية أو القانونية أو كليهما معاً. فإذا لم تكن تلك الجهة
كذلك، فإن تعديل منطوق الحكم، أو الخروج عليه، يعد عدواناً على ولاية واستقلال
القضاء، وتعطيلاً لدوره فى مجال صون الحقوق والحريات على اختلافها بالمخالفة
للمادتين (65، 165) من الدستور.
يؤيد ذلك أن هذا
الاستقلال -في جوهر معناه وأبعاد آثاره-ليس مجرد عاصم من جموح السلطة التنفيذية
يكفها عن التدخل في شئون العدالة ، ويمنعها من التأثير فيها إضراراً بقواعد
إدارتها. بل هو فوق هذا، مدخل لسيادة القانون، بما يصون للشرعية بنيانها، ويرسم
تخومها. تلك السيادة التى كفلها الدستور بنص المادة (64)، وقرنها بمبدأ خضوع
الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة (65)، ليكونا معاً قاعدة للحكم فيها،
وضابطاً لتصرفاتها.
وحيث أن الدستور عزز كذلك
سيادة القانون، بنص المادة (72) التي صاغها بوصفها ضماناً جوهرياً لتنفيذ الأحكام
القضائية من قبل الموظفين المختصين، واعتبر امتناعهم عن إعمال مقتضاها، أو تعطيل
تنفيذها جريمة معاقباً عليها قانوناً. وما ذلك إلا توكيداً من الدستور لقوة
الحقيقة الراجحة التى يقوم عليها الحكم القضائي . وهى بعد حقيقة قانونية لا تجوز
المماراة فيها. ولا جَرَم في أن ما قرره النص المطعون فيه من أن لأقلام كتاب
المحاكم أن تقتضى الرسوم القضائية ممن ألزمهم الحكم النهائي بها، يفيد اختصاصها
بتحصيلها من غيرهم، وهو ما يعد انتحالاً لولاية الفصل فى الخصومة القضائية ،
وإهداراً لقوة الأمر المقضي التي تلازم الأحكام النهائية ولا تفارقها، ولو بعد
الطعن عليها.
وحيث إنه لا ينال مما
تقدم، قالة : أن الدستور خول السلطة التشريعية أن تعين لكل هيئة قضائية
اختصاصاتها، ذلك أن هذا التفويض المقرر بمقتضى نص المادة (167) من الدستور، لا
يعنى أكثر من مجرد الترخيص بتوزيع الولاية القضائية بأكملها فيما بين الهيئات
القضائية جميعها، لتنال كل منها قسطها أو نصيبها منها، وبما يحول بين السلطة
التشريعية وعزلها عن نظر منازعة بذاتها، مما كان ينبغي أصلاً أن تفصل فيها.
وحيث أن النص المطعون فيه
يخل كذلك بالحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة . ذلك أن اقتضاء الرسوم
القضائية من غير المحكوم عليه بها، مؤداه: أن تكون التزاماً ذا قيمة مالية سلبية ،
واقعاً عبؤه على غير المدين، ومجرداً ذمته المالية -وهى لا تتناول إلا مجموع
الحقوق والديون التى لها قيمة مالية - من بعض عناصرها الإيجابية باقتطاعها دون حق،
وبالمخالفة لنصوص الدستور التى تمد حمايتها إلى الأموال جميعها، باعتبار أن المال
هو الحق ذو القيمة المالية سواء أكان حقاً شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق
الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية ، ذلك أن الحقوق العينية التى تقع على عقار
-بما فى ذلك حق الملكية - تعتبر ما لاً عقارياً. أما الحقوق العينية التى تقع على
منقول، وكذلك الحقوق الشخصية -أياً كان محلها- فإنها تعد ما لاً منقولاً، بما
مؤداه: امتناع التمييز بين الحقوق الشخصية والحقوق العينية في مجال صونها من
العدوان، بما يردع مغتصبها، ويحول دون اغتيالها، أو تقويضها.
وحيث إنه متى كان ما
تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً لأحكام المواد (32، 34، 64، 65، 72، 165)
من الدستور.
فلهذه
الأسباب
حكمت المحكمة بعدم
دستورية المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق
فى المواد المدنية ، وذلك فيما تضمنته- قبل تعديلها بالقانون رقم 7 لسنة 1995- من
تخويل أقلام كتاب المحاكم، حق اقتضاء الرسوم القضائية من غير المحكوم عليه نهائياً
بها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق