الطعن 56 لسنة 34 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا
جلسة 2 / 12 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 49 مكرر هـ في 11 /12/ 2017 ص 3
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من ديسمبر سنة 2017م،
الموافق الثالث عشر من ربيع الأول سنة 1439هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو
وبولس فهمي إسكندر وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز
محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 56 لسنة 34
قضائية "دستورية".
------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن مطلقة المدعي أقامت ضده الدعوى رقم 752 لسنة 2011 أسرة العجوزة، طالبة الحكم
بإلزامه بأن يؤدي لها مبلغ عشرة آلاف جنيه، قيمة مؤخر صداقها، الثابت بعقد زواجهما
الشرعي المؤرخ 31/ 5/ 2003، وذلك على سند من القول بأنها كانت زوجته، وطلقت منه
طلاقا بائنا، بموجب حكم محكمة الأسرة الصادر بجلسة 24/ 11/ 2009، والمؤيد بالحكم
الصادر في الاستئناف رقم 245 لسنة 127ق بجلسة 9/ 2/ 2011، وإذ لم يقم المدعي، رغم
طلاق المذكورة منه، بأداء مبلغ مؤخر الصداق سالف التحديد، أقامت دعواها الموضوعية
بطلباتها سالفة البيان، وبجلسة 24/ 9/ 2011 قضت محكمة العجوزة لشئون الأسرة بإلزام
المدعي بأن يؤدي لمطلقته مبلغ عشرة آلاف جنيه، قيمة مؤخر صداقها، وألزمته
بالمصاريف ومبلغ 75 جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وإذ لم يرتض المدعي هذا الحكم، وأراد
الطعن عليه بالاستئناف، إلا أن قلم الكتاب رفض تسليمه صورة رسمية من الحكم
الابتدائي، إلا بعد سداد الرسوم القضائية المستحقة عن ذلك الحكم، والمقدرة بمبلغ
675 جنيها، الصادرة بالمطالبة رقم 8 لسنة 2011/ 2012.
وخشية فوات مواعيد الطعن، أضطر المدعي لسداد مبلغ المطالبة بموجب
القسيمة رقم 865787 في 31/ 10/ 2011. وعلى أثر ذلك، تمكن من الطعن على الحكم
الصادر ضده بالاستئناف رقم 14229 لسنة 128ق، وفي الوقت ذاته، عارض في أمر تقدير
الرسوم المشار إليه، وقيدت الأوراق برقم 1274 لسنة 2011 أسرة العجوزة، وطلب في
ختام صحيفة المعارضة الحكم بإلغاء أمر تقدير الرسوم رقم 8 لسنة 2011/ 2012 لعدم
صيرورة الحكم الصادر ضده، والمقدرة الرسوم على أساس ما قضى به، نهائيا، مع رد ما
تم سداده من رسوم. وأثناء نظر المعارضة دفع الحاضر عن المدعي بعدم دستورية الفقرة
الثانية من المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بشأن الرسوم أمام المحاكم
الشرعية، وإذ قدرت المحكمة - التي تنظر المعارضة في أمر التقدير - جدية دفعه،
وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، أقام دعواه المعروضة.
بتاريخ السادس والعشرين من أبريل سنة 2012، أقام المدعي هذه الدعوى
بإيداع صحيفتها، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم بعدم دستورية
الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام المحاكم
الشرعية، فيما تضمنته من أن الطعن في الحكم، بطريق الاستئناف، لا يحول دون تحصيل
الرسوم القضائية ممن حكم ابتدائيا بإلزامه بها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام
المحاكم الشرعية، معدلا بالقانون رقم 7 لسنة 1995، تنص على ما يأتي:
فقرة أولى: "يلزم المدعي بأداء الرسوم المستحقة، عند تقديم صحيفة
دعواه إلى قلم الكتاب، كما يلزم بأداء ما يستحق عنها من رسوم أثناء نظرها، وحتى
تاريخ قفل باب المرافعة فيها.
فقرة ثانية: وتصبح الرسوم التزاما على الطرف الذي ألزمه الحكم
بمصروفات الدعوى، وتتم تسويتها على هذا الأساس، ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه
الرسوم.
فقرة ثالثة: وتسلم للمحكوم له صورة تنفيذية من الحكم دون توقف على تحصيل
باقي الرسوم الملتزم بها الغير".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية –
مناطها ارتباطها عقلا بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون
الحكم في المسائل الدستورية، التي تطرح على هذه المحكمة، لازما للفصل في الطلبات
الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي الذي أثير الدفع بعدم الدستورية
بمناسبته، يتعلق بما إذا كان يجوز لقلم كتاب محكمة أسرة العجوزة أن يستصدر ضد
المدعي أمرا قضائيا بتقدير الرسوم النسبية، محسوبة على أساس ما حكم به عليه
ابتدائيا، ثم تنفيذ هذا الأمر جبرا، ودون تربص لقضاء المحكمة الاستئنافية التي
يعتبر حكمها في النزاع الموضوعي شرطا لجواز هذا التنفيذ، فإن نطاق الدعوى والمصلحة
فيها ينحصران فيما ورد بعجز الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 41 لسنة
1944 المشار إليه المطعون فيها، من أن الاستئناف لا يحول دون تحصيل الرسوم
القضائية ممن خسر الدعوى في مرحلتها الابتدائية.
وحيث إن المدعي ينعى على الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون
رقم 41 لسنة 1944 بشأن الرسوم أمام المحاكم الشرعية المطعون عليها، تخويلها قلم
كتاب المحكمة تحصيل الرسوم القضائية ممن خسر دعواه ابتدائيا، رغم أن استئنافها لا
زال ماثلا أمام جهة الطعن، مما يمثل إخلالا بحق الملكية، وبمبدأي الحماية
القانونية المتكافئة والخضوع للقانون، وكذلك إهدارا للحق في الدفاع، تأسيسا على أن
من خسر دعواه في مرحلتها الابتدائية، قد يكسبها استئنافيا، فلا تكون الرسوم التي
حصلها قلم كتاب المحكمة مستندة إلى حق، بل إن تحصيلها على هذا النحو يعني جواز
اقتضائها قسرا، ووقوع صراع بين خصوم الدعوى، إذا طلبها من حكم لمصلحته استئنافيا
من قلم كتاب المحكمة. كما أن إعمال تلك الفقرة يعتبر قيدا، كذلك، على حق التقاضي،
فلا يكون ولوج الطريق إليه معبدا، بالنظر إلى الأعباء المالية التي يتحملها
المواطن دون ضرورة، حال أن وظيفة القضاء من أولى المهام التي قامت الدولة عليها،
وحسبها أن تغطي نفقاتها من الخزانة العامة، مما يصم الفقرة المطعون عليها
بمخالفتها لأحكام المواد (34، 40، 64، 65، 68، 69) من دستور 1971.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين من حيث مطابقتها
للقواعد الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره،
إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلا - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون
الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور، تمثل
دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد
النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات،
باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها المدعي
للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفه نص
تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر
رقابتها على النص المطعون عليه – الذي ما زال قائما ومعمولا بأحكامه – من خلال
أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الناس جميعا لا يتمايزون فيما
بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية
والموضوعية التي تحكم الخصومة عينها، ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها
الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند
توافر شروط طالبها، ولا في طرق الطعن التي تنتظمها. كذلك لا يجوز أن يكون النفاذ
إلى القضاء محملا بأعباء مالية أو إجرائية تقيد أو تعطل أصل الحق فيه، ولا أن يكون
منظما بنصوص قانونية ترهق الطريق إليه، وتجعل من التداعي مخاطرة لا تؤمن عواقبها،
متضمنا تكلفة تفتقر إلى سببها، نائيا عما يعتبر إنصافا في مجال إيصال الحقوق إلى
أصحابها، أو مفتقر إلى الضوابط المنطقية التي يحاط اقتضاء الحق بها.
وحيث إن الأصل في الخصومة القضائية ألا تكون نفقاتها عبئا إلا على من
صار ملزما بها بمقتضى حكم نهائي، ذلك أن الحقوق المتنازع عليها يظل أمرها قلقا قبل
الفصل نهائيا في الخصومة القضائية، فإذا صار الحكم الصادر بشأنها نهائيا، غدا
حائزا لقوة الأمر المقضي، مؤكدا للحقيقة الراجحة التي قام عليها والتي لا تجوز
المماراة فيها، منطويا على قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها ولو
بالإقرار أو اليمين، لازما تنفيذه إعمالا لمبدأ الخضوع للقانون، فلا يجوز تعديل
الحقوق التي قررها ولا الآثار التي رتبها، ما دام هذا الحكم قائما. بل إن الامتناع
عن تنفيذه من قبل الموظفين العموميين المكلفين بذلك، يعد جريمة معاقبا عليها وفقا
لأحكام الدستور.
وحيث إن مساواة المواطنين أمام القانون، ويندرج تحتها تساويهم أمام
القضاء، مؤداها أن الحقوق عينها ينبغي أن تنتظمها قواعد موحدة، سواء في مجال
التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها أو استئدائها. وكلما كان التمييز في مجال طلبها من
خلال الخصومة القضائية؛ أو اقتضائها بعد الفصل فيها غير مبرر؛ كان هذا التمييز
منهيا عنه دستوريا. وكان من المقرر أنه لا يجوز تنفيذ الأحكام جبرا كلما كان الطعن
فيها استئنافيا جائزا، ما لم يكن الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل في الأحوال التي
حددها المشرع حصرا. متى كان ذلك، وكان ما تقرر بالفقرة المطعون عليها في شأن
الخصومة القضائية من جواز اقتضاء مصروفاتها جبرا قبل الفصل استئنافيا في الحق
المتنازع عليه، مؤداه: أن تعتبر مصروفاتها هذه - في مجال استيفائها قسرا - واقعة
في منطقة النفاذ المعجل، ملحقة على خلاف أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية،
بالأحوال التي حددها لوجوب النفاذ المعجل أو لجوازه، مشبهة حكما بها. وكانت الفقرة
المطعون عليها تغاير – بنصها – بين حقوق آحاد الناس، التي يعتبر ثبوتها بحكم نهائي
لازما للحمل على أدائها؛ وتلك التي لا يكون صدور هذا الحكم شرطا لاقتضائها جبرا
إذا طلبتها الجهة الإدارية لنفسها؛ فإن نص هذه الفقرة يكون مؤكدا لأفضلية كفلتها
دون مسوغ لهذه الجهة، فلا يستقيم حكمها ومبدأ المساواة الذي كفلته المادتان (4،
53) من الدستور.
وحيث إن حق الدفاع الذي كفلته المادة (98) من الدستور - وعلى ما جرى
به قضاء هذه المحكمة – وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها؛
وتقويم مسارها؛ ومتابعة إجراءاتها؛ وعرض حججها بما يكفل تساند دعائمها، والرد على
ما يناهضها؛ وإدارة دفاع مقتدر بيانا لوجه الحق فيما يكون مهما من المسائل التي
تثيرها الخصومة القضائية، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحا
لأكثرها اتصالا بها، وأقواها احتمالا في مجال كسبها، مع دعمها بما يكون منتجا من
الأوراق. وكان التقاضي على درجتين – وكلما كان مقررا بنصوص قانونية آمرة – يعني أن
للخصومة القضائية مرحلتين لا تبلغان نهايتهما إلا بعد الفصل استئنافيا فيها؛ ومن
ثم، فإن حق الدفاع ينبسط بالضرورة على هاتين المرحلتين باعتبارهما متكاملتين
ومحددتين للخصومة القضائية محصلتها الختامية في شأن الحقوق المتنازع عليها؛ بما
لازمه إن مصروفاتها لا يجوز أن يتحملها غير من خسر نهائيا هذه الحقوق.
وحيث إن إرساء دعائم الحق والعدل، وإن كان هدفا نهائيا ووحيدا للوظيفة
القضائية، إلا أن المشرع وازن بين دورها الأصيل في مجال إيصال الحقوق إلى أصحابها
دون نقصان، وبين أن يتخذها البعض مدخلا الإرهاق من يطلبون هذه الحقوق وإعناتهم،
انحرافا بالخصومة القضائية عن مسارها، بما يؤكد مجاوزتها الأغراض التي شرع من
أجلها حق التقاضي، الذي كفلته المادة (97) من الدستور للكافة، وكان لازما بالتالي
ألا تكون مصروفاتها عبئا على من أقامها، كلما كان محقا فيها. فإذا خسر دعواه ابتدائيا،
ظل النضال من أجل الحقوق التي طلبها ممتدا إلى المرحلة التي تليها، باعتبار أن
التقاضي على درجتين، يعتبر أصلا ينتظم التداعي في أعم الأحوال وأغلبها. وبغير
استنفادهما معا، يظل مصير الحقوق المدعي بها مترددا بين ثبوتها وانتفائها؛ ولا
يكون مسار الخصومة القضائية مكتملا ولا محددا مراكز أطرافها، ومن يكون منهم متحملا
بمصروفاتها.
وحيث إن ذلك مؤداه: أن للخصومة القضائية خاتمتها الطبيعية التي تبلغها
عند الفصل نهائيا في الحقوق المتنازع عليها. واقتضاء مصروفاتها قبل استقرار الحق
فيها - وذلك في غير الأحوال التي يلزم فيها القانون استثناء من سعى بالخصومة
القضائية إلى غير وجهتها، منحرفا بها عن أهدافها بمصروفاتها، ولو صار كاسبا لدعواه
- إنما يعرض الملاحقين بها لمخاطر لا يستهان بها، يندرج تحتها تحصيلها قبل أوانها
جبرا وإداريا باعتبارها دينا يجرد ذممهم المالية - التي لا تتناول إلا مجموع
الحقوق التي يملكونها والديون التي يتحملون بها - من بعض عناصرها الإيجابية، فلا
يكون اقتطاعها منها بحق، بل عبئا سلبيا واقعا عليها دون سند، مما يخل بالأحكام
التي تضمنتها المادتان (33، 35) من الدستور اللتان تمدان الحماية المقررة بهما إلى
الأموال جميعها، لا تمييز في ذلك بين ما يكون منها من قبيل الحقوق الشخصية أو
الحقوق العينية أو حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، ذلك أن الحقوق العينية
التي تقع على عقار - بما في ذلك حق الملكية - تعتبر مالا عقاريا. أما الحقوق
العينية التي تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية – أيا كان محلها – فإنها تعد
مالا منقولا، فلا يكون اغتيالها أو تقويض أسسها، إلا عدوانا عليها ينحل بهتانا،
وينبغي أن يكون عصفا مأكولا.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على التوكيد على العدل
باعتباره أساسا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعلت المادة
(27) منه العدالة الاجتماعية أحد أهداف النظام الاقتصادي للدولة، وألزمت الدولة
بمراعاة إقامة نظام ضريبي عادل، وفي هذا الإطار حرصت المادة (38) من الدستور على
كفالة تحقيق العدالة الاجتماعية باعتبارها أحد أهداف النظام الضريبي وغيره من
التكاليف العامة، ليضحى العدل محددا من منظور اجتماعي أساسا لها، لا يقتصر على شكل
دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها، بل تكون ضرائبها
ورسومها سواء في تقيدها بمفهوم العدل محددا على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة
وفق ما تراه حقا وإنصافا؛ وكانت الخصومة القضائية هي الإطار الوحيد لاقتضاء الحقوق
التي ماطل المدين بها في أدائها؛ وكان النزاع الموضوعي في شأن هذه الحقوق لا ينحسم
بغير الحكم النهائي الصادر في هذه الخصومة، فإن مصروفاتها يتعين أن ترتبط بما
انتهى إليه من قضاء. ولئن صح القول بأن الرسوم القضائية التي يستوفيها قلم كتاب
المحكمة بعد الفصل ابتدائيا في الخصومة القضائية، إنما يعاد تسويتها على ضوء الحكم
النهائي الصادر فيها، إلا أن المرحلة الاستئنافية قد تمتد زمنا طويلا، فلا يكون من
خسر دعواه بحكم ابتدائي إلا غارما لمصروفاتها ولو كان بقاء أو زوال هذا الحكم ما
فتئ معلقا، فلا تتصل يده بالتالي بالأموال التي دفعها، بل تظل منحسرة عنها دون حق،
يناضل من أجل استعادتها حتى بعد صدور الحكم النهائي لمصلحته.
وتلك مخاطر لا يجوز التهوين منها، لاتصالها بمراكز مالية ينبغي صونها،
وبحقوق قد يكون ملتزما بأدائها لغيره، وكذلك بفرص العمل وبقواه في مجال الاستثمار،
ولا يعتبر ذلك إنصافا في مجال تطبيق نص المادة (38) من الدستور.
وحيث إن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، حدها قواعد
الدستور التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، بما ينال من الحق محل الحماية
أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا يتنفس إلا من خلالها، فلا
يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية، فإذا انبسط المشرع عليها أو تداخل
معها، كما نهج المشرع بالنص المطعون فيه، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده،
ويمس أصله وجوهره، بما يقع بالمخالفة لنص المادة (92) من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الفقرة المطعون عليها - في الحدود المتقدم
بيانها - تكون مخالفة لأحكام المواد (4، 33، 35، 38، 53، 92، 97، 98) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الثانية من المادة (15) من
القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام المحاكم الشرعية، معدلا بالقانون رقم 7
لسنة 1995، فيما نص عليه من أنه "ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه
الرسوم"، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق