جلسة 7 من ديسمبر سنة 2011
برئاسة
السيد القاضي / مجدي أبو العلا نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عبد
الفتاح حبيب ، حسن الغزيري نائبي رئيس المحكمة، ناجي عز الدين وأبو الحسين فتحي .
-----------
(71)
الطعن 7060 لسنة 79 ق
(1)
إثبات
" بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة
لواقعة الدعوى " .
استخلاص
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها. موضوعي . شرط ذلك؟
مثال .
(2)
مواد
مخدرة . قانون " تفسيره " .
الزراعة المنهي عنها . مدلولها ؟
(3)
مواد مخدرة . إثبات " قرائن " . قانون " . تفسيره " . مسئولية
جنائية . حكم " تسبيبه. تسبيب معيب " .
خلو القانون رقم 182 لسنة 1960 من النص على
مسئولية مالك الأرض المفترضة في حالة زراعتها بالنباتات الممنوعة . مفاده ؟
مجرد ملكية أو حيازة الطاعنين للأرض المزروع
بها النبات المخدر . غير دال بذاته على مباشرتهما لزراعته . القول بغير ذلك . خطأ
في تطبيق القانون . أساس ذلك ؟
(4) مواد مخدرة .
إثبات " بوجه عام " " قرائن " . استدلالات . محكمة الموضوع
" سلطتها في تقدير الدليل . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب ".
إيراد التحريات قيام الطاعنين
بزراعة النبات المخدر في الأرض محل الضبط . لا يصلح وحده دليلاً يعول عليه . علة
ذلك ؟
لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين
عقيدتها على التحريات باعتبارها معززه لما ساقته من أدلة. حد ذلك ؟
(5) مواد مخدرة . دفوع " الدفع بانعدام السيطرة على
مكان الضبط " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . دفاع " الإخلال
بحق الدفاع . ما يوفره ".
متابعة المحكمة المتهم في مناحي
دفاعه المختلفة . غير لازم . حد ذلك ؟
دفاع الطاعنين بانعدام سيطرتهما
على مكان ضبط اللفافات المخدرة . جوهري . وجوب مواجهة الحكم له بما يحمل إطراحه له
. مخالفة ذلك . قصور .
مثال .
(6) مواد مخدرة . استدلالات . إثبات " خبرة "
" شهود " " . حكم " ما يعيبه في نطاق التدليل". دفاع
" الإخلال بحق الدفاع . ما يوفره ". نقض " أسباب الطعن . ما يقبل
منها "
طلب
الطاعنين ندب خبير لبيان الزارع الفعلي للأرض محل الضبط . دفاع جوهري . علة ذلك ؟
عدم اتخاذ
المحكمة ما تراه من الوسائل لتحقيق الدفع . إخلال بحق الدفاع المشوب بالفساد في الاستدلال
.
(7) مواد
مخدرة . استدلالات . إثبات " بوجه عام " " قرائن " قصد جنائي
. حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما
يوفره ". نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها "
جريمة زراعة النباتات المخدرة
من الجرائم ذات القصود الخاصة . القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل .
استظهار القصد من الجريمة .
موضوعي . حد ذلك ؟
الأحكام
يجب أن تبنى على الأدلة التي اقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته . مفاد
ذلك ؟
التحريات لا تصلح وحدها لأن
تكون دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة بعناصرها .
مثال لتسبيب معيب على توافر
القصد الخاص في جريمة زراعة النباتات المخدرة .
ـــــــــــــــــــ
1-
لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بقوله "حيث إن واقعات الدعوى
حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليه وجدانها مستخلصة من مطالعة سائر أوراقها
وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أنه نفاذاً لخطة
وزارة الداخلية في تأمين منطقة النخيلة دائرة مركز ... وفرض السيطرة الأمنية بها
وضبط العناصر المشهور عنها زراعة النباتات المخدرة بقصد الاتجار من متحصلاتها من
المواد المخدرة وفى يوم ... وحال مرافقة المقدم ... المفتش بالإدارة العامة
لمكافحة المخدرات بــ... للقوات التي تقوم بتمشيط المنطقة وبمرورهم بحوض المالحة
القصيرة زمام قرية ... تم ضبط مساحة من الأرض قدرها فدان وتسعة قراريط مملوكة
للمتهمين ... وشقيقه ... منزرعة بنبات القنب المخدر وسط زراعات الفول البلدي
وتوصلت تحرياته السرية إلى أن المتهمين المذكورين هما الحائزان الفعليان للمساحة
محل الضبط وأنهما القائمان بزراعتها بقصد الاتجار وتم التحفظ عليها بمعرفة قوات الأمن
وأخطرت النيابة العامة فانتقلت وأثناء قيام النيابة العامة بإجراء المعاينة وحال
قيام المقدم ... باستكمال التمشيط عثر على عدد 172 لفافة ورقية من فارغ شكائر الإسمنت
وعلى كل لفافة منها لاصق بيج وبداخل كل منها كمية من نبات أخضر جاف ثبت من التحليل
الكيماوي أنها لنبات القنب المخدر وذلك قرب نهاية مساحة الأرض محل الضبط من
الناحية القبلية الشرقية وثبت من معاينة النيابة العامة لمكان الضبط أن النباتات
المضبوطة والتي ثبت من التحليل الكيماوي أنها لنبات القنب المخدر متصلة بالأرض محل
الضبط اتصالاً طبيعياً وغالبيتها مكتملة النمو بأطوال تتراوح ما بين 120 سم إلى
140 سم وأنها منزرعة بصورة منتظمة في هيئة صفوف طولية وبكثافة متوسطة داخل جميع
المساحة ويفصل بين الشجيرات وبعضها البعض مساحة حوالى 25 سم تقريباً وأن زراعات
الفول البلدي بارتفاع حوالى 140 سم وأنه يوجد مصدر ري لتلك الزراعات من خلال
ماكينة ري متواجدة في منتصف الزراعات بالحد البحري " . لما كان ذلك , ولئن
كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها ، إلا أن
ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً ، وأن يكون الدليل الذى تعول عليه مؤدياً إلى
ما رتبته عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق
.
2- لما كان
مدلول الزراعة المنهى عنها يشمل وضع البذور في الأرض وما يتخذ نحو البذر من أعمال
التعهد المختلفة اللازمة للزرع إلى حين نضجه وقلعه .
3- لما كان خلو القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات
وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 من النص على
مسئولية مفترضة بالنسبة لمالك الأرض التي تزرع فيها النباتات الممنوعة , مما مفاده
أنه يتعين لعقابه بالتطبيق لأحكام ذلك القانون أن يثبت ارتكابه الفعل المؤثم وهو
مباشرة زراعة النبات . وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى إدانة الطاعنين
بجريمة زراعة نبات الحشيش المخدر بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً
, على سند من أقوال شهود الواقعة من أن الطاعنين هما الحائزان للأرض محل الضبط ,
وهو ما لا يجزئ عن ضرورة بيان مدى مباشرة الطاعنين زراعة النبات المخدر على السياق
المتقدم ذلك أن مجرد ملكية أو حيازة الطاعنين للأرض المزروع بها النبات المخدر
بفرض صحتها لا يدل بذاته على مباشرتهما لزراعة النبات المخدر ، والقول بغير ذلك
فيه إنشاء لقرينة قانونية مبناها افتراض حيازة وزراعة المخدر من واقع حيازة أو ملكية الأرض المضبوط عليها أو فيها وهو
ما لا يمكن إقراره قانوناً ما دام أن ثبوت الجريمة يجب أن يكون فعلياً لا
افتراضياً .
4- لما كان ما ورد
بالتحريات من أن الطاعنين يقومان بزراعة النبات المخدر في الأرض محل الضبط إذ إنه
لا يصلح وحده دليلاً يعول عليه في شأن مباشرتهما زراعة النبات المخدر بتلك الأرض
والعلم بحقيقة أمره لما هو مقرر أنه ولئن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين
عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة
على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على
ثبوت التهمة , ومن ثم فإن تدليل
الحكم المطعون فيه يكون في نطاق ما سلف غير سائغ وقاصراً عن حمل قضائه .
5- لما كان
الأصل أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة ، إلا أنه
يتعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على
وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها وأنها اطرحت دفاع الطاعن وهى على بينة
من أمره ، وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعنين بانعدام سيطرتهما على مكان ضبط اللفافات
المخدرة واطرحه بقوله " وحيث إنه وعما يثيره دفاع المتهمين من انعدام سيطرة
المتهمين على اللفافات المضبوطة لأن مكان ضبطهما مطروق للكافة ويمكن للغير الوصول
إليه فمردود بأن المحكمة تستخلص من أقوال شهود الإثبات بتحقيقات النيابة العامة السالف
بيانها ويقر في يقينها ويطمئن وجدانها إلى أن المتهمين يحوزان الأرض محل الضبط
ويضعان اليد عليها ويقومان بزراعتها ومباشرتها ولا يشاركهما في ذلك أحد ولا يمكن
للغير الوصول إليها وسلطانهما مبسوط عليها ومن ثم فإن اللفافات المضبوطة بها فهي
في حوزتهما حيازة كاملة ويضحى ما يثيره الدفاع في هذا الشأن غير سديد بما يستوجب
الالتفات عنه " . لما كان ذلك , وكان ما أورده الحكم فيما تقدم لا
يكفى بذاته لدحض دفاع الطاعنين سالف البيان , ذلك بأن ضبط لفافات المخدر بالأرض
حيازة الطاعنين لا ينفي ما دفعا به من أن تلك الأرض مطروقة للكافة , إضافة إلى أن
الحكم لم يوضح كيف انتهى إلى عدم إمكان الغير الوصول إليها مع ما أورده في تحصيله
الواقعة من أن شاهد الإثبات المقدم ... قد تمكن وقوة الشرطة من دخول الأرض حيث
باشر ضبط ما عليها وما في باطنها من نبات مؤثم دون أن يذكر أن مكان الضبط لم يكن
مكشوفاً أو مسوراً أو أن هناك ما عاقه وقواته عن الوصول إليه ودخوله أياً ما كان
نوع العائق وأنه تمكن من اجتيازه، الأمر الذى كان يتعين معه على الحكم أن يواجه
دفاع الطاعنين الذى يعد في واقعة الدعوى دفاعاً جوهرياً بما يحمل اطراحه له , أما
وهو لم يفعل استناداً لما سلف بيانه , فإنه يكون قد تعيب في هذا الخصوص بالفساد
والقصور .
6- لما كان الحكم قد عرض لطلب الطاعنين ندب خبير لبيان الزارع الفعلي
للأرض محل الضبط للتدليل على نفى صلتهما بها وعدم سيطرتهما المادية عليها بما
يناقض أقوال شهود الإثبات واطرحه في قوله " وحيث إنه عن طلب دفاع المتهمين
بإحالة الدعوى لمكتب الخبراء فإنه من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالالتجاء إلى
أهل الخبرة ما دامت قد وضحت لديها الدعوى , ولما كانت الدعوى بحالتها كافية لتكوين
عقيدة المحكمة فإنها ترفض هذا الطلب " . لما كان ذلك , وكان الحكم قد شابه
بداءة الغموض والقصور في التدليل على زراعة الطاعنين الأرض محل الضبط بالمخدر
وتخبئته فيها على نحو ما سلف والتفت في آن واحد عن طلبهما ندب خبير لبيان الزارع
الفعلي لتلك الأرض وهو يعد في خصوصية هذه الدعوى دفاعاً جوهرياً لتعلقه بالدليل
المقدم فيها المستمد من أقوال شهود الإثبات المراد نفيها عن طريق بحث الخبير مما
من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى ، وكان يقتضى من المحكمة أن تتخذ
ما تراه من الوسائل لتحقيقه ، ومن ثم يكون ما جاء بحكمها عن وضوح الدعوى لديها من
قبيل المصادرة على المطلوب والحكم على الدليل قبل تحقيقه , فإن الحكم يكون فوق
إخلاله بحق الدفاع مشوباً بالفساد في الاستدلال .
7ــــ لما كان
الحكم قد عرض لتوافر قصد الاتجار من زراعة النبات المخدر وحيازته في قوله "
وحيث إنه عن قصد المتهمين من حيازة وزراعة النبات المخدر المضبوط فإن المحكمة
تطمئن تمام الاطمئنان إلى ما جاء بأقوال ضابط الواقعة الشاهد الأول من أن المتهمين
يحوزان اللفافات المضبوطة ويقومان بزراعة الأرض محل الضبط بالنبات المخدر المضبوط
بقصد الاتجار وتستخلص هذا القصد من ظروف الواقعة وملابساتها وتطمئن تمام الاطمئنان
ويستقر في يقينها ويطمئن وجدانها إلى أن المتهمين قاما بحيازة اللفافات المضبوطة
وزراعة النباتات المخدرة المضبوطة بقصد الاتجار" . لما كان ذلك , وكان
القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها
المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والذى يحكم واقعة الدعوى قد جعل جريمة زراعة
النباتات المخدرة الواردة في الجدول رقم 5 المرافق للقانون المذكور من الجرائم ذات
القصود الخاصة حين اختط عند الكلام على العقوبات خطة تهدف إلى التدرج
فيها ، ووازن بين ماهية كل من القصود التي يتطلبها القانون في الصور المختلفة
لجريمة زراعة هذه النباتات وقدَّر لكل منها العقوبة التي تناسبها . ولما كان لازم
ذلك وجوب استظهار القصد الخاص في هذه الجريمة لدى الطاعنين ، وكان استظهار القصد
من إحراز وزراعة المخدر لاستخلاص الواقع من توافر قصد الاتجار فيه أو انتفائه ,
وإن كان من شئون محكمة الموضوع تستقل بالفصل فيه بغير معقب إلا أن حد ذلك أن يكون
هذا الاستخلاص سائغاً من شأن ظروف الواقعة وقرائن الأحوال فيها أن يؤدى إليه ,
وكان الحكم المطعون فيه قد قال باستخلاصه قصد الاتجار من ظروف الواقعة وملابساتها
دون أن يكشف عن الظروف أو يبين تلك الملابسات التي تساند إليها في ثبوت قصد
الاتجار كما وأنه لا يكفى لتوافره مجرد قول لضابط الواقعة بما أسفرت عنه تحرياته
السرية بحيازة الطاعنين للمخدر المضبوط وقيامهما بزراعته أو تخزينه في الأرض محل
الضبط بقصد الاتجار ، ذلك أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها
القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته , صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من
التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون
أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً
لسواه ، وقد سبق الإلماع إلى أن تحريات الشرطة لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً
أساسياً على ثبوت التهمة بعناصرها . وكانت المحكمة قد دانت الطاعنين بجريمة زراعة
نبات الحشيش المخدر وحيازته بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وطبقت
عليهما المادتين 33/ج , 34/أ من القانون المشار إليه , من غير أن تستظهر توافر
القصد الخاص وهو قصد الاتجار لدى الطاعنين ، فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور.
ـــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: أولاً
: حازا بقصد الاتجار جوهراً مخدراً " الحشيش " وذلك في غير الأحوال
المصرح بها قانوناً . ثانياً : زرعا بقصد الاتجار " نبات الحشيش " وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً . وأحالتهما إلى محكمة جنايات ...
لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة . والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً
بالمواد 1 ، 2 ، 7/ 1 ، 28 ، 33 /1 بند ج ، 34 /1 بند أ ، 42 من القانون رقم 182 لسنة
1960 المعدل والبند رقم (56) من القسم الثاني من
الجدول رقم (1) والبند رقم (1) من الجدول رقم (5) الملحقين مع إعمال أحكام المادتين 17 ، 32 من قانون العقوبات
بمعاقبة كل منهما بالسجن المؤبد وتغريمهما مبلغ مائة ألف جنيه مع مصادرة المخدر
المضبوط وكذا الأرض محل زراعة المخدر المضبوط والبالغ مساحتها فداناً وتسعة قراريط
. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض .
ـــــــــــــــــــ
المحكمة
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما
بجريمتي زراعة نبات الحشيش المخدر وحيازته بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها
قانوناً . قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على الإخلال بحق
الدفاع . ذلك أنه لم يبيِّن الواقعة المستوجبة للعقوبة ، ورد على دفوعهما بعدم
قيامهما بزراعة النبات المخدر المضبوط وانتفاء صلتهما بالأرض محل الضبط وانعدام
سيطرتهما على مكان ضبط لفافات المخدر المضبوط بما لا يسوغ ، والتفت عن طلبهما
ندب خبير للوقوف على الزارع الفعلي للأرض التي ضبط عليها وفيها المخدر ، ولم يدلل على توافر قصد الاتجار في حقهما تدليلاً سائغاً , كل ذلك مما يعيب الحكم
المطعون فيه بما يستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم
المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بقوله "حيث إن واقعات الدعوى حسبما استقرت في يقين
المحكمة واطمأن إليه وجدانها مستخلصة من مطالعة سائر أوراقها وما تم فيها من
تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أنه نفاذاً لخطة وزارة الداخلية
في تأمين منطقة ... مركز ... وفرض السيطرة الأمنية بها وضبط العناصر المشهور عنها
زراعة النباتات المخدرة بقصد الاتجار من متحصلاتها من المواد المخدرة وفى يوم ... وحال
مرافقة المقدم ... المفتش بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات ... للقوات التي تقوم
بتمشيط المنطقة وبمرورهم بحوض ... زمام قرية ... تم ضبط مساحة من الأرض قدرها فدان
وتسعة قراريط مملوكة للمتهمين ... وشقيقه ... منزرعة بنبات القنب المخدر وسط
زراعات الفول البلدي وتوصلت تحرياته السرية إلى أن المتهمين المذكورين هما
الحائزان الفعليان للمساحة محل الضبط وأنهما القائمان بزراعتها بقصد الاتجار وتم
التحفظ عليها بمعرفة قوات الأمن وأخطرت النيابة العامة فانتقلت وأثناء قيام النيابة
العامة بإجراء المعاينة وحال قيام المقدم ... باستكمال التمشيط عثر على عدد 172
لفافة ورقية من فارغ شكائر الإسمنت وعلى كل لفافة منها لاصق بيج وبداخل كل منها
كمية من نبات أخضر جاف القنب المخدر وذلك قرب نهاية مساحة الأرض محل الضبط من
الناحية القبلية الشرقية وثبت من معاينة النيابة العامة لمكان الضبط أن النباتات
المضبوطة والتي ثبت من التحليل الكيماوي أنها لنبات القنب المخدر متصلة بالأرض محل
الضبط اتصالاً طبيعياً وغالبيتها مكتملة النمو بأطوال تتراوح ما بين 120 سم إلى
140 سم وأنها منزرعة بصورة منتظمة في هيئة صفوف طولية وبكثافة متوسطة داخل جميع
المساحة ويفصل بين الشجيرات وبعضها البعض مساحة حوالى 25 سم تقريباً وأن زراعات
الفول البلدي بارتفاع حوالى 140 سم وأنه يوجد مصدر ري لتلك الزراعات من خلال
ماكينة ري متواجدة في منتصف الزراعات بالحد البحري " . لما كان ذلك , ولئن
كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها إلا أن
ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً ، وأن يكون الدليل الذى تعول عليه مؤدياً إلى
ما رتبته عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق
. ولما كان مدلول الزراعة المنهي عنها يشمل وضع البذور في الأرض وما يتخذ نحو
البذر من أعمال التعهد المختلفة اللازمة للزرع إلى حين نضجه وقلعه , وكان القانون
رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل
بالقانون رقم 122 لسنة 1989 قد خلا من النص على مسئولية مفترضة بالنسبة لمالك
الأرض التي تزرع فيها النباتات الممنوعة , مما مفاده أنه يتعين لعقابه بالتطبيق
لأحكام ذلك القانون أن يثبت ارتكابه الفعل المؤثم وهو مباشرة زراعة النبات . وإذ
كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى إدانة الطاعنين بجريمة زراعة نبات الحشيش المخدر
بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ، على سند من أقوال شهود الواقعة
من أن الطاعنين هما الحائزان للأرض محل الضبط , وهو ما لا يجزئ عن ضرورة بيان مدى
مباشرة الطاعنين زراعة النبات المخدر على السياق المتقدم ذلك أن مجرد ملكية أو
حيازة الطاعنين للأرض المزروع بها النبات المخدر بفرض صحتها لا يدل بذاته على
مباشرتهما لزراعة النبات المخدر ، والقول بغير ذلك فيه إنشاء لقرينة قانونية
مبناها افتراض حيازة وزراعة المخدر من واقع حيازة أو ملكية الأرض المضبوط عليها أو
فيها وهو ما لا يمكن إقراره قانوناً ما دام أن ثبوت الجريمة يجب أن يكون فعلياً لا
افتراضياً , ولا يغير من ذلك ما ورد بالتحريات من أن الطاعنين يقومان بزراعة
النبات المخدر في الأرض محل الضبط إذ إنه لا يصلح وحده دليلاً يعول عليه في شأن
مباشرتهما زراعة النبات المخدر بتلك الأرض والعلم بحقيقة أمره لما هو مقرر أنه
ولئن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة
لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها
لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة , ومن ثم فإن تدليل الحكم
المطعون فيه يكون في نطاق ما سلف غير سائغ وقاصراً عن حمل قضائه . لما كان ذلك ,
ولئن كان الأصل أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة ، إلا
أنه يتعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها
على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها وأنها اطرحت دفاع الطاعن وهى على
بينة من أمره ، وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعنين بانعدام سيطرتهما على مكان ضبط
اللفافات المخدرة واطرحه بقوله "وحيث إنه وعما يثيره دفاع المتهمين من انعدام
سيطرة المتهمين على اللفافات المضبوطة لأن مكان ضبطهما مطروق للكافة ويمكن للغير
الوصول إليه فمردود بأن المحكمة تستخلص من أقوال شهود الإثبات بتحقيقات النيابة
العامة السالف بيانها ويقر في يقينها ويطمئن وجدانها إلى أن المتهمين يحوزان الأرض
محل الضبط ويضعان اليد عليها ويقومان بزراعتها ومباشرتها ولا يشاركهما في ذلك أحد
ولا يمكن للغير الوصول إليها وسلطانهما مبسوط عليها ومن ثم فإن اللفافات المضبوطة
بها فهي في حوزتهما حيازة كاملة ويضحى ما يثيره الدفاع في هذا الشأن غير سديد بما
يستوجب الالتفات عنه " . لما كان ذلك , وكان ما أورده الحكم فيما تقدم لا
يكفى بذاته لدحض دفاع الطاعنين سالف البيان ذلك بأن ضبط لفافات المخدر بالأرض
حيازة الطاعنين لا ينفى ما دفعا به من أن تلك الأرض مطروقة للكافة , إضافة إلى أن
الحكم لم يوضح كيف انتهى إلى عدم إمكان الغير الوصول إليها مع ما أورده في تحصيله
الواقعة من أن شاهد الإثبات المقدم ... قد تمكن وقوة الشرطة من دخول الأرض حيث
باشر ضبط ما عليها وما في باطنها من نبات مؤثم دون أن يذكر أن مكان الضبط لم يكن
مكشوفاً أو مسوراً أو أن هناك ما عاقه وقواته عن الوصول إليه ودخوله أياً ما كان
نوع العائق وأنه تمكن من اجتيازه، الأمر الذى كان يتعين معه على الحكم أن يواجه
دفاع الطاعنين الذى يعد في واقعة الدعوى دفاعاً جوهرياً بما يحمل اطراحه له , أما
وهو لم يفعل استناداً لما سلف بيانه , فإنه يكون قد تعيب في هذا الخصوص بالفساد
والقصور لما كان ذلك , وكان الحكم قد عرض لطلب الطاعنين ندب خبير لبيان الزارع
الفعلي للأرض محل الضبط للتدليل على نفى صلتهما بها وعدم سيطرتهما المادية عليها
بما يناقض أقوال شهود الإثبات واطرحه في قوله : " وحيث إنه عن طلب دفاع
المتهمين بإحالة الدعوى لمكتب الخبراء فإنه من المقرر أن المحكمة غير ملزمة
بالالتجاء إلى أهل الخبرة ما دامت قد وضحت لديها الدعوى , ولما كانت الدعوى بحالتها كافية
لتكوين عقيدة المحكمة فإنها ترفض هذا الطلب " . لما كان ذلك وكان الحكم قد شابه
بداءة الغموض والقصور في التدليل على زراعة الطاعنين الأرض محل الضبط بالمخدر
وتخبئته فيها على نحو ما سلف والتفت في آن واحد عن طلبهما ندب خبير لبيان الزارع
الفعلي لتلك الأرض وهو يعد في خصوصية هذه الدعوى دفاعاً جوهرياً لتعلقه بالدليل
المقدم فيها المستمد من أقوال شهود الإثبات المراد نفيها عن طريق بحث الخبير مما
من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى ، وكان يقتضى من المحكمة أن تتخذ
ما تراه من الوسائل لتحقيقه ، ومن ثم يكون ما جاء بحكمها عن وضوح الدعوى لديها من
قبيل المصادرة على المطلوب والحكم على الدليل قبل تحقيقه , فإن الحكم يكون فوق
إخلاله بحق الدفاع مشوباً بالفساد في الاستدلال . لما كان ذلك , وكان الحكم قد عرض
لتوافر قصد الاتجار من زراعة النبات المخدر وحيازته في قوله " وحيث إنه عن
قصد المتهمين من حيازة وزراعة النبات المخدر المضبوط فإن المحكمة تطمئن تمام
الاطمئنان إلى ما جاء بأقوال ضابط الواقعة الشاهد الأول من أن المتهمين يحوزان
اللفافات المضبوطة ويقومان بزراعة الأرض محل الضبط بالنبات المخدر المضبوط بقصد
الاتجار وتستخلص هذا القصد من ظروف الواقعة وملابساتها وتطمئن تمام الاطمئنان
ويستقر في يقينها ويطمئن وجدانها إلى أن المتهمين قاما بحيازة اللفافات المضبوطة
وزراعة النباتات المخدرة المضبوطة بقصد الاتجار" . لما كان ذلك , وكان
القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها
المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والذى يحكم واقعة الدعوى قد جعل جريمة زراعة النباتات
المخدرة الواردة في الجدول رقم 5 المرافق للقانون المذكور من الجرائم ذات القصود
الخاصة حين اختط عند الكلام على العقوبات خطة تهدف إلى التدرج فيها ، ووازن بين
ماهية كل من القصود التي يتطلبها القانون في الصور المختلفة لجريمة زراعة هذه
النباتات وقدَّر لكل منها العقوبة التي تناسبها . ولما كان لازم ذلك وجوب استظهار
القصد الخاص في هذه الجريمة لدى الطاعنين ، وكان استظهار القصد من إحراز وزراعة
المخدر لاستخلاص الواقع من توافر قصد الاتجار فيه أو انتفائه , وإن كان من شئون
محكمة الموضوع تستقل بالفصل فيه بغير معقب إلا أن حد ذلك أن يكون هذا الاستخلاص
سائغاً من شأن ظروف الواقعة وقرائن الأحوال فيها أن يؤدى إليه , وكان الحكم
المطعون فيه قد قال باستخلاصه قصد الاتجار من ظروف الواقعة وملابساتها دون أن يكشف
عن الظروف أو يبين تلك الملابسات التي تساند إليها في ثبوت قصد الاتجار ، كما وأنه
لا يكفى لتوافره مجرد قول لضابط الواقعة بما أسفرت عنه تحرياته السرية بحيازة
الطاعنين للمخدر المضبوط وقيامهما بزراعته أو تخزينه في الأرض محل الضبط
بقصد الاتجار ، ذلك أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي
بإدانة المتهم أو ببراءته , صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من
التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون
أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً
لسواه ، وقد سبق الإلماع إلى أن تحريات الشرطة لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً
أساسياً على ثبوت التهمة بعناصرها . وكانت المحكمة قد دانت الطاعنين بجريمة زراعة
نبات الحشيش المخدر وحيازته بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وطبقت
عليهما المادتين 33/ج ، 34/أ من القانون المشار إليه , من غير أن تستظهر توافر
القصد الخاص وهو قصد الاتجار لدى الطاعنين ، فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور . ولما
تقدم ، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى
بحث باقي أوجه الطعن .
ـــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق