باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 ديسمبر سنة 1997 الموافق 6
شعبان سنة 1418 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد
ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير
وماهر البحيرى
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 59 لسنة 17
قضائية "دستورية "•
المقامة من
الآنسة / ....
ضد
1 - السيد / رئيس الجمهورية
2 - السيد / رئيس مجلس الوزراء
3 - السيد المستشار / وزير العدل
4 - السيد / وكيل وزارة العدل لشئون الشهر العقارى شمال القاهرة
5 - السيد / مدير إدارة الشهر العقارى والتوثيق شمال القاهرة
6 - السيد / رئيس مأمورية الشهر العقارى بمصر الجديدة
ورثة المرحوم / .....
" الإجراءات "
بتاريخ 5 أكتوبر سنة 1995، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادتين (9، 17) من القانون رقم 114 لسنة
1946 بتنظيم الشهر العقارى .
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
تتحصل فى أن المدعية كانت قد أقامت ضد ورثة المرحوم/ ...، الدعوى رقم 1512 لسنة
1987 مدنى كلى شمال القاهرة ، بطلب الحكم بانعدام ميراثهم في العقار رقم 13 شارع
البحرين [ شامبليون سابقاً ] المقام على القطعة 5 من المربع رقم 40 تقسيم مصر
الجديدة ، وكذلك ببطلان وشطب إشهار حق الإرث رقم 2893 في 2/10/1986 وما يترتب على
ذلك من آثار؛ وكان سندها في ذلك تملكها من والدتها/ ... أرض وبناء هذا العقار،
وذلك بناء على العقد المؤرخ 3/1/1961 المحكوم بصحته ونفاذه في الدعوى رقم 773 لسنة
63 مدنى كلى القاهرة المشهرة صحيفتها. كما صدرت شهادة الإفراج عن تركة
المرحومة / زهيرة حسنين، ثابت بها إخراج العقار المتنازع عليه من تركتها، وأنه صار
مملوكاً لابنتها المدعية . هذا فضلاً عن أنها -أى المدعية - تضع يدها منذ وفاة
والدتها على كامل أرض وبناء ذلك العقار.
وبجلسة 31/5/1994 قضت محكمة شمال القاهرة الابتدائية برفض طلب المدعية
فى الدعوى رقم 1512 لسنة 1987 الحكم بانعدام إرث المدعى عليهم فيها،
فاستأنفت حكمها أمام محكمة استئناف القاهرة تحت رقم 15441 لسنة 111 قضائية ، طالبة
الحكم مجدداً بطلباتها السابق إبداؤها أمام محكمة أول درجة . ثم دفعت أثناء -نظر
استئنافها وقبل الفصل فيه- بعدم دستورية المادتين (9، 17) من القانون رقم
114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري ، فقررت المحكمة تأجيل نظره إلى أن تتخذ
إجراءات الطعن بعدم دستورية هاتين المادتين، فأقامت الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (9) من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر
العقاري تقضى بأن جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية
العقارية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء
من ذلك، يجب شهرها بطريق التسجيل.
وتنص المادة (15) من هذا القانون على ما يأتي "يجب التأشير في
هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التي يكون الغرض منها
الطعن في التصرف الذى يتضمنه المحرر وجوداً أو صحة أو نفاذاً كدعاوى البطلان أو
الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع، فإذا كان المحرر الأصلي لم يشهر تسجل تلك الدعاوى .
ويجب كذلك تسجيل دعاوى استحقاق أي حق من الحقوق العينية العقارية أو
التأشير بها على حسب الأحوال كما يجب تسجيل دعاوى صحة التعاقد على حقوق عينية
عقارية .
وتحصل التأشيرات والتسجيلات المشار إليها بعد إعلان صحيفة الدعوى
وقيدها بجدول المحكمة ".
كذلك تنص المادة (17) من ذلك القانون بأن "يترتب على تسجيل
الدعاوى المذكورة بالمادة (15) أو التأشير بها، أن حق المدعى إذا ما تقرر بحكم
مؤشر به طبقاً للقانون، يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ
تسجيل الدعاوى أو التأشير بها".
ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذى كسب حقه بحسن نية قبل التأشير
أو التسجيل المنصوص عليهما في الفقرة السابقة .
ولا يسرى حكم الفقرة الأولى من هذه المادة على الأحكام التي يتم
التأشير بها بعد مضى خمس سنوات من تاريخ صيرورتها نهائية ، أو من تاريخ العمل بهذا
القانون أيهما أطول.
وحيث إن المدعية تنعى على المادتين (9، 17) المشار إليهما، ترتيبهما
الملكية على أساس أسبقية الشهر، ومخالفتهما بالتالي لأحكام المادتين (32، 34) من
الدستور اللتين تحميان الملكية الخاصة التي لا يتعارض استخدامها مع الخير العام
للشعب. وسندها في ذلك أن المادة (135) من القانون المدني تقضى بأنه إذا كان
محل الالتزام مخالفاً للنظام العام كان العقد باطلاً. ومن ثم لا يصحح التسجيل
عقداً باطلاً، ولا يبطل عقداً صحيحاً. والقاعدة أنه لا ميراث لغير وراث، ولا ميراث
إلا بعد سداد الديون، ولا توريث إلا فيما يخلفه المورث وقت وفاته. وإذ كانت المادة
(49) من القانون المدني تلزم البائع وخلفه العام والخاص كليهما بضمان التعرض؛
وكان هذا الضمان أبدياً يتولد عن عقد البيع ولو لم يشهر، فقد صار محتوماً ألا يقبل
ادعاء الوارث ملكية المبيع الذى باعه مورثه، بناء على مجرد تراخى المشترى فى
التسجيل، ذلك أن من يضمن نقل الملكية لغيره، لا يجوز له أن يدعيها لنفسه.
وما يجرى على البائع يجرى على خلفه، فلا يجوز للوراث التمسك ضد المشترى بعدم تسجيل
العقد الصادر من المورث. بل يجب أن يقوم بالإجراءات اللازمة لنقل ملكية المبيع،
ولو كان التصرف اللاحق مسجلاً، صونا للنظام العام، خاصة إذا اقترن البيع بوضع اليد
المكسب للملكية .
وأضافت المدعية أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم
المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود والقيود التي أوردها باعتبارها
مترتبة فى الأصل على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزه إلى
الانطلاق والتقدم؛ وكانت الأموال التي يرد عليها حق الملكية تعتبر مصدراً من مصادر
الثروة القومية التي لا يجوز التفريط فيها؛ فإن نقل الملكية لا يجوز أن يكون
مرتبطاً بالسبق إلى التسجيل. وإذ جرت المادتان (9، 17) من القانون رقم 114
لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري على غير هذا النظر، فإنهما ينحلان إخلالاً بالنظام
العام، وإهداراً للمادتين (32، 34) من الدستور.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية -
مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي ؛ وكانت المدعية
تطلب إنفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 3/1/1961 المعقود بين المدعية ووالدتها في
شأن عقار النزاع، تأسيساً على أن عدم تأشيرها بالحكم الصادر في دعوى صحة
التعاقد على هامش صحيفتها لا يجوز أن يسقط سند ملكيتها ولو لم يسجل، فإن مصلحتها
الشخصية تنحصر فى النصوص القانونية التي تنظم الآثار التي رتبها قانون الشهر
العقاري في شأن تسجيل الأعمال القانونية أو التأشير بالأحكام الصادرة فى شأنها.
وحيث إن الملكية وإن كفلها الدستور، إلا أن تنظيمها بما لا يعطل
فحواها، أو يهدر أصلها أو يفرق أجزاءها، أو يعطل الحقوق المتفرعة عنها في غير
ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، إنما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى
يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، تقديراً بأن الأصل هو إطلاقها إلا إذا قيدها
الدستور بضوابط تحد منها.
وحيث إن الملكية وغيرها من الحقوق العينية الأصلية ، كانت في ظل
القانون المدني القديم تنتقل فيما بين العاقدين بالعقد دون ما ضرورة للتسجيل؛ وكان
التسجيل فى هذا القانون شأن التسجيل وفقاً لقانون الشهر العقاري القائم، لا يبطل
عقد صحيحا ولا يصحح عقداً باطلاً؛ وكان كثير من المتعاقدين فى ظل القانون المدني
القديم، قد عزفوا عن شهر تصرفاتهم باعتبار أن العقد غير المسجل قد نقل إليهم
الملكية فيما بينهم وبين المتعاملين معهم مما زعزع أسس نظام الشهر ذاتها، ومكن
كثيراً من البائعين من التعامل فى العقار الواحد أكثر من مرة بعد تصرفهم الأول
فيه؛ وكانت الأموال التي يخلفها الشخص إرثاً وكذلك وصاياه، لا تعتبر فى ظل القانون
المدني القديم تصرفاً قانونياً فيما بين الأحياء، فلا يجب شهرها، إلا أن المشرع
أدخل بعدئذ تطوراً ملحوظاً في قواعد الشهر التي نظمها بالقانون رقم 114 لسنة 1946
الصادر فى 11/8/1946، والمعمول به ابتداء من أول يناير 1947.
وحيث إن تطور قواعد الشهر وفقاً للقانون القائم، تمثل فى النصوص التى
تضمنها محدداً بها المحررات التى أخضعها فى شهرها لنظام التسجيل، وكذلك تلك
التي ألزمها بالخضوع لنظام القيد. ومن ثم نص فى المادة (9) على إخضاع الحقوق
العينية العقارية الأصلية سواء في مجال إنشائها أو نقلها أو تغييرها أو زوالها
لنظام التسجيل. وكذلك الأحكام النهائية التي أثبتتها، فإذا لم تسجل، فإن
إنشاءها أو انتقالها أو تغييرها أو زوالها لا يتم، سواء فيما بين المتعاقدين أو
بالنسبة إلى غيرهم، وإنما تنحصر آثارها في مجرد التزامات شخصية ترتبها فيما بين
ذوى الشأن فيها. ثم ألحق قانون تنظيم الشهر العقاري واقعة انتقال الأموال إرثاً-
وهى واقعة مادية - بالحقوق العينية العقارية الأصلية التى ينقلها أصحابها إلى
غيرهم من خلال تصرفاتهم القانونية ، محتماً تسجيل ذوى الشأن لسنداتهم التي يثبتون
بها إرثهم، فإذا ما باشر أحدهم قبل هذا التسجيل، تصرفاً قانونياً فى شأن حق من
الحقوق التى خلفها المتوفى ، فإن شهره لا يكون جائزاً }مادة (13) من قانون تنظيم
الشهر العقاري {.
وحيث إن هذا القانون أفرد لدعوى صحة التعاقد - وكلما كان محلها أحد
الحقوق العينية العقارية الأصلية - أحكاماً اختصها بها، وذلك بأن جعل تسجيل
صحيفتها لازماً، فإذا ما تقرر حق المدعي بحكم، وأشُر به عليها طبقاً للقانون، صار
هذا الحق حجة على كل من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ تسجيل صحيفة دعوى
صحة التعاقد (المادتان 15، 16 من ذلك القانون).
وحيث إن ما تقدم مؤداه: أن قانون تنظيم الشهر العقاري القائم، توخى
حمل المتعاملين فى الحقوق العينية العقارية الأصلية على تسجيل عقودهم، فجرد البيوع
التي لا يتم تسجيلها من كل أثر فى مجال نقل الملكية ، سواء فيما بين المتعاقدين أو
بالنسبة إلى الأغيار. ومن ثم أصبح نقلها فيما بين المتعاقدين متراخياً إلى ما بعد
التسجيل بعد أن كان نتيجة لازمة للبيوع الصحيحة بمجرد عقدها، وصار الاحتجاج بها فى
مواجهة الغير كذلك متوقفاً على تسجيلها، متى كان ذلك؛ وكانت المدعية لم تؤشر
بالحكم الصادر لصالحها على صحيفة دعوى صحة التعاقد التي أقامتها ضد خصومها؛ وكان
تسجيلها لهذه الصحيفة ليس كافياً وحده لأن ينقل إليها الحقوق التي تدعيها في شأن
العقار المتنازع عليه؛ وكان قيام ورثة المرحوم/ ... بشهر حق إرثهم قبل أن
تؤشر هى على صحيفة دعوى صحة التعاقد التى أقامتها ضدهم بالحكم الصادر لصالحها
فيها، فإن سبقهم إلى شهر هذا الحق، يكون ناقلاً من دونها للأموال التى ورثوها.
وحيث إن انتقال الملكية إلى الأسبق إلى تسجيل الحقوق التي يطلبها أو
التأشير بها، لا يعدو أن يكون ترتيباً فيما بين المتزاحمين عليها لتقرير أولاهم
وأحقهم في مجال طلبها واقتضائها.
ولا مخالفة فى ذلك للحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية المنصوص
عليها فى المادتين (32، 34) منه، ذلك أن الإخلال بهذه الحماية لا يتحقق - في الأعم
من الأحوال - إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقدماتها، فلا يكون
لها من سواء. ولا كذلك الأمر فى شأن الحقوق العينية العقارية الأصلية التي تقاعس
أصحابها عن شهرها مع علمهم بالآثار التى رتبها المشرع على تخلفهم هذا؛ ولأن المشرع
ما قرر نظم الشهر المطعون فيها إلا ضماناً للائتمان فى مجال التعامل فى العقار فى
شأن حقوق عينية نافذة بطبيعتها فى حق الكافة ؛ وكان لازماً بالتالى أن ييسر المشرع
على من يتعاملون فيها العلم بوجودها من خلال شهر الأعمال القانونية التى تعتبر
مصدراً لها، إثباتاً لحقائقها وبياناتها الجوهرية ، فلايكون أمرها خافياً؛
وبمراعاة أن شهر هذه الأعمال وإن كان لازماً، إلا أن هذا الشهر لايحيل العقود
الصادرة فى شأنها إلى عقود شكلية تفقد طبيعتها الرضائية ، وإنما تظل لهذه العقود
خصائصها ونواتجها، فلا تنحسر آثارها - وفيما عدا نقل الملكية - عنها.
وحيث إن النصوص المطعون عليها لا تتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور من
أوجه أخرى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات
ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق