أحال المجلس بجلسته المعقودة في 21 أبريل سنة 1997، إلى اللجنة، مشروع
قانون بتعديل بعض أحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر
بالقانون رقم 27 لسنة 1994 كما أحال الأستاذ الدكتور رئيس المجلس اقتراحا بمشروع
قانون مقدما من السيد العضو الدكتور إدوار غالي الدهبي بتفسير المادة (1) من ذات
القانون للارتباط وفقا لنص المادة 164 من اللائحة الداخلية للمجلس.
فعقدت اللجنة اجتماعا لنظرهما في ذات التاريخ حضره السيد المستشار
فاروق سيف النصر وزير العدل.
نظرت اللجنة مشروع القانون ومذكرته الإيضاحية والاقتراح بمشروع
القانون ومذكرته الإيضاحية، واستعادت نظر أحكام قانون التحكيم في المواد المدنية
والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فتبين لها أن المادة (1) من القانون
سالف الذكر تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول
بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من
أشخاص القانون العام أو القانون الخاص "أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية
التي يدور حولها النزاع".
واستبان للجنة إنه في الفترة السابقة على صدور القانون رقم 27 لسنة
1994 المشار إليه كانت مسألة جواز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية
محل خلاف في الرأي وصدرت في خصوصها أحكام قضائية، وفتاوى تباينت الآراء فيها، حيث
أجازت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة التحكيم في العقود
الإدارية بينما لم تجز المحكمة الإدارية العليا التحكيم في هذه العقود، خلافهما في
هذا الشأن متعاصر ومتداخل، ففتويا الجمعية العمومية صادرتان في مايو 1989 وفبراير
1993 وحكما المحكمة الإدارية العليا صادران في فبراير ومارس 1990 واستظهرت اللجنة
أن الجمعية العمومية أجازت التحكيم في منازعات العقود الإدارية استنادا إلى
الاختصاص الإفتائي لمجلس الدولة يشمل عقود التحكيم طبقا للمادة (58) من قانون مجلس
الدولة رقم 47 لسنة 1972، بينما استندت المحكمة الإدارية العليا في منعها التحكيم
في العقود الإدارية إلى أن الاختصاص القضائي لمجلس الدولة المبين بالمادة (10) من
قانون المجلس يقصر الفصل في منازعات العقود الإدارية على محاكم مجلس الدولة دون
غيرها.
ثم صدر القانون رقم 27 لسنة 1994 سالف الذكر، وكان المأمول من عبارة
(أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع) الواردة في المادة (1)
من القانون المذكور أن تشكل سندا لا يختلف عليه حول سريان أحكام هذا القانون على
منازعات العقود الإدارية بحيث يكون جائزا قانونا الاتفاق على حسم هذه المنازعات
بطريقة التحكيم.
واستظهرت اللجنة أنه في ظل العمل بأحكام القانون المذكور صدر إفتاء من
اللجنة الثالثة لقسم الفتوى بمجلس الدولة بجلستها المنعقدة بتاريخ 1/9/1996 بعدم
جواز اتفاق الأشخاص العامة على فض منازعات العقود الإدارية المبرمة بينهما بطريق
التحكيم واختصاص الجمعية العمومية بذلك استنادا إلى أن القانون المذكور قانون عام
ينظم التحكيم في المواد المدنية والتجارية، ومن ثم فهو لا يسري على ما ورد بقانون
مجلس الدولة من نصوص خاصة تنظم فض المنازعات القائمة بين الهيئات العامة.
ثم أحالت اللجنة الثانية لقسم الفتوى بمجلس الدولة للجمعية العمومية
لقسمي الفتوى والتشريع مسألة مدى جواز إدراج شرط التحكيم الاختياري في العقود
الإدارية طبقا لنص المادة (66/د) من قانون مجلس الدولة التي تقضي باختصاص الجمعية
العمومية بنظر المسائل التي ترى فيها أحدى لجان قسم الفتوى رأيا يخالف فتوى من
الجمعية العمومية، بالنظر إلى أن اللجنة الثانية لقسم الفتوى كانت قد اتجهت إلى
ترجيح ما أقرته المحكمة الإدارية العليا بعدم جواز التحكيم في العقود الإدارية على
خلاف إفتاء الجمعية العمومية المشار إليه.
ثم تصدت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع للتساؤل المشار إليه
في فتواها الصادرة بجلستها المنعقدة بتاريخ 18/12/1996 حيث رأت أن الوصول لكلمة
سواء في أمر العقود الإدارية والتحكيم توجب النظر إلى هذا الأمر لا من منظور
الاختصاص الإفتائي أو القضائي لمجلس الدولة ولكن من منظور الطبيعة القانونية للعقد
الإداري ومدى تلاؤمها مع نظام التحكيم أو تنافرها معه، وما هي الشروط والأوضاع
التي يمكن بها إقامة هذا التلاؤم وما هي شرائط الأهلية وأوضاع الولاية التي تمكن
من إقامة هذا التلاءم أو لا تمكن منه. أوضحت الجمعية العمومية في فتواها المشار
إليها أن القانون رقم 27 لسنة 1994 في أيا من مراحل إعداده وحتى صدر لم يشمل قط
على حكما صريح بخضوع العقود الإدارية بهذا القانون، وإن شمول هذا التحكيم أو عدم
شموله لمنازعات العقود الإدارية لا يتعلق فقط بما إذا كان قانون التحكيم يسع هذه
العقود أو لا يسعها إنما يتعلق أيضا بصحة شرط التحكيم من حيث توافر كمال أهلية
إبرامه لمن يبرمه في شأن غيره أو ما لغيره، والأصل عند عدم النص عدم صحة ما يجريه
الشخص في شأن غيره وما له وأنه إذا كان شرط التحكيم في منازعات العقود الخاصة لا
يصح لناقص الأهلية إلا باكتمال أهليته وصيا ومحكمة فإنه في منازعات العقود
الإدارية لا يصح هذا الشرط إلا باكتمال الإرادة المعبرة عن كمال الولاية العامة في
إجرائه، ولا تكتمل الولاية هنا إلا بعمل تشريعي يجيز شرط التحكيم في العقد الإداري
بضوابط محددة وقواعد منظمة أو بتفويض جهة عامة ذات شأن للإذن بها في أية حالة
مخصوصة وذلك بمراعاة خطر هذا الشرط فلا تقوم مطلق الإباحة لأي هيئة عامة أو وحدة
إدارية أو غير ذلك من أشخاص القانون العام.
كما تبين للجنة أن حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر من الدائرة 63
تجاري بجلستها المنعقدة في 19/3/1997 يجيز التحكيم في منازعات العقود الإدارية.
ورغبة في حسم هذا الخلاف بنص فاصل لا تتوزع الآراء معه وتلتقي عنده
وتستقر كل الاجتهادات، جاء تعديل المادة (1) المشار إليها حيث أكد النص على جواز
الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية، وأضاف النص الوارد في مشروع
القانون موافقة الوزير المختص للاتفاق على التحكيم في هذه المنازعات أو من يتولى
اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة التي لا تتبع وزيرا كالجهاز المركزي
للمحاسبات، وإحكاما لضوابط الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية حظر
مشروع القانون التفويض في ذلك الاختصاص فلا يباشره إلا من أوكل له القانون هذه
المهمة، إعلاءا لشأنها وتقديرا لخطورتها والاعتبارات الصالح العام وباعتبار أن
الوزير يمثل الدولة في وزارته وقد استظهرت اللجنة أن نظام التحكيم بوجه عام يقوم
على مبدأ حرية الإرادة وأنه لا ينال من سيادة الدولة، فلجوء الدولة إلى التحكيم في
عقودها الإدارية إنما يتم بمحض إرادتها وبموافقتها طبقا لما تراه محققا للمصلحة
العامة وبإيكال مهمة الفصل في المنازعات المذكورة لهيئة التحكيم يتفق عليها مع
المتعاقد معها.
وقد رأت اللجنة رفض الاقتراح بمشروع القانون المقدم من السيد العضو
الدكتور إدوار غالي الدهبي لتفسير المادة (1) من القانون رقم 27 لسنة 1994 سالف
الذكر لأنه لن يؤدي إلى حسم الخلاف القائم على الساحة القانونية بل أنه قد يؤدي
إلى خلافات في المستقبل بخصوص تحديد نطاق هذا التفسير التشريعي، وما إذا كان قد
جاوز إطاره من التفسير إلى التشريع وخاصة وأن مشروع القانون يحدد السلطة المختصة
في الموافقة على التحكيم في العقود الإدارية ويحقق الهدف المنشود متلافيا ما قد
يثور من مشاكل قانونية في المستقبل وواضعا ضوابط تحقق المصلحة العامة.
واللجنة إذ تقدم تقريرها إلى المجلس الموقر، ترجو الموافقة عليه
بالصيغة المرفقة.
رئيس اللجنة
مستشار محمد موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق