الطعن 226 لسنة 30 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا
جلسة 4 / 11 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 45 مكرر هـ في 15/ 11/ 2017 ص 13
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من نوفمبر سنة 2017م،
الموافق الخامس عشر من صفر سنة 1439هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه
النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فھمي اسكندر والدكتور
محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 226 لسنة 30
قضائية "دستورية".
-------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن الطائفة المدعية تمتلك المحل الكائن بالعقار رقم (..) بشارع النبي دانيال
قسم العطارين بالإسكندرية، وبتاريخ 29/ 3/ 1989 قامت بتأجيره لكل من ......،
و...... ونص البند الأول من العقد على أن الغرض من الإيجار هو استعمال المحل في
تجارة كافة أنواع الأقمشة والملابس والمصنوعات الجلدية والإكسسوارات والأجهزة
الكهربائية .....، ونص البند الرابع على أنه يحظر على المستأجر أن يؤجر من الباطن
العين المؤجرة أو جزءا منها مفروشة كانت أم غير مفروشة، كما يحظر عليه التنازل عن
حقه في الإيجار للغير إلا بموافقة كتابية من المالك. وبتاريخ 1/ 6/ 1999 باع
المستأجر الثاني نصيبه في المحل بطريق الجدك للمدعو/ ......، بعد موافقة المؤجر
على ذلك. وبجلسة 30/ 9/ 2000 أصدرت محكمة الإسكندرية الابتدائية "الدائرة
الرابعة إفلاس" في الدعوى رقم 1598 لسنة 1999 حكما قضى بشهر إفلاس كل من
......، و......، وتعيين القاضي عضو يسار الدائرة قاضيا للتفليسة، وتعيين صاحب
الدور أمينا للتفليسة لاستلام أموال التفليسة وإدارتها وتحصيل حقوقها وسداد
التزاماتها، ووضع الأختام على أموال المفلس ومحل تجارته ومخازنه. وقد تأيد ذلك
الحكم بالحكم الصادر من محكمة استئناف الإسكندرية في الاستئناف رقم 2252 لسنة 56ق
"إفلاس" بجلسة 8/ 5/ 2002، فأقام المدعو/ ..... الدعوى رقم 1598 لسنة
1999 "استبعادات إفلاس"، ضد أمين التفليسة، بطلب الحكم باستبعاد واسترداد
نصف المحل وكافة البضائع الخاصة به من أموال التفليسة بحسبانه مستأجرا ومشتريا
لذلك النصف بطريق الجدك. وبجلسة 15/ 1/ 2005 حكمت المحكمة بسقوط حق المدعي في
إقامة دعواه، وتأيد ذلك الحكم استئنافيا بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 2045 لسنة
61 قضائية. وإذ تبين للطائفة المؤجرة قيام أمين التفليسة بتأجير المحل للمدعو/
......، من الباطن دون موافقة أو تصريح كتابي منها بحسبانها المالكة لهذا المحل،
أقامت الدعوى رقم 140 لسنة 2005 مدني كلي، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، بطلب
الحكم بإخلاء كل من المدعى عليهم من الرابع حتى السادس من المحل موضوع التداعي،
كما أقام المدعى عليه السابع الدعوى رقم 200 لسنة 2005 مدني كلي، أمام المحكمة
ذاتها، طالبا تسليمه وتمكينه من نصف المحل موضوع التداعي، فقررت المحكمة ضم هاتين
الدعويين للارتباط. وبجلسة 28/ 6/ 2008، قدم الحاضر عن الطائفة المدعية مذكرة،
ضمنها دفعا بعدم دستورية المادة (624) من قانون التجارة المشار إليه، فيما تضمنته
من تخويل أمين التفليسة الحق في تأجير العين موضوع النزاع من الباطن دون موافقة
كتابية من المالك، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بصفته بإقامة الدعوى
الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
بتاريخ السابع والعشرين من أغسطس سنة 2008، أقام المدعي هذه الدعوى،
بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم بعدم دستورية
البند رقم (4) من المادة (624) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم بجلسة اليوم.
----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن البند رقم (4) من المادة (624) من قانون التجارة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1999 ينص على أن "ولأمين التفليسة بعد الحصول على إذن
من قاضي التفليسة تأجير العقار من الباطن أو التنازل عن الإيجار وفقا للأحكام
المنظمة للعلاقة بين المالك والمستأجر ولو كان المفلس ممنوعا من ذلك بمقتضى عقد
الإيجار بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر للمؤجر".
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها – وعلى
ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في
الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. والمحكمة الدستورية العليا هي
وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها.
متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب الطائفة المدعية
إخلاء العقار محل النزاع، لقيام أمين التفليسة بتأجيره من الباطن، دون موافقة
كتابية منها، مستندا في ذلك لنص البند (4) من المادة (624) من قانون التجارة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، فإن الفصل في دستورية ذلك النص يرتب انعكاسا
على قضاء محكمة الموضوع في الطلبات المطروحة أمامها، ومن ثم تكون المصلحة في
الدعوى المعروضة متوافرة.
وحيث إن مؤدى النص المطعون فيه أن التنازل عن إيجار العقار الذي كان
يمارس فيه المفلس تجارته، أو تأجيره من الباطن، وفقا للأحكام المنظمة للعلاقة بين
المؤجر والمستأجر، التي يخضع لها عقد الإيجار، قد غدا رخصة لأمين التفليسة بعد
الحصول على إذن من قاضي التفليسة، ولو كان المفلس ممنوعا من ذلك بمقتضى عقد
الإيجار، شريطة ألا يترتب على ذلك ضرر للمؤجر.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث
مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم
دون غيره، ذلك إن هذه الرقابة تستهدف أصلا صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على
أحكامه التي تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام
الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها
من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه
لا زال معمولا بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي الصادر عام 2014، ومن ثم فإن حسم
أمر دستوريته يتم في ضوء أحكام هذا الدستور.
وحيث إن المقرر أن الإفلاس طريق للتنفيذ الجماعي على أموال المدين
التاجر، إذا قضى باعتباره متوقفا عن سداد ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها، بما
يزعزع ائتمانه، ويعرض حقوق دائنيه لخطر محقق، أو لنذر تتهددها بالضياع، وليس
الإفلاس المشهر إلا حالة لا تتجزأ تقوم بالتاجر المفلس تبعا للحكم الصادر بها،
ليكون ساريا في شأن الدائنين جميعا، ولو لم يكونوا أطرافا في خصومة الإفلاس،
منصرفا إلى ذمة التاجر بأكملها، ومنشئا لمركز جديد من أثره غل يد التاجر المفلس،
فلا يدير الأموال التي يملكها أو يباشر تصرفا في شأنها توقيا لتهريبها أو اختلاسها
أو إتلافها، إضرارا بالدائنين، وإضعافا لضمانهم العام، وصونا لجوهر مصالحهم التي
ينافيها تزاحمهم فيما بينهم من خلال التسابق لتحصيل حقوقهم التي لا يكفلها إلا
حشدهم في جماعة واحدة، توحد جهودهم، وتقيم فيما بينهم مساواة يتقاسمون على ضوئها
أموال المدين غارمين، فلا تكون حقا لبعضهم من دون الآخرين، بل تباع لحسابهم
أجمعين، وتوزع عليهم حصيلتها بنسبة ديونهم.
ولا ينقل شهر الإفلاس أموال التاجر إلى الدائنين، ولا ينال من حقوق
المفلس قبل الغير، بل تظل على حالها وطبيعتها، وإن كان غل يد المدين عن أمواله،
مؤداه احتجازها برمتها لمصلحة زمرة الدائنين التي تعتبر بالنسبة إلى المفلس من
الغير. وكان الدائنون وإن أقاموا عنهم سنديكا يعتبر وكيلا في إدارة أموال المفلس
وصونها، وتقرير التدابير التحفظية اللازمة لحمايتها، حتى يتخذ الدائنون – على ضوء
تقديره لأصول ذمته المالية وخصومها - قرارا في شأن التفليسة، سواء بالتصالح مع
المدين المفلس، أو بالسير بها إلى نهايتها الطبيعية من خلال تصفية أمواله بصورة
جماعية وتوزيعها فيما بين الدائنين، إلا أن قانون التجارة لا يجعل هذا الوكيل
مستقلا بشئون التفليسة، أو منفردا بسلطان عليها، بل يباشر متطلباتها مراقبا في ذلك
من مأمور تعينه المحكمة التي صدر عنها حكم شهر الإفلاس، ليكون صلتها بين وكيل
الدائنين وبينها، وضمانا لأن تتفرغ هي للمسائل الخطيرة وحدها التي تثيرها التفاليس
التي تنظرها، والتي دل العمل على تعددها، وكثرة تفصيلاتها وتنوع منازعاتها ومن ثم
كان تعيينها أحد قضاتها – ممن يتمتعون بقدر من الخبرة وطول المران – لمراقبة أعمال
وكيل الدائنين، عاصما من تدهور شئون التفليسة، وتوكيدا لحسن إدارتها.
وحيث إن المشرع يهدف من تقرير نظام الإفلاس في إطار قانون التجارة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 – وعلى ما أفصحت عنه أحكامه وأعماله التحضيرية –
إلى وضع نظام محكم لتصفية أموال المدين المفلس وتوزيعها بين دائنيه توزيعا عادلا
ينال به كل منهم قسطا من دينه دون تزاحم أو تشاحن بينهم، فضلا عن تزويدهم بالوسائل
القانونية الكفيلة بتمكينهم من المحافظة على أموال مدينهم وإبطال التصرفات التي
تصدر منه بعد اضطراب مركزه المالي؛ عن رغبة في تبديدها أو إقصائها عن متناولهم،
وفي الوقت ذاته رعاية المدين بالأخذ بيده وإقالته من عثرته متى كان إفلاسه غير
مشوب بتدليس أو تقصير، مع قصر التجريم على التفالس بالتدليس أو التقصير، وذلك كله
بقصد تقوية الائتمان وتدعيم الثقة في المعاملات التجارية، وهو ما أدى بالمشرع إلى
تنظيم المسائل المتعلقة بتعيين أمين التفليسة واختيار أحد قضاة المحكمة قاضيا لها،
من أجل حسم المنازعات التي تثور خلال سير إجراءات التفليسة على وجه السرعة؛ بما
يحفظ للدائنين حقوقهم ويمكن المدينين من سداد ديونهم استقرارا للمعاملات وحماية
للاقتصاد القومي، كما استحدث المشرع في قانون التجارة المشار إليه نظام مراقب
التفليسة؛ وهو أحد الدائنين، لضمان الرقابة الفعلية والجادة على أعمال أمين
التفليسة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية
يقتضيها الدستور صونا للحرية الشخصية التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور
العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة
التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائنا يحمل على ما لا يرضاه.
وحيث إن حرية التعاقد – بهذه المثابة - فوق كونها من الخصائص الجوهرية
للحرية الشخصية، فهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق
التي ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة – فيما بين أطرافها؛ بيد أن هذه
الحرية – التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها
على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها -
لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها
من كوابحها، ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محددا بقواعد آمرة
تحيط ببعض جوانبها. غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها
الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد
الإيجار – والتي انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير - وبين حق الانتفاع كأحد
الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
وحيث إن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن صون الدستور للملكية
الخاصة، مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض
أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها
الاجتماعية. وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع
عليها جوهر مقوماتها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع
بها، وكان صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدمها أو تقويض أسسها من خلال
قيود تنال منها، ينحل عصفا بها منافيا للحق فيها.
وحيث إن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها من خلال عقود إجارة إنما
تعني حقهم في اختيار من يستأجرونها من ناحية، والغرض من استعمالها من ناحية أخرى،
وكانت حريتهم في هذا الاختيار جزءا لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلا
عليها. وكان من المقرر أن لحقوق الملكية - بكامل عناصرها - قيما مالية يجوز
التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلا بها، فلا يعزل عنها من خلال
سلطة مباشرة يمارسها آخرون عليها بناء على نص في القانون. بيد أن النص المطعون فيه
أجاز لأمين التفليسة، بعد الحصول على إذن من قاضي التفليسة، الحق في تأجير العقار
من الباطن أو التنازل عن الإيجار، ولو كان المفلس ممنوعا من ذلك بموجب عقد
الإيجار، وذلك في إطار علائق إيجارية شخصية بطبيعتها، مهدرا كل إرادة لمؤجرها في
مجال القبول بهذا التأجير أو التنازل، أو الاعتراض عليه.
وحيث إن مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة (8) من قيام المجتمع على
أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا
تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما
بينهم فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيرا، ولا يتناحرون طمعا، وهم بذلك شركاء في
مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس
لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدرا من الحقوق يكون بها –
عدوانا – أكثر علوا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها
التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ
بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن من المقرر قانونا – وعلى ما أطرد عليه قضاء هذه المحكمة – أن
حق الملكية - وباعتباره منصرفا محلا إلى الحقوق العينية والشخصية جميعها، وكذلك إلى
حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية – نافذ في مواجهة الكافة ليختص صاحبها دون
غيره بالأموال التي يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليه ثمارها
وملحقاتها ومنتجاتها؛ وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم
عن استعمالها، ولا أن يجردها المشرع من لوازمها، أو يفصل عنها بعض الأجزاء التي
تكونها، ولا أن ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي
تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ولا أن يتذرع بتنظيمها إلى
حد هدم الشيء محلها، ذلك أن إسقاط الملكية عن أصحابها – سواء بطريق مباشر أو غير
مباشر - عدوان عليها يناقض ما هو مقرر قانونا من أن الملكية لا تزول عن الأموال
محلها، إلا إذا كسبها أغيار وفقا للقانون.
وحيث إن السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق،
لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحا من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح
المشروعة التي قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التي يبلغها هذا التنظيم لا يجوز
بحال أن ينفلت مداها إلى ما يعد أخذا للملكية من أصحابها سواء من خلال العدوان
عليها بما يفقدها قيمتها، أو عن طريق اقتحامها ماديا، بل أن اقتلاع المزايا التي
تنتجها، أو تهميشها مؤداه سيطرة آخرين فعلا عليها، أو تعطيل بعض جوانبها، ومن أجل
ذلك حرص الدستور الحالي في المادة (92) منه على تقييد سلطة المشرع في مجال تنظيم
الحقوق، بألا يمس ذلك التنظيم من أصلها أو جوهرها، وإلا وقع في حومة مخالفة
الدستور.
وحيث إن الدستور وإن جعل في المادة (27) منه كفالة الأنواع المختلفة
للملكية العامة منها والخاصة والتعاونية، وتحقيق التوازن بين مصالح الأطراف
المختلفة، غاية لكل تنظيم اقتصادي تنتهجه الدولة، والتزاما عليها، فوق كون ما
يمثله تحقيق هذا التوازن من ركيزة أساسية لحرية التعاقد كأحد روافد الحرية الشخصية
التي كفلها الدستور في المادة (54) منه، بحسبان الأصل أن الشخص لا يقبل الدخول في
علاقة عقدية يختل فيها التوازن بين أطرافها. وعلى ذلك فإن المشرع، وإن قرر في مجال
تنظيم العلائق الإيجارية، من النصوص القانونية ما ارتآه كافلا للتوازن بين
أطرافها، إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون صوريا أو منتحلا، وكلما كان هذا
التنظيم متحيفا، بأن مال بالميزان في اتجاه أحد أطرافها تعظيما للحقوق التي يدعيها
أو يطلبها، كان ذلك انحرافا عن إطارها الحق، أو نكولا عن ضوابط ممارستها، فلا
يستقيم بنيانها، بما يعد خروجا من المشرع على الالتزام الدستوري الملقى على عاتقه
بتحقيق التوازن بين أطراف تلك العلاقة القانونية، ويقع ذلك بوجه خاص إذا كان تنظيم
المشرع للحق في استعمال الشيء - وهو أحد عناصر حق الملكية – مدخلا لإفقار مالكه،
وإثراء لغيره على حسابه.
وحيث إنه فضلا عما تقدم، لا يجوز أن يحصل المستأجر من خلال الإجارة،
على حقوق لا يسوغها مركزه القانوني في مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على
الانتهاز، وكان قرين الاستغلال، إذ ليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس – وهو
المستأجر - غابنا، ولا أن يكون تدخل المشرع شططا قلبا لموازين الحق والعدل، فلا
تتوافق - في إطار العلائق الإيجارية - مصالح طرفيها اقتصاديا، بل يختل التضامن
بينهما اجتماعيا، ليكون صراعهما بديلا عن التعاون بينهما.
كذلك لا يجوز أن يتحول حق المستأجر في استعمال العين – وهو حق مصدره
العقد دائما حتى مع قيام التنظيم الخاص للعلائق الإيجارية وتحديد أبعادها بقوانين
استثنائية - إلى نوع من السلطة الفعلية يسلطها المستأجر مباشرة على الشيء المؤجر،
مستخلصا منه فوائده دون تدخل من المؤجر، إذ لو جاز ذلك، لخرج هذا الحق من إطار
الحقوق الشخصية، وصار مشبها بالحقوق العينية، ملتئما مع ملامحها، وهو ما يناقض
خصائص الإجارة باعتبار أن طرفيها - وطوال مدتها - على اتصال دائم مما اقتضى ضبطها
تحديدا لحقوقهما وواجباتهما، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازا وإضرارا بحقوق مؤجرها،
متدثرين في ذلك بعباءة القانون، ولأنها – فوق هذا – لا تقع على ملكية الشيء المؤجر،
بل تنصب على منفعة يدرها، مقصودة في ذاتها، ومعلومة من خلال تعيينها، ولمدة طابعها
التأقيت مهما استطال أمدها.
وحيث إن مؤدى النص المطعون فيه، أنه أجاز لأمين التفليسة، بعد الحصول
على إذن من قاضي التفليسة، التنازل عن إيجار العين التي كان يمارس المفلس فيها
تجارته أو تأجيرها من الباطن، ولو كان المفلس ممنوعا من ذلك بمقتضى عقد الإيجار.
وحيث إن النص المطعون فيه، بهذه المثابة، ينحدر بحقوق المؤجر إلى
مرتبة الحقوق محدودة الأهمية، ويحيلها إلى مسوخ مشوهة لا تتعدى تقاضيه عائدا نقديا
دوريا ضئيلا، مرجحا على ملكيته – بمكناتها التي أقامها الدستور سوية لا عوج فيها -
مصالح لا تدانيها، ولا تقوم إلى جانبها، أو تتكافأ معها، ترتيبا على انتقال
منفعتها إلى الغير؛ وهو بعد انتقال لا يعتد بإرادة مالكها في معدنها الحقيقي، وهو
ما يعد التواء بالإجارة عن حقيقة مقاصدها؛ وإهدارا لتوازن لا يجوز أن يختل بين
أطرافها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن النص المطعون فيه، أنشأ حقوقا – بعيدة في
مداها - منحها لأمين التفليسة، واختصه دون مسوغ، واصطفاه في غير ضرورة، بتلك
المعاملة التفضيلية، متجاوزا بها الشرط المانع من التنازل أو التأجير من الباطن،
بما يلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها
وشرورها، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها لازما
دفعا لأفدحها، ولا ينال من ذلك أن النص المطعون فيه قد رهن ممارسة أمين التفليسة
وقاضيها لهذه السلطة الفعلية الممنوحة لهما بعدم الإضرار بالمؤجر، إذ لم يحدد
الجزاء على مخالفة هذا الالتزام، كما خلا التنظيم الذي أتى به المشرع من تحديد وجه
المصلحة الجدية المبررة له، ومفتقدا للضمانات التي تكفل حقوق المؤجر الناشئة عن
عقد الإيجار، وتحقق التوازن بين أطرافه، وكان ينبغي - من ثم – أن يترسم النص
المطعون فيه تلك الضوابط التي تتوازن من خلالها العلائق الإيجارية بما يكون كافلا
لمصالح أطرافها، غير مؤد إلى تنافرها، ليقيمها على قاعدة التضامن الاجتماعي التي
أرستها المادة (8) من الدستور، وهي بعد قاعدة مؤداها وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل
مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال
أفرادها ببعض ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلا يتفرقون بددا، أو يتناحرون طمعا، أو
يتنابذون بغيا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، لا يملكون التنصل منها أو
التخلي عنها وليس لفريق منهم بالتالي أن ينال قدرا من الحقوق يكون بها – عدوانا –
أكثر علوا، ولا أن ينتحل منها ما يخل بالأمن الاجتماعي.
وحيث أن النص المطعون فيه قد خالف، بما تقدم، الأحكام المنصوص عليها
في المواد (8 و27 و35 و53 و54 و92) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية البند رقم (4) من المادة (624) من قانون
التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي
جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره أما السيد المستشار/ رجب عبد
الحكيم سليم الذي سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع على مسودة الحكم, فقد جلس بدله
عند تلاوته السيد المستشار/ حاتم حمد بجاتو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق