الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 31 ديسمبر 2017

التنازع الظاهري للنصوص في جريمة التهرب الضريبي (عدم تقديم الاقرار)

الطعن 19 لسنة 18 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 / 12 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 49 مكرر هـ في 12/11/ 2017 ص 31
باسم الشعب 

المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من ديسمبر سنة 2017م، الموافق الثالث عشر من ربيع الأول سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 18 قضائية "دستورية".

--------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة قدمت المدعي – شريك متضامن في شركة لتشغيل الذهب مسجلة بمصلحة الضرائب على المبيعات - إلى المحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 10379 لسنة 1994، أمام محكمة جنح الجمالية، بوصف أنه خلال الفترة من شهر أغسطس سنة 1992 حتى شهر نوفمبر 1992، بصفته ممولا خاضعا للضريبة العامة على المبيعات، تهرب من أداء الضريبة المقررة قانونا والمستحقة على مبيعاته المبينة قدرا بالأوراق، وذلك بعدم تقديمه الإقرارات المبينة لحجم مبيعاته وعدم سداد الضريبة المستحقة عنها في المواعيد المحددة قانونا، وطلبت معاقبته بالمواد أرقام (1، 2، 3، 4، 5، 6، 16، 32، 43، 44/ 2 - 10) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وبجلسة 21/ 1/ 1996 دفع المدعي بعدم دستورية البندين رقمي (1، 10) من المادة (44) من القانون المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعي باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، أقام الدعوى المعروضة

بتاريخ العاشر من مارس سنة 1996، أقام المدعي هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم: بعدم دستورية الفقرتين الأولى والعاشرة من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

------------------
المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة

وحيث إن المادة (44) من القانون المار ذكره تنص على أن يعد تهربا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة ما يأتي
1- عدم التقدم للمصلحة للتسجيل في المواعيد المقررة
2- بيع السلعة أو استيرادها أو تقديم الخدمة دون الإقرار عنها وسداد الضريبة المستحقة ......... 10- انقضاء ثلاثين يوما على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة دون الإقرار عنها وسدادها". 
وحيث إن المدعي وإن كان قد طعن على نص البند رقم (1) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، إلا أن صحيفة دعواه قد خلت من بيان أوجه مخالفة ذلك النص لأحكام الدستور، وفق ما يوجبه نص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة ????، ومن ثم فإن هذا الطعن يصم دعواه بالتجهيل، وتضحى غير مقبولة، في هذا الشق منها، مما يتعين معه الالتفات عنه
وحيث إن المدعي ينعى على نص البند رقم (10) من المادة (44) سالف البيان مخالفته مبدأ أصل البراءة، إذ افترض، بمقتضى قرينة قانونية، قوامها أن انقضاء ثلاثين يوما على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة المستحقة على مبيعاته دون الإقرار عنها وسدادها يعد تهربا من الضريبة، يعاقب فاعله بالعقوبة المقررة بنص المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، كما أن النص المطعون فيه يهدر مبدأ العدالة الاجتماعية، الأمر الذي ارتأى معه المدعي أن عبارة "يعد تهربا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة" الواردة بصدر المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، ويكملها نص البند (10) من المادة ذاتها - قبل استبداله بالقانون رقم 91 لسنة 1996 - يخالفان أحكام المادتين (??، 6?) من دستور سنة 1971
وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وأن شرط المصلحة الشخصية المباشرة الذي يحدد للخصومة الدستورية نطاقها، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، فلا يمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، بالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤدى ذلك أن يقيم المدعي الدليل على أن ضررا واقعيا قد لحق به، وأن يكون هذا الضرر عائدا إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من أدعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق 
التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تعدد مواد الاتهام لا يعني أن من وجهت إليه مدان بأيها، إذ تفترض براءته من التهم التي أسندتها النيابة العامة إليه، إلى أن يقوم الدليل أمام القضاء جليا قاطعا على ثبوتها في حقه. كذلك فإن تعدد مواد الاتهام، لا يدل بداهة على أن جميعها مخالف للدستور حتى يحمل المتهم على اختصامها بتمامها أمام المحكمة الدستورية العليا، بل تقوم مصلحته الشخصية والمباشرة في الطعن على ما يكون منها كذلك في تقديره، توصلا لإبطالها وإلغاء قوة نفاذها، كي لا تطبقها محكمة الموضوع بالنسبة إليه
وحيث إن المقرر أن تنازع النصوص العقابية هو تزاحم ظاهري لنصوص تجريم متعددة إزاء فعل واحد، على نحو يتبين به - بعد تفسير صحيح لهذه النصوص - أن أحدها فحسب هو الواجب التطبيق، وأن سائرها متعين عدم إعماله. ويتضح بذلك الفرق الجوهري بين تنازع النصوص العقابية والتعدد المعنوي للجرائم، فعلى الرغم من وجهي الشبه بينهما في أن فعلا واحدا قد ارتكب، وأن نصوصا متعددة تبدو واجبة التطبيق عليه، فإن تنازع النصوص يفترض أن نصا واحدا منها في النهاية هو الذي يطبق، ومن ثم لا تتعدد الأوصاف الإجرامية للفعل ولا تتعدد الجرائم. أما التعدد المعنوي للجرائم فيفترض أن هذه النصوص جميعا واجبة التطبيق، ومن ثم تطبق جميعا، وتتعدد الأوصاف الصادرة عن كل منها وتتعدد بذلك الجرائم. ويأتي على رأس القواعد التي تحسم التنازع بين النصوص الجنائية قاعدة "النص الخاص يرجح على النص العام"، ذلك أن النص الخاص يتضمن جميع العناصر التي يحتويها النص العام، ويتضمن بالإضافة إليها عناصر تعطيه مزيدا من التحديد، وصلة أوثق بالوضع الواقعي الذي يتنازع مع النص العام التطبيق عليه
وحيث إن المادة (16) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم ?? لسنة 1991 تنص في فقرتيها الأولى والثانية على أن "على كل مسجل أن يقدم للمصلحة إقرارا شهريا عن الضريبة المستحقة على النموذج المعد لهذا الغرض خلال الثلاثين يوما التالية لانتهاء شهر المحاسبة، ويجوز بقرار من الوزير مد فترة الثلاثين يوما بحسب الاقتضاء
كما يلتزم المسجل بتقديم هذا الإقرار ولو لم يكن قد حقق بيوعا أو أدى خدمات خاضعة للضريبة في خلال شهر المحاسبة". 
وتنص المادة (32) من ذلك القانون في فقرتها الأولى على أن "على المسجل أداء الضريبة دوريا للمصلحة رفق إقراره الشهري وفي ذات الموعد المنصوص عليه في المادة (16) من هذا القانون، وذلك طبقا للقواعد والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية". 
وتنص المادة (41) من القانون المشار إليه على أن "يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألفي جنيه، فضلا عن الضريبة والضريبة الإضافية المستحقتين، كل من خالف أحكام الإجراءات أو النظم المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية دون أن يكون عملا من أعمال التهرب المنصوص عليها فيه
وتعد مخالفة لأحكام هذا القانون الحالات الآتية
1- التأخر في تقديم الإقرار وأداء الضريبة عن المدة المحددة في المادة (16) من هذا القانون بما لا يجاوز ثلاثين يوما ........" 
وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة جميعا، أن المسجل يلتزم بتقديم إقرار عن مبيعاته أو الخدمات الخاضعة للضريبة مصحوبا بأداء الضريبة المستحقة عنها - بحسب الأصل - خلال ثلاثين يوما تالية لانتهاء شهر المحاسبة، وأن تأخره عن تقديم الإقرار وأداء الضريبة خلال هذا الميعاد، وبما لا يجاوز ثلاثين يوما، يعد مخالفة لأحكام هذا القانون، ولا يكون عملا من أعمال التهرب المنصوص عليها في القانون ذاته، أما إذا تجاوز المسجل مدة ثلاثين يوما تالية لانتهاء المواعيد المقررة لتقديم الإقرار وأداء الضريبة، فإنه يعد متهربا من الضريبة طبقا لنصي البندين (2، 10) من المادة (44) من القانون المشار إليه
وحيث إن امتناع المسجل وفقا لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 عن تقديم الإقرار عن مبيعاته، وسداد الضريبة المستحقة عنها بانقضاء مدة ثلاثين يوما على انتهاء المواعيد المقررة لذلك؛ يعد عنصرا مشتركا بين الركن المادي لجريمة التهرب الضريبي في نموذجيها المنصوص عليهما بالبندين (2، 10) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، وذلك على نحو يغاير ما قد تستقل به بعض حالات ارتكاب النموذج المنصوص عليه بالبند (10) من تلك المادة من القانون المار ذكره، قبل استبداله بالقانون رقم 91 لسنة 1996، والذي تتحقق بمقتضاه جريمة التهرب الضريبي في صورة تامة، وإن كان إقرار المسجل بالضريبة المستحقة على مبيعاته وتوريدها لمصلحة الضرائب، قد جاوز مدة ثلاثين يوما تالية لانتهاء المواعيد المحددة بالمادتين (16، 32) من القانون ذاته
وحيث كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد نسبت إلى المدعي ارتكاب جريمة التهرب من أداء الضريبة على المبيعات المؤثمة بنموذجي هذه الجريمة المنصوص عليهما بالبندين (2، 10) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وقد تساندت في الجمع بين هذين النموذجين إلى استمرار امتناع المدعي عن تقديم الإقرار عن مبيعاته، وسداد الضريبة المستحقة عنها خلال المواعيد المقررة قانونا، حتى تاريخ الكشف عن الجريمة، الذي جاء تاليا لانقضاء ثلاثين يوما على انتهاء المواعيد السالف بيانها، بما تراءى معه للنيابة العامة الجمع بين نموذجي جريمة التهرب قيدا ووصفا، دون أن يشكل ذلك تعددا معنويا بينهما، وإنما تنازعا ظاهريا بين نصين عقابيين يشكل أولهما حكما خاصا على ثانيهما، بمراعاة انطوائه على صلة أوثق بالوضع الواقعي القائم في الدعوى الموضوعية. ومن ثم فإن المدعي لا يجديه مخاصمة النموذج المنصوص عليه بالبند (10) وحده، ما دام أن النموذج المنصوص عليه بالبند (2) يحمل ركنه المادي عناصر التأثيم ذاتها للجرم المنسوب للمدعي بمقتضى نص البند المطعون فيه، مع الأخذ في الاعتبار كذلك توافر القصد الجنائي الذي يجمع بين النموذجين الفائت بيانهما. وعلى ذلك، فإن إبطال نص البند (10) من المادة (44) من القانون المشار إليه، لن يحقق للمدعي أي فائدة عملية يتغير بها مركزه القانوني في الدعوى الموضوعية، بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها، إذ يظل – مخاطبا بنص البند (2) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، معرضا لإدانته عن جريمة التهرب الضريبي ذاتها، ومعاقبته بالعقوبة الموحدة المقررة لتلك الجريمة - أيا كان نموذجها – المنصوص عليها بالمادة (43) من ذلك القانون، ومن ثم تنتفي مصلحة المدعي في الطعن على دستورية نص البند (10) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 - قبل استبداله بالقانون رقم 91 لسنة 1996 - مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق