جلسة 2 من أكتوبر سنة 1986
برياسة السيد المستشار: قيس الرأي عطيه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد نجيب صالح وعوض جادو وعبد الوهاب الخياط وصلاح عطيه.
---------------
(129)
الطعن رقم 715 لسنة 56 القضائية
أسباب الإباحة "الدفاع الشرعي". مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
حق الدفاع الشرعي عن المال. متى ينشأ؟
تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته. أمر اعتباري. وجوب اتجاهه وجهة شخصيته تراعي فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان. محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد على تلك الملابسات لا يصح.
إمكان الرجوع إلى السلطة العامة للاستعانة بها في المحافظة على الحق. لا يصح على إطلاقه سبباً لنفي قيام حق الدفاع الشرعي. الأمر يتطلب أن يكون هناك من ظروف الزمن وغيره ما يسمح بالرجوع إلى هذه السلطة قبل وقوع الاعتداء بالفعل.
مثال لتسبيب معيب لنفي قيام حال الدفاع الشرعي في جانب الطاعن.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن - وآخر قضى ببراءته - بأنه: ضرب... عمداً بعصا شوم على رأسه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى الموت. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام فقرر ذلك. وادعت أرملة المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ خمس عشرة ألف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات قنا قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 2 - 3، 41، 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة سبع سنوات وإلزامه بأن يؤدي للمدعية بالحق المدني بمبلغ سبعة آلاف جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت وبإلزامه بالتعويض المدني قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه رد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن زراعة الطاعن بما لا يسوغه وعلى خلاف أحكام المادتين 246، 379/ 4 من قانون العقوبات مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن دفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن ماله وزراعته فردت المحكمة على هذا الدفع بقولها "وحيث إنه عن الدفع بقيام حق الدفاع الشرعي عن المال بدعوى أن من حق المتهم أن يستعمل القوة دفاعاً عن زراعته ففوق أن الأوراق تخلو من ثمة دليل على حصول إتلاف بزراعة المتهم بسبب عبور ناقة المجني عليه على الحد الفاصل لها تسيغ له حق الدفاع الشرعي عنها فإنه عملاً بالمادة 247 عقوبات ليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العامة ذلك أنه كان يكفي لحماية زراعة المتهم الموجودة بأرضه من مرور الدواب عليها مجرد الالتجاء إلى رجال السلطة العامة ومن ثم صار الدفع بقيام حق الدفاع الشرعي عن المال لا وجود له وفي غير حالاته القانونية". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حق الدفاع الشرعي عن المال ينشأ كلما وجد اعتداء أو خطر اعتداء بفعل يعتبر جريمة من الجرائم التي أوردتها الفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات ومنها الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة 379 من القانون ذاته والتي تنص على عقاب من "دخل في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول أو مر فيها بمفرده أو ببهائمه أو دوابه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر فيها أو ترعى فيها بغير حق"، وكانت القوة لازمة لدفع هذا الخطر. ولما كان تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمراً اعتبارياً يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعى فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا تصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادي البعيد عن تلك الملابسات، كما أن إمكان الرجوع إلى السلطة العامة للاستعانة بها في المحافظة على الحق لا يصلح على إطلاقه سبباً لنفي قيام حق الدفاع الشرعي بل إن الأمر في هذه الحالة يتطلب أن يكون هناك من ظروف الزمن وغيره ما يسمح بالرجوع إلى هذه السلطة قبل وقوع الاعتداء بالفعل، والقول بغير ذلك مؤد إلى تعطيل النص الصريح الذي يخول حق الدفاع لرد أفعال التعدي على المال تعطيلاً تاماً ولما كان مفاد ما أورده الحكم نفياً لقيام حق الدفاع الشرعي في جانب الطاعن، أن الأوراق قد خلت من ثمة دليل على حصول إتلاف بزراعته بسبب مرور ناقة المجني عليه على الحد الفاصل لأرض الطاعن، وأنه كان يتعين عليه الاحتماء برجال السلطة العامة لمنع مثل هذا المرور. وكان مفاد الفقرة الرابعة من المادة 379 من قانون العقوبات والفقرة الثانية من المادة 246 من هذا القانون أنه يكفي لقيام هذا الحق مجرد مرور تلك الناقة في الأرض المهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول ولو لم يحدث تلف بهذا الزرع أو المحصول، فإن الحكم يكون قد أورد قيداً على استعمال حق الدفاع الشرعي في الحالة المتقدم ذكرها لم يرد بنص هاتين المادتين، كما أن الحكم لم يبين أن ظروف الزمن كانت تسمح بأن يكون الالتجاء إلى رجال الشرطة هو سبيل صالح لرد الاعتداء قبل تمامه مما قصر الحكم في بيانه. ولما كان الحكم قد انطوى فيما ذهب إليه على فهم خاطئ لنظرية الدفاع الشرعي عن المال فوق ما شابه من قصور، فإنه يتعين نقضه والإحالة دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق