جلسة أول أكتوبر سنة 1986
برياسة السيد المستشار: محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي (نواب رئيس المحكمة) وفتحي خليفة.
---------------
(126)
الطعن رقم 701 لسنة 56 القضائية
(1) محكمة الجنايات "نظرها الدعوى والفصل فيها". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات كما تضمنتها قائمة شهود الإثبات المقدمة من النيابة العامة ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة.
(2) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إحالة الحكم في بيان أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه، متى كانت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
(3) جريمة "أركانها". قصد جنائي. تعدي على موظفين عموميين. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "المصلحة في الطعن".
كفاية استعمال القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف المجني عليه لتوافر الجريمة المنصوص عليها في المادة 137 مكرراً عقوبات. حدوث إصابة بالمجني عليه. غير لازم.
(4) إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(5) تعدي على موظفين عموميين. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الركنان المادي والأدبي في الجريمة المنصوص عليها في المادة 137 مكرراً أ عقوبات. متى يتحققا؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
مثال.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: استعملا القوى والعنف مع موظفين عموميين هما... المحضر بمحكمة دشنا و... الخفير النظامي بمركز دشنا لحملهما بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفتيهما هو توقيع الحجز التحفظي رقم 14 لسنة 1982 بأن تعديا عليهما بالضرب بعصي فحدثت بالخفير النظامي المذكور الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وقد بلغا من ذلك مقصدهما على النحو المبين بالأوراق. وطلبت إحالتهما إلى محكمة جنايات قنا لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الاتهام والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 137 مكرر أ فقرة أولى من قانون العقوبات بمعاقبتهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة استعمال القوة والعنف مع موظفين عموميين لحملهما على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتيهما، وبلوغهما بذلك مقصدهما، قد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وانطوى على خطأ في القانون، ذلك بأنه لم يبين مضمون الأدلة التي استند إليها في قضائه، إذ سردها كما هي واردة بقائمة أدلة الإثبات المقدمة من النيابة العامة، وأحال في بيان شهادة الشاهد الثاني، إلى ما أورده من أقوال الشاهد الأول، كما عول في الإدانة على التقرير الطبي المثبت لإصابة المجني عليه الثاني، دون أن يستظهر رابطة السببية بين إصابته ووقائع الاعتداء المسند إلى الطاعن الثاني، ولم يعرض للدفاع بتناقض الدليل القولي مع الدليل الفني في شأن ما ورد بالتقرير الطبي من إصابة المجني عليه بجرح رغم شهادة المجني عليهما من أن التعدي كان بعصا، وهي لا يمكن أن تحدث إلا كدمات ورضوضاً كما أن الشروع في تمزيق محضر الحجز التحفظي أو توجيه عبارات السباب أو الشتائم إلى الموظف العام، لا يتحقق به الركن المادي للجريمة موضوع الاتهام، خاصة أنه لا يوجد اتفاق على الجريمة بين الطاعنين، هذا إلى أن الجريمة تتطلب فوق القصد الجنائي العام قصداً خاصاً لم يستظهره الحكم. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات وتحريات الشرطة والتقرير الطبي، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات كما تضمنتها قائمة شهود الإثبات المقدمة من النيابة العامة، ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على حكمها في هذا الصدد - بفرض صحته - يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر، ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها وهو ما لا يماري فيه الطاعنان، فإن النعي عليه في هذا يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في مدوناته ما يفيد أن الطاعن الثاني تعدى بالضرب على المجني عليه الثاني فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الكشف الطبي، وأنه بمسلكه هذا حال بين المجني عليهما وأداء عملهما المكلفين به قانوناً، فإن النعي عليه في هذا يكون على غير أساس، هذا فضلاً، عن أن الحكم وقد دان الطاعنين طبقاً للفقرة الأولى من المادة 137 مكرر ( أ ) من قانون العقوبات، وهي لا تستلزم لانطباقها إحداث إصابات بالموظف المعتدى عليه، بل يكفي استعمال القوة أو العنف أو التهديد، ومن ثم فلا على المحكمة أن هي لم تورد في حكمها سبب إصابة المجني عليه، ولا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم في هذا الصدد، ما دام أن الحكم قد أثبت - على ما سلف بيانه - واقعة التعدي بالضرب على المجني عليه الثاني، وهي ضرب من ضروب القوة أو العنف المؤثم في صورة الدعوى، يستوي في ذلك أن يحدث أيهما إصابات أم لا لما كان ذلك، وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي، كما أخذت به المحكمة، غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان مؤدى ما حصله الحكم من أقوال المجني عليهما أن الطاعن الثاني تعدى بالضرب على المجني عليه الثاني، لا يتعارض، ما نقله الحكم عن تقرير الكشف الطبي الخاص بالمجني عليه آنف الذكر، الذي أثبت إصابته بجرحين بالرقبة وكدمات متفرقة بالوجه والصدر، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا المنحى يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بقوله أنها "تتحصل في أن... المحضر بمحكمة دشنا الجزئية قد توجه يوم 8/ 11/ 1982 إلى ناحية عزازية دشنا لتنفيذ بعض المهام الموكولة إليه بصفته سالفة البيان، وكان بصحبته الخفير النظامي....، وإذ كانت من بين هذه المهام، مهمة تنفيذ الحجز التحفظي رقم 14 لسنة 1982، ضد.... الشهير...، والد المتهم الثاني وقريب المتهم الأول، وكان المحضر ومرافقه قد وصلا منزل المدين سالف الذكر، وما إن هما بتنفيذ الحجز... آنف الذكر حتى اعترض المتهمان على التنفيذ، وحالا بينهما بالقوة والعنف وبين التنفيذ، بأن اختطف المتهم الأول أوراق الحجز وأسرع يشرع في تمزيقها وهو ينهال سباً وشتائم بأفزع الألفاظ على المحضر المنفذ، بينما اعتدى المتهم الثاني بالضرب على الخفير النظامي المرافق محدثاً به تلك الإصابات التي أورى التقرير الطبي وصفاً كاملاً لها". لما كان ذلك، وكان الركن المادي في الجناية المنصوص عليها في المادة 137 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات يتحقق بما يصدر عن الجاني من أعمال القوة أو العنف أو التهديد قبل الموظف العام، أياً كانت درجة القوة أو العنف أو التهديد، يستوي في ذلك أن تترك القوة أو العنف أثراً أم لا وكان ما صدر من الطاعن الأول من اعتراض على توقيع الحجز ثم انتزاعه أوراق الحجز من المحضر المكلف بالتنفيذ، ثم الشروع في تمزيقها مع توجيه الشتائم والسباب المقذع إليه، يتضمن معنى القوة أو العنف أو بالقليل التهديد بالإيذاء إذا ما استمر المذكور في أداء عمله، وهو ما يتحقق به الركن المادي في الجريمة فإن النعي عليه في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الركن الأدبي في الجناية بادية الذكر لا يتحقق إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام، تتمثل في انتواء الحصول من الموظف المعتدي عليه على نتيجة معينة، هي أن يؤدي عملاً لا يحل له أن يؤديه، أو أن يستجيب لرغبة المعتدي، فيمتنع عن أداء عمل كلف به، وقد أطلق الشارع حكم هذه المادة لينال بالعقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة، متى كانت غايته من الاعتداء أو التهديد حمل الموظف أو المكلف بالخدمة العامة على قضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء عمله المكلف به، يستوي في ذلك أن يقع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه، أو في غير حالة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر في مدوناته - على ما سلف البيان - استظهاراً سليماً وسائغاً من ظروف الواقعة وملابساتها أن نية الطاعنين مما وقع منهما من أعمال مادية، قد انصرفت إلى منع المحضر والخفير النظامي المصاحب له من أداء عمل من أعمال وظيفتيهما، هو تنفيذ أولهما توقيع الحجز التحفظي على منقولات والد الطاعن الثاني وقريب الأول، ومنع الثاني من مساعدته في أداء عمله وتمكينه منه، فإن الحكم يكون قد أثبت قيام الركن الأدبي للجناية التي دان الطاعنين بها، ويضحى منعى الطاعنين بعدم توافر الركن الأدبي، مجرد جدل في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق