جلسة 22/2/2023
برئاسة السيد المستشار/ حسن مبارك ـ رئيس الدائرة وعضوية السادة المستشارين/ د. رضا بن علي، إدريس بن منصور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الطعن رقم 133 لسنة 2023 جزائي)
(1) إثبات "بوجه عام". إفشاء الأسرار. تقنية المعلومات. حكم "بيانات التسبيب" "بيانات حكم الإدانة" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
- بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة. كاف.
- عدم رسم القانون شكلاً معيناً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
- مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة في جريمة الاعتداء على خصوصية المجني عليه وإفشاء أسراره باستخدام وسيلة من وسائل تقنية المعلومات.
(2) إفشاء الأسرار.
- جريمة إفشاء الأسرار. مناط العقاب عليها؟
- السرية. ماهيتها؟
(3) إثبات "بوجه عام" "شهود" "قرائن". جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير أقوال الشهود" "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
- لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه. طالما له مأخذه الصحيح من الأوراق.
- تساند الأدلة في المواد الجزائية. مؤداه؟
- لمحكمة الموضوع التعويل على أي دليل أو قرينة. متى اطمأنت إليها.
- استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. مادام سائغاً.
- وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
- للمحكمة الأخذ بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
- الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
- الدفاع الذي لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة بل لإثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة. غير مقبول
- تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان الجريمة. غير لازم. مادام ما أورده من وقائع كاف للتدليل عليه.
- بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم. تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه. غير لازم. التفاته عنها. مفاده: اطراحها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المستأنف - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي أدان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل أنها محصتها التمحيص الكافي والمت بها الماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة. لما كان ذلك، وكان الحكم المستأنف قد استمد عناصر الإدانة مما ورد بأقوال وكيل المجني عليه بمحضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة بأنه "وردت معلومات عن واقعة قيام شخص يدعى/ .... بنشر تعليقات تعود إلى البنك، وهي أسماء عملاء ومديونياتهم وتهديدات بنشر بعض حلقات لفضح البنك وإرسال بعض القرارات الداخلية الخاصة بالبنك، وكان ذلك عن طريق برنامج التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، وبالبحث والتحري عن الواقعة تبين لفرع الدوريات الإلكترونية ومن خلال الرجوع إلى الإيميل الخاص بالمتهم الثاني - الطاعن -/ .... وكذلك بالرجوع إلى فواتير الهاتف المستخدم من قبله والخاص بالبنك بأنه قام بإرسال القرار الداخلي في إيميله الخاص، ومن خلال ما تبين بقسم (IT) من قيام صاحب الحساب ....، بإفشاء الأسرار وبالمعلومات والبيانات الخاصة بالمجني عليه والتي توصل إليها عن طريق عمله وقام بتحويلها لإيميله الخاص .... ومن ثم قام بإرسالها عبر إيميله الخاص للمتهم الأول، ومن خلال ما أسفرت عنه إجراءات عن صاحب الحساب .... بموقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وتبين بأنه يعود للمتهم الأول/ .... - .... الجنسية- وبالتدقيق على حسابه تبين بأنه قام بحذف المنشورات التي قام بنشرها ضد بنك .... - أبو ظبي- وكما تبين بأن المتهم الثاني الطاعن / .... - قام بتسريب بعض إيميلات البنك إلى بريده الشخصي وهو ما يعد خرقاً وعدم امتثال لسرية المعلومات والتي تندرج تحت بند "عدم أرسال أي معلومات تتعلق بالبنك أو العملاء أو أي مستند للبريد الإلكتروني الشخص أو أي حساب أخر". ولما كان من المقرر أن القانون لم يحدد شكلاً أو نمطاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حينما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور يكون غير سديد.
2- من المقرر وفقاً لنص المادة 379/1 من قانون العقوبات الاتحادي المعدل والمقابلة لها بالمادة 432/1 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 31 لسنة 2021 أنه:" يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبالغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من بحكم مهنته أو حرفته أو فنه مستودع سر فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو استعمله لمنفعته الخاصة أو لمنفعة شخص آخر، وذلك ما لم يأذن صاحب الشأن في السر بإفشائه أو عدم استعماله" مفاده أن مناط التجريم في هذه الجريمة هو خروج العامل على مقتضيات عمله أو مهنته أو وضعه وعدم المحافظة على الأمانة التي أوتمن عليها بإفشاء سر من أسرار المنشأة التي يعمل بها والتي وصلت لعلمه أثناء أدائه لعمله أو بسببه للغير، ومن ثم فإن تحديد السرية يعتمد على الظروف والأحوال الموضوعية التي أحاطت بالواقعة فلا يشترط أن يعهد صاحبه به صراحة إلى العامل بل يكفي أن يتم الاطلاع عليه بسبب المهنة أو العمل. ولما كان ذلك فإن ما أثاره الطاعن من عدم انطباق النموذج الإجرامي لجريمة إفشاء سرية المعلومات على الواقعة يكون في غير محله.
3- من المستقر عليه قضاء أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما كان لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هو الحال في الدعوى الحالية - ولها أن تركن في تكوين عقيدتها إلى ما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوي وأن تأخذ من أية بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلاً لحكمها ولها أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وكان من المقرر أنه لا تثريب على المحكمة أن هي أخذت بتحريات رجال المباحث ضمن الأدلة التي استندت إليها لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما قدمته من أدلة. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى الأدلة المطروحة عليها والمنوه عنها سلفاً وحصلتها كما هي في الأوراق واقتنعت بوقوع الجريمة موضوع الأوراق على الصورة الصحيحة التي اعتنقتها، فإن ما يثيره دفاع الطاعن حول تصور المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأدلة الثبوت أو محاولة تجريحها بمقولة انتفاء أركان الجريمة المسندة له والقصد الجنائي في حقه لخلو الأوراق من دليل يقيني علي قيامه بإرسال أية ملفات تخص البنك المجني عليه للمتهم الأول لعدم وجود اشتراك أو اتفاق أو سابق معرفة بينه وبين المتهم الأول، فضلاً عن اعتصامه الإنكار، وعدم ارتكاب الواقعة يكون من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها واستخلاص صورة الواقعة كما استقرت في وجدانها مما تستقل به بغير معقب، كما أن هذا القول من الدفاع لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة بل لإثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة ويكون ما يثيره في هذا الخصوص غير قويم. فضلا عن أن ما أورده الحكم المطعون فيه واستند إليه في الإدانة من أدلة علي نحو ما سلف بيانه - لا ينازع الطاعن في أن لها معينها الصحيح من الأوراق - ويتوافر به أركان هذه الجريمة في حقه، إذ لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركانها مادام أورد من الوقائع والأدلة ما يدل عليه، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه علي ما استخلصه من مقارفة المتهم للجريمة المسندة إليه ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــــــة
حيث إن الوقائع تتحصل في أن النيابة العامة أسندت للطاعن - المتهم الثاني - وآخر: بأنهما بتاريخ 25/6/2021م وسابق عليه بدائرة أبو ظبي الكلية المتهم الأول: اعتدى على خصوصية المجني عليه / (بنك ....) بأن اسند إليه واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب وكان ذلك باستخدام شبكة معلوماتية برنامج الفيس بوك على النحو المبين بالأوراق وقام بنشر معلومات وصور إلكترونية ومحادثات وتعليقات وبيانات ولو كانت صحيحة وحقيقة خاص بالمجني عليه سالف الذكر وكان ذلك باستخدام شبكة معلوماتية برنامج الفيس بوك على النحو المبين بالأوراق. المتهم الثاني - الطاعن -: قام بكشف معلومات سرية حصل عليها بمناسبة عملة وهو قرار (مجلس إدارة بنك ....) الخاص بالمجني عليه بنك .... بأن أرساله إلى إيميل الخاص وكان ذلك باستخدام شبكة معلوماتية على النحو المبين بالأوراق. وطلبت مقاضاتهما طبقاً للمواد 1/10، 20/1، 21/ الفقرة الأولى – البند 3، 22 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 5 لسنة 2012م في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات. تداول نظر الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات أمام محكمة أبو ظبي الجزائية، وبجلسة 2/2/2022م حكمت غيابياً بإدانة المتهم الطاعن ومعاقبته بالغرامة 50.000 درهم عن جريمة إفشاء الأسرار بحكم عمله وإبعاده من الدولة بعد تنفيذ العقوبة وأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغاً قدره 3000 درهم على سبيل التعويض المدني وتحميل المتهمين المصاريف وأتعاب المحاماة في حدود مبلغ 500 درهم.
عارض الطاعن أمام ذات المحكمة وبجلسة 5/12/2022 قضت بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع برفض وتأييد الحكم المعارض فيه مع تعديل العقوبة والقضاء مجدداً بالغرامة 50.000 درهم عن جريمة إفشاء الأسرار بحكم عمله وأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ وقدرة 3000 درهم على سبيل التعويض المدني ويتحمل المتهم المصاريف وأتعاب المحاماة في حدود مبلغ 500 درهم.
فاستأنف الطاعن هذا الحكم وبجلسة 17/1/2023، قضت محكمة استئناف أبو ظبي حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف، وإلزام المستأنف بالرسوم.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى المحكوم عليهما فطعنا عليه بطريق النقض بالطعن المطروح وأودعت محاميته صحيفة الطعن قلم مكتب إدارة الدعوى بتاريخ 9/2/2023 وقدمت النيابة العامة مذكرة ارتأت في نهايتها رفض الطعن وارتأت المحكمة أن الطعن جدير بالنظر.
نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه عن جريمة إفشاء أسرار عمله باستعمال وسيلة من وسائل تقنية المعلومات قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون لخلو الأوراق من أي دليل يقيني قبله علي قيامه بإرسال أية ملفات تخص البنك المجني عليه للمتهم الأول لعدم وجود اشتراك أو اتفاق أو سابق معرفة بينه وبين المتهم الأول، وانتفاء أركان الجريمة والقصد الجنائي في حقه، ودانه الحكم بالمخالفة لنص المادة 379/1 من قانون العقوبات الاتحادي المعدل والمقابلة لها بالمادة 432 /1 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 31 لسنة 2021 والتي لا تعاقب على نسخ البيانات والمعلومات والاحتفاظ بها علي جهازه، وعول في إدانته علي تقرير التحريات ومخاطبة فرع الدوريات الإلكترونية، فضلاً عن اعتصامه الإنكار وعدم ارتكاب الواقعة ، كل أولئك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث أن الحكم المستأنف - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي أدان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل أنها محصتها التمحيص الكافي والمت بها الماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة. لما كان ذلك، وكان الحكم المستأنف قد استمد عناصر الإدانة مما ورد بأقوال وكيل المجني عليه بمحضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة بأنه "وردت معلومات عن واقعة قيام شخص يدعى/ .... بنشر تعليقات تعود إلى البنك، وهي أسماء عملاء ومديونياتهم وتهديدات بنشر بعض حلقات لفضح البنك وإرسال بعض القرارات الداخلية الخاصة بالبنك، وكان ذلك عن طريق برنامج التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، وبالبحث والتحري عن الواقعة تبين لفرع الدوريات الإلكترونية ومن خلال الرجوع إلى الإيميل الخاص بالمتهم الثاني - الطاعن -/ .... وكذلك بالرجوع إلى فواتير الهاتف المستخدم من قبله والخاص بالبنك بأنه قام بإرسال القرار الداخلي في إيميله الخاص، ومن خلال ما تبين بقسم (IT) من قيام صاحب الحساب ....، بإفشاء الأسرار وبالمعلومات والبيانات الخاصة بالمجني عليه والتي توصل إليها عن طريق عمله وقام بتحويلها لإيميله الخاص .... ومن ثم قام بإرسالها عبر إيميله الخاص للمتهم الأول، ومن خلال ما أسفرت عنه إجراءات عن صاحب الحساب .... بموقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وتبين بأنه يعود للمتهم الأول/ .... - .... الجنسية- وبالتدقيق على حسابه تبين بأنه قام بحذف المنشورات التي قام بنشرها ضد بنك .... - أبو ظبي- وكما تبين بأن المتهم الثاني الطاعن / .... - قام بتسريب بعض إيميلات البنك إلى بريده الشخصي وهو ما يعد خرقاً وعدم امتثال لسرية المعلومات والتي تندرج تحت بند "عدم أرسال أي معلومات تتعلق بالبنك أو العملاء أو أي مستند للبريد الإلكتروني الشخص أو أي حساب أخر". ولما كان من المقرر أن القانون لم يحدد شكلاً أو نمطاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حينما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور يكون غير سديد. وحيث أنه من المقرر وفقاً لنص المادة 379/1 من قانون العقوبات الاتحادي المعدل والمقابلة لها بالمادة 432/1 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 31 لسنة 2021 أنه:" يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبالغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من بحكم مهنته أو حرفته أو فنه مستودع سر فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو استعمله لمنفعته الخاصة أو لمنفعة شخص آخر، وذلك ما لم يأذن صاحب الشأن في السر بإفشائه أو عدم استعماله" مفاده أن مناط التجريم في هذه الجريمة هو خروج العامل على مقتضيات عمله أو مهنته أو وضعه وعدم المحافظة على الأمانة التي أوتمن عليها بإفشاء سر من أسرار المنشأة التي يعمل بها والتي وصلت لعلمه أثناء أدائه لعمله أو بسببه للغير، ومن ثم فإن تحديد السرية يعتمد على الظروف والأحوال الموضوعية التي أحاطت بالواقعة فلا يشترط أن يعهد صاحبه به صراحة إلى العامل بل يكفي أن يتم الاطلاع عليه بسبب المهنة أو العمل. ولما كان ذلك فإن ما أثاره الطاعن من عدم انطباق النموذج الإجرامي لجريمة إفشاء سرية المعلومات على الواقعة يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المستقر عليه قضاء أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما كان لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هو الحال في الدعوى الحالية - ولها أن تركن في تكوين عقيدتها إلى ما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوي وأن تأخذ من أية بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلاً لحكمها ولها أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وكان من المقرر أنه لا تثريب على المحكمة أن هي أخذت بتحريات رجال المباحث ضمن الأدلة التي استندت إليها لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما قدمته من أدلة. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى الأدلة المطروحة عليها والمنوه عنها سلفاً وحصلتها كما هي في الأوراق واقتنعت بوقوع الجريمة موضوع الأوراق على الصورة الصحيحة التي اعتنقتها، فإن ما يثيره دفاع الطاعن حول تصور المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأدلة الثبوت أو محاولة تجريحها بمقولة انتفاء أركان الجريمة المسندة له والقصد الجنائي في حقه لخلو الأوراق من دليل يقيني علي قيامه بإرسال أية ملفات تخص البنك المجني عليه للمتهم الأول لعدم وجود اشتراك أو اتفاق أو سابق معرفة بينه وبين المتهم الأول، فضلاً عن اعتصامه الإنكار، وعدم ارتكاب الواقعة يكون من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها واستخلاص صورة الواقعة كما استقرت في وجدانها مما تستقل به بغير معقب، كما أن هذا القول من الدفاع لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة بل لإثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة ويكون ما يثيره في هذا الخصوص غير قويم. فضلا عن أن ما أورده الحكم المطعون فيه واستند إليه في الإدانة من أدلة علي نحو ما سلف بيانه - لا ينازع الطاعن في أن لها معينها الصحيح من الأوراق - ويتوافر به أركان هذه الجريمة في حقه، إذ لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركانها مادام أورد من الوقائع والأدلة ما يدل عليه، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه علي ما استخلصه من مقارفة المتهم للجريمة المسندة إليه ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد. ولما تقدم كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مما يتعين رفضه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق