الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 يناير 2025

الطعن 874 لسنة 4 ق جلسة 25 / 4 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 105 ص 1188

جلسة 25 من أبريل سنة 1959

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيى الدين حسن ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

---------------

(105)

القضية رقم 874 لسنة 4 القضائية

(أ) نقل. 

نقل عضو من هيئة التدريس بكلية البوليس إلى قسم الإدارة العامة بالديوان العام لوزارة الداخلية - قيام ما يبرره من توصيه مجلس الكلية به لأسباب تتصل بصالح التدريس بها - انتفاء سوء استعمال السلطة أو المخالفة للقانون - التحدي بحسن التقارير السرية السابقة الموضوعية عن الموظف، والقول بتغير النظرة إليه بعد تعيين مدير جديد للكلية - لا يكفي للتدليل على إساءة استعمال السلطة - تعليل ذلك.
(ب) نقل. 

النقل من وظيفة إلى أخرى - صحيح ما دام لا ينطوي على جزاء تأديبي مقنع بتنزيل الموظف إلى وظيفة درجتها أقل - النعي على قرار النقل بأنه تم على غير درجة وعلى غير وظيفة - غير صحيح متى كان النقل إلى مثل درجة الموظف، ولو كان الخصم بماهيته على ربط وظيفة بالجهة المنقول منها.

------------------
1 - إذا كان الثابت أن نقل المدعي من وظيفته بهيئة التدريس بكلية البوليس إلى قسم الإدارة بالديوان العام لوزارة الداخلية أنه إنما تم للمصلحة العامة المتمثلة في مصلحة التعليم بالكلية المذكورة، وذلك بناء على توصية مجلس إدارة الكلية، بعد إذ تبين له أن بقاء المدعي بها يضر بصالح التعليم نظراً لكثرة تغيبه، وهذا أمر ينفرد بتقديره المجلس المشار إليه بصفته المهيمن على شئون التعليم والمشرف على رعايته وعلى وزن كفاية القائمين به، والمسئول عن حسن سيره بالكلية، بما لا معقب عليه فيه، ولا رقابة للقضاء الإداري عليه، ما دام قراره في ذلك قد تغيا وجه المصلحة العامة وخلا من شائبة إساءة استعمال السلطة. وقد أبدى مجلس إدارة الكلية توصيته بنقل المدعي، وأقره على ذلك وزير الداخلية باعتباره المسئول الأخير عن هذا كله، واستند الوزير في ديباجة قراره إلى توصية المجلس بعد إذ اطلع على أسبابها واعتنقها اقتناعاً بها، ولم ينهض دليل على أن مجلس إدارة الكلية أو أن وزير الداخلية قد صدر فيما ارتآه عن بواعث شخصية بعيدة عن المصلحة العامة أو مشوبة بالانحراف بالسلطة إذا كان الثابت ما تقدم - فإن النقل يكون مشروعاً وليس يكفي للتدليل على إساءة استعمال السلطة المدَّعى بها التحدي بالتقارير السرية في السنوات السابقة، وما تشهد به من نشاط صاحبها واجتهاده في الماضي؛ لأنها من جهة ليست الوعاء الوحيد لتقرير صلاحية الموظف؛ ولأنها من جهة أخرى لا تمنع من أن يجد به في المستقبل ما يغير النظرة إليه؛ ذلك أن سلوك الموظف في عمله ومواظبته عليه ليس حالة دائمة الثبات لا تقبل التحول، بل هي صفة قد تزايل صاحبها؛ إذ تتأثر بالظروف المحيطة به، كما لا يكفي القول بأن النظرة إلى المدعي قد تغيرت دون مقدمات بعد تولي مدير كلية البوليس الجديد لمنصبه، ما دام هذا المدير - ولم يثبت أن بينه وبين المدعي ما يحمله على التجني عليه - ليس هو صاحب السلطة النهائية التي تملك أمر نقله، ولا سيما أن توصية مجلس إدارة الكلية لم تقصر على اقتراح نقل المدعي وحدة من هيئة التدريس بها لمصلحة التعليم، بل تناولت في الوقت ذاته زميلاً آخر للمصلحة عينها، ابتغاء التطهير والإصلاح، وهو نقل مشروع تملكه جهة الإدارة وفقاً لمقتضيات لمصلحة العامة، وتترخص فيه بسلطتها التقديرية حسبما تراه محققاً لهذه المصلحة.
2 - ما دام النقل لا ينطوي على جزاء تأديبي مقنع بتنزيل الموظف من الوظيفة التي يشغلها إلى وظيفة درجتها أقل من درجته، ولا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية في الوظيفة المنقول منها، فهو صحيح؛ ذلك أن الموظف ليس له إزاء المصلحة العامة حق مكتسب في البقاء في وظيفة بعينها. ولا حجة فما يذهب إليه المدعي من أن نقله تم إلى غير درجة وعلى غير وظيفة؛ إذ الواقع أنه إنما نقل إلى مثل درجته بالديوان العام بوزارة الداخلية، وألحق بقسم الإدارة به. ولا يغير من هذه الحقيقة صدور قرار وزير الداخلية، بالخصم بماهيته على ربط وظيفة مدرس من الدرجة الثالثة بكلية البوليس؛ إذ لا يعدو هذا أن يكون تعييناً للمصرف المالي، دون مساس بالوضع الوظيفي للمدعي من حيث الدرجة.


إجراءات الطعن

في 19 من أغسطس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 874 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 25 من يونيه سنة 1958 في الدعويين المضمومتين رقمي 220 لسنة 3 القضائية و723 لسنة 5 القضائية المقامتين من السيد/ محمود متولي ضد وزارة الداخلية، القاضي "أولاً - بضم الدعوى رقم 723 لسنة 5 ق إلى هذه الدعوى ليصدر فيهما حكم واحد. ثانياً - بعدم قبول طلب المدعي إلغاء القرار الصادر في 28 من يوليه سنة 1948 بنقله من كلية البوليس إلى الديوان العام بوزارة الداخلية لرفعه بعد الميعاد، وبعدم جواز سماع الدعوى بطلب إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 7 من يناير سنة 1954 بإحالة المدعي إلى المعاش، وكذلك بعدم جواز سماع دعوى التعويض عن هذا القرار، ورفضت باقي طلبات المدعي، وألزمته المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به عدم قبول طلب المدعي إلغاء القرار الصادر في 28 من يوليه سنة 1948 بنقله من كلية البوليس إلى الديوان العام بوزارة الداخلية، ورفض طلب التعويض عن هذا القرار، والقضاء بتعويض المدعي تعويضاً مناسباً عن القرار المذكور، وتأييد الحكم فيما عدا ذلك، وإلزام المدعي بالمصروفات المناسبة". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 8 من أكتوبر سنة 1958، وإلى المطعون لصالحه في 15 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 7 من مارس سنة 1959. وفي 25 من يناير سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات في عشرون يوماً. وقد أودعت الحكومة مذكرة بملاحظاتها، انتهت فيها إلى طلب "الحكم برفض الطعن، وتأييد الحكم فيه، مع إلزام المدعي بالمصروفات والأتعاب".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 220 لسنة 3 ق ضد وزارة الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكريترية المحكمة في 30 من يناير سنة 1949وطلب فيها - للأسباب التي أبداها بها - الحكم "أولاً - بأحقيته في تسوية حالته على أساس ما ارتبطت به وزارة الداخلية معه بتاريخ 16 من مايو سنة 1938 تطبيقاً لرأي قسم قضايا الحكومة الأهلية الصادرة بتاريخ 16 من مارس سنة 1938 وتطبيق قرار الوزراء الصادر بخصوص ذلك في 18 من يونيه سنة 1938 في عهد أحمد لطفي السيد وزير الداخلية وقتئذ (بناء على الأسانيد القانونية الآتية): 1 - قد حصل الاتفاق بين المدعي والوزارة في 18 من يونيه سنة 1938 على أن يتنازل المدعي عن الدعوى رقم 1151 لسنة 1935 كلي مصر السابق رفعها منه عليها بطلب عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض لما لحقه من ضرر بسبب فصله سياسياً من وظيفته السابقة بطريقة غير قانونية، مقابل التزامها بتسوية حالته وقتئذ بوضعه بالدرجة الرابعة الفنية بمرتب 40 جنيهاً شهرياً من تاريخ عودته للعمل في 18 من يونيه سنة 1938، وتعويضه بمبلغ 1200 ج أو 2000 ج (لعدم إعادته). 2 - أن هذا الاتفاق ملزم للوزارة ولا يجوز لها التحلل منه حتى ولو بقرارات أصدرتها أو تصدرها بمقتضى سلطتها الإدارية، فإذا لم تنفذ الوزارة هذا الاتفاق ورفع المدعي دعواه إلى القضاء الإداري تأسيساً عليه، فإن هذا الدعوى في ماهيتها القضائية هي "منازعة في مرتب"، مما يدخل في اختصاص هذه المحكمة الفصل فيه؛ بولايتها الكاملة؛ عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون مجلس الدولة. ثانياً - الحكم بإلغاء القرار الوزاري الصادر من وزارة الداخلية بتاريخ 2 من أغسطس سنة 1948، القاضي بنقل المدعي من وظيفته الفنية بكلية البوليس إلى الديوان العام بالداخلية نقلاً على غير درجة وعلى غير وظيفة؛ لمخالفة ذلك لقانون ربط الميزانية الذي يوجب أن يكون نقل الموظف على درجة معينة. وليس أدل على أن هذا النقل ليس على درجة معينة من أن المدعي للآن يقبض راتبه من ربط وظائف التدريس بكلية البوليس إلى تاريخ رفع هذه الدعوى؛ الأمر الذي قصد به حرمانه من الدرجة التي أهلته لها كفايته وأقدميته؛ وذلك بناء على الأسانيد القانونية الآتية: 1 - لأن النقل النوعي من وظيفة إلى أخرى هو تقليد لوظيفة جديدة مما تختص محكمة القضاء الإداري بنظر إلغائه طبقاً للفقرة الثالثة من المادة الرابعة من قانون مجلس الدولة. 2 - لأن النظم المالية تحظر نقل أو ترقية أي موظف فني إلى قسم آخر ما دام عمل القسمين مختلفاً، كما لا يجوز الخصم براتب موظف في قسم ما على وظيفة خالية في قسم الآخر. ثالثاً - إلغاء قرار الإيقاف الصادر من وكيل وزارة الداخلية بتاريخ 16 من ديسمبر سنة 1948 بوقف المدعي عن عمله، الذي هو عقوبة مما تختص بنظره محكمة القضاء الإداري طبقاً لنص المادة الرابعة. وليس أدل على إساءة استعمال السلطة فيما لحق المدعي للآن وفي صدور قرار الإيقاف هذا من أنه جاء مخالفاً للتحقيقات الإدارية المقول بحصولها دون أن تستدعيه تلك التحقيقات، كما أن الحكمة من صدور قرار الإيقاف هي منع تأثير الموظف الموقوف على سير التحقيق الذي كان قد انتهى، فضلاً عما يذهب إليه بعضهم من أن الإيقاف غير المحدود بمدة هو صورة مقتنعة من صور التنحية عن الوظيفة، وإسقاط لولايتها وحرمان من مزاياها، فهو صورة "مقنعة" من صور الفصل، أو عمل تأديبي بحكم الفقرة الرابعة من المادة الرابعة. رابعاً - الحكم للمدعى بمبلغ ثلاثين ألف جنيه (30.000 ج) - كتعويض له عما ناله من الملاحقة والاضطهاد والتعقب، سواء في انجلترا أثناء دراسته، أو في مصر بعد عودته، وتضييع فرص الترقي التي سنحت له بسبب هذه الملاحقة رغم كفاية المدعي ونزاهته وأمانته. ونظراً لأن القرارات المشكو منها مشوبة كلها بسوء استعمال السلطة؛ الأمر الذي ألحق بالمدعي ضرراً بليغاً من الناحية المادية والأدبية؛ لذلك فإن المدعي يطالب بهذا المبلغ كتعويض مناسب له. خامساً - الحكم بإلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، مع حفظ كافة حقوق الطالب. سادساً - الحكم بوضع تحقيقات هذه الدعوى والحكم الصادر فيها بملف خدمة المدعي". وبعريضة مودعة سكرتيرية المحكمة في 28 من فبراير سنة 1951 أقام المدعي الدعوى رقم 723 لسنة 5 القضائية ضد وزارة الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً "الحكم بإلغاء القرار الوزاري الصادر من وزارة الداخلية بتاريخ 19 من أغسطس سنة 1950 القاضي بنقله من وظيفة مفتش الداخلية إلى وزارة الاقتصاد الوطني نقلاً نوعياً أضر بالطالب أديباً ومادياً، وإعادته لوظيفته الأصلية، مع إلزام الوزارة بالمصاريف والأتعاب، وحفظ حقه في التعويض عما ناله من أضرار بسبب هذا النقل". وبجلسة أول يناير سنة 1953 أضاف إلى طلباته في هذه الدعوى طلباً بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد، كما عدل طلباته في الدعوى الأولى رقم 220 لسنة 3 القضائية بجلسة 18 من مارس سنة 1954 بإضافة الطلبات الآتية: أولاً - إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 7 من يناير سنة 1954 والمنفذ بالقرار الوزاري المؤرخ 20 من يناير سنة 1954، القاضي بإحالته إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية بناء على القانون رقم 600 لسنة 1953. ثانياً - زيادة مبلغ التعويض المطالب به في الدعوى أصلاً إلى خمسين ألف جنيه؛ نظير ما لحقه من أضرار مادية وأدبية بسبب المظالم التي لحقته من سنة 1929 إلى الآن. وقد تبادل الطرفان المذكرات، وأودع السيد مفوضي الدولة تقريره بالرأي القانوني مسبباً، ثم شفعه بتقرير تكميلي في شأن ما استجد من الطلبات. وبجلسة 25 من يونيه سنة 1958 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) في هاتين الدعويين "أولاً - بضم الدعوى رقم 723 لسنة 5 ق إلى هذه الدعوى ليصدر فيهما حكم واحد. ثانياً - بعدم قبول طلب المدعي إلغاء القرار الصادر في 28 من يوليه سنة 1948 بنقلة من كلية البوليس إلى الديوان العام بوزارة الداخلية لرفعه بعد الميعاد، وبعدم جواز سماع الدعوى بطلب إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 7 من يناير سنة 1954 بإحالة المدعي إلى المعاش، وكذلك بعدم جواز سماع دعوى التعويض عن هذا القرار، ورفضت باقي طلبات المدعي، وألزمته المصروفات". وأوردت المحكمة في حكمها أن المدعي عين في سنة 1929 رئيساً لإدارة التعليم بمجلس مديرية الدقهلية، وذلك بعد حصوله على شهادة الليسانس في القانون في تلك السنة، ولما كان مجلس المديرية هو المتولي الإنفاق على تعليمه من قبل فقد رأي إيفاده على نفقته أيضاً إلى إنجلترا لدراسة برنامج في التربية والتعليم حتى إذا أتمه تولى وظيفة مدير التعليم بالمجلس مدة معينة؛ بيد أن خلافاً نشأ بينه وبين المجلس خلال مدة البعثة بشأن منهج الدراسة أدى بالمجلس إلى قطع مرتبه؛ الأمر الذي اضطره إلى العودة إلى مصر في ديسمبر سنة 1932 قبل انتهاء الفترة التي كانت مقررة لبعثته. وعندما عاد لم يباشر العمل بمجلس المديرية، وإنما ندب للعمل بمكتب العمل بإدارة الأمن العام، وظل منتدباً به من مارس إلى ديسمبر سنة 1933، ولم يتقاض راتبه طوال هذه المدة إلى أن فصل من الخدمة. فرفع ضد كل من وزارة الداخلية ومجلس مديرية الدقهلية الدعوى رقم 151 لسنة 1935 كلي مصر يطلب الحكم له فيها عليهما بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضاً لما زعم أنه أصابه من ضرر بسبب تصرفاتهما معه إبان دراسته في إنجلترا وبعد عودته منها، بإبعاده عن وظيفة مدير التعليم بالمجلس، وندبه لمكتب العمل بالوزارة، دون منحه مرتباً ثم فصله من هذه الوظيفة. وقد رفع مجلس المديرية من جانبه دعوى فرعية ضد المدعي يطالبه فيها بنفقات تعليمه في مراحل الدراسة المختلفة، وأثناء سير هذه الدعوى اقترحت إدارة قضايا الحكومة - لإنهاء النزاع صلحاً - إجراء تسوية تقوم على منح المدعي تعويضاً قدره 1200 جنيه، يدفع مجلس مديرية الدقهلية ثلثه وتدفع وزارة الداخلية باقيه، وأن يعين المدعي في وظيفة من الدرجة الرابعة براتب شهري قدره أربعون جنيهاً، فإذا لم يتيسر تعيينه في الحكومة يمنح تعويضاً قدره 2000 جنيه. وقد وافق وزير الداخلية وقتذاك على عرض هذا الاقتراح بوجهيه على مجلس الوزراء، إلا أن تعديلات أدخلت على هذه الاقتراح قبل عرضه حتى صار إلى وضع قبله المدعي، ووافق عليه مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 9 من أكتوبر سنة 1938، ويتلخص في أن عين المدعي مدرساً بمدرسة البوليس والإدارة في الدرجة الخامسة براتب شهري قدره ثلاثون جنيهاً، وصرف له مبلغ 200 ج، وهو يعادل على وجه التقريب مرتبه عن فترة ندبه لمكتب العمل بإدارة الأمن العام من مارس إلى ديسمبر سنة 1933. وفي مقابل هذا تنازل كل من المدعي ومجلس مديرية الدقهلية تنازلاً نهائياً عن دعواه قبل الآخر. وقد رقي المدعي بعد ذلك في وظيفته إلى الدرجة الرابعة في سبتمبر سنة 1942، وإلى الدرجة الثالثة في سبتمبر سنة 1946. وفي 28 من يوليه سنة 1948 صدر قرار بنقله من كلية البوليس إلى الديوان العام بوزارة الداخلية حيث رقي إلى الدرجة الثانية، وقد حدث أن قام نزاع بين مصلحة الأملاك الأميرية وبينه بشأن استيلائه على بعض أملاك الدولة، ونسب إليه أنه توصل إلى ذلك مستعيناً بنفوذه لدى رجال الإدارة بوصفه من كبار موظفي وزارة الداخلية، وقد أجرى تحقيق في هذا الموضوع، ورؤى أن مصلحة التحقيق تستدعى وقف المدعي عن عمله، فصدر في 16 من ديسمبر سنة 1948 قرار من وكيل وزارة الداخلية بوقفه عن العمل. وفي 30 من يناير سنة 1949 أقام المدعي ضد وزارة الداخلية الدعوى رقم 220 لسنة 3 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري، وفي أثناء سير هذه الدعوى صدر قرار مجلس البوليس الأعلى في 19 من أغسطس سنة 1950 الذي اعتمده وزير الداخلية في 22 منه بالموافقة على نقل المدعي إلى وزارة الاقتصاد الوطني، وعلى إثر ذلك أقام الدعوى رقم 723 لسنة 5 ق وفي 28 من فبراير سنة 1951 ضد وزارة الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري. وفي 7 من يناير سنة 1954صدر قرار مجلس الوزراء بإحالته إلى المعاش، بالاستناد إلى القانون رقم 600 لسنة 1953. وقد أسست المحكمة قضاءها فيما يتعلق بطلبه إلغاء قرار نقله من وظيفة مدرس بكلية البوليس إلى ديوان العام وزارة الداخلية على أن الحكومة قد دفعت بعدم قبول هذا الطلب بمقولة إن قرار النقل المطعون فيه صدر في 28 من يوليه سنة 1948، وأبلغ به المدعي في 2 من أغسطس سنة 1948، ولم يتظلم منه أو يرفع الدعوى بطلب إلغائه إلا في 30 من يناير سنة 1949، أي بعد انقضاء الميعاد المقرر للطعن بالإلغاء، وأن المدعي رد على هذا الدفع بأنه قدم بالفعل تظلماً من القرار المذكور في 2 من أغسطس سنة 1948؛ وعلى هذا ينقطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء، فلا يبدأ إلا بعد انقضاء أربعة أشهر على التظلم، وإذ رفع دعواه بطلب إلغاء هذا القرار في 30 من يناير سنة 1949 فإنه يكون قد أقامها خلال الستين يوماً المقررة قانوناً لرفعها. وأنه يتضح من الاطلاع على التظلم المشار إليه أنه موجه إلى وكيل وزارة الداخلية، وأن المدعي ذكر فيه أنه علم بخبر نقله من الجرائد، وأنه يعتقد أن هذا النقل كان بسبب تقرير قدمه مدير كلية البوليس يتعارض مع إجماع التقارير السنوية المقدمة عنه من المديرين السابقين التي تشيد بكافيته وحسن سيرته، وأنه لما كان من المحتمل أن يقوم هذا التقرير عقبة في سبيل ترقيته إلى الدرجة الثانية التي رفعت إليها درجته في الكلية قبل نقله منها، فإنه يرجو استبعاد هذا التقرير من ملف خدمته، ويطلب ترقيته إلى الدرجة المذكور مع تعيينه مفتشاً بإدارة التفتيش العام بالوزارة، أسوة بزملائه الذين تركوا الكلية. ويبين من هذا أن التظلم المذكور إنما ينصرف إلى التقرير المقدم من مدير كلية البوليس في حق المدعي، ولا ينصب على موضوع نقله من حيث هو، بل إن المدعي إذ يطلب في تظلمه المشار إليه تعيبه مفتشاً بوزارة الداخلية مع ترقيته إلى الدرجة الثانية إنما يعبر عن رضائه الضمني بهذا النقل وعن عدم تظلمه منه، هذا إلى أن التظلم سالف الذكر وإن كان مؤرخاً 2 من أغسطس سنة 1948، إلا أن ختم الورود المؤشر به عليه يدل على أنه إنما ورد للوزارة في 20 من نوفمبر سنة 1948، أي بعد فوات أكثر من شهرين على علم المدعي بالقرار، ولم يقم ثمت دليل صحيح على حصول هذا التظلم فعلاً في التاريخ المدون بذيله. وغير مجد في هذا الصدد الاستناد إلى إيصال البريد المؤرخ 22 من سبتمبر سنة 1948 المتقدم من المدعي؛ لأن هذا الإيصال ليس معاصراً للتاريخ الثابت على عريضة التظلم، ولا للتاريخ المدون على ختم الورود، مما يدل على أن الإيصال المذكور منبت الصلة بالتظلم. ويستخلص من مجموع هذه الشواهد أن التظلم لم يقدم فعلاً إلا في 20 من نوفمبر سنة 1948، بعد أن كان قد انقضى الميعاد الجائز التظلم فيه؛ ومن ثم فلا ينقطع به ميعاد رفع دعوى الإلغاء، وتكون قد انقضت المدة القانونية التي كان يتعين رفع الدعوى خلالها؛ الأمر الذي يستتبع القضاء بعدم قبول طلب إلغاء هذا القرار. أما عن التعويض الذي يطالب به المدعي بسبب ما أصابه من ضرر نتيجة للقرار المذكور، فإنه يبين من الأوراق أن إدارة كلية البوليس لاحظت على المدعي كثرة تغيبه عن عمله في التدريس بها، ورأت أن إبقاءه في هذا العمل لا يتفق ومصلحة الكلية، فاقترحت على مجلس الكلية التوصية بنقله منها. ووافق وزير الداخلية على هذا الاقتراح، فأصدر قراراً بنقل المدعي إلى ديوان الوزارة بدرجته الثالثة وماهيته. ولما كان نقل الموظف من مصلحة إلى أخرى ومن وظيفة إلى أخرى هو من الأمور التي تترخص فيها الإدارة بحرية حسبما تراه محققاً للمصلحة العامة دون معقب على قرارها في ذلك، ما دام لم يتسم بإساءة استعمال السلطة، وكان الهدف من نقل المدعي من كلية البوليس هو رعاية مصلحة التدريس بها، ولم يقم دليل على انحراف الإدارة في قرارها هذا، فإنه لا يبقى ثمت محل لتعييب هذا القرار أو للمطالبة بالتعويض عنه. ولا حجة في القول المدعي إن القرار ينطوي على تنزيل وظيفته؛ لأنه ليس ثمت فارق جوهري في الطبيعة وفي شروط التعيين بين الوظيفة التي نقل منها وتلك التي نقل إليها، كما لا حجة في القول بأن النقل قد فوت عليه حقه في الترقية إلى الدرجة الثانية التي رفعت إليها وظيفته بكلية البوليس؛ لأن هذا الرفع بفرض حصوله لم يكن ليرتب له حقاً حتمياً في الدرجة التي رفعت إليها الوظيفة. هذا إلى أن المدعي قد رقى إلى الدرجة الثانية بوزارة الداخلية في 29 من نوفمبر سنة 1949 بعد رفع الوقف عنه؛ ومن ثم فلا حق له في التعويض الذي يطالب به عن قرار نقله آنف الذكر، ويتعين القضاء برفض الدعوى في خصوص هذا الطلب. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 19 من أغسطس سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم طلب المدعي إلغاء القرار الصادر في 28 من يوليه سنة 1948 بنقله من كلية البوليس إلى الديوان العام بوزارة الداخلية، ورفض طلب التعويض عن هذا القرار، والقضاء بتعويض المدعي تعويضاً مناسباً عن القرار المذكور، وتأييد الحكم فيما عدا ذلك، وإلزام المدعي بالمصروفات المناسبة". واستند في أسباب طعنه إلى أن مجلس كلية البوليس رأى بجلسته المنعقدة في 30 من يونيه سنة 1948 - لمصلحة التعليم - التوصية على نقل المدعي من هيئة التدريس بها. وفي 17 من يوليه سنة 1948 أبلغ مدير عام كلية البوليس هذه التوصية إلى وكيل وزارة الداخلية رجاء اتخاذ ما يلزم نحو ذلك؛ لأن بقاء المدعي وآخر بالكلية يضر بصالح التعليم؛ نظراً إلى كثرة تغيبهما. وبناء على هذا أصدر وزير الداخلية قراره رقم 580 في 28 من يوليه سنة 1948 بنقل المدعي إلى الديوان العام بالوزارة، مع إلحاقه بقسم الإدارة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1948. وفي 23 من سبتمبر سنة 1948 أصدر وزير الداخلية قراره رقم 682 بأن يخصم بماهية المدعي الموظف من الدرجة الثالثة بقسم الإدارة بالوزارة على ربط وظيفة مدرس من الدرجة الثالثة بكلية البوليس اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1948. وقد تقدم المدعي بإيصال بريد بدل فاقد بخاتم يوم 18 من أكتوبر سنة 1948 يفيد أن المسجل رقم 286 الصادر في 22 من سبتمبر سنة 1948 منه إلى وزير الداخلية وقتذاك قد سلم إلى مكتب الوزير في 23 من سبتمبر سنة 1948. وقد تضمن هذا الكتاب المسجل - بحسب قول المدعي - تظلماً إدارياً هو بذاته صورة التظلم المرسل إلى وكيل وزارة الداخلية والمختوم بخاتم مكتب وكيل الوزراء في 20 من نوفمبر سنة 1948. وقد استندت المحكمة إلى صورة التظلم الخاصة بوكيل وزارة الداخلية للقول بأن المدعي قد تظلم بعد الميعاد، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول طلبه. ولم تعن بتقصي الكتاب المسجل رقم 286 المؤرخ 22 من سبتمبر سنة 1948 للتحقق من واقعة تظلم المدعي إلى وزير الداخلية، وهو قصور بعيب الحكم ويبطله فيما تعلق بعدم قبول المدعي لرفعه بعد الميعاد. أما فيما يختص بمفهوم التظلم وما إذا كان يفيد طعناً في قرار النقل، فقد تمسكت المحكمة بألفاظ الطلبات الواردة في ختام التظلم، مع أن العبرة بالمعاني، وأن مفهوم عبارته أنه ينطق بالاحتجاج على إبعاده من الكلية، وحرمانه تبعاً لذلك من الدرجة الثانية المخصصة لوظيفته. وأما طلب تعيينه مفتشاً بإدارة التفتيش أسوة بزملائه حتى لا يضار بإبعاده عن العمل الفني، فليس إلا صرخة المغلوب على أمره الذي يريد أن يدرك بعض النفع من وراء تظلمه إن فاته النفع كله. وفيما يتعلق بطلب التعويض عن قرار نقل المدعي من كلية البوليس إلى وزارة الداخلية، فإن التقارير التي حواها ملفه السري طوال العشر السنوات التي قضاها في الكلية، قد تواترت تحت مختلف الرياسات على الإشادة بكفايته واجتهاده ونشاطه في عمله وحرصه على إجادته، ثم تغيرت النظرة إليه فجأة عقب تولي السيد/ أحمد عبد الهادي لمنصب مدير كلية البوليس، فأصبح صالح التعليم بالكلية يقتضي إقصاءه عنها، وهو الذي كان محل تقدير مدير الكلية ومجلسها، وكذا الممتحنين الخارجين، وليس يجدي التذرع بكثرة تغيبه؛ لأن هذه واقعة مادية يسهل التحقيق من توافرها بالرجوع إلى الأوراق، وهى ما لم يقم عليها دليل. فإذ أضيف إلى ذلك أن نقله قد تم إلى غير درجة بدليل صدور قرار وزير الداخلية بعد نقله بالخصم بماهيته على ربط وظيفة مدرس بكلية البوليس، وهو في ذاته أمر يخالف القانون، وينهض - بالإضافة إلى ما تقدم - دليلاً على أن قرار النقل المذكور يعد بمثابة نقل نوعي مما تختص به المحكمة، وقد صدر مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها، إذ كان القصد من ورائه إقصاء المدعي من منصبه بكلية البوليس لغير الصالح العام عن طريق نقله إلى غير وظيفته، مما يعيب القرار ويبطله، ويجعل المدعي مستحقاً للتعويض عن كافة الأضرار التي لحقته من وراء ذلك. وإذ كان المدعي بخروجه من خدمة الحكومة قد انتقلت مصلحته في طلب إلغاء القرار المطعون فيه، فإن حقه ينحصر في التعويض عن القرار المذكور.
ومن حيث إنه ظاهر مما تقدم أن الطعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قد اقتصر على ما قضى به حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه، خاصاً بطلب المدعي إلغاء القرار الصادر من وزارة الداخلية في 28 من يوليه سنة 1948 بنقله من وظيفته في هيئة التدريس بكلية البوليس إلى الديوان العام بالوزارة، وبالتعويض عن هذا القرار دون باقي طلبات المدعي الأخرى. ولما كان طلب المدعي موضوع الطعن هو طلب قائم بذاته، وخاص بواقعة محددة منفصلة بعناصرها، ومستقلة من حيث النطاق الزمني والبواعث والآثار عن سائر طلباته الأخرى الواردة في دعوييه المضمومتين رقمي 220 لسنة 3 القضائية و723 لسنة 5 القضائية، بحيث لا تقوم بينها وبين هذه الطلبات أية صلة حتمية أو ارتباط لا يقبل التجزئة، كارتباط الفرع بالأصل أو العلة بالمعلول، بل تنفرد بظروفها الخاصة ومشخصاتها الذاتية وأساسها القانوني، فإن الطعن - والحالة هذه - لا يثير النزاع أمام هذه المحكمة في الطلبات الأخرى التي لم يتناولها والتي لا سبيل إلى التصدي لقضاء حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه في شأنها؛ ومن ثم فإنه يتعين قصر البحث في مجال هذا الطعن على الطلب المطعون فيه وحده دون تلك الطلبات.
ومن حيث إن دفاع المدعي، من واقع مذكراته، فيما يتعلق بطلبه إلغاء القرار الوزاري الصادر بنقله من وظيفته في هيئة التدريس بكلية البوليس إلى الديوان العام لوزارة الداخلية والتعويض عن هذا القرار، يتحصل فيما ينعاه المذكور على الحكم المطعون فيه، من أنه ذكر إنه لم يحصل تظلم من القرار المشار إليه، مع إنه تظلم منه في ذات يوم صدوره تظلماً يحمل خاتم مكتب وكيل وزارة الداخلية، ولا صحة لتسمية هذا التظلم بأنه طلب ترقية إلى الدرجة الثانية على وظيفة مفتش؛ إذ أن هذا الطلب لم يكن إلا من قبيل حفظ حقه في هذه الدرجة، بعد إذ شغلت الدرجة الثانية التي كانت مخصصة له بالكلية بشخص من الخارج، وقد سلمت الوزارة نفسها بأنه قدم إليها تظلماً إدارياً، وهو تظلم من نقل نوعي إلى وظيفة تختلف في طبيعتها وفي شروط التعيين فيها عن الوظيفة السابقة، مما تختص محكمة القضاء الإداري بنظر طلب إلغائه، وقد قدم هذا التظلم في الميعاد القانوني؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد يكون قد وقع مخالفاً للقانون خلقياً بالإلغاء؛ ذلك أن وظيفة المدعي بهيئة التدريس بكلية البوليس هي وظيفة فنية قضائية من وظائف النظراء، وأن التعيين فيها لا يكون إلا بقرار من مجلس إدارة الكلية، في حين أن الوظيفة التي نقل إليها لا وجود لها اسماً ولا عملاً ولا مرتباً، بل لا وجود لها في الميزانية، بدليل صدور القرار الوزاري رقم 682 في 23 من سبتمبر سنة 1948 تغطية للموقف بالخصم بمرتب المدعي بعد نقله إلى قسم الإدارة بالوزارة على ربط وظيفة مدرس من الدرجة الثالثة بكلية البوليس. ولما لم يكن له عمل يؤديه في قسم الإدارة المنقول إليه، فقد طلب إليه القيام بإجازة لمدة شهرين، واعتمدت له هذه الإجازة فور تقدمه بطلبها، وقد كان القصد من ذلك حرمانه من الترقية تنسيقاً إلى الدرجة الثانية المخصصة له بوصفه كبير أساتذة القانون بكلية البوليس. ولما كان قرار نقله قد صدر مشوباً بإساءة استعمال السلطة فوق ما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثانية المخصصة لوظيفته، فإنه يكون محقاً في طلب الحكم بإلغائه، والقضاء بتعويضه عن ذلك بمبلغ خمسة آلاف جنيه.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه كان قائماً بتدريس مادة القانون الجنائي بكلية البوليس، وشاغلاً الدرجة الثالثة التي رقي إليها اعتباراً من 30 من سبتمبر سنة 1946، وقد رأي مجلس إدارة الكلية بجلسة 30 من يونيه سنة 1948 - لمصلحة التعليم - التوصية على نقله من هيئة التدريس بها، وحررت مذكرة بذلك في 18 من يوليه سنة 1948 عرضت على وكيل وزارة الداخلية مشفوعة ببيان بحالته، ثم أرسلت في التاريخ ذاته إلى وكيل الوزارة من مدير عام كلية البوليس لإجراء ما يلزم نحو ذلك، حيث إن بقاءه بالكلية يضر بصالح التعليم؛ نظراً لكثرة تغيبه. وبناء على هذا صدر في 28 من يوليه سنة 1948 القرار الوزاري رقم 580 من وزير الداخلية بنقله إلى الديوان العام بالوزارة وإلحاقه بقسم الإدارة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1948. وفي 3 من أغسطس سنة 1948 تقدم إلى مدير عام قسم الإدارة بوزارة الداخلية بطلب منحه إجازة اعتيادية لمدة شهرين ابتداء من 9 من أغسطس سنة 1948، وذكر في هذا الطلب قرين اسمه أنه موظف بقسم الإدارة بوزارة الداخلية. وفي 23 من سبتمبر سنة 1948 صدر القرار الوزاري رقم 682 من وزير الداخلية بالخصم بماهيته على ربط وظيفة مدرس من الدرجة الثالثة بكلية البوليس اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1948، مرفق بملف خدمته تظلم مؤرخ 2 من أغسطس سنة 1948 عليه خاتم وزارة الداخلية - مكتب الوكيل - الدال على وروده إلى المكتب المذكور في 20 من نوفمبر سنة 1948 قيده برقم 2409. وهذا التظلم موجه من المدعي إلى وكيل الوزراء، وفيه يتحدث عن كفايته ومؤهلاته واستقامته وأمانته وحرصه على إتقان عمله وإجادته وصلاحيته له، ويذكر أنه علم بنبأ نقله من الصحف، وأن هذا النقل كان نتيجة لتقرير سري أثبت فيه مدير كلية البوليس الجديد مآخذ نسبها إليه، وهى أنه نزل عن بعض محاضراته لزملائه، وأن له مصالح زراعية كانت تطغى على وقته، مع أن هذا غير صحيح؛ لأنه منح بعض الحصص لمحتاجيها من الأساتذة الآخرين في نهاية العام الدراسي بموافقة مدير الكلية بعد إذ أنجز تدريس برنامجه، وأنه إنما يباشر في أوقات فراغ رعاية مصالحه ومصالح بعض القصر المعين وصياً عليهم من قبل المجلس الحسبي في أرض استصلاح. واختم تظلمه هذا بطلب استبعاد التقرير السري المشار إليه الذي رفعه مدير الكلية عنه إلى مجلس الإدارة من ملف خدمته؛ حتى لا يقف حجر عثرة في سبيل ترقيته؛ وكذا منحه الدرجة الثانية التي رفعت إليها وظيفته بالكلية قبل نقله منها مباشرة، وتعيينه مفتشاً بإدارة التفتيش أسوة بسائر زملائه الذين تركوا الكلية؛ حتى لا يضار بإبعاده عن العمل الفني الذي سلخ فيه عشر سنين. ولما كان هذا التظلم محرراً على ورقة عادية فقد طلبت إليه إدارة المستخدمين في شهر نوفمبر سنة 1948 تحريره على ورقة دمغة، فبعث إليها بهذه الورقة في 14 من ديسمبر سنة 1948، وذكر فيها أنها خاصة بالطلب المقدم منه لوكيل الداخلية متظلماً فيه من نقله من كلية البوليس، وطالباً ترقيته إلى الدرجة الثانية.
ومن حيث إنه على فرض صحة التكييف القانوني الذي يخلعه المدعي على قرار نقله من هيئة التدريس بكلية البوليس إلى الديوان العام بوزارة الداخلية وإلحاقه بقسم الإدارة؛ ليبرر اختصاص القضاء الإداري بنظر طلب إلغائه. فإنه يبين مما تقدم أن عمله بهذا القرار ثابت يقيناً على الأقل منذ 3 من أغسطس سنة 1948، وأن التظلم المقدم منه إلى وكيل وزارة الداخلية وإن كان مؤرخاً 2 من أغسطس سنة 1948، إلا أنه لم يرد فعلاً إلى مكتب الوكيل إلا في 20 من نوفمبر سنة 1948، أي بعد انقضاء أكثر من ستين يوماً على تاريخ عمله بقرار النقل المشار إليه. ولم يقدم المدعي دليلاً ولم يسعفه دليل من الأوراق على أن التظلم المذكور قدم بالفعل في التاريخ المدون بذيله أو في تاريخ سابق على 20 من نوفمبر سنة 1948، كما لا دليل على صحة ما يذهب إليه من أن الكتاب المسجل رقم 286 الذي تقدم إيصال بريد بدل فاقد عنه بخاتم يوم 18 من أكتوبر سنة 1948، والمقول بصدوره منه في 22 من سبتمبر سنة 1948 برسم وزير الداخلية وقتذاك تسليمه إلى مكتب هذا الأخير في 23 منه، وقد تضمن فعلاً تظلماً إدارياً هو بذاته صورة آنف الذكر المرسل منه إلى وكيل الوزارة، ولا سيما أن تاريخ الكتاب المسجل المذكور لا يعاصر أياً من التاريخ الثابت بذيل التظلم أو التاريخ الثابت وروده فيه إلى مكتب وكيل الوزارة المتظلم إليه. ومهما يكن من أمر في شأن التاريخ الذي قدم فيه هذا التظلم، سواء إلى وزير الداخلية أو إلى وكيلها، خلال الميعاد القانوني أو بعد فواته، أو فيما ذكره المدعي عن عريضة الدمغة على الاتساع المقدمة منه لإدارة المستخدمين في 14 من ديسمبر سنة 1948 من أنها خاصة بتظلمه من قرار نقله وبطلب ترقيته إلى الدرجة الثانية، فإن مضمون ما جاء بهذا التظلم الذي يقرر المدعي أن ما أرسله إلى وزير الداخلية بالكتاب المسجل في 22 من سبتمبر سنة 1948، إن هو إلا صورة منه، لا يفيد في حقيقة الحال معنى التشكي من قرار نقله من كلية البوليس إلى قسم الإدارة بالديوان العام بالوزارة، بل على النقيض من ذلك ينطوي في صريح مفهومه على معنى رضائه بهذا النقل ونزوله عليه، وحصر اعتراضه في التقرير السري المقدم عنه بطلب عدم إيداعه ملف خدمته، مع طلب ترقيته إلى الدرجة الثانية وتعيينه مفتشاً بإدارة التفتيش أسوة بسائر زملائه الذين تركوا الكلية؛ حتى لا يضار بإقصائه عن العمل الفني، تأكيداً منه لتسليمه بهذا النقل وقبوله إياه. وبهذه المثابة فإن هذا الملتمس لا يعد تظلماً من قرار النقل، ولا يكون له تبعاً لذلك أثر التظلم الإداري في قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. ولما كان المدعي لم يرفع دعواه بطلب إلغاء قرار النقل المشار إليه إلا في 30 من يناير سنة 1949، فإن هذا الطلب يكون غير مقبول شكلاً لرفعه بعد الميعاد القانوني، وهو ما انتهى إليه، بحق، حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه. على أن الطلب المذكور لو أنه رفع في الميعاد لما كان له الآن محل؛ لانعدام جدواه وانتفاء المصلحة منه وصيرورته غير منتج، بعد إذ ترك المدعي خدمة الحكومة بإحالته إلى المعاش بقرار مجلس الوزراء الصادر في 7 من يناير سنة 1954، بالتطبيق لأحكام القانون رقم 600 لسنة 1953.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما يطلبه المدعي ضمن عموم طلباته التي رفضها الحكم المطعون فيه من تعويض ينصرف جاب منه إلى ما أصابه من ضرر بسبب نقله من وظيفته في هيئة التدريس بكلية البوليس إلى قسم الإدارة بالديوان العام لوزارة الداخلية، وهو التعويض الذي قام طعن هيئة المفوضين على إجابته إليه في هذا الخصوص، فإن الثابت مما سلف إيراده عن ظروف هذا النقل، أنه أنما تم للمصلحة العامة المتمثلة في المصلحة التعليم بالكلية المذكورة؛ وذلك بناء على توصية مجلس إدارة الكلية، بعد إذ تبين له أن بقاء المدعي بها يضر بصالح التعليم، نظراً لكثرة تغيبه. وهذا أمر ينفرد بتقديره المجلس المشار إليه بصفته المهيمن على شئون العليم والمشرف على رعايته وعلى وزن كفاية القائمين به، والمسئول عن حسن سيره بالكلية، بما لا معقب عليه فيه ولا رقابة للقضاء الإداري عليه، ما دام قراره في ذلك قد تغيا وجه المصلحة العامة، وخلا من شائبة إساءة استعمال السلطة. وقد أبدى مجلس إدارة الكلية توصيته بنقل المدعي وأقره على ذلك وزير الداخلية باعتباره المسئول الأخير عن هذا كله. واستند الوزير في ديباجة قراره إلى توصية المجلس بعد إذ اطلع على أسبابها واعتنقها اقتناعاً بها، ولم ينهض دليل على أن مجلس إدارة الكلية أو أن وزير الداخلية قد صدر فيما ارتآه عن بواعث شخصية بعيدة عن المصلحة العامة أو مشوبة بالانحراف بالسلطة. وليس يكفي التدليل على إساءة استعمال السلطة المدَّعى بها التحدي بالتقارير السرية في السنوات السابقة وما تشهد به من نشاط صاحبها واجتهاده في الماضي؛ لأنها من جهة ليست الوعاء الوحيد لتقرير صلاحية الموظف؛ ولأنها من جهة أخرى لا تمنع من أن يجد به في المستقبل ما يغير النظرة إليه؛ ذلك أن سلوك الموظف في عمله ومواظبته عليه ليس حالة دائمة الثبات لا تقبل التحول، بل هي صفة قد تزايل صاحبها؛ إذ تتأثر بالظروف المحيطة به، كما لا يكفي القول بأن النظرة إلى المدعي قد تغيرت دون مقدمات بعد تولي مدير كلية البوليس الجديد لمنصبه، ما دام هذا المدير - ولم يثبت أن بينه وبين المدعي ما يحمله على التجني عليه - ليس هو صاحب السلطة النهائية التي تملك أمر نقله، ولا سيما أن توصية مجلس إدارة الكلية لم تقصر على اقتراح نقل المدعي وحده من هيئة التدريس بها لمصلحة التعليم، بل تناولت في الوقت ذاته زميلاً آخر له للمصلحة عينها؛ ابتغاء التطهير والإصلاح، وهو نقل مشروع تملكه جهة الإدارة وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، وتترخص فيه بسلطتها التقديرية حسبما تراه محققاً لهذه المصلحة، ما دام النقل لا ينطوي على جزاء تأديبي مقنع بتنزيل الموظف من الوظيفة التي يشغلها إلى وظيفة درجتها أقل من درجته، ولا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية في الوظيفة المنقول منها؛ ذلك أن الموظف ليس له إزاء المصلحة العامة حق مكتسب في البقاء في وظيفة بعينها. ولا حجة فيما يذهب إليه المدعي من أن نقله تم إلى غير درجة وعلى غير وظيفة؛ إذ الواقع أنه إنما نقل إلى مثل درجته بالديوان العام بوزارة الداخلية وألحق بقسم الإدارة به، ولا يغير من هذه الحقيقة صدور قرار وزير الداخلية بالخصم بماهيته على ربط وظيفة مدرس من الدرجة الثالثة بكلية البوليس؛ إذ لا يعدو هذا أن يكون تعييناً للمصرف المالي، دون مساس بالوضع الوظيفي للمدعي من حيث الدرجة، كما لا وجه لما ينعاه هذا الأخير على قرار نقله من أنه فوت عليه حقه في الترقية إلى الدرجة الثانية التي يزعم أنه رفعت إليها الوظيفة التي كان يشغلها بكلية البوليس؛ إذ يتضح من مقارنة ميزانيتي السنتين الماليتين 47/ 1948 و48/ 1949 - مصدقاً لما جاء بمذكرة الحكومة الأخيرة - أنه كان مخصصاً لوظيفة مدرس في كلية البوليس في السنة الأولى ثلاث درجات ثالثة، يشغل المدعي إحداها، ودرجة واحدة ثانية. أما في السنة الثانية فقد ظلت الدرجات الثلاث الثالثة كما هي دون رفع أيها، إنما زيدت درجة ثانية فأصبح ثمت درجتان ثانية بدلاً من واحدة. وهذا لا يكفي بذاته لكي يترتب للمدعي حقاً حتمياً في الدرجة الجديدة المنشأة في الميزانية لغير شخص معين، فضلاً عن أنه لم يثبت استحقاقه لهذه الدرجة دون سائر زملائه بالأقدمية المطلقة والأولوية عليهم في تاريخ معين سابق على قرار وزير الداخلية رقم 978، الذي صدر في 14 من ديسمبر سنة 1948 بوقفه عن أعمال وظيفته اعتباراً من 15 من ديسمبر سنة 1948 حتى تتم التحقيقات التي تجريها الإدارة في شأن ما نسب إليه وإلى بعض موظفي الوزارة من استغلال مراكزهم في الاستيلاء على بعض أملاك الحكومة، وهو الوقف الذي كان حائلاً دون ترقيته، والذي لم يرفع عنه إلا اعتباراً من 11 من أغسطس سنة 1949، بالقرار الوزاري رقم 544 الصادر في 16 من أغسطس سنة 1949. هذا إلى أنه قد رقي عقب رفع الوقف عنه وإعادته إلى عمله إلى الدرجة الثانية بوظيفة مفتش بإدارة التفتيش العام بوزارة الداخلية اعتباراً من 29 من نوفمبر سنة 1949 بالقرار الوزاري رقم 677 الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1949 بعد تعيينه في الوظيفة المذكورة بالقرار الوزاري رقم 676 الصادر في التاريخ بذاته. وظاهر مما تقدم أن المدعي لم يفته حق ولم يصبه أي ضرر من جراء نقله من هيئة التدريس بكلية البوليس إلى الديوان العام بوزارة الداخلية. ومتى انتفى الخطأ من جانب الإدارة وارتفع وقوع الضرر بالمدعي، فلا يكون ثمت أي سند للمساءلة بالتعويض عن هذا الإجراء المشروع، ويكون طلب المدعي التعويض عن القرار المذكور على غير أساس سليم من القانون، حقيقاً بالرفض وفقاً لما انتهى إليه حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه؛ ومن ثم فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يكون في غير محله، ويتعين القضاء بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق