جلسة 16 من مايو سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومحيي الدين حسن المستشارين.
----------------
(112)
القضية رقم 169 لسنة 5 القضائية
جريمة تأديبية
- استمرار الموظف في الإخلال بواجبات وظيفته بعد توقيع جزاء عليه عن هذا الإخلال - يعد مخالفة تأديبية جديدة يجوز مجازاته عنها مرة أخرى - أساس ذلك.
إجراءات الطعن
في 12 من يناير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 169 لسنة 5 ق في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الخزانة بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 4 للسنة الأولى القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد محمد أحمد محمد إسماعيل، القاضي "بعدم جواز نظر الدعوى، لسابقة الفصل فيها". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى على المحكمة التأديبية لمحاكمة السيد/ محمد أحمد إسماعيل لما نسب إليه من واقعة ثابتة بالأوراق". وقد أعلن هذا الطعن إلى النيابة الإدارية في 24 من يناير سنة 1959، وإلى الخصم في 2 من فبراير سنة 1959، وعين لنظر الطعن جلسة 4 من أبريل سنة 1959، ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن محمد أحمد محمد إسماعيل صراف بهتة وبهاليل الجزيرة بسوهاج لم يقدم عمليته للمراجعة في الميعاد المحدد لذلك وهو يوم 22 من مارس سنة 1958، فاستوجب وجوزي بخصم ثلاثة أيام من راتبه؛ لأنه "لم يقدم عمليته للمراجعة السنوية حتى 21 من مايو سنة 1958، وكان محدداً لها يوم 24 من مارس سنة 1958"، على نحو ما ورد في الكشف المقدم للمحكمة التأديبية من وكيل القسم المالي بسوهاج. وفي 7 من يونيه سنة 1958 كلف مدير القسم المالي بالمديرية مفتش الصيارف باستجواب هذا الصراف؛ لأنه لم يقدم عمليته حتى ذلك الحين، وقد تم استجوابه فوراً، ومنح مهلة مدتها ثلاثة أيام لإيجاز عمله. وفي 15 من يونيه سنة 1958 وضع القسم المالي مذكرة في هذا الشأن فحواها أن الصراف محمد أحمد محمد إسماعيل لم يقدم عمليته للمراجعة حتى يوم 22 من مارس سنة 1958، وأنه استوجب وجوزي بخصم ثلاثة أيام من راتبه، ولكنه لم ينجز عمله، فاستجوب مرة أخرى ووعد بإنجاز عمله بعد ثلاث أيام من يوم 7 من يونيه سنة 1958، ولكنه لم يفعل حتى يوم 15 من يونيه سنة 1958، فاقترح رئيس القسم المال إحالته على المحاكمة التأديبية. وأرسلت الأوراق إلى مصلحة الأموال المقررة، فوافقت على محاكمته تأديبياً بعد أن استيقنت من المديرية أن الصراف المذكور قدم عمليته للمراجعة يوم 10 من يوليه سنة 1958. وقد أحالت النيابة الإدارية هذا الصراف على المحاكمة التأديبية في أول نوفمبر سنة 1958؛ لأنه في خلال عام 1958 بمصلحة الأموال المقررة (صيرفية بهتة وبهاليل سوهاج) لم يقم بإنهاء المراجعة السنوية لصيرفيته في 31 من مايو سنة 1958، وهو التاريخ الذي حددته مصلحة الأموال المقررة بكتابها الدوري رقم 4 - 27/ 1 ج 2 المؤرخ 14 من مايو سنة 1958 لإنهاء هذه المراجعات، ولم يبد في ذلك عذراً مقبولاً. وفي 23 من نوفمبر سنة 1958 قضت المحكمة التأديبية "بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيه". وأسست قضاءها على أن "السيد/ داود صموئيل وكيل القسم المالي قد قرر بالجلسة أن لسيد/ محمد أحمد محمد إسماعيل، قد جوزي عن هذه العملية بخصم ثلاثة أيام، واستطردت إلى القول بأنه لا يجوز معاقبة الموظف المذكور عن جرم إداري واحد أكثر من مرة واحدة؛ وبهذا يتعين الحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها".
ومن حيث إن مبنى الطعن أن قرار الإحالة لم يتناول الوقائع في وصف مادي دقيق، وآية ذلك أن الواقعة التي أحيل من أجلها الصراف على المحكمة التأديبية حاصلها أنه على الرغم من مجازاته ثم إمهاله ثلاثة أيام اعتباراً من يوم 7 من يونيه سنة 1958 لم يقدم عمليته للمراجعة التي كانت محدداً لها يوم 22 من مارس سنة 1958 إلا في يوم 10 من يونيه سنة 1958، وأنه مهما كان الأمر من قرار الإحالة فإن المحكمة التأديبية ذات ولاية تأديبية أصيلة شاملة لا يحجبها هذا القرار من أن تباشر هذه الولاية في نطاق الواقع الذي تضمنته الأوراق؛ وبهذا فإن لها أن تعدل وصف التهمة، وأن توجه إلى الموظف الاتهام فيما ثبت لديها من الأوراق.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق أن المطعون عليه لم يقم بإنهاء المراجعة السنوية لأعمال صيرفيته حتى 24 من مارس سنة 1958، وهو التاريخ الذي عين له لإنهاء هذه العملية، مما كان سبباً لتوقيع جزاء عليه بخصم ثلاثة أيام من مرتبه بقرار مؤرخ 29 من مايو سنة 1958، ذكر فيه أن سبب الجزاء هو أنه "لم يقدم عمليته للمراجعة السنوية حتى 21 من مايو سنة 1958، وكان محدداً لها يوم 24 من مارس سنة 1958". وعلى الرغم من ذلك استمر المدعي مهملاً في أداء واجبات وظيفته ولم يقم بعملية المراجعة تلك، وعلى الرغم من صدور منشور مدير عام مصلحة الأموال المقررة بإحالة الصيارف الذين لا ينتهون من إنجاز عملية المراجعة السنوية لغاية 31 من مايو سنة 1958 إلى المحاكمة التأديبية، مما كان سبباً في التحقيق معه، فطلب مهلة أقصاها 10 من يونيه سنة 1958، ومع ذلك لم يقم بتقديم العملية المذكورة، مما كان داعياً لإحالته إلى المحاكمة التأديبية.
ومن حيث إنه يلخص من ذلك أن محاكمة المطعون عليه هي عن استمراره في إهماله في القيام بواجبات وظيفته؛ وذلك بعدم تقديم عملية المراجعة السنوية من يوم 21 من مايو سنة 1958، وهو التاريخ المعين في الجزاء الصادر في 29 منه بخصم ثلاثة أيام من مراتبه، وليس من شك في أن استمرار الموظف في إهماله أو الإخلال بواجبات وظيفته على الرغم من سبق توقيع جزاء عن هذا الإهمال في تاريخ أسبق، وإن استمراره في إهماله بعد ذلك هو مخالفة تأديبية جديدة يجوز مجازاته عنها مرة أخرى، دون التحدي بسبق توقيع الجزاء الأول؛ إذ كان هذا الجزاء عن إهماله في واجبات وظيفته حتى تاريخ سابق على ذلك، ومع أن هذا من البداهة التي لا تحتاج إلى تبيان، وهو الأصل المسلم كذلك بالنسبة للجرائم المستمرة في القانون الجنائي، فإن القول يخل بالأوضاع ويعطل سير المرافق العامة، ويشجع الموظفين على الاستمرار في الإخلال بواجبات وظيفتهم بحجة سبق توقيع جزاء حتى تاريخ معلوم؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بعد جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعينا إلغاؤه.
ومن حيث إن الدعوى صالحة للفصل فيها.
ومن حيث إن إخلال المدعي بواجبات وظيفته ثابت، حسبما سلف إيضاحه، من استمراره في إهماله في عدم تقديم عملية المراجعة السنوية بعد المواعيد المشار إليها على الرغم من منشور المدير العام للمصلحة بتحديد ميعاد أقصاه 31 من مايو سنة 1958 لهذا الغرض، وعلى الرغم من طلب المطعون عليه مهلة لغاية 10 من يونيه سنة 1958، فلم يقدمها إلا في 10 من يوليه سنة 1958، فيكون المطعون عليه - والحالة هذه - قد خالف المادة 73 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 سنة 1951، والتي تقضي بأنه "على الموظف أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به، وأن يؤديه بدقة وأمانة، وعليه أن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته"؛ ويجوز، والحالة هذه، محاكمته طبقاً للمادة 83 من القانون المذكور التي تقضي بأن "كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يعاقب تأديبياً، وذلك مع عدم الإخلال بتوقيع العقوبات الجنائية"، وتقدر المحكمة الجزاء المناسب لذلك بخصم عشرة أيام من راتب المطعون عليه، طبقاً لنص المادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 الخاص بالمحاكمات التأديبية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وإلغاء الحكم المطعون فيه، وبخصم عشرة أيام من راتب المطعون عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق