جلسة 15 من أكتوبر سنة 2019
برئاسة السيد القاضي / محمد سامي إبراهيم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / هادي عبد الرحمن ، رأفت عباس ، هشام الجندي ويونس سليم نواب رئيس المحكمة .
----------------
(72)
الطعن رقم 12813 لسنة 87 القضائية
(1) حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
حكم الإدانة . بياناته ؟ المادة 310 إجراءات جنائية .
بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراد مؤدى أدلة الثبوت في بيان وافٍ . لا قصور .
(2) تزوير " أوراق رسمية " . قصد جنائي . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
القصد الجنائي في جريمة التزوير . تقديره موضوعي . التحدث عنه صراحةً وعلى استقلال . غير لازم . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
جريمة التزوير . ليس لها قصد خاص . النعي في هذا الشأن . غير مقبول .
مثال لرد سائغ على الدفاع بانتفاء القصد الجنائي لعدم العلم بالتزوير .
(3) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب . "
النعي عـلى الحكم اعتماده على قرينة المصلحة التي لا تصلح سنداً للإدانة . غـير مقبول . ما دام لم يعول عليها .
(4) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(5) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفوع " الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه فيها " . نظام عام . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
النعي بالتفات الحكم عن قرار النيابة العامة بقيد الواقعة جنحة وتقديمها لمحكمة الجنح . تعييب له بمخالفته حجية أمرها بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى عن جناية التزوير في محرر رسمي .
الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها . جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض لتعلقه بالنظام العام . شرط ذلك : وضوح مقوماته وقبوله بغير تحقيق موضوعي . ثبوت عدم دفع الطاعنة بسبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى عن الجريمة محل الدعوى بمحضر الجلسة وأنه أصبح نهائياً وخلو الحكم من مقومات صحة الدفع . أثره ؟
(6) دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
تنازل دفاع الطاعنة عن سماع شهود الإثبات مكتفياً بتلاوة أقوالهم في التحقيقات دون اعتراض منها . النعي ببطلان الإجراءات لعدم سماعهم . غير مقبول .
(7) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . تزوير " أوراق رسمية " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
إغفال المحكمة الاطلاع على الورقة محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى . يعيب إجراءاتها . ثبوت اطلاع الدفاع والمتهمة على جميع المستندات . النعي في هذا الشأن . غير مقبول . علة ذلك ؟
(8) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
نعي الطاعنة بإغفال الحكم الرد على دفاعها المثبت على وجه حافظة مستنداتها . غير مقبول . ما دامت لم تبين ماهيته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- من المقرر إن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان المتهم بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم التزوير في محررين رسميين وانتحال صفة محامية وزاولت عملاً من أعمال المحاماة حال كونها ممنوعة من مزاولتها التي دان الطاعنة بها ، وأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراضها لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، مما يكون معه منعى الطاعنة بأن الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وبأدلتها ولا محل له .
2- لما كان القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عـلـيـهـا ، ولـيس بلازم أن يـتـحـدث الحكم عـنه صراحة وعـلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنة بقوله : " وحيث إنه عن الدفع بانتفاء أركان جريمة التزوير في الأوراق وانتفاء القصد الجنائي الخاص وانتفاء مظاهر الانتحال في الأوراق فمردود عليه بأنه من المقرر أن مثول المتهم أمام المحكمة المدنية وادعاءه كذباً الوكالة عن المدعى عليهم وإثبات كاتب الجلسة حضوره بهذه الصفة يتوافر أركان التزوير في الأوراق الرسمية ، كما أنه من المقرر أيضاً أن انتحال شخصية الغير صورة من صور التزوير المعنوي الذي يقع بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ، ومن ثم فإنه يعتبر الحقيقة في محضر التصديق على التوقيع بطريق الغش وبقصد استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله يتوافر به أركان جناية التزوير كما هي معرفة به في القانون فلما كان ذلك وكان الثابت من أوراق الدعوى أن المتهمة .... والتي تعمل كاتبة محامي قد حضرت أمام المحكمة الجزئية لمركز .... وادعت باسم المجني عليها .... (المحامية) وقدمت توكيلاً يحمل اسم المجني عليها وأقرت في محضر جلسة .... في الدعوى رقم .... مدني جزئي مركز .... وقامت بالتوقيع باسم المجني عليها سالفة الذكر كما أنها قدمت عريضة الدعوى رقم .... مدني جزئي قسم .... ووقعت على هذه العريضة باسم المجني عليها سالفة الذكر وأثبتوا لها موظفوا محكمتي بندر .... ومركز .... بحسن نية بما ادعت به كذباً بصفتها محامية وانتحلت شخصية المجني عليها .... المحامية ، الأمر الذي تتوافر في حقها أركان جريمة التزوير وانتحال صفة الغير ومن ثم يكون الدفوع المبداة من دفاعها قد أقيمت على غير سند من القانون والواقع جديرة بالرفض " وهو رد سليم يسوغ به اطراح دفاع الطاعنة ، ومن ثم فإن ما تثيره في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . هذا فضلاً عن أن جريمة التزوير ليس لها قصد خاص فإن النعي بخصوص ذلك يكون في غير محله .
3- لما كانت الطاعنة تذهب في أسباب طعنها إلى أن الحكم المطعون فيه قد اعتمد – من بين ما اعتمد عليه – في الإدانة على قرينة المصلحة التي لا تصلح سنداً للإدانة ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يعول على شيء مما جاء بهذا المنعى ، فإن ما تنعاه الطاعنة في هذا الخصوص غير سديد .
4- لما كان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتـقـديـرها مرجـعه إلـى محـكـمة الموضوع تـنـزله المنزلة الـتي تـراهـا وتـقــدره الـتـقــدير الـذي تطمئن إليه بغير معقب ، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة وإلى ما جاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير ، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن ومنازعتها في الصورة التي استقرت في يقين المحكمة للواقعة وفي القوة التدليلية لأقوال الشهود ينحل إلى جدل موضوعي في استنباط الواقعة وتقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض .
5- من المقرر أن منعى الطاعنة على الحكم التفاته عن قرار النيابة العامة بقيد الواقعة جنحة وتقديمها لمحكمة الجنح – بفرض صحة ما تدعيه – لا يعدو في حقيقته أن يكون تعييباً للحكم بمخالفته حجية أمر النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى عن جناية التزوير في محرر رسمي عن الواقعة محل الدعوى الماثلة ، وأن هذا الأمر يقيد المحكمة التي تفصل في الدعوى ، وإذ كان الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وإن كان متعلق بالنظام العام وتجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض إلا أنه يشترط لقبوله أن تكون مقوماته واضحة من مدونات الحكم أو تكون عناصر الحكم مؤدية إلى قبوله بغير تحقيق موضوعي لأن هذا التحقيق خارج عن وظيفة محكمة النقض ، ولما كان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تثر أنه سبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى عن الجريمة محل الدعوى الماثلة وأصبح هذا الأمر نهائياً ، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه قد خلت من مقومات صحة هذا الدفع التي تكشف عن مخالفته للقانون وخطئه في تطبيقه ، فإن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض لا تكون مقبولة .
6- لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنة قد تنازل عن سماع شهود الإثبات مكتفياً بتلاوة أقوالهم في التحقيقات ولم تعترض الطاعنة على مسلك مدافعها ، فإن منعاها ببطلان الإجراءات لعدم سماعهم لا يكون له محل .
7- لما كان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أنه أثبت بمحضر جلسة .... أن المحكمة أطلعت الدفاع على جميع المستندات والمتهمة قالت أنها ليست توقيعاتها والدفاع الحاضر معها صمم على مرافعته السابقة ثم صدر الحكم المطعون فيه الذي تضمن أنه كان بعد الاطلاع على الأوراق ، وكان من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على الورقة محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى على اعتبار أن تلك الورقة هي الدليل الذي يحمل شواهد التزوير ، ومن ثم يجب عـرضها على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور الخـصوم ليبدي كل منهم رأيه فيها ويطمئن إلى أن الورقة موضوع الدعوى هي التي دارت مرافعته عليها ، إلا أنه لما كان لم يفت المحكمة في هذه الدعوى – على نحو ما سلف – القيام بهذا الإجراء ، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون غير سديد .
8- لما كان ما تنعاه الطاعنة في الوجه الأخير من طعنها من أنها أبدت دفاعاً شفوياً أمام محكمة الموضوع وأثبت هذا الدفاع على وجه حافظة مستنداتها ، فأغفل الحكم مناقشته مردوداً بأن الطاعنة لم تبين ماهية هذا الدفاع المدون على وجه الحافظة ، ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن مرسلاً مجهلاً ويتعين رفضه ، ويكون ما رمى به الحكم من قصور غير سديد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها :
1- وهي ليست من أرباب الوظائف العمومية ارتكبت تزويراً في محررين رسميين هما محضر جلسة .... في الدعوى رقم .... مدني جزئي مركز .... وعريضة الدعوى رقم .... مدني جزئي قسم .... وكان ذلك بأن وقعت عليهما أمام موظف عمومي حسن النية توقيعاً نسبته زوراً وعلى خلاف الحقيقة للمدعوة / .... " المحامية " مع علمها بذلك وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
2- انتحلت صفة محامية وهي المدعوة / .... وكان ذلك على خلاف أحكام القانون على النحو المبين بالتحقيقات .
3- زاولت عملاً من أعمال المحاماة وكان ذلك بحضورها جلسة .... في الدعوى رقم .... مدني جزئي مركز .... لتقديمها عريضة الدعوى رقم .... مدني جزئي قسم .... وتوقيعها عليها حال كونها ممنوعة من مزاولة مهنة المحاماة على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتها إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتها طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعت / .... مدنياً قبل المتهمة بمبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 211، 212 من قانون العقوبات ، والمواد 1، 2، 3، 4، 17، 43، 227 /1، 2 من القانون رقم 17 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 197 لسنة 2008 بشأن المحاماة ، مع إعمال نص المادة 32 /2 من قانون العقوبات ، بمعاقبتها بالسجن لمدة خمس سنوات عما أسند إليها وألزمتها المصاريف الجنائية مع مصادرة المحررات المزورة المضبوطة مع إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة لنظرها بجلسة تحدد بمعرفة قلم كتابها ويخطر الخصوم بها وأبقت الفصل في مصروفاتها شاملة مقابل أتعاب المحاماة .
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه إذ دانها بجرائم التزوير في محررات رسمية ، وانتحال صفة محامية على خلاف أحكام القانون ، ومزاولة عمل من أعمال المحاماة حال كونها ممنوعة من ذلك ، قد شابه قصور في التسبيب ، وفساد في الاستدلال ، وإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأن الحكم اعتوره الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وأدلتها ، وجاء قاصراً في التدليل على توافر أركان الجرائم المسندة إلى الطاعنة ، كما اطرح دفاع الطاعنة بانتفاء القصد الجنائي لديها تأسيساً على عدم علمها بالتزوير بما لا يسوغ به اطراحه ، وأن الحكم اعتمد على قرينة المصلحة والتي لا تصلح سنداً للإدانة ، واعتنق صورة للواقعة غير الصورة الصحيحة ، واستدل على ثبوت الاتهام في حق الطاعنة بشهادة شهود الإثبات وهي لا تكفي في الاستناد إليها ، كما التفت عن دفع الطاعنة بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر ضمني من النيابة العامة بقيد الواقعة جنحة ، ولم تستمع المحكمة إلى شهادة شهود الإثبات وكان يلزمها سماعهم تحقيقاً لدفوع الطاعنة ، ولم تطلع المحكمة على الأوراق المزورة ولم تعرضها على الخصوم ، كما أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على دفاع الطاعنة القانوني الذي أثبتته على وجه حافظة مستنداتها ، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه .
وحيث إن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان المتهم بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم التزوير في محررين رسميين وانتحال صفة محامية وزاولت عملاً من أعمال المحاماة حال كونها ممنوعة من مزاولتها التي دان الطاعنة بها ، وأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراضها لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، مما يكون معه منعى الطاعنة بأن الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وبأدلتها ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عـلـيـهـا ، ولـيس بلازم أن يـتـحـدث الحكم عـنه صراحة وعـلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنة بقوله : " وحيث إنه عن الدفع بانتفاء أركان جريمة التزوير في الأوراق وانتفاء القصد الجنائي الخاص وانتفاء مظاهر الانتحال في الأوراق فمردود عليه بأنه من المقرر أن مثول المتهم أمام المحكمة المدنية وادعاءه كذباً الوكالة عن المدعى عليهم وإثبات كاتب الجلسة حضوره بهذه الصفة يتوافر أركان التزوير في الأوراق الرسمية ، كما أنه من المقرر أيضاً أن انتحال شخصية الغير صورة من صور التزوير المعنوي الذي يقع بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ، ومن ثم فإنه يعتبر الحقيقة في محضر التصديق على التوقيع بطريق الغش وبقصد استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله يتوافر به أركان جناية التزوير كما هي معرفة به في القانون فلما كان ذلك وكان الثابت من أوراق الدعوى أن المتهمة .... والتي تعمل كاتبة محامي قد حضرت أمام المحكمة الجزئية لمركز .... وادعت باسم المجني عليها .... (المحامية) وقدمت توكيلاً يحمل اسم المجني عليها وأقرت في محضر جلسة .... في الدعوى رقم .... مدني جزئي مركز .... وقامت بالتوقيع باسم المجني عليها سالفة الذكر كما أنها قدمت عريضة الدعوى رقم .... مدني جزئي قسم .... ووقعت على هذه العريضة باسم المجني عليها سالفة الذكر وأثبتوا لها موظفوا محكمتي بندر .... ومركز .... بحسن نية بما ادعت به كذباً بصفتها محامية وانتحلت شخصية المجني عليها .... المحامية ، الأمر الذي تتوافر في حقها أركان جريمة التزوير وانتحال صفة الغير ومن ثم يكون الدفوع المبداة من دفاعها قد أقيمت على غير سند من القانون والواقع جديرة بالرفض " وهو رد سليم يسوغ به اطراح دفاع الطاعنة ، ومن ثم فإن ما تثيره في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . هذا فضلاً عن أن جريمة التزوير ليس لها قصد خاص فإن النعي بخصوص ذلك يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكانت الطاعنة تذهب في أسباب طعنها إلى أن الحكم المطعون فيه قد اعتمد – من بين ما اعتمد عليه – في الإدانة على قرينة المصلحة التي لا تصلح سنداً للإدانة ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يعول على شيء مما جاء بهذا المنعى ، فإن ما تنعاه الطاعنة في هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتـقـديـرها مرجـعه إلـى محـكـمة الموضوع تـنـزله المنزلة الـتي تـراهـا وتـقــدره الـتـقــدير الـذي تطمئن إليه بغير معقب ، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة وإلى ما جاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير ، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن ومنازعتها في الصورة التي استقرت في يقين المحكمة للواقعة وفي القوة التدليلية لأقوال الشهود ينحل إلى جدل موضوعي في استنباط الواقعة وتقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان منعى الطاعنة على الحكم التفاته عن قرار النيابة العامة بقيد الواقعة جنحة وتقديمها لمحكمة الجنح – بفرض صحة ما تدعيه – لا يعدو في حقيقته أن يكون تعييباً للحكم بمخالفته حجية أمر النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى عن جناية التزوير في محرر رسمي عن الواقعة محل الدعوى الماثلة ، وأن هذا الأمر يقيد المحكمة التي تفصل في الدعوى ، وإذ كان الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وإن كان متعلق بالنظام العام وتجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض إلا أنه يشترط لقبوله أن تكون مقوماته واضحة من مدونات الحكم أو تكون عناصر الحكم مؤدية إلى قبوله بغير تحقيق موضوعي لأن هذا التحقيق خارج عن وظيفة محكمة النقض ، ولما كان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تثر أنه سبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى عن الجريمة محل الدعوى الماثلة وأصبح هذا الأمر نهائياً ، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه قد خلت من مقومات صحة هذا الدفع التي تكشف عن مخالفته للقانون وخطئه في تطبيقه ، فإن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض لا تكون مقبولة . لما كان ذلك ، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنة قد تنازل عن سماع شهود الإثبات مكتفياً بتلاوة أقوالهم في التحقيقات ولم تعترض الطاعنة على مسلك مدافعها ، فإن منعاها ببطلان الإجراءات لعدم سماعهم لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أنه أثبت بمحضر جلسة .... أن المحكمة أطلعت الدفاع على جميع المستندات والمتهمة قالت أنها ليست توقيعاتها والدفاع الحاضر معها صمم على مرافعته السابقة ثم صدر الحكم المطعون فيه الذي تضمن أنه كان بعد الاطلاع على الأوراق ، وكان من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على الورقة محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى على اعتبار أن تلك الورقة هي الدليل الذي يحمل شواهد التزوير ، ومن ثم يجب عـرضها على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور الخـصوم ليبدي كل منهم رأيه فيها ويطمئن إلى أن الورقة موضوع الدعوى هي التي دارت مرافعته عليها ، إلا أنه لما كان لم يفت المحكمة في هذه الدعوى – على نحو ما سلف – القيام بهذا الإجراء ، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما تنعاه الطاعنة في الوجه الأخير من طعنها من أنها أبدت دفاعاً شفوياً أمام محكمة الموضوع وأثبت هذا الدفاع على وجه حافظة مستنداتها ، فأغفل الحكم مناقشته مردوداً بأن الطاعنة لم تبين ماهية هذا الدفاع المدون على وجه الحافظة ، ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن مرسلاً مجهلاً ويتعين رفضه ، ويكون ما رمى به الحكم من قصور غير سديد . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعیناً رفضه موضوعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق