الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

دستورية المسئولية الجنائية لمسئول الإدارة الفعلية للشركة المخالفة لأحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال

الدعوى رقم 156 لسنة 34 ق "دستورية" جلسة 2 / 11 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا        نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 156 لسنة 34 قضائية "دستورية".
المقامة من
باسل محمد مدحت –    بصفته عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية
ضـــــد
1-    رئيس الجمهوريــة
2-    رئيس مجلس الوزراء
3-    رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية
الإجراءات
بتاريخ الرابع من شهر أكتوبر سنة 2012، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
كما قدم المدعى عليه الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامـة، كانت قد قدمت المُدعي وآخرين للمحكمة الجنائية - بناءً على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية -، في الجنحة رقم 177 لسنة 2009 جنح اقتصادية القاهرة، متهمة إياهم: بأنهم بتاريخ 21/4/2008 وبتاريخ سابق عليه، بدائرة قسـم قصر النيل، بمحافظة القاهرة: 1- حاولوا بطريق التدليس التأثير على سوق الأوراق المالية، بأن تلاعبوا في سعر سهم الشركة العقارية للبنوك الوطنية والتنمية؛ بأن قاموا بتنفيذ عمليات لا تؤدي إلى تغيير المستفيد الفعلي منها، ومتفق عليها مسبقًا، بقصد الإيحاء بوجود تعامل على تلك الورقة، ومحاولة السيطرة على الطلبات والعروض بالسوق على تلك الورقة، لخلق أسعار غير مبررة لها. 2- المتهم السابع (المُدعى): بصفته العضو المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية، اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع باقي المتهمين في ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام الأول، بأن قام عن شركته بتنفيذ العمليات التي تشكل تلك الجريمة، على النحو الوارد بالأوراق. وطلبت النيابة العامة عقابهم بالمادة (40/1،2) من قانون العقوبات، والمواد (63/6، 67، 68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، والمواد (243، 321 بند 1، 2، 7، 9، 12، 13، 15) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون. وأثناء نظر تلك الجنحة بجلسة 25/10/2010، دفع الحاضر عن المدعي بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992. وبجلسة 11/6/2012 قررت المحكمة حجز الدعوى ليصدر فيها الحكم بجلسة 30/7/2012. وبتلك الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 7/9/2012. وبهذه الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة بجلسة 8/10/2012، مع التصريح للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام المُدعي الدعوى الدستورية المعروضة بطلباته المتقدمة.

وحيث إن قانون سوق رأس المال الصـادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، الذى ارتكبت الواقعة التى تمت إحالة المدعى إلى المحاكمة الجنائية في 21/4/2008، في ظل العمل بسريان أحكامه، قبل تعديله بالقانون رقم 123 لسنة 2008 – المعمول به اعتبارًا من 10/6/2008 – كان ينص في المادة (63) منه على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: ،........ 6- كل من عمل على قيد سعر غير حقيقي أو عملية صورية أو حاول بطريق التدليس التأثير على أسعار السوق ......". وبعد صدور القانون رقم 123 لسنة 2008 المشار إليه جرى النص على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على عشرين مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: ،.......... 6- كل من عمل على قيد سعر غير حقيقي أو عملية صورية أو حاول بطريق التدليس التأثير على أسعار السوق ....".


وتنص المادة (67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، على أن "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانـون آخـر يعاقب بغرامـة لا تقـــل عن ألفى جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه كل من يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون". وقد جرى استبدال هذا النص بمقتضى القانون رقم 123 لسنة 2008، ونص على أن "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في أى قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، كل من يخالف الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وتنص الفقـرة الأولى من المـادة (68) من القانون ذاته على أن "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون". وقد تم استبدال ذلك النص بموجب المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه - المعمول به اعتبارًا من 15/3/2018 - ليصير : "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، متى ثبت علمه بها وكانت المخالفة قد وقعت بسبب إخلاله بواجباته الوظيفية".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من الهيئة العامـــة للرقابة المالية بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة فإنه مردود؛ ذلك أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت النيابـــة العامـة قد أحالت المدعى، مع آخرين، للمحاكمة الجنائية – بناء على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية – بوصف أنهم حاولوا بطريق التدليس التأثير على سوق الأوراق المالية، بأن تلاعبوا في سعر سهم الشركة العقارية للبنوك الوطنية والتنمية، بأن قاموا بتنفيذ عمليات لا تؤدى إلى تغيير المستفيد الفعلي منها، ومتفق عليها مسبقًا، بقصد الإيحاء بوجود تعامل على تلك الورقة، ومحاولة السيطــرة على الطلبــات والعروض على الورقة لخلق أسعار غير مبررة لها. وكذلك أن المدعى بصفته العضو المنتدب لشركة البحر المتوسط لتداول الأوراق المالية، اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع باقى المتهمين في الجريمة موضوع الاتهام الأول بأن قام عن طريق شركته بتنفيذ العمليات التى تشكل تلك الجريمة، وذلك بالمخالفة للمادة (40/1،2) من قانون العقوبات، والمواد (63/6 و67 و68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبداله بالقانون رقم 123 لسنة 2008، والقانون رقم 17 لسنة 2018، والمواد (243 و231 بند 1 و2 و7 و9 و12 و13 و15) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير الاقتصاد رقم 135 لسنة 1993. وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (68) من هذا القانون، وقد قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا عليه، وانحصرت فيه طلبات المدعى الختامية الواردة بصحيفة دعواه الدستورية المعروضة. ومن ثم، فإن نطاق الدعوى والمصلحة فيها يتحددان بما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبداله بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباق أحكامهـا على نصى المادتين (63/6، 67) من القانون ذاته – قبل استبدالهما - بالقانون رقم 123 لسنة 2008، وهو النص المؤثم للفعل المنسوب للمدعى ارتكابه، الذى قدم للمحاكمة الجنائية استنادًا إليه. ومن ثم، فإن الفصل في دستورية هذا النص، في حدود هذا النطاق سيكون له أثر مباشر، وانعكاس أكيد على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيه، ولا تستطيل إلى غير ذلك من أحكـام. وترتيبًا على ما تقدم، يكون الدفع المبدى من الهيئة العامة للرقابة المالية بعدم قبول الدعوى فاقدًا سنده، متعينًا الالتفات عنه.
ولا ينال من ذلك سبق صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 107 لسنة 23 قضائية "دستورية" بجلسة 14/3/2015، القاضي برفض الدعوى – الذي نشر في العدد رقم 12 مكرر (ب) من الجريدة الرسمية بتاريخ 25/3/2015 -، والحكم الصادر في الدعوى رقم 186 لسنة 33 قضائية "دستورية" بجلسة 13/10/2018، القاضي برفض الدعوى - الذى نشر في العدد رقم 42 (مكرر) من الجريدة الرسمية بتاريخ 22/10/2018 - ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 107 لسنة 32 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون رقم 95 لسنة 1992 المشار إليه، في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (65 مكررًا) من ذلك القانون، المضافة بالقانون رقم 143 لسنة 2004، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم 186 لسنة 33 قضائية، قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 قبل استبداله بالقانون رقم 17 لسنة 2018، وذلك في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (67) من ذلك القانون المستبدلة بالقانون رقم 123 لسنة 2008. ومن ثَمّ،َ فإن حجية هذين الحكمين تكون بدورها مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من أحكامهما. ليبقى نص الفقرة الأولى من المادة (68) من ذلك القانون، في حدود النطاق المتقدم، خارجًا عن إطار النص الصادر في شأنه الحكمين المتقدمين، وقابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها فيه، بشأن مدى اتفاقه وأحكام الدستور.
كما لا يغير مما تقدم تعديل نصى المادتين (63/6، 67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه بموجب القانون رقم 123 لسنة 2008، الذى شدد أولاهما عقوبة الغرامة على الفعل المنسوب للمدعى ارتكابه، برفع الحد الأقصى لها إلى عشرين مليون جنيه، مع إبقاء العقوبة السالبة للحرية على حالها، كما شدد ثانيهما الحد الأقصى لعقوبة الغرامة ليصير مليون جنيه. ولا ينال من ذلك كله إصدار المشرع القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه، ومن بينها نص الفقرة الأولى من المادة (68) منه، متبنيًّا في تعديلها الأسس ذاتها التي اعتنقتها هذه المحكمة عند بيانها لمقتضى أحكام ذلك النص، الذى ضمنته مدونات حكمها الصادر في الدعوى رقم 107 لسنة 32 قضائية "دستورية" الآنف الذكر، والذى عينت فيه قواعد وضوابط المسئولية الجنائية للمسئول عن الإدارة الفعلية، وأسست عليه قضاءها برفض الدعوى، فأوجبت أن يكون ممن يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع على الشركة، واعتبر الإخلال به جريمة مؤثمة قانونًا، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه الجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، وبحيث لا تتحقق المسئولية الجنائية عن الجريمة في هذه الحالة إلا بتوافر أركانها، التى تلتزم سلطة الاتهام بإثباتها كاملة في حقه، وبذلك أتى النهج الذى سلكه المشرع بالنص بعد التعديل المذكور، مواكبًا لذات أسس المسئولية الجنائية وعناصرها وأركانها للمسئول عن الإدارة الفعلية التى أوضحها وكشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا على النحو المتقدم ذكره. وعلى ذلك، لم يأت النص بعد استبداله بأحكام جديدة تخالف في مضمونها ومحتواها الحقيقي ما قرره النص المطعون فيه قبـــل استبداله بالنص الجديد. ومن جانب آخر، فقد شددت التعديلات التى جرت على نصى المادتين (63/6، 67) من قانون سوق رأس المال من عقوبة الغرامة على الأفعال المؤثمة بها، مما لا تُعد معه قانونًا أصلح للمتهم. ومن ثم، يظل المدعى مخاطبًا بنص المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه في حدود نطاقه المتقدم.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - في حدود النطاق المار ذكره - مخالفته نصوص المواد (41، 66، 67، 86، 165) من دستور سنة 1971، قولاً منه إنه يخل بمبدأى شخصية العقوبة، وشخصية المسئولية الجنائية، لافتراضه مسئولية القائم بالإدارة الفعلية للشركة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتحميله تبعة جريمة ارتكبها غيره، بما يمثل افتئاتًا على اختصاص السلطة القضائية، ويحول دون ممارستها الحق في التثبت من ارتكاب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة للجريمة، فضلاً عما يمثله ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وإنكار لأصل البراءة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التى تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المطعون فيه في الإطار المار ذكره مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستوريته من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
      وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه - في حدود نطاقه المتقدم - إخلاله بمبدأي شخصية العقوبة، والمسئولية الجنائية، ومساسه بالحرية الشخصية، فإنه مردود؛ ذلك أن المقرر أن الدستور في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية؛ نص في المادة (95) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا لا قـوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائى، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثَمَّ تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادى، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التى أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التى يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
      وحيث إن الأصل في الجرائم، أنها تعكس تكوينًا مركّبًا، باعتبار أن قوامها تزامنًا بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واع خالطها ليهيمن عليها محددًا خطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها؛ ليكون القصد الجنائي ركنًا معنويًّا في الجريمة مُكملاً لركنها المادي، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركنًا في الجريمة، وأصلاً ثابتًا كامنًا في طبيعتها، وليس أمرًا فجًّا أو دخيلاً مقحمًا عليها أو غريبًا عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر، ولكلٍ وجهة هو مُوَلِّيها، لتنحل الجريمة - في معناها الحق - إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التي يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلاً عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها. وغدا أمرًا ثابتًا - وكأصل عام - ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر، ومن ثَمَّ كان مقصودًا. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفًا على ماهيتها، مازال أمرًا عسرًا، إلا أن معناها - بوصفها ركنًا معنويًّا في الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية، أو الجانحة، أو النوازع الشريرة المدبرة، أو تلك التى يكون الخداع قوامها، أو التي تتمحض عن علم بالتأثيم، مقترنًا بقصد اقتحام حدوده، لتدل جميعها على إرادة إتيان الفعل بغيًا.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانونى - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - تتمثل في الإخلال بنص عقابى، وأن وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وأن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها، ومن ثَمَّ تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أثّم بالمادة (63/6) من قانون سوق رأس المال، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، القيام بقيد سعر غير حقيقي، أو عملية صورية، أو المحاولة بطريق التدليس التأثير في أسعار السوق، وعَدَّ تلك الجريمة جنحة معاقبًا عليهـا بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما اعتبرت المادة (67) من هذا القانون، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008، مخالفة أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال جريمة يعاقب عنها بعقوبة الغرامة بحديها الأدنى والأقصى المقررين بمقتضى هذا النص، ويسأل عن هذه الجرائم المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته، والذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يُعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانونى الذى فرضه المشرع عليها، وجعل الإخلال به جريمة - حرصًا منه على التزام الشركات العاملة في سوق رأس المال بالضوابط التشريعية؛ صونًا لحقوق عملائها، وبما ينعكس إيجابًا على العمل بسوق رأس المال - ليكون مناط مسئوليته عن هذه الجريمة ثبوت مسئوليته عن الإدارة الفعلية للشركة، في حدود الصلاحيات الممنوحـة له، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، دون أن يقيم النص المشار إليه مسئوليته عن فعل الغير، أو يقرر مسئوليته عن الجريمة المنسوب إليه ارتكابها خارج نطاق الاختصاص والسلطة المعهود له بمباشرتها نيابة عن الشركة، ذلك أن الجريمة لا تقوم بحقه إلا بتوافر أركانها، والتي يتعين دومًا على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، وبذلك يتحقق توافق قواعد المسئولية الجنائية التي نصت عليها المادة (68) المطعون عليها مع مبدأ شخصية العقوبة، على نحو يصون الحرية الشخصية .
وحيث إنه بشـأن ما نعاه المدعى على نص المادة (68) من القانون المشار إليه - في حدود نطاقه المتقدم - من إخلاله بأصل البراءة، ومساسه بمبدأ استقلال السلطة القضائية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ نص في المادة (96) منه على أن: "المتهم برىء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، فمؤدى ذلك أن ضوابط المحاكمة المنصفة - التى عناها الدستور في هذه المادة - تتمثل في مجموعة من القواعد المبدئية، التي تعكس مضامينها نظامًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التي يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية التى عَدَّها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، فلا تنفصل عنها عدوانًا، ولضمان أن تتقيد الدولة - عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي - بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور القائم على إبرازها في المادة (96) منه.
وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي - ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به - إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة به، وهذه الواقعة البديلة هى التى يُعَدُّ إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلاً عنها، وإنما يُؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها، فقد ولد حرًا مبرءاً من الخطيئة أو المعصية، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة مازال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم بات لا رجعة فيه هذا الافتراض، على ضوء الأدلة التى تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه في كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبا فيها، وحق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتًا للجريمة، والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التى طرحتها بأدلة النفى التى يعرضها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة،إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تُعَدُّ في ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويُعَدُّ إنفاذها مفترضًا أوليًّا لإدارة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشئها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ اختص بموجب المادة (101) منه السلطة التشريعية بسن القوانيـن، كما نص في المادتيــن (184، 188) منه على استقلال السلطة القضائية، واختصاصها بالفصل في المنازعات والجرائم، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندهــــا الدستور للسلطة القضائية وقصرها عليهـا، وإلا كان هذا افتئاتًا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وعلى ذلك، فإن الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصلية في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المطعون فيه، في حدود النطاق الذى تطرحه الدعوى المعروضة، ألقى على عاتق المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة المسئولية الجنائية عن ارتكاب الجرائم المشار إليها، وقرن ثبوتها في حقه بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانونى، الذى عَدَّ المشرع الإخلال به جريمة، ولم يعف النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على ثبوت أركان الجريمة في حقه، بما في ذلك ثبوت قيامه بالإدارة الفعلية، كما لم يحل بينه ونفى عناصر الاتهام جميعها بكافة طرق ووسائل الإثبات القانونية في شتى الدعاوى الجنائية. وعلى ذلك، فإن النص المطعون فيه - محددًا نطاقه على النحو المتقدم - يكون قد جاء خلوًا من أى قرينة قانونية تعارض أصـل البراءة، ومن ثَمَّ فإن أحكامه تكون مبرأة من قالة الإخلال بأصل البراءة، أو المساس باستقلال السلطة القضائية.
وحيث إن النص المطعـون فيه لا يتعارض مع أى نص آخر من نصوص الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بالمصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق