الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الخميس، 1 نوفمبر 2018

القانون 4 لسنة 1996 أصلح للمتهم هدم التجريم المبني على التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية

القضية رقم  48 لسنة 17 ق "دستورية " جلسة 22 / 2 / 1997
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 22 فبراير سنة 1997 الموافق 14 شوال سنة 1417 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر            رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر                  أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم  48 لسنة 17 قضائية "دستورية "
المقامة من
السيد/ بدرى عبد اللاه خليل
ضد
1- السيد/ رئيس الجمهورية
2- السيد/ رئيس مجلس الوزراء
3- السيد/ وزير العدل
4- السيد/ وزير الإسكان
5- السيد/ النائب العام
الإجراءات
بتاريخ 24 يوليو سنة 1995، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبا الحكم بعدم دستورية المادتين 26 و77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكذل كالمادتين 6 و 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن النيابة العامة ، قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية في القضية رقم 255 لسنة 1992 جنح أمن دولة ، متهمة إياه بأنه -وبصفته مؤجراً- تقاضى من المستأجر مقدم إيجار يجاوز أجرة سنتين، وطلبت النيابة عقابه بمواد الاتهام المنصوص عليها بالقانونين رقمى 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر و136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وقد قضت محكمة أمن الدولة (طوارئ) حضوريا بحبس المتهم سنة مع الشغل، فاستأنف هذا الحكم في القضية رقم 7204 لسنة 1993 س الجيزة وفيها دفع الحاضر عن المتهم بمذكرة قدمها بجلسة 7/6/1995 بعدم دستورية المادتين 26 و77 من القانون رقم 49 لسنة 1977، والمادتين 6 و 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليهما • وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد أجلت نظر الدعوى إلى جلسة 26/7/1995، وصرحت للمدعى برفع دعواه الدستورية ، فأقامها
وحيث إن المدعى   يطلب الحكم بعدم دستورية المواد الآتية •   أولا: القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر مادة 26: لايجوز للمؤجر، مالكا كان أو مستأجرا بالذات أو بالوساطة ، اقتضاء أى مقابل أو أتعاب بسبب تحرير العقد أو أى مبلغ إضافى خارج نطاق عقد الإيجار زيادة على التأمين والأجرة المنصوص عليها في العقد
كما لايجوز بأية صورة من الصور للمؤجر أن يتقاضى أى مقدم إيجار
مادة 77: يعاقب كل من يخالف حكم المادة 26 من هذا القانون، سواء كان مؤجراً أو مستأجراً أو وسيطا بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة تعادل مثلى المبلغ الذى تقاضاه بالمخالفة لأحكام هذه المادة • ويعفى من العقوبة كل من المستأجر والوسيط إذا أبلغ أو بادر بالاعتراف بالجريمة وفى جميع الأحوال يجب الحكم على المخالف بأن يرد إلى صاحب الشأن ما تقاضاه على خلاف أحكام المادة المشار إليها ثانيا: القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر مادة 6 :يجوز لمالك  المبنى المنشأ اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون، أن يتقاضى من المستأجر مقدم إيجار لا يجاوز أجرة سنتين، وذلك بالشروط الآتية :-
1.     أن تكون الأعمال الأساسية للبناء قد تمت ولم يتبق إلا مرحلة التشطيب
2.  أن يتم الاتفاق كتابة على مقدار مقدم الإيجار وكيفية خصمه من الأجرة المستحقة في مدة لا تجاوز ضعف المدة المدفوع عنها المقدم وموعد إتمام البناء وتسليم الوحدة صالحة للاستعمال.
ويصدر قرار من الوزير المختص بالإسكان بتنظيم تقاضى مقدم الإيجار، والحد الأقصى لمقدار المقدم بالنسبة لكل مستوى من مستويات البناء
ولا يسرى حكم الفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون رقم 49 لسنة 1977 على مقدم الإيجار الذى يتقاضاه المالك وفقا لأحكام هذه المادة مادة 23 : يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها في قانون العقوبات، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور، بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها، ويبطل كل تصرف بالبيع لا حق لهذا التاريخ، ولو كان مسجلا
ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة في الموعد المحدد، فضلا عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم، وذلك دون إخلال بالتعاقد، وبحق المستأجر في استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 49 لسنة 1977 ويكون ممثل الشخص الاعتبارى   مسئولا عما يقع منه من مخالفات لأحكام هذه المادة
وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها   النظرية  وهو كذلك يقيد تدخلها في هذه الخصومة ، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين : أولهما : أن يقيم المدعى - وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص المطعون   فيه - الدليل على أن ضررا واقعيا - اقتصاديا أو غيره - قد لحق به، سواء أكان مهدداً بهذا الضرر، أم كان قد وقع فعلا • ويتعين دوما أن يكون  الضرر المدعى به مباشرا، من فصلا عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية ، تسوية لآثاره  ثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائدا إلى النص المطعون فيه، وليس ضررا متوهما أو منتحلا أو مجهلا، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعى في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل في الدعوى الدستورية ، عما كان عليه قبلها
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان الثابت من الأوراق  أن المبنى الذى قام المدعى بتأجير إحدى وحداته، قد أنشئ عام 1988، فإن القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، هو الذى يحكم تقاضى المؤجر مقدم إيجار يزيد على أجرة سنتين، وذلك عملا بالفقرة الأولى من المادة 6 من هذا القانون التى تخول مالك المبنى المنشأ اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون، أن يتقاضى من المستأجر مقدم إيجار لا يجاوز أجرة سنتين بالشروط التى بينتها
وإذ كانت الفقرة الثانية من هذه المادة تنص على أن تقاضى مقدم إيجار وفقا لحكمها لا يخضع لحكم الفقرة الثانية من المادة 26 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر؛ وكانت هذه الفقرة هى التى حظر المشرع بموجبها على المؤجر أن يتقاضى بأية صورة   أى مقدم إيجار؛ وكان ذلك مؤداه أن العقوبة التى تضمنتها المادة 77 من هذا القانون في شأن من يخالفون حكم المادة 26 منه، لا مجال لتطبيقها - اعتبارا من تاريخ العمل بالقانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه - إلا بالنسبة إلى من يتقاضون مقدم إيجار يزيد على أجرة سنتين، فإن نطاق الدعوى الدستورية   ينحصر في الطعن بعدم  دستورية الفقرة الأولى من المادة 6 من القانون رقم 136 لسنة 1981 بعد ربطها بالعقوبة على مخالفتها التى قررتها المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليها
وحيث إن المدعى ينعى على النصوص المطعون عليها - محددة نطاقا، على النحو المتقدم -مخالفتها لأحكام المواد 2 و34 و40 من الدستور، وذلك من عدة أوجه أولها: أن التعامل في الأموال إما أن يكون حلالا أو حراما، ولا يجوز بالتالى فرض قيود على تداول الأموال دون نص شرعى ولا يعدو حظر تقاضى المؤجر مقدم إيجار لا يزيد عن أجرة سنتين، أن يكون  تسعيرا منهيا عنه، وإخلالا بحرية التعامل، وهى الأصل، وإغراء لكل مستأجر بأن يدعى زورا حصول المؤجر على مقدم إيجار بالمخالفة للقانون ثانيها: أن القوانين المنظمة للعلائق الإيجارية ، لايجوز تطبيقها إلا بقدر الضرورة التى أحاطتها وليس أدل على انتفائها من أن الفكر الاشتراكى ألهم هذه القوانين فجورها، ثم فقد مكانه الأعلى بعد أن صار العرض والطلب قاعدة التعامل في إطار سوق مفتوحة تحكمها آلياتها  ثالثها: أن النصوص المطعون عليها تنحاز إلى جانب المستأجر، ولا تقيم وزنا لحقوق المؤجر قبله، والموسرون يستطيعون من خلال مبانى الإسكان الفاخر التى يقيمونها، أن يملكوها لآخرين بالكامل ويتخلصون بذلك من مسئوليتها ولا كذلك المؤجرون المحدودون دخلاً، إذ عليهم إذا أنشأوا عقارا، أن يقنعوا بتمليك ثلث وحداته، مع تأجير باقيها، بما ينطوى عليه ذلك من توقيع العقوبة التى تضمنها النص المطعون فيه عند تقاضيهم مقدم إيجار يزيد على أجرة سنتين، وفى ذلك إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون
ومن حيث إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلا ثابتا كضمان ضد التحكم، فلا يؤثم القاضى أفعالا ينتقيها، ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره، إشباعا لنزوة أو انفلاتا عن الحق والعدل وصار التأثيم بالتالى -وبعد زاول السلطة المنفردة - عائدا إلى المشرع، إذ يقرر للجرائم التى يحدثها، عقوباتها التى تناسبها، فلا يكون سريان النصوص القانونية التى تنظمها رجعيا، بل مباشرا لتحكم الأفعال التى تقع بعد العمل بالقانون التى يجرمها Nullum crimen, Nulla poena, Sine lege ويفسر هذا المبدا بأن القيم الجوهرية التى يصدر القانون الجنائى لحمايتها، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التى انتخبها المواطنون لتمثيلهم، وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضيها أن تكون بيدها سلطة التقرير في شأن  تحديد الأفعال التى يجوز تأثيمها وعقوباتها، لضمان مشروعيتها ومن ثم كان إعمال هذا المبدأ لازما لتمكين المواطنين من الاتصال بتلك القيم التى يقوم عليها بنيان مجتمعهم، بما يوحد بينهم ويكفل تماسكهم اجتماعيا Cohésion sociale ، فلايزدرونها، وإلا كان إيقاع الجزاء الجنائى عليهم لازما لردعهم
وحيث إن استقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في مفاهيم الدول المتحضرة ، دعا إلى توكيده بينها ومن ثم وجد صداه في عديد من المواثيق الدولية ، من بينها الفقرة الأخيرة من المادة 11 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والفقرة الأولى من المادة 15 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، والمادة 7 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان  وتردد هذا المبدأ كذلك في دساتير عديدة ، يندرج تحتها ما تنص عليه المادة 66 من دستور جمهورية مصر العربية من أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذى ينص عليها، وما تقرره كذلك المادة 187 من هذا الدستور التى تقضى بأن الأصل في أحكام القوانين هو سريانها اعتبارا من تاريخ العمل بها، ولا أثر لها فيما وقع قبلها إلا بنص خاص  تقره أغلبية أعضاء السلطة التشريعية في مجموعهم
وحيث إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وإن اتخذ من ضمان الحرية الشخصية بنيانا لإقراره وتوكيده، إلا أن هذه الحرية ذاتها هى التى تقيد من محتواه، فلايكون إنفاذ هذا المبدأ لازما إلا بالقدر وفى الحدود التى تكفل صونها In Favorem• ولايجوز بالتالى إعمال نصوص عقابية يسئ تطبيقها إلى مركز قائم لمتهم، ولا تفسيرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها، ولامد نطاق التجريم -وبطريق القياس- إلى أفعال لم يؤثمها المشرع، بل يتعين دوما -وكلما كان مضمونها يحتمل أكثر من تفسير- أن يرجح القاضى من بينها ما يكون أكثر ضمانا للحرية الشخصية في إطار علاقة منطقية La ratio Legis  يقيمها بين هذه النصوص وإرادة المشرع، سواء في ذلك تلك التى أعلنها، أو التى يمكن افتراضها عقلا
وحيث إن  النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إنما يتحدد على ضوء ضمانتين تكفلان الأغراض التى توخاها: أولاهما: أن تصاغ النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها• وهى بعد ضمانة غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيا لها، بل اتساقا معها ونزولا عليها ثانيتهما: ومفترضها أن  المرحلة الزمنية التى تقع بين دخول القانون الجنائى   حيز التنفيذ وإلغاء هذا القانون، إنما تمثل الفترة التى كان يحيا خلالها، فلا يطبق على أفعال أتاها جناتها قبل نفاذه، بل يتعين أن يكون هذا القانون سابقا عليها La loi préalable• فلا يكون رجعيا، على أن يكون مفهوما أن القوانين الجنائية وإن كان سريانها على وقائع اكتمل تكوينها قبل نفاذها، غير جائز أصلا، إلا أن إطلاق هذه القاعدة يُفقدها معناها، ذلك أن الحرية الشخصية وإن كان يهددها القانون الجنائى الأسوأ، إلا أن هذا القانون يرعاها ويحميها إذا كان أكثر رفقا بالمتهم، سواء من خلال إنهاء تجريم أفعال أثمها قانون جنائى سابق، أو عن طريق تعديل تكييفها أو بنيان بعض العناصر التى تقوم عليها، بما يمحو عقوباتها كلية أو يجعلها أقل بأسا، وبمراعاة أن غلو العقوبة أو هوانها إنما يتحدد على ضوء مركز المتهم في مجال تطبيقها بالنسبة إليه
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن إنكار الأثر الرجعى للقوانين الجزائية ، يفترض أن يكون تطبيقها في شأن المتهم مسيئا إليه، فإن كانت أكثر فائدة لمركزه القانونى في مواجهة سلطة الاتهام، فإن رجعيتها تكون أمراً محتوما• ومن ثم نكون أمام قاعدتين تجريان معا   وتتكاملان: أولاهما: أن مجال سريان القانون الجنائى ينحصر أصلا في الأفعال اللاحقة لنفاذه، فلا يكون رجعيا كلما كان أشد وقعا على المتهم• وثانيتهما: سريان القانون اللا حق على وقائع كان يؤثمها قانون سابق، كلما كان القانون الجديد أكثر يسراً  وتكامل هاتين القاعدتين مؤداه، أن ثانيتهما لا تعتبر استثناء من أولاهما، ولا هى قيد عليها، بل فرع منها ونتيجة حتمية لها • وكلتاهما معا تعتبران امتدادا لازما لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات Le prolongementnécessaire، ولهما معا القيمة الدستورية ذاتها
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون الجنائى ، وإن اتفق مع غيره من القوانين في تنظيم علائق الأفراد بمجتمعهم وفيما بين بعضهم البعض، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم الأفعال التى يأتونها أو يدعونها بما يناقض أوامره أو نواهيه• وهو بذلك يتغيا أن يحدد -ومن منظور اجتماعى - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيا ممكنا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لايكون مبررا، إلا إذا كان مفيدا من وجهة اجتماعية ، فإذا كان مجاوزا تلك الحدود التى لا يكون معها ضروريا، غدا مخالفا للدستور
وحيث إن هذا القضاء -وباعتباره معيارا للشرعية الدستورية للنصوص العقابية - مردد كذلك فيما بين الأمم المتحضرة ، ومن بينها فرنسا التى أقر مجلسها الدستورى مبدأين في هذا الشأن•  أولهما: أنه كلما نص القانون الجديد على عقوبة أقل قسوة من تلك التى قررها القديم ، تعين أن تعامل النصوص القانونية التى تتغيا الحد من آثار تطبيق القانون الجديد في شأن الجرائم التى تم ارتكابها قبل نفاذه، والتى لم يصدر فيها بعد حكم حائز لقوة الأمر المقضى ، باعتبارها متضمنة إخلالا بالقاعدة التى صاغتها المادة 8 من إعلان 1789 في شأن حقوق الإنسان والمواطن، والتى لا يجوز للمشرع على ضوئها أن يقرر للأفعال التى يؤثمها، غير عقوباتها التى   تضبطها الضرورة بوضوح ، فلا تجاوز متطلباتها La loi ne doit établir que des peines strictement et évidemment nécessaires ذلك أن عدم تطبيق القانون الجديد على الجرائم التى ارتكبها جناتها في ظل القانون القديم، مؤداه أن ينطق القاضى بالعقوبات التي قررها هذا القانون، والتى لم يعد لها - في تقدير السلطة التشريعية التى أنشأتها - من ضرورة  (DC, 19 et 20  janvier 1891, cons. 75, Rec . p .   127- 80 - 10)  ثانيهما: أن  تأثيم المشرع لأفعال بذواتها، لا ينفصل عن عقوباتها التى يجب أن يكون فرضها مرتبطا بمشروعيتها، وبضرورتها، وبامتناع رجعية النصوص العقابية التى قررتها  كلما كان مضمونها أكثر قسوة ، ودون ما إخلال بحقوق الدفاع التى تقارنها  ولا تتعلق هذه الضوابط جميعها بالعقوبات التى توقعها السلطة القضائية فقط، ولكنها تمتد لكل جزاء يتمحض عقابا، ولو كان المشرع قد عهد بالنطق به إلى جهة غير قضائية ْUne peine ne peut etre infligée qu"  a la condition que soient respectés le principe de légalité des délits et des peines, le principe de nécessité des peines, le princpe de non -rétroactivité de la loi pénale d"incrimination plus sévere ainsi que le respect du principe des droits de la défense . Ces exigences concernent non seulement les peines prononcées par les juridictions répressives mais aussi toute sanction ayant le caractére d"une punition meme si le législateur a Laissé Le soin de La prononcer a une autorité de nature non judiciaire .  (DC , 17 Janvier 1989, cons. 35 a 42 , p . 18 842 - 88)
وحيث إن قضاء هذه المحكمة في شأن كل قانون أصلح للمتهم يصدر بعد وقوع الفعل - وقبل الفصل فيه نهائيا - مؤداه أن سريان القانون اللاحق في شأن  الأفعال  التى أثمها قانون سابق، وإن اتخذ من نص المادة 5 من قانون العقوبات موطئا وسندا، إلا أن صون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور بنص المادة 41 من الدستور، هى التى تقيم هذه القاعدة وترسيها بما يحول بين المشرع وتعديلها أو العدول عنها • ذلك أن ما يعتبر قانونا أصلح للمتهم، وإن كان لا يندرج تحت القوانين التفسيرية التى تندمج أحكامها في القانون المفسر، وترتد إلى تاريخ نفاذه باعتبارها جزءا منه يبلور إرادة المشرع التى قصد إليها ابتداء عند إقراره لهذا  القانون،إلا أن كل قانون جديد يمحو التجريم عن الأفعال التى أثمها القانون القديم ، إنما ينشئ للمتهم مركزا قانونيا جديدا، ويقوض - من خلال رد هذه الأفعال إلى دائرة المشروعية - مركزا سابقا • ومن ثم يحل القانون الجديد - وقد صار أكثر رفقا بالمتهم وأعون على صون الحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور حقا طبيعيا لا يمس  - محل القانون القديم، فلا يتزاحمان أو يتداخلان، بل ينحى ألحقهما أسبقهما وغدا لازما بالتالى - وفى مجال إعمال القوانين الجنائية الموضوعية Les lois pénales de fond  الأكثر رفقا بالمتهم - توكيد أن صون الحرية الشخصية من جهه، وضرورة الدفاع عن مصالح الجماعة والتحوط لنظامها العام من جهة أخرى ، مصلحتان متوازيتان، فلاتتهادمان • وصار أمرا مقضيا - وكلما صدر قانون جديد يعيد الأوضاع إلى حالها قبل التجريم -  أن ترد لأصحابها تلك الحرية التى كان القانون القديم ينال منها، وأن يرتد هذا القانون على عقبيه، إعلاء للقيم التى انحاز إليها القانون الجديد، وعلى تقدير أن صونها لا يخل بالنظام العام باعتباره مفهوما مرنا متطورا على ضوء مقاييس  العقل الجمعى التى لا ينفصل القانون الأصلح عنها، بل يوافقها ويعمل على ضوئها، فلايكون إنفاذه منذ صدوره  إلا تثبيتا للنظام العام بما يحول دون انفراط عقده، بعد أن صار هذا القانون أكفل لحقوق المخاطبين بالقانون القديم وأصون لحرياتهم
وحيث إن  القوانين الجزائية التى نقارنها ببعض تحديدا لأصلحها للمتهم، تفترض اتفاقها جميعا مع الدستور، وتزاحمها على محل واحد، وتفاوتها فيما بينها في عقوباتها، فلا نغلب من صور الجزاء التى تتعامد على المحل الواحد، إلا تلك التي تكون في محتواها أو شرائطها أو مبلغها  Le contenu, Les modalités et Le quantum des penies  أقل بأسا من غيرها، وأهون أثرا
وحيث إن البين من القوانين التى نظم بها المشرع العلائق الإيجارية - وبقدر اتصال أحكامها بالنزاع الراهن - أن المشرع انتقل بحق المؤجر في تقاضى مقدم الأجرة ، من الحظر الكامل، إلى الحظر المقيد، إلى إطلاق هذا الحق من كل قيد ضمانا لأن يكون حقا مكتملا لا مبتسرا فقد حال المشرع بالفقرة الثانية من المادة 26 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، دون أن يتقاضى المؤجر - تحت أية صورة من الصور - مقدم إيجار على أى نحو • واقترن هذا الحظر الكامل بنص المادة 77 من هذا القانون التى تقضى بمعاقبة كل من أخل بحكم المادة 26 منه - سواء أكان مؤجرا أو مستأجرا أو وسيطا - بالحبس  مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة تعادل مثلى المبلغ الذى تقاضاه بالمخالفة لأحكام هذه المادة ، متوخيا بذلك ألا يفاضل المؤجر بين المتزاحمين على وحدة يملكها، على ضوء أكثرهم قدرة لدفع مقدم أجرتها
ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 136 لسنة 1981 منظما بعض الأحكام الخاصة للعلائق الإيجارية ، وكافلا بالفقرة الأولى من مادته السادسة ، حق المؤجر في أن يتقاضى - بالشروط التى حددتها هذه الفقرة - مقدم إيجار لا يزيد على أجرة سنتين  وصار هذا الحظر المحدود مُقَيدا بالتالى من حكم الفقرة الثانية من المادة 26 من القانون  السابق، ومانعا من تطبيقها في شأن مقدم الإيجار الذى يتقاضاه المؤجر وفقا لأحكام القانون اللاحق
وتلا هذين القانونين، صدور القانون رقم 4 لسنة 1996 في 30 من يناير 1996، الذى أعاد المشرع بمقتضاه إلى حرية التعاقد صورا بذاتها من العلائق الإيجارية ، هى تلك التى نظمتها مادته الأولى بنصها على ألا تسري أحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، و 136 لسنة 1981 ببعض الأحكام الخاصة ببيع وتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والقوانين الخاصة بإيجار الأماكن الصادرة قبلهما، على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها، ولا على الأماكن التى انتهت عقود تأجيرها قبل العمل بهذا القانون أو تنتهى بعده لأى سبب، دون أن يكون لأحد حق البقاء   فيها
وحيث إن قضاء هذه المحكمة في شأن العلائق الإيجارية ، قد جرى على أن  التدابير الاستثنائية التى تقارنها، لا تعتبر حلا دائما ونهائيا لمشكلاتها، فلا يتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها على ضوء ما ينبغى أن يقوم في شأنها من توازن بين حقوق كل من  المؤجر والمستأجر، فلا يختل التضامن بينهما اجتماعيا، ولا يكون صراعهما بديلا عن التعاون بينهما، بل تتوافق مصالحهما اقتصاديا، وعلى تقدير أن الأصل في عقود القانون الخاص هو انبناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح أطرافها، فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها، إلا بقدر الضرورة التى يتعين أن تخلى مكانها -عند فواتها- لحرية التعاقد
وحيث إن الشروط التى فرضها المشرع على اقتضاء مقدم الإيجار - مع تفاوتها في درجتها على النحو المتقدم، ثم التحلل منها - مردها إلى الضرورة التى عاصرتها • وبقدر حدتها ثم تراخيها ثم زوالها، أقر المشرع من النصوص القانونية ما يناسبها، ويكون ملتئما مع مدارجها
وحيث إن القانون رقم 136 لسنة 1981، وإن شرط لتطبيق العقوبة التى كان القانون رقم 49 لسنة 1977 قد فرضها في شأن تقاضي المؤجر لمقدم إيجار، أن يكون الحصول عليه بما يجاوز أجرة سنتين ، إلا أن القانون اللاحق - وهو القانون رقم 4 لسنة 1996 - أعاد من جديد تنظيم هذا الموضوع في شأن الأماكن التى حددتها مادته الأولى ، مقررا سريان قواعد القانون المدني -دون غيرها- في شأن تأجيرها واستغلالها، وملغيا كل قاعدة على   خلافها، مؤكدا بذلك استئثار أصحابها بها، لتخرج هذه الأماكن بذلك من نطاق التدابير الاستثنائية التى درج المشرع على فرضها في مجال العلائق الإيجارية ، فلا يكون تأجيرها إلا وفق الشروط التى تتطابق بشأنها إرادة مؤجريها مع من يتقدمون لطلبها، ولو كان من بينها تقاضى المؤجر مقدم إيجار أيا كانت المدة التى يمتد إليها • وهو ما يعني أن الضرورة الاجتماعية التى انطلق منها الجزاء المقرر بالقانون القديم وتولد عنها، قد أسقطتها فلسفة جديدة تبنتها الجماعة في واحد من أطوار تقدمها، قوامها حرية التعاقد، فلا يكون الجزاء الجنائى - وقد لابس القيود التى فرضها القانون القديم على هذه الحرية - إلا منهدما بعد العمل بالقانون الجديد
وحيث إن القول بأن لكل من قوانين إيجار الأماكن الصادرة قبل العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996، مجال ينحصر فيه تطبيقها، وأنها جميعا تعتبر من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها ، فلا يقيدها هذا القانون باعتباره تشريعا عاما
مردود أولا : بأن القانون اللاحق تغيا أن يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها، فلا تحكمها إلا حرية التعاقد التى يلازمها بالضرورة أن يكون المتعاقدان على شروطهما التى يناقضها أن يكون الاتفاق على تعجيل الأجرة - وهو جائز قانونا في شأن الأماكن التى ينظمها القانون الجديد - سببا لتجريم اقتضائها والأفعال التى أثمها القانون السابق بالشروط التى فرضها، هى ذاتها التي أطلق القانون الجديد الحق فيها، فلايكون امتداده إليها إلا ضمانا لصون الحرية الشخصية التى منحها الدستور الرعاية الأوفى والأشمل توكيدا لقيمتها بل إن هذا القانون - وباعتباره أصلح للمتهم - يعتبر متمتعا بالقوة ذاتها التى كفلها الدستور لهذه الحرية ، فلايكون القانون السابق حائلا دون جريانها، بل منجرفا بها
ومردود ثانيا : بأن التجريم المقرر بالقانون السابق، ارتبط بتدابير استثنائية قدر المشرع ضرورة اتخاذها خلال الفترة التى ظل فيها هذا القانون نافذا • فإذا دل القانون اللاحق على انتفاء الضرورة الاجتماعية التى لا يكون الجزاء الجنائى مبررا مع فواتها، فإن هذا القانون يكون أكثر ضمانا للحرية الشخصية التى كفل الدستور صونها
ومردود ثالثا : بأن تأثيم المشرع لأفعال بعينها، قد يكون مشروطا بوقوعها في مكان معين، كتجريم الأفعال التي يأتيها شخص داخل النطاق المكانى لمحمية طبيعية إضرارا بخصائصها أو بمواردها وقد يؤثم المشرع أفعالا بذواتها، جاعلا من ارتكابها في مكان محدد، ظرفا مشددا لعقوبتها، كالسرقة في مكان مسكون أو معد للسكنى أو ملحقاتهما أو في محل للعبادة عدوانا على حرمتها ولا كذلك جريمة تقاضى المؤجر لمقدم إيجار يزيد على أجرة سنتين التى نص عليها القانون السابق، ذلك أن وقوعها في الأماكن التى أخضعها هذا القانون لحكمه، ليس شرطا لاكتمال أركانها، ولا ظرفا لازما لتغليظ عقوبتها، ولكنها تتحقق اتصالا بواقعة تأجيرها وبمناسبتها، ولمجرد أن المكان المؤجر لم يكن - عند العمل بالقانون الجديد - خاليا
ومردود رابعا : بأن من غير المتصور أن يظل قائما، التجريم المقرر بالقانون السابق في شأن تقاضى مقدم الأجرة لأكثر من سنتين، إذا كانت الأماكن التى يشملها هذا القانون مؤجرة قبل نفاذ القانون الجديد، فإذا خلا مكان منها وقت سريان هذا القانون، تحرر المؤجر جنائيا من كل قيد يتعلق بالمدة التى يقتضى عنها مقدم الأجرة •وليس مفهوما أن يكون للفعل الواحد معنيان مختلفان، ولا أن تحتفظ الجريمة التى أنشاها القانون القديم بذاتيتها، وبوطأة عقوبتها، بعد أن جرد القانون الجديد  الفعل  الذى يكونها من الآثام التى احتضنها
ومردود خامسا : بأن القانون الجديد صرح بإلغاء كل قانون يتضمن أحكاما تناقض تلك التى أتى بها، بما مؤداه اطراح النصوص المخالفة للقانون الجديد - في شأن يتعلق بالتجريم - سواء تضمنها تنظيم عام أو خاص• ذلك أن القوانين لا تتنازع إلا بقدر تعارضها، ولكنها تتوافق من خلال وسائل متعددة يتصدرها -فى المجال الجنائى - القانون الأصلح، فلا يكون نسيجها إلا واحدا• والجريمة التي أنشأها القانون السابق هى ذاتها التى هدمها القانون الجديد ووجودها وانعدامها متصادمان، فلا يستقيم اجتماعهما
ومردود سادسا:-  بأن إعمال الأثر الرجعى للقانون الأصلح - يعتبر انحيازا من القاضى لضمانة جوهرية للحرية الشخصية ، تبلورها السياسة العقابية الجديدة للسلطة التشريعية التى تتحدد على ضوء فهمها للحقائق المتغيرة للضرورة الاجتماعية • وهى بعد ضرورة ينبغى أن يحمل عليها كل جزاء جنائي ، وإلا فقد علة وجوده 
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت الواقعة محل الاتهام الجنائي لم تعد معاقبا عليها، فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعى في الدعوى الماثلة ، بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التي انبنى التجريم  عليها، وخرج من صلبها
وحيث إن قضاء هذه المحكمة باعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 أصلح للمتهم، قد انبنى على التطبيق المباشر للقواعد الدستورية التى تناولتها على النحو المتقدم، فإن حكمها باعتبار هذا القانون كذلك، يكون متمتعا بالحجية المطلقة التى أسبغها المشرع على أحكامها الصادرة في المسائل الدستورية، وملزما بالتالي الناس كافة وكل سلطة في الدولة ، بما في ذلك جهات القضاء على اختلافها
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة

عدم اختصاص القضاء العسكري بالفصل في المنازعات المتعلقة بتحقيق الملكية وإثباتها

القضية رقم 8 لسنة 32 ق " تنازع " جلسة 15 / 1 / 2013
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
  بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الثلاثاء الخامس عشر من يناير سنة 2013م ، الموافق 3 من ربيع الأول سنة 1434 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عدلى محمود منصور وعبدالوهاب عبدالرازق وماهر سامى يوسف والسيد عبدالمنعم حشيش ومحمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف  نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / محمد عماد النجار  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع          أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 8 لسنة 32 قضائية " تنازع " .
المقامة من
السيد / أمين فهمى عبدالسلام
ضد
1 السيد / وزير العدل
2 السيد وزير الدفاع
3 السيد مدير القضاء العسكرى
4 السيد رئيس النيابة العسكرية بشرق القاهرة
5 السيد رئيس جهاز مشروعات
أراضى القوات المسلحة
الإجراءات
     بتاريخ الثامن عشر من فبراير سنة 2010 ، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طلبًا للحكم أولاً : بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة العسكرية في القضية رقم 7367 لسنة 2009 جنح عسكرية شرق القاهرة ، لتعارضه من الأحكام الصادرة في الاستئنافات أرقام 7212 لسنة 2 قضائية ، 7168 لسنة 7 قضائية ، 310 لسنة 8 قضائية ، 320،712 لسنة 11 قضائية – استئناف القاهرة ، والحكم الصادر في الدعوى رقم 20929 لسنة 1998 مدنى كلى شمال القاهرة . ثانيًا : وفى الموضوع بعدم الاعتداد بالحكم الصادر من المحكمة العسكرية في القضية رقم 7367 لسنة 2009 جنح عسكرية شرق القاهرة .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى .
     وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أنه بتاريخ 12/6/1989 تعاقد المدعى مع المدعى عليه الخامس على شراء وحدة سكنية بإسكان رابعة العدوية المملوكة لجهاز مشروعات أراضى القوات المسلحة ، شاملة حصة في الأراضى والمبانى والأجزاء المشتركة ، وتضمن العقد الرجوع إلى اتحاد الملاك عند إجراء أى تعديلات أو استخدام للعين في غير أغراض السكن . وبتاريخ 1/11/1989 حصل المدعى على موافقة اتحاد الملاك بتحويل الشقة من سكنى إلى استخدام تجارى ، كما حصل على حكم بصحة ونفاذ هذا العقد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 7400 لسنة 2 قضائية القاهرة ، وتحصل على حكم بصحة ونفاذ عقد استئجاره جزءًا من المنور نظير أجرة شهرية في الدعوى رقم 20929 لسنة 98 مدنى كلى شمال القاهرة والذى صار نهائيًا بعدم الطعن عليه . إلا أن المدعى عليه الخامس أقام الجنحة رقم 928 لسنة 1995 أمام القضاء العسكرى ضد المدعى متهمًا إياه بإهانة اللجنة الهندسية المشكلة لإزالة التعديات الموجودة بمشروع رابعة العدوية الاستثمارى فقضى فيها ببراءته . ثم عاد المدعى عليه الخامس وأقام الدعوى رقم 2130 لسنة 2000 مدنى كلى شمال القاهرة ابتغاء الحكم له بفسخ عقد بيع عين النزاع المحرر بينه وبين المدعى فقضى فيها بالرفض . طعن على الحكم في الاستئناف رقم 7168 لسنة 7 قضائية استئناف القاهرة ، كما أقام رئيس اتحاد الملاك الاستئناف رقم 310 لسنة 18 قضائية القاهرة ، وبتاريخ 11/1/2005 قضت المحكمة في الدعويين – بعد ضمهما – بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددًا بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة ، وأقام المدعى عليه الخامس – بصفته – الدعوى رقم 2802 مدنى كلى شمال القاهرة ضد المدعى وآخرين طلبًا للحكم بفسخ العقد المبرم بينهما في 13/12/1987 فقضت المحكمة برفض الدعوى ، طعن المدعى عليه الخامس على الحكم بالاستئناف رقم 712 لسنة 11 قضائية كما طعن عليه المدعى – في الدعوى الدستورية – بالاستئناف رقم 320 لسنة 11 قضائية القاهرة ، وبتاريخ 10/2/2009 قضن المحكمة في الاستئنافين – بعد ضمهما – بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة – وركنت المحكمة في أسباب حكمها إلى أن صفة المستأنف ضده الأول – رئيس جهاز مشروعات الأراضي بالقوات المسلحة – قد زالت بتشكيل اتحاد ملاك العقار الكائن به العين محل النزاع – وتبعًا لذلك – فلا صفة له في رفع الدعوى . كما كان المدعى قد أقام الدعوى رقم 5052 لسنة 1998 مدنى شمال القاهرة طلبًا للحكم بعدم تعرض المدعى عليهم للمدعى في حيازته للعين محل التداعي فقضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى ، طعن على الحكم بالاستئناف رقم 7212 لسنة 2 قضائية والذى قضى فيه بتاريخ 14/6/2006 بإلزام المستأنف ضده – المدعى عليه الخامس في الدعوى الدستورية – بضمان عدم التعرض للمدعى في انتفاعه بالوحدة محل النزاع . إلا أن المدعى عليه الخامس عاد وأقام الجنحة رقم 7367 لسنة 2009 جنح عسكرية شرق القاهرة ضد المدعى متهمًا إياه أنه تعدى على أرض عسكرية – منور العقار – السابق استئجار المدعى له من اتحاد ملاك العقار الكائن به عين النزاع المملوكة لجهاز مشروعات أراضى القوات المسلحة ، فقضت المحكمة العسكرية بالحبس والإزالة ، ورد الجزء المغتصب ومبلغ اثنين مليون و380 ألف جنيه ، وصار ذلك الحكم نهائيًا بالتصديق عليه بتاريخ 17/1/2010 ، وإذ تراءى للمدعى أن الحكم الصادر في القضية رقم 7367 لسنة 2009 جنح عسكرية شرق القاهرة والذى أصبح نهائيًا بالتصديق عليه ، يتناقض من الأحكام النهائية الصادرة من القضاء العادى في الاستئنافات أرقام 7168 لسنة 7 قضائية ، 310 لسنة 18 قضائية ، 7212 لسنة 2 قضائية – استئناف القاهرة ، فقد أقام دعواه الماثلة طالبًا وقف تنفيذ الحكم الصادر من جهة القضاء العسكرى وفى الموضوع بعدم الاعتداد به .
وحيث إن الأحكام المشار إليها آنفًا – وهى أحكام نهائية واجبة النفاذ – قد صدرت من جهتين قضائيتين وأصبحت نهائية وحسمت نزاعًا واحدًا في موضوعه ، ومتناقضة ، بحيث يتعذر تنفيذهما معًا – ومن ثم يتحقق مناط قبول الدعوى الماثلة طبقًا لنص المادة 25 البند ثالثًا من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة ، قد جرى على أن المفاضلة الطى تجريها المحكمة بين الحكمين النهائيين المتناقضين ، لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ ، إنما يتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد لتوزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة .
وحيث إنه من المقرر أن الفصل في المنازعات المتعلقة بتحقيق الملكية وإثباتها أو نفيها يدخل ابتداء في اختصاص القضاء العادي باعتباره صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات إلا ما استثنى بنص خاص ، طبقًا لنص المادة 15 من قانون السلطة القضائية ، وليس في قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 ما يعقد للقضاء العسكري اختصاصًا مزاحمًا للقضاء العادي في هذا الشأن .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاعتداد بالأحكام النهائية الصادرة من جهة القضاء العادي في الاستئنافات أرقام 7168 لسنة 7 قضائية استئناف القاهرة ، 310 لسنة 18 قضائية استئناف القاهرة ، 712 لسنة 11 قضائية استئناف القاهرة ، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من جهة القضاء العسكري في الجنحة رقم 7367 لسنة 2009 جنح عسكرية شرق القاهرة العسكرية والذى تأيد بالتصديق عليه بتاريخ 17/1/2010 .

الطعن 4106 لسنة 56 ق جلسة 4 / 12 / 1986 مكتب فني 37 ق 190 ص 992

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1986

برياسة السيد المستشار: حسن جمعة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: مصطفى طاهر وحسن عميرة وصلاح البرجي وحسن عشيش.

----------------

(190)
الطعن رقم 4106 لسنة 56 القضائية

(1) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محاماة. إجراءات "إجراءات المحاكمة".
جواز أن يتولى محام واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين في جناية واحده. متى كانت ظروف الواقعة لا تؤدي إلى القول بقيام تعارض حقيقي بين مصالحهم.
مناط التعارض المخل بحق الدفاع: أن يكون القضاء بإدانة أحد المتهمين يترتب عليه القضاء ببراءة الآخر.
تعارض المصلحة بين المتهمين الذي يوجب إفراد محام لكل يتولى الدفاع عنه. أساسه الواقع ولا ينبني على احتمال ما كان يسع كل منهم أن يبديه من أوجه دفاع.
(2) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لا يشترط أن يكون الدليل صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بجميع تفاصيلها كفاية أن يكون استخلاصها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
حق المحكمة أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشهود؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل غير جائز أمام النقض.
(5) إثبات "بوجه عام" "قرائن". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "حجية". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم تقيد القاضي عند محاكمة متهم بحكم آخر في ذات الواقعة ضد متهم آخر اعتبار أحكام البراءة عنوانا للحقيقة للمتهمين في ذات الواقعة أو غيرهم مما يتهمون فيها. شرطه؟
(6) قتل عمد. سبق إصرار. جريمة "أركانها". ظروف مشددة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ لتوافر سبق الإصرار في جريمة قتل عمد.
(7) عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "المصلحة في الطعن". قتل عمد. سبق الإصرار. ترصد.
انعدام مصلحة الطاعن في المجادلة في توافر سبق الإصرار. متى كانت العقوبة الموقعة عليه تدخل في الحدود المقررة لجناية الشروع في القتل مجردة من أي ظروف مشددة.
حكم سبق الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد. إثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر.
(8) قتل عمد. سبق إصرار. ظروف مشددة. مسئولية جنائية. حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الأصل أن الخطأ في "الإسناد لا يعيب الحكم. ما لم تتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
إثبات الحكم تواجد الطاعنين على مسرح الجريمة ومساهمتهم في الاعتداء على المجني عليه مع توافر ظرف سبق الإصرار في حقهم. يرتب تضامناً بينهم في المسئولية الجنائية عن جريمة الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لغرضهم المشترك.
الخطأ الذي لا يؤثر في عقيدة المحكمة. لا يعيب الحكم.

-------------------
1 - لما كان من المقرر أن القانون لا يمنع أن يتولى محام واحد أو هيئة دفاع واحدة واجب الدفاع عن متهمين متعددين في جناية واحده ما دامت ظروف الواقعة لا تؤدي إلى القول بقيام تعارض حقيقي بين مصالحهم وكان الثابت من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أن الطاعنين ارتكبوا معاً أفعال الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ووضع النار عمداً والإتلاف عمداً، واعتبرهم فاعلين أصليين في هذه الجرائم، وكان القضاء بإدانة أحدهم - كما يستفاد من أسباب الحكم - لا يترتب عليه القضاء ببراءة أي من المحكوم عليهم الآخرين وهو مناط التعارض الحقيقي المخل بحق الدفاع، فإنه لا يعيب الحكم في خصوص هذه الدعوى أن تولت هيئة دفاع واحدة الدفاع عن الطاعنين، ذلك بأن تعارض المصلحة الذي يوجب إفراد كل منهم بمحام خاص يتولى الدفاع عنه أساسه الواقع ولا يبنى على احتمال ما كان يسع كل منهم أن يبديه من أوجه الدفاع ما دام لم يبده فعلاً.
2 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي إليه إقناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
3 - لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق.
4 - لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة في الدعوى الماثلة قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه وباقي شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض.
5 - لما كان لا وجه لقاله التناقض التي أثارها الطاعنون استناداً إلى الحكم الصادر بالبراءة لمتهمين آخرين في الدعوى عن ذات التهم، إذ أنه لا سبيل إلى مصادرة المحكمة في اعتقادها ما دامت قد بنت اقتناعها على أسباب سائغة فإن الأمر يتعلق بتقدير الدليل ولا يتعدى أثره شخص المحكوم لصالحه، ذلك بأن من المقرر أن القاضي وهو يحاكم متهماً يجب أن يكون مطلق الحرية في هذه المحاكمة غير مقيد بشيء مما تضمنه حكم صادر في ذات الواقعة على متهم آخر، ولا مبال بأن يكون من وراء قضائه على مقتضى العقيدة التي تكونت قيام تناقض بين حكمه والحكم السابق صدوره على مقتضى العقيدة التي تكونت لدى القاضي الأخر، ولما كان من المقرر أن أحكام البراءة لا تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة إلى المتهمين فيها أو لغيرهم ممن يتهمون في ذات الواقعة إلا إذا كانت البراءة مبنية على أسباب غير شخصية بالنسبة إلى المحكوم لهم بحيث تنفي وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى مادياً، وهو الأمر الذي لا يتوافر في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون سديداً.
6 - لما كان الحكم قد استظهر توافر ظرف سبق الإصرار في قوله "وحيث إن ظرف سبق الإصرار قد توافر في جانب المتهمين باتفاقهم على قتل المجني عليه قبل ارتكاب الحادث بفترة طويلة بسبب الخلاف السابق بين المجني عليه وبين المتهم..... الشهير..... ومن التصميم على إزهاق روحه في هدوء ورويه ومبادرته بالتعدي دون مقدمات وإشعال النار في الحانوت التي احتمى فيه لتنفيذ الغرض الذي عقدوا العزم عليه بالصورة التي كشفت عنها التحقيقات بما يرتب في صحيح القانون تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أم غير محدد، قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة للجريمة أو قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال، فإن كلاً منهم يكون مسئولاً عن جرائم الشروع في القتل والحريق العمدي والإتلاف العمدي التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات وكان ما ساقه الحكم مما سلف سائغ ويتحقق به توافر ظرف سبق الإصرار حسبما هو معرف به في القانون.
7 - لما كانت العقوبة المقضى بها على الطاعنين تدخل في الحدود المقررة لجناية الشروع في القتل العمد أشد الجرائم التي دين الطاعنون بها، مجردة من أي ظرف مشدد، فإنه لا يكون للطاعنين مصلحة فيما يثيرونه من فساد استدلال الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار، هذا إلى أن حكم ظرف سبق الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر.
8 - لما كان الأصل أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، وإذ ما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين تواجدهم على مسرح الجريمة ومساهمتهم في الاعتداء على المجني عليه مع توافر ظرف سبق الإصرار في حقهم مما يرتب في صحيح القانون تضامناً بينهم في المسئولية الجنائية عن جريمة الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه يستوي في ذلك أن يكون هذا الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد، وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، فإن الخطأ على فرض حصوله، ما دام متعلقاً بالأفعال التي وقعت من كل من الطاعنين لا يعد مؤثراً في عقيدة المحكمة ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم (أولاً): - شرعوا مع آخران سبق الحكم عليهما في قتل .... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن عقدوا العزم وبيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أدوات "عصي وكوريك" وتربصوا له في المكان الذي أيقنوا سلفاً مروره فيه وما أن ظفروا به حتى ضربه المتهم الرابع بعصى على رأسه ولما احتمى المجني عليه بحانوت بمكان الحادث تابعوه بقذفه بالحجارة وسكب الأول والثاني والثالث مادة بترولية (كيروسين) على ذلك الحانوت وأشعلوا النار قاصدين من ذلك قتل المجني عليه فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو مداركته بالعلاج (ثانياً): - وضعوا عمداً نار في الحانوت المملوك لـ..... وذلك بأن قام كل من المتهمين الأول والثاني والثالث بإحضار ماده بترولية "كيروسين" وسكبوها على ذلك الحانوت سالف البيان وأشعلوا النار فيه على النحو المبين بالتحقيقات. (ثالثاً): - أتلفوا عمداً الحانوت موضوع التهمه الثانية بأن قاموا بإلقاء الحجارة عليه وتحطيم واجهته بالكوريك وأشعلوا النار فيه وترتب على ذلك ضرر مادي تزيد قيمته عن خمسين جنيهاً وجعل حياة الناس في خطر. وأحالتهم إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسون جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمواد 32، 45، 46، 230، 231، 232، 252، 361/ 1، 2، 3 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبه كلاً منهم بالسجن لمده ثلاث سنوات عما أسند إليهم وألزمتهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ووضع النار عمداً في أحد المحلات وإتلافه قد شابه إخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال وتناقض وخطأ في الإسناد، ذلك بأن محاميين توليا المرافعة عن جميع الطاعنين على الرغم من قيام التعارض بين صوالح كل منهم بالنظر إلى ما شهد به.... و..... من أن بعض المتهمين، دون البعض الآخر، هو الذي وضع النار في المحل، وتناقض الحكم عندما قضى بإدانة الطاعنين استناداً إلى أقوال المجني عليه، وباقي شهود الإثبات، مع أن المحكمة التي أصدرتها أهدرتها من قبل لعدم اطمئنانها إليها عندما قضت ببراءة متهمين آخرين في ذات الاتهام، ونسب الحكم إلى المجني عليه بأن المتهمين جميعاً أشعلوا فيه النار على خلاف الثابت في الأوراق واعتبر الحكم إشعال النار في المحل ضمن أدله توافر سبق الإصرار مع أن الفترة بين تعقب المجني عليه ودخوله لا تكفي لتوافره، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دين الطاعنون بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدله مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقرير الطبي الشرعي وتقرير قسم الأدلة الجنائية والمعاينة التي أجرتها النيابة العامة وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لا يمنع أن يتولى محام واحد أو هيئة دفاع واحدة واجب الدفاع عن متهمين متعددين في جناية واحده ما دامت ظروف الواقعة لا تؤدي إلى القول بقيام تعارض حقيقي بين مصالحهم وكان الثابت من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أن الطاعنين ارتكبوا معاً أفعال الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ووضع النار عمداً والإتلاف عمداً، واعتبرهم فاعلين أصليين في هذه الجرائم، وكان القضاء بإدانة أحدهم - كما يستفاد من أسباب الحكم - لا يترتب عليه القضاء ببراءة أي من المحكوم عليهم الآخرين وهو مناط التعارض الحقيقي المخل بحق الدفاع، فإنه لا يعيب الحكم في خصوص هذه الدعوى إن تولت هيئة دفاع واحده الدفاع عن الطاعنين، ذلك بأن تعارض المصلحة الذي يوجب إفراد كل منهم بمحام خاص يتولى الدفاع عنه أساسه الواقع ولا يبنى على احتمال ما كان يسع كل منهم أن يبديه من أوجه الدفاع ما دام لم يبده فعلاً لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها مستنداً إلى أدله مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت في الأوراق، ولا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة في الدعوى الماثلة قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه وباقي شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا وجه لقالة التناقض التي أثارها الطاعنون استناداً إلى الحكم الصادر بالبراءة لمتهمين آخرين في الدعوى عن ذات التهم، إذ أنه لا سبيل إلى مصادرة المحكمة في اعتقادها ما دامت قد بنت اقتناعها على أسباب سائغة فإن الأمر يتعلق بتقدير الدليل ولا يتعدى أثره شخص المحكوم لصالحه، ذلك بأن من المقرر أن القاضي وهو يحاكم متهماً يجب أن يكون مطلق الحرية في هذه المحاكمة غير مقيد بشيء مما تضمنه حكم صادر في ذات الواقعة على متهم آخر، ولا مبال بأن يكون من وراء قضائه على مقتضى العقيدة التي تكونت لديه قيام تناقض بين حكمه والحكم السابق صدوره على مقتضى العقيدة التي تكونت لدى القاضي الأخر، ولما كان من المقرر أن أحكام البراءة لا تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة إلى المتهمين فيها أو لغيرهم ممن يتهمون في ذات الواقعة إلا إذا كانت البراءة مبنية على أسباب غير شخصيه بالنسبة إلى المحكوم لهم بحيث تنفي وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى مادياً، وهو الأمر الذي لا يتوافر في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر تنافر ظرف سبق الإصرار في قوله "وحيث إن ظرف سبق الإصرار قد توافر في جانب المتهمين باتفاقهم على قتل المجني عليه قبل ارتكاب الحادث بفترة طويلة بسبب الخلاف السابق بين المجني عليه وبين المتهم.... الشهير..... ومن التصميم على إزهاق روحه في هدوء ورويه ومبادرته بالتعدي دون مقدمات وإشعال النار في الحانوت التي احتمى فيه لتنفيذ الغرض الذي عقدوا العزم عليه بالصورة التي كشفت عنها التحقيقات بما يرتب في صحيح القانون تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أم غير محدد، قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة للجريمة أو قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال، فإن كلاً منهم يكون مسئولاً عن جرائم الشروع في القتل والحريق العمدي والإتلاف العمدي التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات" وكان ما ساقه الحكم مما سلف سائغ ويتحقق به توافر ظرف سبق الإصرار حسبما هو معرف به في القانون فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت العقوبة المقضى بها على الطاعنين تدخل في الحدود المقررة لجناية الشروع في القتل العمد أشد الجرائم التي دين الطاعنون بها، مجرده من أي ظرف مشدد، فإنه لا يكون للطاعنين مصلحه فيما يثيرونه من فساد استدلال الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار، هذا إلى أن حكم ظرف سبق الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر. لما كان ذلك، وكان الأصل أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، وإذ ما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين تواجدهم على مسرح الجريمة ومساهمتهم في الاعتداء على المجني عليه مع توافر ظرف سبق الإصرار في حقهم مما يرتب في صحيح القانون تضامناً بينهم في المسئولية الجنائية عن جريمة الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد، وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، فإن الخطأ على فرض حصوله، ما دام متعلقاً بالأفعال التي وقعت من كل من الطاعنين لا يعد مؤثراً في عقيدة المحكمة ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 6610 لسنة 53 ق جلسة 22 / 4 / 1984 مكتب فني 35 ق 100 ص 449

جلسة 22 ابريل سنة 1984
برياسة السيد المستشار /أمين عليوة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين /جمال الدين منصور وصفوت مؤمن وكمال أنور ومحمد عباس مهران.
------------
(100)
الطعن 6610 لسنة 53 ق
(1) إعلان .  دعوى مدنية " نظرها والحكم فيها ". إجراءات " إجراءات المحاكمة".
متي يعتبر المدعي بالحق المدني تاركا لدعواه . م 261 إ . ج .
(2) إجراءات " اجراءات المحاكمة". إعلان . دعوى مدنية " نظرها والحكم فيها ". بطلان . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب".
ايجاب القانون الاعلان لاتخاذ اجراء أو بدء ميعاد . مفاده ؟ تأجيل الدعوي في غياب المدعي المدني ، دون اعلانه لشخصه والقضاء باعتباره تاركا لدعواه المدنية . خطأ .
------------
1 - من المقرر طبقاً لنص المادة 261 من قانون الإجراءات الجنائية أن المدعي بالحقوق المدنية يعتبر تاركاً لدعواه المدنية إذا تخلف عن الحضور أمام المحكمة بغير عذر مقبول بشرط أن يكون قد أعلن لشخصه - والحكمة من اشتراط الإعلان لشخص المدعي هي التحقق من علمه اليقيني بالجلسة المحددة لنظر الدعوى.
2 - لما كان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد جري على أنه متى أوجب القانون الإعلان لاتخاذ إجراء أو بدء ميعاد فإن أي طريقة أخرى لا تقوم مقامه، وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة أنها قد خلت مما يدل على أن المدعي بالحق المدني (الطاعن) قد أعلن لشخصه للحضور بجلسة 14/4/1983 التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، كما خلا محضر الجلسة المذكورة مما يفيد طلب المتهم اعتبار المدعي تاركاً لدعواه، فإنه ما كان يجوز الحكم باعتبار الطاعن تاركاً لدعواه المدنية استنادا إلى عدم حضوره في جلسة 14/4/1983 التي أجلت إليها الدعوى في غيبته والتي لم يكن قد أعلن بها لشخصه. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد ابتنى على إجراءات باطلة، مما يتعين معه نقضه بالنسبة إلى ما قضى به في الدعوى المدنية والإحالة.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه قتل ....... عمدا بأن طعنه بآلة حادة (مطواة) قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الإحالة
وادعى .... والد المجني عليه و..... والدته مدنيا قبل المتهم بمبلغ 250 جنيها على سبيل التعويض المؤقت
ومحكمة جنايات طنطا قضت حضوريا عملا بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المطعون ضده مما أسند إليه واعتبار المدعي المدني تاركا لدعواه المدنية
فطعن المدعي بالحق المدني - الطاعن - في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
------------
المحكمة
حيث أن الطاعن - المدعي بالحق المدني - ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى باعتباره تاركا لدعواه المدنية قد أخطأ في تطبيق القانون, ذلك أنه لم يكن قد أعلن لشخصه للحضور بالجلسة التي صدر فيها الحكم, فضلا عن أن المتهم لم يطلب من المحكمة اعتباره تاركاً لدعواه المدنية, وحيث أنه من المقرر طبقا لنص المادة 261 من قانون الإجراءات الجنائية أن المدعي بالحقوق المدنية يعتبر تاركا لدعواه المدنية إذا تخلف عن الحضور أمام المحكمة بغير عذر مقبول بشرط أن يكون قد أعلن لشخصه - والحكمة من اشتراط الإعلان لشخص المدعي هي التحقق من علمه اليقيني بالجلسة المحددة لنظر الدعوى. ولما كان يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدعيين بالحقوق المدنية (الطاعن وأخرى) قد حضرا بجلسة 23/1/1984 التي نظرت فيها الدعوى وبها تأجلت في مواجهتهما لجلسة 23/4/1983, إلا أنها نظرت بجلسة 13/4/1983 في غيبة المدعيين بالحقوق المدنية وبها أصدرت المحكمة قرارها بالتأجيل لليوم التالي وسمعت مرافعة النيابة والدفاع الذي لم يطلب اعتبار المدعيين بالحقوق المدنية تاركين دعواها إلا أن المحكمة قضت بذلك, وجاء بالحكم المطعون فيه أن المدعيين بالحقوق المدنية لم يحضرا بجلسة المحاكمة الأخيرة بالرغم من إعلانهما وحضورهما في جلسات سابقة ودون أن ينقطع سير الخصومة, ومن ثم فإنهما يعتبران تاركين لدعواهما المدنية ويتعين القضاء بذلك عملا بنص المادة 261 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك, وكان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد جرى على أنه متى أوجب القانون الإعلان لاتخاذ إجراء أو بدء ميعاد فإن أي طريقة أخرى لا تقوم مقامه, وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة أنها قد خلت مما يدل على أن المدعي بالحق المدني (الطاعن) قد أعلن لشخصه للحضور بجلسة 14/4/1983 التي صدر فيها الحكم المطعون فيه, كما خلا محضر الجلسة المذكورة مما يفيد طلب المتهم اعتبار المدعي تاركا لدعواه, فإنه ما كان يجوز الحكم باعتبار الطاعن تاركا لدعواه المدنية استنادا إلى عدم حضوره في جلسة 14/4/1983 التي أجلت إليها الدعوى في غيبته والتي لم يكن قد أعلن بها لشخصه, وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد ابتنى على إجراءات باطلة, مما يتعين معه نقضه بالنسبة إلى ما قضى به في الدعوى المدنية والإحالة بالنسبة إلى الطاعن وإلزام المطعون ضده بالمصروفات المدنية.

الطعن 1043 لسنة 42 ق جلسة 1 / 1 / 1973 مكتب فني 24 ج 1 ق 2 ص 7


برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح, وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني, ومصطفى محمود الأسيوطي, وعبد الحميد محمد الشربيني، وحسن علي المغربي.
---------------
أحداث .  اختصاص " الاختصاص الولائي والنوعي". تشرد . دفوع " الدفع بعدم الاختصاص". قانون " تفسير القانون". محكمة الاحداث
عدم اختصاص محكمة الأحداث بنظر قضايا الأحداث المشردين في الحالات المبينة في الفقرات الأربع الأولي من المادة الأولى من القانون رقم 124 لسنة 1949 . الا اذا عاد الحدث . بعد انذار ولي أمره . الى . ارتكاب أمر من الأمور الواردة في أي من تلك الفقرات اغفال المحكمة الاستئنافية الرد علي الدفع المبدى من المطعون ضدها بعدم الاختصاص . لا يعيب حكمها لظهور بطلانه .
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 344 من قانون الإجراءات الجنائية على أن محكمة الأحداث تختص بالنظر في قضايا الأحداث المشردين. ولما كان البين من نصوص القانون رقم 124 لسنة 1949 أن المادة الأولى منه بينت الحالات التي يعد فيها الحدث مشرداً وأن المادة الثانية حددت الإجراء الذي يتبعه البوليس إذا ضبط الحدث في إحدى تلك الحالات وهو تسليم إنذار لمتولي أمره, ثم بينت المادة الثالثة العقوبة التي يحكم بها القاضي إذا عاد الحدث إلى ارتكاب أمر من الأمور المبينة في الفقرات (أ, ب, جـ, د) من المادة الأولى بعد حصول الإنذار لولي أمره, وكان مفاد هذه النصوص أن محكمة الأحداث لا تكون مختصة بنظر قضايا الأحداث المشردين في الحالات المبينة في الفقرات الأربع (أ, ب, جـ, د) من المادة الأولى من القانون رقم 124 لسنة 1949 إلا إذا عاد الحدث إلى ارتكاب أمر من الأمور الواردة في أي منها بعد إنذار ولي أمره. لما كان ذلك, وكانت النيابة الطاعنة لا تدعي أن المطعون ضدها عادت إلى القيام بأعمال تتصل بالدعارة بعد إنذار ولي أمرها كما أنها لا تماري في أن المطعون ضدها ليست من الأحداث الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة كاملة وكانت التهمة التي أسندت إليها وأقيمت عنها الدعوى الجنائية هي الاعتياد على ممارسة الدعارة بالمخالفة للقانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة مما تختص به محكمة جرائم الآداب التي قدمت إليها الدعوى ابتداء, فإن هذه المحكمة إذ فصلت في الدعوى باعتبارها تدخل في اختصاصها النوعي لا تكون قد أخطأت في شيء، كما أن المحكمة الاستئنافية إذ التفتت عن الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى - الذي أبداه أمامها الحاضر مع المطعون ضدها - لا تكون بدورها قد خالفت القانون. ولا يعيب حكمها سكوته عن الرد على هذا الدفع لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدها بأنها في يوم 15 يونيه سنة 1970 بدائرة قسم المنتزه محافظة الإسكندرية: اعتادت ممارسة الدعارة نظير أجر على النحو المبين بالمحضر. وطلبت معاقبتها بالمواد 9 و10 و15 من القانون رقم 10 لسنة 1961. ومحكمة الإسكندرية المستعجلة قضت في الدعوى غيابيا بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1970 عملا بمواد الاتهام بحبس المتهمة ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وتغريمها 25 جنيها وبوضعها تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة تبدأ بعد تنفيذ عقوبة الحبس في المكان الذي تحدده وزارة الداخلية. فعارضت، وقضي في معارضتها بتاريخ 8 مارس سنة 1971 بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنفت المحكوم عليها والنيابة العامة الحكم, ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت في الدعوى حضوريا بتاريخ 14 نوفمبر سنة 1971 بقبول الاستئنافين شكلا وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم النطق به. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
------------
المحكمة
حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه إنه إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بإدانة المطعون ضدها بجريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأن ما أسند إلى المطعون ضدها ودينت به تنطبق عليه في الوقت ذاته المادة الأولى من القانون رقم 124 لسنة 1949 باعتبار أنها وجدت في حالة تشرد لاعتيادها على ممارسة الدعارة حالة كونها لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، مما يجعل الاختصاص بنظر الجريمتين المرتبطتين منعقداً لمحكمة الأحداث دون غيرها عملاً بالمادة 344 من قانون الإجراءات الجنائية، وقد دفع الحاضر مع المطعون ضدها أمام المحكمة الاستئنافية بعدم اختصاص محكمة جرائم الآداب بنظر الدعوى وهي المحكمة التي فصلت فيها ابتدائيا غير أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفع أو يشير إليه مما يعيبه بما يوجب نقضه
وحيث إن القانون رقم 124 سنة 1949 بشأن الأحداث المشردين المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 8 سنة 1963 نص في مادته الأولى على أنه "يعتبر الحدث ذكرا كان أو أنثى الذي لم تبلغ سنه ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة متشرداً في الحالات الآتية - (ج) إذا قام بأعمال تتصل بالدعارة أو الفسق أو إفساد الأخلاق أو القمار أو خدمة من يقومون بهذه الأعمال" ونص في المادة الثانية منه على أنه "إذا ضبط الحدث في إحدى الحالات الواردة في المادة السابقة استدعى البوليس متولي أمره وسلمه إنذاراً مكتوباً بمراقبة حسن سير الحدث في المستقبل وبأن عودته إلى إحدى هذه الحالات من شأنها تطبيق أحكام هذا القانون، ويجوز لمتولي أمر الحدث التظلم من الإنذار إلى النيابة المختصة خلال عشرة أيام من تاريخ تسلمه الإنذار ويكون قرار النيابة في هذا التظلم نهائيا". ونصت المادة الثالثة من القانون المذكور على أنه "إذا عاد الحدث إلى ممارسة أمر من الأمور المبينة في الحالات أ، ب، ج، د من المادة الأولى بعد الإنذار المنصوص عليه في المادة الثانية أو وجد في حالة من الحالات الأخرى المبينة في المادة الأولى حكم القاضي بتسليمه لوالديه أو لمن له حق الولاية على نفسه أو لشخص مؤتمن يتعهد بتربيته وحسن سيره أو إلى معهد خصص لرعاية الأحداث ومعترف به من وزارة الشئون الاجتماعية". لما كان ذلك، وكانت الفقرة الأخيرة من المادة 344 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن محكمة الأحداث تختص بالنظر في قضايا الأحداث المشردين، وكان البين من نصوص القانون رقم 124 سنة 1949 المتقدم بيانها أن المادة الأولى منه بينت الحالات التي يعد فيها الحدث مشرداً وأن المادة الثانية حددت الإجراء الذي يتبعه البوليس إذا ضبط الحدث في إحدى تلك الحالات وهو تسليم إنذار إلى متولي أمره ثم بينت المادة الثالثة العقوبة التي يحكم بها القاضي إذا عاد الحدث إلى ارتكاب أمر من الأمور المبينة في الفقرات أ، ب، ج، د من المادة الأولى بعد حصول الإنذار لولي أمره، وكان مفاد هذه النصوص أن محكمة الأحداث لا تكون مختصة بنظر قضايا الأحداث المشردين في الحالات المبينة في الفقرات الأربع أ، ب، ج، د من المادة الأولى من القانون رقم 124 لسنة 1949 آنف الذكر إلا إذا عاد الحدث إلى ارتكاب أمر من الأمور الواردة في أي منها بعد إنذار ولي أمره. لما كان ذلك، وكانت النيابة الطاعنة لا تدعي أن المطعون ضدها عادت إلى القيام بأعمال تتصل بالدعارة بعد إنذار ولي أمرها كما أنها لا تماري في أن المطعون ضدها ليست من الأحداث الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة كاملة وكانت التهمة التي أسندت إليها وأقيمت عنها الدعوى الجنائية هي الاعتياد على ممارسة الدعارة بالمخالفة للقانون رقم 10 سنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة، مما تختص به محكمة جرائم الآداب التي قدمت إليها الدعوى ابتداء، فإن هذه المحكمة إذ فصلت في الدعوى باعتبارها تدخل في اختصاصها النوعي لا تكون قد أخطأت في شيء كما أن المحكمة الاستئنافية إذ التفتت عن الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى - الذي أبداه أمامها الحاضر مع المطعون ضدها - لا تكون بدورها قد خالفت القانون. ولا يعيب حكمها سكوته عن الرد على هذا الدفع لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 1298 لسنة 42 ق جلسة 8 / 1 / 1973 مكتب فني 24 ج 1 ق 15 ص 61


برياسة السيد المستشار/ محمود عباس العمراوي، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وإبراهيم أحمد الديواني، ومصطفى محمود الأسيوطي، وحسن علي المغربي.
-------------
- 1  جريمة " اركان الجريمة". عقد توريد . غش . قصد جنائي " القصد العام". مسئولية " مسئولية جنائية ".
جناية الغش في عقد التوريد المنصوص عليها في المادة 116 مكررا عقوبات . جريمة عمدية . قيامها مشروط بتوفر القصد الجنائي باتجاه إرادة المتعاقد إلى الإخلال بالعقد أو الغش في تنفيذه . مع علمه بذلك .
إن جناية الغش في عقد التوريد المنصوص عليها في المادة 116 مكرر من قانون العقوبات هي جريمة عمديه يشترط لقيامها توفر القصد الجنائي باتجاه إرادة المتعاقد إلى الإخلال بالعقد أو الغش في تنفيذه مع علمه بذلك.
- 2  إثبات " قرائن . قرائن قانونية". عقد توريد . غش . قصد جنائي . مسئولية " مسئولية جنائية . المسئولية المفترضة".
خلو المادة 116 مكررا عقوبات من النص على قرينة افتراض العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة .
خلا سياق نص المادة 116 مكرر من قانون العقوبات من القرينة المنشأة بالتعديل المدخل بالقانونين الرقيمين 522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961 على المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 والتي افترض بها الشارع العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة.
- 3  إثبات " قرائن . قرائن قانونية". جريمة "اركان الجريمة". حكم " تسبيب الحكم . التسبيب غير المعيب". غش . قانون " تفسير القانون".
وجوب ثبوت القصد الجنائي فعلياً . لكونه من أركان الجريمة المسئولية الفرضية . لا يصح القول بها إلا بنص صريح أو باستخلاص سائغ من استقراء النصوص وتفسيرها وفقا للأصول المقررة .
من المقرر أن القصد الجنائي من أركان الجريمة فيجب أن يكون ثبوته فعلياً، ولا يصح القول بالمسئولية الفرضية إلا إذا نص عليها الشارع صراحة، أو كان استخلاصها سائغاً عن طريق استقراء نصوص القانون وتفسيرها بما يتفق وصحيح القواعد والأصول المقررة في هذا الشأن.
- 4  إثبات " قرائن . قرائن قانونية". غش . قصد جنائي" القصد العام ". وصف التهمة
مثال لتسبيب سائغ في نفي القصد الجنائي في جريمة المادة 116 مكرر عقوبات وإدانة المتهم طبقا للقانون رقم 48 لسنة 1941 أخذا بالمسئولية الفرضية . معدلة وصف التهمة .
من المقرر أن محكمة الموضوع مكلفة بأن تمحص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً على الوقائع الثابتة في الدعوى ما دامت لم تخرج عن حدود الواقعة المرفوعة بها أصلاً، ومتى كان الثابت من مدونات الحكم أنه استخلص من الأوراق خلوها من دليل على اتجاه إرادة المطعون ضده للغش في عقد التوريد ورتب على ذلك استبعاد الاتهام المسند إليه طبقاً لنص المادة 116 مكرر من قانون العقوبات، وأنزل حكم القانون صحيحاً على واقعة الدعوى فدان المطعون ضده بجنحة بيع لبن مغشوش مع علمه بذلك أخذاً بالقرينة القانونية المنصوص عليها بالقانونين 522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961 باعتبار أنه من المشتغلين بالتجارة وأخفق في إثبات حسن نيته، فإن ما تثيره الطاعنة يكون غير سديد.
- 5  حكم " تسبيب الحكم . التسبيب غير المعيب". غش
النعي علي المحكمة . إسقاطها النظر في عذر أو دليل لم يطرح عليها غير مقبول . إيراد الحكم عبارة تنفي وجود دليل علي توافر القصد الجنائي في جريمة المادة 116 مكرر عقوبات . كفايته . ما دامت الطاعنة لا تدعي تقديمها دليل معين يتوافر به هذا الركن .
من المقرر أنه لا محل للنعي على المحكمة بأنها أسقطت النظر في عذر لم يطرح عليها أو في دليل لم يقدم إليها. ولما كانت الطاعنة لا تدعي وجود دليل معين قدمته إلى المحكمة يتوافر به ركن القصد الجنائي في الجريمة المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً من قانون العقوبات فحسب المحكمة أن تورد في حكمها عبارة تنفي بها وجود دليل في الأوراق.
- 6  حكم " تسبيب الحكم . التسبيب غير المعيب". عقد توريد . غش
التناقض الذي يعيب الحكم . ماهيته . نفي الحكم اتجاه إرادة المتهم إلى الغش في عقد التوريد مع علمه بذلك . وإدانته . في الوقت ذاته . بجريمة بيع لبن مغشوش مع علمه بالغش أخذا بالقرينة المنصوص عليها في القانون رقم 48 لسنة 1941 . لا تناقض .
من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، ومتى كان ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من عدم قيام دليل على اتجاه إرادة المتهم إلى إحداث الغش في عقد التوريد مع علمه بذلك لا يتعارض البتة مع توافر أركان جريمة بيع اللبن المغشوش مع علمه بالغش الذي استقاه الحكم من القرينة الواردة بالمادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 المعدل، فإن ما تنعيه الطاعنة على الحكم بالتناقض يكون في غير محله.
----------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 21 مارس سنة 1970 بدائرة قسم المنيا محافظتها: بصفته متعاقدا من الباطن مع الجمعية التعاونية الاستهلاكية بالمنيا بتنفيذ عقد التوريد الذي بمقتضاه ارتبطت معه الإدارة الصحية بالمنيا على توريد ألبان لمستشفى المنيا العام ارتكب غشا في تنفيذ هذا العقد بتوريده لبنا مغشوشا للمستشفى المذكور على النحو الوارد بتقرير التحليل وكان الغش راجعا إلى فعله. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك بتاريخ 17 فبراير سنة1971. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضوريا بتاريخ 13 ديسمبر سنة1971 عملا بالمواد 2/1-2 و7 و8 من القانون رقم 48 لسنة 1941 بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر والمصادرة ونشر الحكم على نفقته بجريدة الأهرام وذلك على اعتبار أن المتهم في الزمان والمكان سالفي الذكر باع لبنا مغشوشا لمستشفى المنيا العام بنزع الدسم منه بنسبة لا تقل عن 13% مع علمه بذلك. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
-----------
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن المقدم من النيابة العامة هو الفساد في الاستدلال والقصور والتناقض في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الحكم المطعون فيه استبعد عن المطعون ضده جناية الغش في عقد التوريد المنصوص عليها في المادة 116 مكرر من قانون العقوبات استناداً إلى أنها جريمة عمدية ينبغي أن يتوافر لها القصد الجنائي العام وهو اتجاه إرادة الجاني إلى الغش في ذلك العقد ونفي عنه توافر هذا القصد بدعوى خلو الأوراق من دليل عليه وأنه لا يصح افتراض العلم بالغش في هذه الجريمة ثم عاد ودان المطعون ضده بجنحة بيعه لبناً مغشوشاً مع علمه بذلك تأسيساً على افتراض هذا العلم في حقه بوصفه من المشتغلين بالتجارة إعمالاً للقرينة المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 48 سنة 1941 المعدل بالقانونين 522 لسنة 1955، 80 لسنة 1961 والتي افترض بها الشارع العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة بما يعيبه بالتناقض وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكم لم يورد دليلاً على نفي القصد الجنائي لدى المطعون ضده اكتفاء بما قرره من أن الأوراق خلت من ذلك الدليل مما يعيب الحكم ويوجب نقضه
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان المطعون ضده بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال مفتش الأغذية وتقرير تحليل العينة ثم نفى القصد الجنائي العام لدى المتهم بالنسبة لجريمة الغش في عقد التوريد المسندة إليه بخلو الأوراق من دليل على اتجاه إرادته إلى تعمد الغش فيه وقال بعدم جواز إعمال القرينة القانونية التي افترض بها الشارع العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة في مجال تطبيق المادة 116 مكرر من قانون العقوبات وانتهت إلى اعتبار الواقعة جنحة وفقاً لنصوص القانون رقم 48 سنة 1941 المعدل بالقانونين 522 سنة 1955، 80 سنة 1961 وأدان المطعون ضده بافتراض علمه بغش اللبن الذي عرضه للبيع ما دام أنه من المشتغلين بالتجارة وأخفق في إثبات حسن نيته، وما انتهى إليه الحكم من ذلك سديد في القانون ذلك بأن جناية الغش في عقد التوريد المنصوص عليها في المادة 116 مكرر من قانون العقوبات هي جريمة عمدية يشترط لقيامها توفر القصد الجنائي باتجاه إرادة المتعاقد إلى الإخلال بالعقد أو الغش في تنفيذه مع علمه بذلك. لما كان ذلك، وكان سياق نص المادة السابقة قد خلا من القرينة المنشأة بالتعديل المدخل بالقانونين الرقيمين 522 سنة 1955، 80 سنة 1961 على المادة الثانية من القانون رقم 48 سنة 1941 والتي افترض بها الشارع العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة، وكان من المقرر أن القصد الجنائي من أركان الجريمة فيجب أن يكون ثبوته فعلياً، ولا يصح القول بالمسئولية الفرضية إلا إذا نص عليها الشارع صراحة، أو كان استخلاصها سائغاً عن طريق استقراء نصوص القانون وتفسيرها بما يتفق وصحيح القواعد والأصول المقررة في هذا الشأن, وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استخلص من الأوراق خلوها من دليل على اتجاه إرادة المطعون ضده للغش في عقد التوريد ورتب على ذلك استبعاد الاتهام المسند إليه طبقاً لنص المادة 116 مكرر من قانون العقوبات. وأنزل حكم القانون صحيحاً على واقعة الدعوى فدان المطعون ضده بجنحة بيع لبن مغشوش مع علمه بذلك أخذاً بالقرينة القانونية المنصوص عليها بالقانونين 522 سنة 1955، 80 لسنة 1961 باعتبار أنه من المشتغلين بالتجارة وأخفق في إثبات حسن نيته. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع مكلفة بأن تمحص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً على الوقائع الثابتة في الدعوى ما دامت لم تخرج عن حدود الواقعة المرفوعة بها أصلاً فإن ما تثيره الطاعنة في شأن خطأ الحكم في تطبيق القانون يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أيضاً أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضه ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة وكان ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من عدم قيام دليل على اتجاه إرادة المتهم إلى إحداث الغش في عقد التوريد مع علمه بذلك لا يتعارض البتة مع توافر أركان جريمة بيع اللبن المغشوش مع علمه بالغش الذي استقاه الحكم من القرينة الواردة بالمادة الثانية من القانون رقم 48 سنة 1941 المعدل، ومن ثم فإن ما تنعيه الطاعنة على الحكم بالتناقض والخطأ في تطبيق القانون يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لا تدعي بوجود دليل معين قدمته إلى المحكمة يتوافر به ركن القصد الجنائي في الجريمة المنصوص عليها في المادة 116 مكرر من قانون العقوبات فحسب المحكمة أن تورد في حكمها عبارة تنفي بها وجود دليل في الأوراق لما هو مقرر من أنه لا محل للنعي على المحكمة بأنها أسقطت النظر في عذر لم يطرح عليها أو في دليل لم يقدم إليها. ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة على الحكم في هذا الخصوص في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.