جلسة الأول من فبراير سنة 1994
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: فاروق علي عبد القادر، وعلي فكري حسن صالح، وعبد السميع عبد الحميد بريك، ومحمد إبراهيم قشطة - نواب رئيس مجلس الدولة.
-----------------
(78)
الطعن رقم 3096 لسنة 33 القضائية
دعوى - تعويض - تقادم دعوى التعويض عن القرار الإداري المخالف للقانون.
القاعدة أن الالتزام ينقضي بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون - التعويض عن القرار الإداري المخالف للقانون يتقادم الحق فيه بمضي خمس عشرة سنة وليس بمضي خمس سنوات - أساس ذلك: أنه لا ينطبق عليه وصف الحقوق الدورية المتجددة ولا يعتبر من قبيل الراتب - يراعي عند تقديره عناصر أخرى غير المرتب كالأضرار الأدبية والمعنوية ومزايا الوظيفة - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم السبت الموافق 11/ 7/ 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنة بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3096 لسنة 33 ق ضد/ ....... في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) في الدعوى رقم 3266 لسنة 39 ق بجلسة 17/ 5/ 1987 والقاضي "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يؤدي إلى المدعي مبلغ ألفي جنيه والمصروفات".
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي وقد تم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على ما هو مبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - للأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على ما هو ثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 4/ 3/ 1992 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة - وقد نظرت هذه المحكمة الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات حيث استمعت إلى ما ارتأت لزوماً لسماعه من إيضاحات وبجلسة 30/ 11/ 1993 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذا الطعن تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 30/ 3/ 1983 أقام المدعي (المطعون ضده) الدعوى رقم 395 لسنة 10 ق أمام المحكمة الإدارية بأسيوط ضد/ الطاعن طالباً فيها الحكم بإلزام المدعى عليه بصفته بان يدفع له مبلغ أربعة آلاف جنيه تعويضاً عما أصابه من ضرر مادي وأدبي نتيجة قرار إنهاء خدمته مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل الأتعاب.
وقال بياناً لذلك إنه كان يعمل بوظيفة أمين مساعد بالسجل المدني بالمراغة محافظة سوهاج التابع لوزارة الداخلية بالدرجة الثامنة في ظل القانون رقم 58 لسنة 1971 - وبتاريخ 16/ 2/ 1976 صدر قرار وزير الداخلية رقم 461 لسنة 1976 بإنهاء خدمته، فتظلم منه ثم أقام دعواه رقم 52 لسنة 4 ق أمام المحكمة الإدارية بأسيوط طالباً فيها إلغاء قرار إنهاء خدمته، وقد قضت المحكمة بجلسة 2/ 2/ 1980 برفض الدعوى فطعن على هذا الحكم أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) بالطعن رقم 239 لسنة 12 ق س والتي قضت فيه المحكمة المذكورة بجلسة 2/ 6/ 1982 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 461 لسنة 1976 المشار إليه.
وتنفيذاً للحكم المشار إليه أعيد إلى عمله بالقرار رقم 1904 بتاريخ 2/ 9/ 1982، وإذا أصابه ضرر مادي وأدبي من جراء إنهاء خدمته تمثل حرمانه من المرتب والعلاوات والبدلات وهو مورد رزقه وأسرته فضلاً عن المعاناة والآلام النفسية، لذلك ينتهي إلى طلباته.
وقد نظرت المحكمة الإدارية بأسيوط الدعوى على ما هو ثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 4/ 12/ 1984 حكمت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص، وأحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) وقيدت برقم 3266 لسنة 39 ق وتم نظرها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 17/ 5/ 1987 أصدرت حكمها المطعون فيه بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يؤدي للمدعي مبلغ ألفي جنيه والمصروفات.
وقد أقامت محكمة القضاء الإداري حكمها المتقدم على أساس أنه بإلغاء قرار إنهاء خدمة المدعي (المطعون ضده) لمخالفته للقانون يكون قد تحقق ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة، وإذ أصاب المدعي ضرر من قرار إنهاء خدمته فمن ثم يستحق تعويضاً تقدره المحكمة بالمبلغ المحكوم به.
وإذ لم يرتض الطاعن هذا القضاء فمن ثم أقام هذا الطعن على أساس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، حيث إنه - أي الطاعن - كان قد دفع في مذكرته المقدمة إلى محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 30/ 11/ 1986 بسقوط حق المدعي (المطعون ضده) في المطالبة بالتعويض عن قرار إنهاء خدمته بالتقادم، وقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على هذا الدفع مما يجعله معيباً، فيضاف إلى ذلك أن الدفع المشار إليه في محله باعتبار أن الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن قرار إنهاء الخدمة والمتمثلة في المرتب وملحقاته تسقط بالتقادم الخمسي طبقاً للمادة (375) من القانون المدني التي تقضي بأن يتقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد ولو أقربه المدين....... إلخ"
وأنه لما كان المطعون ضده قد علم بقرار إنهاء خدمته في 26/ 2/ 1976 ولم يطالب بالتعويض عن الأضرار الناتجة عنه إلا في 30/ 3/ 1983 فمن ثم يكون حقه في المطالبة قد سقط بالتقادم الخمسي وانتهى الطاعن إلى طلباته.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أساس أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله بإغفاله الدفع المبدى في مذكرة الدفاع، بسقوط حق المدعي (المطعون ضده) في المطالبة بالتعويض بالتقادم وأن هذا الدفع في محله طبقاً لما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا بأنه طبقاً لما نصت عليه المادة 375 من القانون المدني، فإنه يتقادم بخمس سنوات كل ذي حق دوري متجدد ولو أقر به المدين، ومدة التقادم المشار إليه إذا كانت تسري على الحق الأصلي فإنها أيضاً تسري على الحق في المطالبة بالتعويض.
ومن حيث إنه مما يجدر بيانه بداءة أن قضاء هذه المحكمة قد اضطرد على أنه وإن كانت قواعد القانون المدني قد وضعت أصلاً لتحكم روابط القانون الخاص إلا أن القضاء الإداري له أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع هذه الروابط ويتفق مع طبيعتها اللهم إلا إذا وجد النص التشريعي الخاص بمسألة معينة فعندئذ يجب التزام النص وقد جاءت قوانين مجلس الدولة المتعاقبة وآخرها القانون رقم 47 لسنة 1972 خلواً من تحديد مواعيد معينة لرفع الدعاوى في المنازعات الإدارية التي يختص بنظرها بهيئة قضاء إداري إلا ما تعرضت منها لطلبات الإلغاء، ومن ثم فإن غيرها من الطلبات يجوز لذوي الشأن رفعها متى كان الحق المطالب به لم يسقط بالتقادم طبقاً لقواعد القانون المدني، وذلك بحسبان أن فكرة التقادم المسقط الذي هو طريق لانقضاء الديون التي لم تنقض بأي طريق آخر لا تتعارض في طبيعتها ومفهومها مع روابط القانون العام، إذ أنه إذا كان للتقادم المسقط للمطالبة بالحقوق في نطاق روابط القانون العام حكمته التشريعية المتعلقة باستقرار الحقوق فإن حكمته في مجال روابط القانون العام تجد تبريرها على نحو ألزم وأوجب لاستقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية لعمال المرافق العامة استقراراً تمليه المصلحة العامة وحسن سير المرافق.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك فقد تكفل القانون المدني في المواد من 374 - 388 ببيان أنواع مختلفة للتقادم المسقط، أرسى في المادة 374 منه القاعدة العامة وتنص على أنه "يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشر سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون، وفيما عدا الاستثناءات التالية....... إلخ"
وغنى عن البيان أن حكمة تقرير هذا التقادم العام هي ضرورة استقرار الحق بعد مدة من الزمن فاعتبر المشرع مجرد مضي المدة على الحق المطالب به سبباً قائماً بذاته لانقضاء الدين بغض النظر عما إذا كان المدين قد وفاه أو كان يفترض أنه وفاه... ثم أورد بعد هذا الأصل العام استثناءات محددة لأنواع مختلفة لحقوق تتقادم بمدد أخرى أقصر من المدة الأولى منها الاستثناء الذي نصت عليه المادة 375 وهي مدار الطعن الماثل من أن "يتقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد ولو أقر به المدين كأجرة المباني والأراضي الزراعية ومقابل الحكر وكالفوائد والإيرادات المرتبة والمهايا والأجور والمعاشات.......".
وواضح من هذه المادة أنه يشترط لإعمال حكمها أن يكون الحق المطالب بسقوطه بالتقادم حقاً دورياً متجدداً - ويقصد بالدورية أن يكون الحق مستحقاً في مواعيد دورية كل شهر أو كل ثلاثة أشهر أو كل سنة أو أقل أو أكثر - كما يقصد بالتجدد أن يكون الحق بطبيعته مستمراً لا ينقطع.
ومن حيث إن مؤدى ما تقدم أن المشرع بعد إذ قرر الأصل للتقادم المسقط في المادة 374 مدني جاء باستثناءات لحقوق تتقادم بمدد معينة بمقتضى نصوص تشريعية خاصة، ومن ثم وجب تفسير هذه النصوص الخاصة تفسيراً ضيقاً بحيث لا تسري إلا على الحالات بالذات التي تضمنتها، وما خرج عن هذه الحالات فإنه يرجع إلى أصل القاعدة وتكون مدة التقادم خمس عشرة سنة.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم ولما كانت المنازعة المطروحة تتمثل في تعويض عن قرار إداري مخالف للقانون فإنه لا يجوز الاستناد إلى نص المادة 375 من القانون المدني التي تتناول حالات التقادم الخمسي كالمهايا والأجور لأن حكمها بصريح النص لا يصدق إلا بالنسبة للحقوق الدورية المتجددة بالمعنى المتقدم، والتعويض عن القرار الإداري المخالف للقانون ليس بمرتب بل هو التزام بمبلغ تقدره المحكمة وليست له بأية حال صفة الدورية والتجدد، ويراعى عند تقديره عدة عناصر أخرى غير المرتب كالأضرار الأدبية والمعنوية ومزايا الوظيفة، ومن ثم فإن التعويض المنوه عنه (التعويض عن القرار الإداري المخالف للقانون) يرجع في شأن تقادم الحق في المطالبة به إلى الأصل العام ومدته خمس عشرة سنة.
ومن حيث إنه متى كان سلف فإن الطعن الماثل وقد قام على أساس أن الحكم الطعين قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لعدم القضاء بسقوط الحق في المطالبة بالتعويض بالتقادم الخمسي، فإنه يكون قد قام على غير أساس قانوني سليم مما يتعين معه القضاء برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات عملاً بالمادة 184 مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق