الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 يناير 2025

الطعن 2476 لسنة 39 ق جلسة 19 / 2 /1994 إدارية عليا مكتب فني 39 ج 1 ق 89 ص 913

جلسة 19 من فبراير سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد جودت أحمد الملط - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد مجدي محمد خليل، وعويس عبد الوهاب عويس، والسيد محمد العوضي، ومحمود إسماعيل رسلان - نواب رئيس مجلس الدولة.

-----------------

(89)

الطعن رقم 2476 لسنة 39 القضائية

دعوى المخاصمة - أسبابها - مدلول الخطأ الجسيم - ما يخرج عن نطاقه. المادة (494) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
دعوى المخاصمة هي دعوى من نوع خاص أفرد لها المشرع أحكاماً خاصة وإجراءات معينة تسري جميعها على أعضاء ومستشاري محاكم مجلس الدولة نظراً لعدم تضمين قانون مجلس الدولة أحكاماً تنظم دعوى مخاصمة أعضاء مجلس الدولة - أساس ذلك: المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة والتي تقضي بتطبيق قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي - ولم يصدر هذا القانون بعد - حدد المشرع حالات مخاصمة القاضي - من هذه الحالات: إذا وقع منه في عمله خطأ مهني جسيم - يقصد بالخطأ المهني الجسيم الخطأ الذي ينطوي على أقصى ما يمكن تصوره من الإهمال في أداء الواجب - فهو في سلم الخطأ أعلى درجاته - يكون ارتكابه نتيجة غلط فادح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي - أو بسبب الإهمال المفرط الذي يعبر عن خطأ فاحش مثل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون - يخرج عن نطاق الخطأ المهني الجسيم فهم رجل القضاء للقانون على نحو معين ولو خالف فيه إجماع الشراح - كما يخرج من نطاقه تقدير القاضي لواقعة معينة أو إساءة الاستنتاج والخطأ في استخلاص الوقائع أو تفسير القانون أو قصور الأسباب وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة ولو خالف في ذلك أحكام القضاء أو آراء الفقهاء لا يسوغ نسبة الخطأ المهني الجسيم إلى المحاكم العليا كل في دائرة اختصاصها إلا أن يكون هذا الخطأ بينا غير مستور ينبئ في وضوح عن ذاته - أساس ذلك: أن هذه المحاكم هي القوامة على إنزال صحيح حكم القانون وإرساء المبادئ والقواعد بغير معقب عليها بحسبانها تستوي على القمة في مدارج التنظيم القضائي - تطبيق (1)، (2).


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 26/ 4/ 1993 أودع المدعون قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير مخاصمة قيد برقم 2476 لسنة 39 ق عليا ضد السادة المستشارين رئيس وأعضاء الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا........، و.......، و........، و.......، و.......، و.......، و......، الذين حكموا في الطعون أرقام 1233، 1242، 1243 لسنة 38 ق المقامة من محافظ القاهرة وآخرين ضد طالبي المخاصمة وآخرين وطلب المدعون في ختام تقرير المخاصمة الحكم أولاً: بجواز قبول مخاصمة المدعى عليهم، وثانياً إلزامهم متضامنين بتعويض الطالبين بتعويض مؤقت مقداره 5000 جنيه (خمسة آلاف جنيه) عن الأضرار التي أصابتهم مع ما يترتب على ذلك قانوناً من بطلان الحكم الصادر منهم بجلسة 11/ 4/ 1993 في الطعون أرقام 1233، 1242، 1243 لسنة 38 ق والمصروفات.
وأعلن تقرير المخاصمة قانوناً، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم أصلياً باستبعاد الدعوى من الرول لعدم إيداع مبلغ الكفالة واحتياطياً: بعدم جواز المخاصمة وبتغريم كل مخاصم مبلغ (1000 جنيه) مع مصادرة الكفالة وإلزامهم المصروفات.
وعرضت الدعوى على المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث تحدد لنظرها جلسة 26/ 6/ 1993 وتدوول نظرها بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر وبجلسة 31/ 7/ 1993 قرر المدعيان الأول والثالث أنهما متنازلان عن الدعوى وبجلسة 11/ 12/ 1993 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 12/ 2/ 1994 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه ولئن كانت دعوى مخاصمة القضاء ذات طبيعة خاصة وإجراءات معينة إلا أن هذا لا يخلع عنها صفة الدعوى ولا يحلها من سلطات رافعيها ولا يفرض المضي بها حتى الفصل فيها ولا يمنع من ترك الخصومة فيها بمقولة تعلقها بالمصلحة العامة ممثلة في القضاء عامة وفي القاضي المخاصم خاصة حتى نزول الريب وتنحصر الشبهات وتشيع الثقة ويسود الاحترام في محراب العدالة إذ أن المادة 141 من قانون المرافعات التي رخصت في ترك الخصومة جاءت عامة على نحو يدرأ استحداث تخصيص لها أو سن استثناء عليها باستبعاد دعوى مخاصمة القضاء من نطاقها كما أن هذه الدعوى لا تخرج عن كونها خصومة قضائية مناطها قيام النزاع واستمراره فيصدق عليها الترك شأن سائر الدعاوى.
ومن حيث إن المدعي الأول والثالث (........، و.........) قد قررا حسبما هو ثابت بمحضر جلسة 31/ 7/ 1993 أنهما يتنازلان عن الدعوى وقبل التقدم بطلبات مضادة في الدعوى فمن ثم يتعين الحكم بإثبات تركهما الخصومة في الدعوى مع إلزامهما بأداء ما لم يؤدي من الكفالة ومصادرة تلك الكفالة وإلزامهما بمصروفات الدعوى.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن طالبي المخاصمة سبق أن أقاموا مع آخرين الدعاوى أرقام (2790)، (3452)، (3717)، (3494)، (3844)، (3999) لسنة 46 ق أمام محكمة القضاء الإداري الدائرة الأولى (ج) حيث قضت المحكمة في هذه الدعاوى بجلسة 2/ 4/ 1992 بقبولها شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات وأمرت بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعلان وبإحالة الدعاوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء، ويتم الطعن على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) بالطعون أرقام 1233، 1242، 1243 لسنة 38 ق عليا حيث طلب الطاعنون وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ثم إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون والقضاء أولاً: أصلياً بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في طلب وقف تنفيذ القرارات السلبية المطعون فيها واحتياطياً برفض طلب وقف تنفيذ القرارات السلبية المطعون فيها بالامتناع عن تجديد تراخيص الأشغال الممنوحة للمطعون ضدهم في سوق روض الفرج بمحافظة القاهرة وثانياً برفض طلب وقف تنفيذ القرار رقم 64 لسنة 1992 الصادر من محافظة القاهرة بجميع أشطاره وثالثاً: بإلزام المطعون ضدهم بالمصروفات.
وكانت قد عينت جلسة 20/ 4/ 1992 أمام دائرة فحص الطعون لنظر الطعن رقم 1233 لسنة 38 ق عليا وفي تلك الجلسة قررت الدائرة ضم الطعون أرقام 1233، 1242، 1243 لسنة 38 ق عليا ليصدر فيها حكم واحد وبجلسة 28/ 9/ 1992 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعون المشار إليها إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) التي نظرتها بجلسة 18/ 10/ 1992 وتدوول نظرها بالجلسات التالية على الوجه المبين بالمحاضر وبجلسة 7/ 3/ 1993 ثبت بالمحضر أن بعضاً من المطعون ضدهم قاموا بتقديم طلب رد عضوين من أعضاء المحكمة التي تنظر الطعون وقدم أحد المحامين صورة من أسباب الرد إلى السيد المستشار رئيس المحكمة الذي قام بإثباتها بمحضر الجلسة وبعد رفع الجلسة للمداولة عادت المحكمة للانعقاد في الموعد الذي حددته الساعة الحادية عشر مساء وأثبت السيد المستشار رئيس المحكمة بمحضر الجلسة أنه ورد إليه أثناء المداولة طلب موقع من بعض المطعون ضدهم جاء في ختامه أنه "إذا لم توقف هيئة المحكمة الموقرة الطعن المنظور وفقاً للقانون حتى يفصل في طلب الرد فإن هيئة الدفاع يؤسفها أن تقرر الآن رد الهيئة بكاملها على أن تودع أسباب الرد صباحاً وفي وقت العمال الرسمي ولو أنه قلم الكتاب موجود لقام الموكلون بهذا الإجراء على الفور" وقد تأشر على الطلب بالارفاق بملف الطعون بعد أن أثبت مضمونه بمحضر الجلسة وعقب ذلك أصدرت المحكمة قرارها بحجز الطعون للحكم بجلسة 11/ 4/ 1993 المسائية وفي صباح اليوم التالي 8/ 3/ 1993 قام اثنان من المطعون ضدهم بتقديم تقرير بطلب رد جميع أعضاء المحكمة (الدائرة الأولى) وقيد برقم 1740 لسنة 39 ق عليا.
ومن حيث إن دعوى المخاصمة الماثلة تقوم على أسباب حاصلها الآتي:
أولاً: سبقت صدور الحكم إجراءات غاية في الشذوذ وتعديات على القانون بالغة الجسامة كانت محلاً لدعوى مخاصمة سابقة وقد تجاهلت الدائرة دعويين للرد فقضت بعدم الاعتداد بهما واغتصبت الدائرة بذلك ولاية دائرة الرد وقضت في خصومة تعد الدائرة الخصم الوحيد فيها وذلك فضلاً عن إهدار حق الدفاع حيث حجزت الدائرة الطعون للحكم بدون مذكرات بينما لم يقم المطعون ضدهم بأي دفاع طوال جلسات المرافعة إنما كانوا يطالبون دائماً بتقديم مستندات رفضت المحكمة ضمها.
ثانياً: بعد صدور الحكم المنعدم قام رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية العليا هو المستشار عضو اليمين بالظهور في القناة الثالثة بالتليفزيون المصري يدافع عن الحكم المنعدم الصادر من الدائرة وقد استحضر ثلاثة من سائقي المجلس لكي يشهدوا بعدالة الحكم وجرأة مصدريه وهي واقعة خطيرة تؤكد ما أبداه المطعون ضدهم من إصرار رئيس مجلس الدولة على تشجيع أظهره الإعلام وقد سبق أن اعتبر المطعون ضدهم تراخي رئيس مجلس الدولة في تأثيم هذا التدخل الإعلامي الموجه في أعمال القضاء سبباً من أسباب الرد فزعم أن الصحافة سلطة تمارس حريتها متجاهلاً أن هذه الحرية ليست مطلقة بل مقيدة بالضوابط الصارمة في الدستور والقانون وقد أثبت رئيس مجلس الدولة بتصرفه الأخير أنه انتهك انتهاكاً صارخاً ما يجب للقضاء من هيبة وحرمة وأنه ما كان بحاجة إلى الاسترشاد بثلاثة من السائقين للدفاع عما قضى به وعن الطريقة الشاذة التي صدر بها حكمه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه سبق لكافة المدعين في الدعوى الماثلة إقامة دعوى المخاصمة رقم 1930 لسنة 39 ق عليا ضد المستشار....... رئيس المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) التي تنظر الطعون أرقام 1233، 1242، 1243 لسنة 38 ق وذلك بعريضة مودعة قلم كتاب المحكمة بتاريخ 20/ 3/ 1993 طالبوا في ختامها الحكم بجواز قبول مخاصمة المدعى عليه وباعتبار كافة القرارات المنوه عنها بطلب المخاصمة بما فيها القرار الصادر بجلسة 7/ 3/ 1993 بحجز الطعون المشار إليها للحكم بجلسة 11/ 4/ 1993 كأن لم تكن والحكم بوقف نظر هذه الطعون لحين الانتهاء من خصومة الرد وإلزام المخاصم بتعويض طالبي المخاصمة تعويضاً مؤقتاً عن الأضرار التي أصابت المطعون ضدهم والمصروفات، وبجلسة 26/ 6/ 1993 حكمت المحكمة بعدم جواز قبول المخاصمة وبتغريم كل مخاصم مبلغ ألف جنيه ومصادرة الكفالة وألزمت المدعين المصروفات.
ومن حيث إن الحكم الصادر في الطعن رقم 1930 لسنة 39 عليا هو حكم حائز لقوة الأمر المقضي لكونه غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن العادية وحصل على وجه قطعي في خصومة قضائية.
ومن حيث إن المادة (101) من قانون الإثبات تنص على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها.
ومن حيث إن المدعين في الدعوى رقم 1930 لسنة 39 ق عليا هم نفس المدعين - بصفاتهم - في الدعوى الماثلة كما أن المدعى عليه في الدعوى الأولى هو نفسه المدعى عليه الأول في الدعوى الماثلة المستشار......... رئيس الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، كما أن موضوع الدعويين ومحلهما واحد ولم يختلف إذ أن المدعين قد استهدفوا في الدعويين الحكم بجواز قبول مخاصمة المدعى عليه الأول واعتبار كافة قراراته في نظر الطعون 1233، 1242، 1243 لسنة 38 ق بما فيها القرار الصادر بجلسة 11/ 4/ 1993 كأن لم تكن والحكم بوقف هذه الطعون لحين الانتهاء من خصومة الرد والحكم بإلزام المخاصم بتعويض طالب المخاصمة تعويضاً مؤقتاً عن الأضرار التي أصابت المطعون ضدهم كما أن الأساس القانوني الذي استند إليه المدعين في الدعويين واحد وهي الأفعال التي نسبوها إلى المستشار/ .....
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإن الدعويين 1930 لسنة 39 ق عليا والدعوى الماثلة يكونان قد تعلقا بمنازعة اتحد فيها الخصوم المدعين والمستشار........ والمحل والسبب ويكون متعيناً وقد جاز الحكم الصادر في الدعوى رقم 1930 لسنة 39 ق عليا قوة الأمر المقضي به الحكم بعدم جواز نظر الدعوى الماثلة لسابقة الفصل فيها بالنسبة للسيد المستشار/ ........
ومن حيث إن المادة 494 من قانون المرافعات تنص على أنه "تجوز مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة في الأحوال الآتية:
1 - إذا وقع من القاضي أو عضو النيابة في عملهما غش أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم" وبينت المواد 495، 496، 497، 498، 499، 500 من هذا القانون إجراءات دعوى المخاصمة ونظرها والآثار المترتبة على الحكم بجواز قبولها أو الحكم بعدم قبولها أو رفضها.
ومن حيث إن دعوى المخاصمة هي دعوى من نوع خاص أفرد لها المشرع أحكاماً خاصة وإجراءات معينة تسري جميعها على أعضاء ومستشاري محاكم مجلس الدولة نظراً لعدم تضمين قانون مجلس الدولة أحكاماً تنظم دعوى مخاصمة أعضاء مجلس الدولة على نهج ما جاء بقانون المرافعات وإعمالاً للمادة الثالثة من مواد إصدار قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 التي تقضي بتطبيق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وتطبيق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك إلى أن يصدر قانون الإجراءات الخاصة بالقسم القضائي وهو لم يصدر بعد فمن ثم تكون النصوص المنظمة لدعوى المخاصمة في قانون المرافعات هي الواجبة التطبيق في شأن مخاصمة أعضاء مجلس الدولة.
ومن حيث إنه تصح مخاصمة القاضي في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (494) المشار إليها وأولها إذا وقع منه في عمله خطأ مهني جسيم وقد استقر الفقه والقضاء الإداري والمدني وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا في تفسير الخطأ المهني الجسيم بأنه هو الخطأ الذي ينطوي على أقصى ما يمكن تصوره من الإهمال في أداء الواجب فهو في سلم الخطأ أعلى درجاته ويكون ارتكابه نتيجة غلط فادح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو بسبب إهماله إهمالاً مفرطاً يعبر عن خطأ فاحش مثل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون ولذلك لا يعتبر خطأ مهنياً جسيماً فهم رجل القضاء للقانون على نحو معين ولو خالف فيه إجماع الشراح ولا تقديره لواقعة معينة أو إساءة الاستنتاج كما لا يدخل في نطاق الخطأ المهني الجسيم الخطأ في استخلاص الوقائع أو تفسير القانون أو قصور الأسباب وعليه يخرج من دائرة هذا الخطأ كل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة ولو خالف في ذلك أحكام القضاء أو آراء الفقهاء ويضاف إلى ذلك أنه فيما يتعلق بالمحاكم العليا في دائرة اختصاصها فإنها القوامة على إنزال صحيح حكم القانون وإرساء المبادئ والقواعد بما لا معقب عليها في ذلك الأمر الذي لا يسوغ معه نسبة الخطأ المهني الجسيم إليها إلا أن يكون هذا الخطأ بيناً غير مستور ينبئ في وضوح عن ذاته إذ الأصل فيما تستظهره المحكمة العليا من حكم القانون أن يكون هو صحيح الرأي في هذا الحكم بما لا معقب عليها فيه بحسبانها تستوي على القمة في مدارج التنظيم القضائي والخطأ في هذه الحالة إن لم يكن بيناً في ذاته كاشفاً عن أمره لا يكون سبباً في تحريك دعوى المخاصمة.
ومن حيث إنه عما تنسبه دعوى المخاصمة من تجاهل الدائرة لطلب الرد الذي تقدم به بعض المطعون ضدهم في الطعون المشار إليها التي كانت تنظرها المحكمة بتاريخ 7/ 3/ 1993 حيث طلبوا رد عضوي اليمين واليسار بالهيئة فإنه يتعين التنويه بأن طلب رد القاضي ليس إجراء من إجراءات الدعوى المطروحة لديه ولا هو مرحلة من مراحل نظره لها وفصله فيها بل هو سبيل لمنعه بادعاء أنه غير صالح لها لقيام سبب من أسباب الرد فيه كما حصرها القانون.
ومن حيث إنه بالاطلاع على الطلب الذي قدمه في 7/ 3/ 1993 بعض المطعون ضدهم في الطعون التي تتصل بها دعوى المخاصمة الماثلة لرد عضوي اليمين واليسار في هيئة المحكمة التي تنظر تلك الطعون (السيدان الأستاذان المستشاران........ و........ يبين أن هذا الطلب تضمن الأسباب الآتية:
1 - تحديد جلسة سريعة بالرغم أن ميعاد الجلسة لا يحدد إلا بناء على طلب مقدم بالمحكمة.
2 - قامت هيئة المفوضين بإعداد تقرير بالرأي القانوني بسرعة ودون أن تستوضح وجهة نظر المطعون ضدهم.
3 - التأجيلات القصيرة في الدعوى.
4 - عدم تنفيذ ما قررته المحكمة بالنسبة لضم الأوراق.
5 - عدم اتخاذ إجراء رادع بالنسبة لوسائل الإعلام التي كانت تحاول بكل الوسائل الضغط على المحكمة عند نظر الطعن مما يشكل جريمة التدخل في أعمال القضاء.
6 - ضم الدفوع للموضوع وعدم الفصل فيها استقلالاً في حين أنها تمس صميم وكيان الدعوى.
7 - بمطالعة محضر الجلسة الأخيرة تبين أنه لا يعبر عما دار بالجلسة تاريخ 28/ 2/ 1993.
8 - للأسباب الأخرى التي ستذكر في جلسات المرافعة.
وهذه الأسباب جميعاً على ما هو واضح فيها لا تتضمن نسبة أي أمر للمستشارين المطلوب ردهما بشكل ولو في ظاهره ما يمكن اعتباره أو فهمه على أنه سبب من أسباب الرد فكل ما ساقه الطلب يتعلق في مجموعة بإجراءات نظر الطعون دون أن يسند لهما أو لأيهما أمراً أو يدعي على أحدهما شيئاً أو يأخذه من قريب أو بعيد وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة بصلة أو بمسلك يعد سبباً من أسباب الرد ومن ثم فإن هيئة المحكمة بعضوية المستشارين المختصمين عندما لم ترتب على ذلك الطلب الأثر الواقف للدعوى الذي شرعه القانون على التقدم بطلب رد القاضي الذي ينظرها لا تكون المحكمة ولا السادة المستشارين المختصمين قد صدر عنهم خطأ مهني جسيم يبرر مخاصمتهم ذلك أن الأثر الواقف إنما يرتبه طلب رد، وما قدمه الطاعنون عندما حمل على أنه ليس من شأنه إنتاج ذلك الأثر كان مرده أنه لم يتضمن - وعلى ما سلف بيانه - نسبة أمر ما للمستشارين المطلوب ردهما وبالتالي فإن هذا المسلك لا يتأتى اعتباره خطأ مهنياً جسيماً.
أما عن تجاهل الدائرة ومنها المستشارون المخاصمون لطلب الرد الثاني المقدم بتاريخ 8/ 3/ 1993 فإن الأمر بشأنه وعلى ما يستظهر من الأوراق أنه في 7/ 3/ 1993 وأثناء نظر الطعون التي تتصل بها هذه الدعوى بالمخاصمة تقدم بعض الطاعنين بكتاب إلى السيد رئيس مجلس الدولة ورئيس الدائرة - انتهى إلى ما نصه "إذا لم توقف هيئة المحكمة الموقرة الطعن المنظور وفقاً للقانون حتى الفصل في طلب الرد فإن هيئة الدفاع يؤسفها أن تقرر الآن رد الهيئة بكاملها على أن تودع أسباب الرد صباحاً وفي وقت العمل الرسمي ولو أن قلم الكتاب موجوداً لقام الموكلون بهذا الإجراء على الفور" وفي يوم 8/ 3/ 1993 أرفق اثنان من الطاعنين ذات الكتاب المذكور بطلب إلى السيد مدير المحكمة الإدارية العليا ذكرا فيها أنهما قررا بالتقرير رد السادة أعضاء الدائرة الأولى الخمسة عن نظر الطعون أرقام 1242، 1233، 1243 لسنة 38 ق.
ومن حيث إنه عن الكتاب المشار إليه الذي قدم إلى رئيس مجلس الدولة مساء يوم 7/ 3/ 1993 فإنه بالقطع ليس طلب رد ولكنه بمثابة تلويح به لا يعرفه ولا ينظمه القانون ولا يرتب عليه أثراً ومن ثم لا يشكل الالتفات عنه وعدم الاعتداد به خطأ يسوغ اعتباره سنداً للمخاصمة أما الطلب المقدم يوم 8/ 3/ 1993 فأياً ما كان وجه الأمر والرأي في شأنه فإنه قدم بعد حجز الطعون سالفة الذكر للحكم في اليوم السابق وغلق باب المرافعة فيها الأمر الذي لا يشكل الالتفات عنه وعدم ترتيب أي أثر له خطأ مهنياً جسيماً يصلح وجهاً للمخاصمة.
ومن حيث إنه عن وجه المخاصمة الخاص بحرمان المطعون ضدهم من تقديم دفاعهم فالثابت من الاطلاع على ملفات الطعون أرقام 1233، 1242، 1243 لسنة 38 ق عليا والحكم الصادر فيها أنها نظرت أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 20/ 4/ 1992 واستمرت متداولة أكثر من خمسة أشهر نظرت فيها الطعون في ثلاث جلسات وبجلسة 28/ 9/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعون إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) حيث تحددت جلسة 18/ 10/ 1992 لنظرها واستمرت متداولة على مدى سبع جلسات حتى جلسة 7/ 3/ 1993 حيث قررت المحكمة حجزها للحكم بجلسة 11/ 4/ 1993 والثابت من الأوراق أن المحامين عن المطعون ضدهم حضروا جميع هذه الجلسات وقدموا بعض المستندات كما ترافع بعضهم وقدموا مذكرات بدفوعهم ومذكرة أخرى تناولوا فيها قرار محافظ القاهرة رقم 64 لسنة 1992 وأتاحت لهم المحكمة المرافعة الشفوية ومن ثم فإن حق الدفاع يكون قد أتيح للمطعون ضدهم خلال الجلسات الممتدة من جلسة 20/ 4/ 1992 حتى جلسة 7/ 3/ 1993 وبمراعاة أن طبيعة المنازعة المتعلقة بوقف تنفيذ القرارات الإدارية وفق ما نظمه قانون مجلس الدولة تستلزم أن يتم الفصل فيها بصفة مستعجلة وبذلك فإن هيئة المحكمة بعد تلك الجلسات المتعددة لا تكون قد تجاوزت الحد الذي خوله لها القانون ولا يكون ثمة إهدار لحق الدفاع للمطعون ضدهم صدر عن السادة المستشارين أعضاء الدائرة المختصمين وبالتالي لا يكون ثمة خطأ في الحجز الطعن للحكم بغير مذكرات إذ أن ذلك من الأمور التي تستقل بتقديرها المحكمة.
ومن ثم يكون هذا الوجه لا أساس له من القانون ويتعين الالتفات عنه.
ومن حيث إنه عن وجه المخاصمة بأنه بعد صدور الحكم قام رئيس مجلس الدولة والمستشار عضو اليمين بالظهور في القناة الثالثة بالتليفزيون المصري يدافع عن الحكم المنعدم فإن ظهور السيد عضو اليمين في التليفزيون المصري حسبما أشار إلى ذلك تقرير المخاصمة إنما كان بعد صدور الحكم بجلسة 11/ 4/ 1993 فلا تأثير له على الحكم ولا يمكن نسبة خطأ للمستشار عضو اليمين المخاصم ضده في هذا الشأن.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم فإن ما ساقه المخاصمون من أسباب لدعواهم لا أساس له وليس فيه ما يصلح سنداً لمخاصمة السادة الأساتذة المستشارين المختصمين أو يبرز على أي وجه خطأ مهني جسيم لهم مما تنشط له دعوى المخاصمة وتستقيم في ظله مبرراتها مما يتعين معه الحكم بعدم جواز قبولها، وإلزام كل مخاصم بسداد ما لم يسدده من الكفالة ومقدارها مائتا جنيه وتغريمه مبلغ 1000 جنيه (ألف جنيه) عملاً بنص المادة (499) من قانون المرافعات مع مصادرة الكفالة وإلزامهم بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بإثبات ترك المدعيين الأول والثالث الخصومة في الدعوى ومصادرة الكفالة وألزمتهما المصروفات.
ثانياً: بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، بالنسبة للمدعى عليه الأول.
ثالثاً: بعدم جواز مخاصمة المدعى عليهم من الثاني إلى السابع وتغريم كل من المدعيين الثاني والرابع والخامس مبلغ ألف جنيه ومصادرة الكفالة وألزمتهم المصروفات.


(1) راجع الحكم الصادر بجلسة 26/ 6/ 1993 في الطعن رقم 1930 لسنة 39 ق.
(2) راجع الحكم الصادر بجلسة 19/ 2/ 1994 في الطعن رقم 2476 لسنة 39 ق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق