جلسة 27 من يونيه سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
------------------
(117)
الطعن رقم 827 سنة 30 القضائية
(أ, ب) تزوير.
عناصر الواقعة الإجرامية: وقوع التزوير على شيء مما أعدّ المحرر لإثباته.
تاريخ المحرر بيان هام مما يجب إثباته في محاضر أعمال المأموريات المكلف بها معاون محكمة الأحوال الشخصية.
الصور العامة لتزوير المحررات: المحرر الرسمي. مناط رسميته.
يكفي أن يكون تحريره طبقاً لمقتضيات العمل بناءً على أمر رئيس مختص.
دفتر تسلم معاوني محكمة الأحوال الشخصية المأموريات المندوبين لتنفيذها هو من الأوراق الرسمية.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته من مأموري التحصيل المنوط بحساب - معاون محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية - استولى على مائة جنيه من نصيب قاصري المرحوم يوسف فاضل والمسلمة إليه من الوصية زينب السيد محمود، وبصفته السابقة استولى على مبلغ 7154 جنيهاً و385 مليماً من نصيب القصر في القضايا المبينة بكشوف لجنة الفحص، وبصفته السابقة ارتكب تزويراً في محررات رسمية هي محضر إشهار المزاد الخاص ببيع نصيب قصر المرحوم يوسف فاضل بأن أثبت مقدار الثمن الذي تسلمه مائتين وخمسين جنيهاً بدلاً من ثلاثمائة وخمسين جنيهاً على خلاف الحقيقة، وكذا محضر المأمورية رقم..... بإثبات إيداع النقود خزينة بنك مصر بتاريخ أول يوليه سنة 1956 بدلاً من أول سبتمبر سنة 1956 كالثابت بإيصال الإيداع لبنك مصر، وكذلك محضر المأمورية رقم..... بإثبات قبض نصيب القاصرة من المشترين في 29 سبتمبر سنة 1956 بدلاً من 29 يوليه سنة 1956 طبقاً للثابت بمحضر التصديق، وأيضاً في دفتر استلام المأموريات بأن أثبت به خلاف الحقيقة توقيعاً نسبه لسكرتير نيابة روض الفرج الجزئية للأحوال الشخصية بشأن تسليم المأمورية رقم....... وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 112 و118 و211 و213 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بالمواد 17 و32 و111 و112 و118 و119 و211 و213 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وبتغريمه خمسمائة جنيه وبإلزامه برد مبلغ مائة جنيه وبعزله من وظيفته وذلك عن التهم المسندة إليه عدا التهمة المبينة بالفقرة الثانية من التهمة الأولى وببراءته من تهمة اختلاسه مبلغ 7154 جنيهاً و385 مليماً المسندة إليه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن أسباب الطعن المبينة بتقريري الأسباب تتحصل في أوجه ثلاثة.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من هذه الأوجه القصور في بيان واقعة الدعوى ومؤدي الأدلة، ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يعن بتحصيل وقائع الدعوى وظروفها فلم يبين الأفعال المادية التي وقعت من الطاعن وتوافر ركن القصد الجنائي لديه ولم يتحدث عن البلاغات المقدمة في الدعوى ومهمة اللجنة التي قامت بفحص عمل الطاعن وما انتهت إليه وما وقع فيه سكرتيرو الجلسات من أخطاء وما أجروه من محو في الدفاتر لستر تأخرهم في إنجاز أعمالهم. كما أن الحكم لم يتقص ما ورد بدفاتر المعاونين وتقارير معمل الأبحاث وخاصة التقرير الأخير. كما أنه لم يورد مضمون الأدلة بطريقة وافية ولم يوضح وجه استدلاله بها فأغفل بيان شهادة الوصية "زينب السيد محفوظ" مكتفياً بالقول بأنها لا تخرج في معناها عما شهدت به الشاهدة "فتحية إسماعيل" ولم يعرض الحكم كذلك لتصرف الوصية بتعاقدها مع المشتري على بيع نصيب القاصرتين وقبض جزء من الثمن قبل تصريح محكمة الأحوال الشخصية بالبيع. كما أغفل بيان شهادة الكاتب "محمود شريف" ولم يشر إلى التضارب في أقوال الشهود - كل هذا جعل الحكم مشوباً بالقصور.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن محكمة الوايلي الجزئية للأحوال الشخصية كانت قد ندبت بقرارها الصادر بتاريخ 20 من فبراير سنة 1957 المتهم سامي محمد شعبان الذي كان يعمل معاوناً لمحكمة القاهرة للأحوال الشخصية لتنفيذ ما صرحت به للسيدة زينب السيد محفوظ الشهيرة بفتحية بصفتها وصية على بنتيها ماجدة ومحاسن قاصرتي زوجها المرحوم الدكتور يوسف محمد فاضل في بيع نصيبهما في أرض ومبنى المنزل نمرة 9 شارع مدرسة ولي العهد بثمن أساسي قدره 5115 جنيهاًً للمنزل جميعه بالمزاد العلني كما ندبته في قبض قيمة نصيب القاصرتين من الثمن وإيداعه خزينة بنك مصر لحسابهما - إذ كانت الوصية سالفة الذكر قد تقدمت للمحكمة بطلب بيع هذا النصيب، فحدد المتهم بناء على ذلك يوم 5 مارس سنة 1957 لإشهار المزاد وكلف الوصية بإجراء النشر. فحضرت إلى مكتبه يومئذ وقدمت له عقد البيع الابتدائي المؤرخ 1/ 2/ 1957 المحرر بينها عن نفسها وبصفتها سالفة الذكر وبين عبد الرحمن السيد توفيق بصفته مشتري والمتضمن مشتراه منها 6 قراريط و8 أسهم على الشيوع في المنزل المذكور - مقدار ما أصابها وابنتيها هاتين من مورثهما المرحوم يوسف محمد فاضل نظير ثمن قدره 1350 جنيهاً دفع منه عند توقيع هذا العقد مبلغ 350 جنيهاً والباقي وقدره 1000 جنيه اتفق الطرفان على دفعه عند التوقيع على عقد البيع النهائي، وقد تأشر على هذا العقد بالنظر من المتهم بتاريخ 5/ 3/ 1957، ثم حدد - بعد الرجوع إلى المحكمة لتعديل القرار - يوم 28 من مارس سنة 1957 موعداً لإشهار المزاد فتقدمت إليه يومئذ الوصية سالفة الذكر والسيدة فتحية إسماعيل محمد زوجة المشتري بالعقد المشار إليه آنفاً بصفتها نائبة عنه ولم يتقدم غيرها للمزايدة فأفهمها بأن حصة القاصرتين المطروحة بالمزاد قدرها 8 أسهم و5 قراريط من المنزل المذكور فقررت أنها تقبل الشراء بالسعر الذي تعاقدت به ابتدائياً مع الوصية وقدره 1350 جنيهاً لحصة قدرها 6 قراريط و8 أسهم أي مبلغ 1136 جنيهاً و895 مليماً بالنسبة لحصة القاصرتين ولم يتقدم أحد للشراء حتى الساعة 11 ونصف صباحاً ووافقت الوصية على ذلك وطلبت إرساء المزاد على المتقدم للشراء فأرسى المزاد على عبد الرحمن سيد توفيق بالمبلغ المذكور لحصة القاصرتين وقدرها 1136 جنيهاً و895 مليماً. ولما طالب بمقدم الثمن من نائبه المشتري قالت إنها كانت قد دفعته للوصية فسلمته هذه بدورها أمامها مبلغ 350 جنيهاً عبارة عن سبع ورقات من أوراق البنكنوت فئة كل منها 50 خمسين جنيهاً مصرياً فأخذها وعدها ووضعها في جيبه. ولما كان المتهم قد انتوى اختلاس مبلغ مائة جنيه من هذا المبلغ المسلم إليه بسبب وظيفته والمندوب لقبضه وإيداعه خزينة بنك مصر لحساب القاصرتين فقد عمد إلى تغيير حقيقة هذه الواقعة بقصد التزوير في محضر المزايدة الرسمي المؤرخ 28/ 3/ 1957 المختص بتحريره بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة - إذ أثبت فيه أنه إنما تسلم من الحاضرة عن المشتري مبلغ مائتي وخمسين جنيهاً فقط كمقدم للثمن وذلك بقصد إضافة هذا المبلغ المختلس إلى نفسه والتصرف فيه تصرف المالك واستغل ثقة الوصية والنائبة عن المشتري فيه باعتباره أميناً فاستوقعهما إمضاءهما على المحضر دون تلاوته عليهما. ولما طلبت إليه الوصية أن ترافقه إلى البنك لإيداع مقدم الثمن تعلل بأنه سيقوم هو بنفسه بذلك وليس من داع لمرافقته. ثم عادت الوصية والنائبة عن المشتري بعد ذلك لتعجيل الجلسة المحررة للتصديق على عقد البيع وذهبتا إلى ياسين محمد مصطفى كاتب الجلسة وطلبت منه الوصية الاطلاع على إيصال إيداع مقدم الثمن فتبين له من الاطلاع عليه أن الإيصال قاصر على مبلغ 250 جنيه الذي تورد للبنك في 30/ 3/ 1957 فذهبتا إلى حيدر محمود شيرازي رئيس القلم الجنائي للأحوال الشخصية وشكتا إليه ما حصل وأخبرتاه بأن المبلغ المدفوع للمعاون المتهم هو 350 جنيه فاستمهلهما وقصد إلى المتهم ثم لحقتا به وطلبت إليه أن يكتب إيصالاً بالمبلغ الباقي فلم يمانع إلا أن الوصية رأت ضرورة توقيع رئيس القلم على الإيصال كشاهد فلما رفض هذا ذلك أبت الوصية أخذ الإيصال ثم أبلغت النيابة..." وقد عرض الحكم بعد ذلك لفحص أعمال الطاعن وما أسفر عنه من ارتكابه جرائم التزوير في دفتر استلام المأموريات وفي محاضر أعماله الخاصة ببعض المأموريات التي كان مكلفاً بها وذلك بإثباته تواريخ استلامه المبالغ من ذوي الشأن على خلاف حقيقتها ليستر بذلك تأخيره في توريدها لحساب القصر بالبنك. واستند الحكم في إثبات هذه الوقائع إلى شهادة الوصية والنائبة عن المشتري وكذلك إلى شهادة رئيس القلم الجنائي للأحوال الشخصية وباقي الموظفين المختصين وإلى اطلاع المحكمة على عقد البيع الابتدائي والأوراق المزورة وتقرير خبير الخطوط وكذلك أوراق البنك الثابت بها تواريخ إيداع الطاعن للمبالغ موضوع الاتهام. وقال الحكم زيادة في بيان القصد الجنائي في جريمة الاختلاس "أن المتهم أثبت زوراً في المحضر الذي حرره أنه تسلم مبلغ 250 ج فقط مما تستدل منه المحكمة على قصده في إضافة هذا المبلغ المختلس والمسلم إليه بسبب وظيفته إلى ملكه والتصرف فيه تصرف المالك.... وقبوله تحرير إيصال عليه بالمبلغ المختلس لولا اشتراط الوصية توقيع رئيس القلم الجنائي كشاهد على الإيصال ورفض هذا الأخير ذلك". ولما كان يبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال أحد الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة فيما استند إليه الحكم منها، فإنه لا يضير الحكم المطعون فيه قوله بأن شهادة الوصية "زينب السيد محفوظ" لم تخرج في معناها عن أقوال الشاهدة "فتحية إسماعيل محمد" التي أورد الحكم أقوالها تفصيلاً - ما دام أن الطاعن لا يماري في اتفاق أقوال الاثنتين فيما استند إليه الحكم منها. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى وأن تطرح ما عداها، كما وأنها ليست ملزمة بأن تشير إلى التضارب في أقوال الشهود إذ أن في إغفال الإشارة إلى ما يخالف ما أخذت به من أقوال يفيد ضمناً إطراح ما أغفلته واطمئنانها إلى ما أثبتته من هذه الأقوال واعتمدت عليها في حكمها. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من طعنه يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أن الحكم المطعون فيه خالف قواعد الإثبات المنصوص عليها في المادة 401 من القانون المدني والتي تنص على عدم جواز الإثبات بالبينة فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي، وأنه لما كان الثابت بالمحضر الذي حرره الطاعن في 28 من مارس سنة 1957 أن المبلغ الذي تسلمه هو 250 ج فقط وكانت المادة 225 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن تتبع المحاكم الجنائية في المسائل غير الجنائية التي تفصل فيها تبعاً للدعوى الجنائية طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص بتلك المسائل فإنه لم يكن يسوغ للحكم أن يدين الطاعن على أساس أن ما استلمه هو مبلغ 350 جنيهاً استناداً إلى أقوال الشهود - وما ذهب إليه الحكم من أن العرف الذي جرى عليه العمل من عدم إعطاء ذوي الشأن إيصالاً بالمبالغ التي يدفعونها يعتبر مانعاً مادياً من الحصول على الكتابة وبالتالي يجيز سماع الشهود هو خطأ قانوني ظاهر لأن العرف هذا لم يمنع من تحرير محضر رسو المزاد وإثبات المبلغ المدفوع به وإقرار الطاعن باستلامه كتابة بخطه ثم توقيع الوصية إقراراً بصحة ما أثبت بالمحضر، ومن ثم فلم يكن يجوز بحال إثبات عكسه بالبينة، وبالتالي فلا يمكن القول بارتكاب الطاعن تزويراً في هذا المحضر أو في غيره من الأوراق المتعلقة بعمله. هذا فضلاً عن أن الحكم قد أخطأ بإدانة الطاعن عن واقعة تزوير الإمضاء المنسوبة للكاتب "محمود محمد عبد الله الشريف" بدفتر استلام المأموريات لأن هذا الدفتر ليس من الأوراق الرسمية ولم يثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن الإمضاء المزورة هي بخط يد الطاعن، كما أخطأ الحكم كذلك في اعتبار التغيير الذي وقع في تاريخ استلام المبالغ وإيداعها بالبنك تزويراً مع أن التاريخ ليس من البيانات الجوهرية في مثل هذه الأحوال.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه بقوله "ولا يؤثر في أمر ثبوت التهمة قبل المتهم - وقد اطمأنت المحكمة في ذلك كل الاطمئنان إلى شهادة الشاهدتين سالفتي الذكر - القول بأن المبلغ المستلم قد ثبت كتابة بتوقيع الوصية والنائبة عن المشتري في المحضر الذي حرره المتهم وشهادة محمد فوزي نائب كبير كتاب محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية بالجلسة من أن العادة قد جرت حتى وقت الحادث بأن المعاون لا يسلم أولي الشأن إيصالاً بالمبالغ التي يتسلمها من مقدم الثمن اكتفاء بالثابت في محضره وهذا الذي جرى عليه عرف العمل وقت الحادث مانع مادي من الحصول على كتابة الأمر الذي معه يقوم الإثبات بالبينة فيما زاد على العشرة جنيهات طبقاً لنص المادة 403 من القانون المدني......" ثم عرض الحكم لجرائم التزوير التي وقعت من الطاعن وما يثيره بشأنها في الطعن المقدم منه بقوله "وحيث إنه لا جدال ابتداء في أن المحاضر التي حررها المتهم بصفته معاوناً لمحكمة الأحوال الشخصية في القضايا المشار إليها آنفاً وكذلك الدفتر المعد لتسلمه المأموريات التي ندب فيها هي أوراق رسمية يقوم بها موظف مختص بها وقد أعدت للغرض الذي اتخذت من أجله - فتغيير الحقيقة فيها بالتعديل أو الاصطناع أو وضع إمضاءات مزورة أو جعل واقعة مزورة فيها على صورة واقعة صحيحة بقصد التزوير مع علمه به - هو تزوير في ورقة رسمية وما يجادل فيه المتهم من أن الدفتر المعد لتسليم المأموريات له إنما هو دفتر خاص مردود بأن هذا الدفتر قد اتخذ عملاً ونظاماً لمراجعة أعمال المتهم وما يتخذه من المأموريات التي يندب لها وما يظل عنده باقياً منها ولإثبات ما يتم بشأن تسليم أوراقها للموظفين المختصين بذلك من السكرتارية أو كتبة الجلسات لتحديد مسئولية كل منهم بما يقطع بأنها قد أعدت واتخذت أصلاً لهذه المصلحة العامة ويقوم بتحريرها موظف مختص بذلك. ثم أن تغيير الحقيقة في هذه الأوراق سالفة الوصف على أية صورة من الصور المشار إليها آنفاً ينتج عنه حتماً ضرر يتمثل في أضعف صورة في العبث بما لهذه الأوراق الرسمية من الثقة في نظر الناس..." كما عرض الحكم كذلك لواقعة تزوير إمضاء الكاتب محمود محمد عبد الله الشريف بقوله "إن تهمة تزوير المتهم توقيع إمضاء الشريف...... ثابتة قبله مما انتهى إليه تقرير قسم أبحاث التزوير من أن هذا التوقيع ليس بخط المنسوب إليه من جهة ولأن أوراق هذه المأمورية المنسوب تسلمها زوراً في الدفتر المذكور إلى محمود محمد عبد الله الشريف سكرتير نيابة روض الفرج الجزئية للأحوال الشخصية استلامها الأمر الذي تطمئن معه المحكمة إلى أن المتهم نفسه هو محدث هذا التزوير إذ أنه هو صاحب المصلحة الوحيدة في إجراءه حتى يطمئن على عدم كشف تأخير أوراق المأمورية لديه عند مراجعة كبير المعاونين والمختصين من المشرفين على أعماله لهذا الدفتر بصرف النظر عما جاء بتقرير التزوير من عدم إمكان إثبات أو نفي نسبة هذا التزوير إليه. إذ لم يقطع ذلك في نفي حصوله منه." ولما كان هذا القول كافياً في الرد على ما أبداه المتهم من دفاع، وكانت العبرة في رسمية المحرر ليست بصدور قانون أو لائحة تسبغ عليه هذه الصفة، بل إن الرسمية تستمد كذلك من أمر رئيس مختص طبقاً لمقتضيات العمل، ولما كان تاريخ المحرر هو من البيانات الهامة التي يجب إثباتها في الأوراق ومحاضر الأعمال التي وقع فيها التزوير باعتبار أن هذا البيان هو عنصر أساسي لإثبات ما يدرج فيها من البيانات، وكان الأصل في المحاكمات الجنائية أن العبرة في إدانة المتهم أو براءته هي باقتناع القاضي بناء على التحقيقات التي يجريها بنفسه فلا تصح مطالبته بالأخذ بدليل دون دليل أو بالتقيد في تكوين عقيدته بالأحكام المقررة بالقانون لإثبات الحقوق والتخالص منها في المواد المدنية والتجارية إلا حيث ينص القانون على الأخذ بدليل معين، وإذن فإذا اقتنع القاضي من الأدلة التي أوردها بأن المتهم ارتكب الجريمة المرفوعة بها الدعوى وجب عليه أن يدينه ويوقع عليه العقاب ويكون ذلك معناه أنه لم ير في أي دليل آخر - ولو كان ورقة رسمية ما يغير النظر الذي انتهى إليه ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون مخالفاً للحقيقة. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه إنه قد دلل تدليلاً سائغاً ومقبولاً على توافر أركان جريمتي الاختلاس والتزوير في حق الطاعن، فإن ما ورد بهذا الوجه يكون لا محل له. هذا فضلاً عن أنه لا جدوى للطاعن فيما يثيره في شأن جرائم التزوير التي وقعت منه ما دام أن الحكم قد أنزل به عقوبة الجريمة الأشد وهي العقوبة المقررة لجريمة الاختلاس عملاً بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو فساد الاستدلال وتهاتر الأسباب وخطأ الإسناد، ذلك أن الحكم المطعون فيه اتخذ من المقارنة بين محضر إشهار مزاد خاص بأموال قصر المرحوم جرجس مسيحة ومحضر المزاد موضوع التهمة الأولى وكتابة المبلغ في المحضر الأول رقما وكتابة ثم كتابته في المحضر الثاني دون ترقيم دليلاً على الاختلاس والتزوير. كما قضى الحكم بإدانة الطاعن على الرغم من أنه قد أخذ بدفاعه بالنسبة لتهمة استيلائه على مبلغ 7154 جنيهاً و385 مليماً فقضى ببراءته منها - على أساس أن ما وقع منه من تأخير في توريد المبلغ المشار إليه لا يدل على توافر نية الاختلاس لديه - مما مؤداه أن هذا التأخير كان باعثه في الواقع كثرة عمل الطاعن وشدة إرهاقه - وقد أيد الطاعن في ذلك جميع رؤسائه. هذا فضلاً عن فساد تدليل الحكم على ثبوت تهمة اختلاس المائة جنيه في حق الطاعن إذ قال الحكم أن المبلغ الثابت دفعه مقدماً إلى الوصية بمقتضى عقد البيع الابتدائي هو مبلغ 350 جنيهاً وأنه لما كان الطاعن قد اطلع على هذا العقد فيكون قد عرف بطبيعة الحال أن المبلغ المطلوب دفعه إليه عند رسو المزاد هو مبلغ 350 جنيهاً وقد فات الحكم أن القدر المبيع هو 6 قراريط و11 سهماً يدخل فيه نصيب الزوجة "الوصية" فلو استبعد نصيبها يكون الباقي مبلغ 250 جنيهاً وهو المبلغ المستحق للقاصرتين والواجب إيداعه بالبنك لحسابهما - خاصة وأنه لا يتحتم أن يكون المبلغ المدفوع عند رسو المزاد هو المبلغ المدفوع بالعقد الابتدائي. أما عن خطأ الإسناد فيعيب الطاعن على الحكم أنه أكد أن الطاعن هو الذي زوّر إمضاء سكرتير نيابة روض الفرج "محمد محمد عبد الله الشريف" مع أن التقرير الأخير لقسم الأبحاث لم يقطع بأن الإمضاء مزورة بل ورد به "أن توقيع المذكور محرر على هيئة "فرمة" أشبه بتأشيرة محررة بطريقة خاصة تختلف عن توقيعات محمود الشريف بورقة استكتابه والتوقيعات المعترف بها، ومن ثم فقد تعذر نسبة أو نفي التوقيع موضوع الفحص إلى الطاعن أو غيره". وما انتهى إليه هذا التقرير لا يمكن أن يستخلص منه أن الطاعن هو الذي زوّر الإمضاء - كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه - خاصة وقد شهد سكرتيرو نيابات الأحوال الشخصية الموقعون على دفتر المأموريات المدعى حصول التزوير بها بصحة توقيعاتهم على الرغم من أن الأوراق الموقع منهم باستلامها قد وجدت بمكتب الطاعن.
وحيث إنه لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه والتي سبق الإشارة إليها في الرد على الوجه الأول أنه اعتمد بصفة أصلية في إدانة الطاعن بتهمة الاختلاس والتزوير في محضر المزاد المؤرخ 28/ 3/ 1957 على أقوال الشاهدتين "زينب السيد محفوظ وفتحية إسماعيل محمد" وهي بذاتها كافية لحمل ما انتهى إليه إلا أن الحكم قد عزز أقوالهما بقرائن أخرى من بينها ما أثبته الطاعن عن بيان المبلغ المدفوع بمحضر المزاد الخاص ببيع نصيب قصر المرحوم جرجس مسيحة ومقارنته بالبيان الخاص بالمبلغ المدفوع بمحضر المزاد موضوع التهمة الثانية... وكذلك بما ثبت من عقد البيع الابتدائي الذي اطلع عليه الطاعن من أن ما دفع من مقدم الثمن هو مبلغ 350 جنيهاًً وذلك بقول الحكم "وتلاحظ المحكمة في هذا الصدد أن المتهم عمد لإخفاء هذا التزوير عن نظر الوصية والنائبة عن المشتري إلى إثبات المبلغ الذي أثبته زوراً في المحضر المختص بتحريره حال تحريره له كتابة دون بيانه بالأرقام على غير ما جرى عليه فيما أثبته في محضر المزاد المؤرخ 11/ 11/ 1956 الخاص بإشهار مزاد بيع نصيب قصر المرحوم جرجس مسيحه سالف الإشارة إليه وذلك حتى لا تلاحظ أيهما حقيقة ما أثبته زوراً بالمحضر عن مبلغ مقدم الثمن الذي تسلمه. ذلك إلى ما تبين للمحكمة من أن المتهم سبق له أن اطلع على عقد البيع الابتدائي المؤرخ 1/ 2/ 1957 على ما ثبت من محضره المؤرخ 5/ 3/ 1957 - وواضح من الاطلاع على عقد البيع الابتدائي المذكور أن المبلغ المدفوع من المشتري كمقدم الثمن هو 350 جنيهاً - لا 250 جنيهاً وقد تأشر من المتهم نفسه على عقد البيع المشار إليه بالنظر مما يقطع بإحاطته بهذه الواقعة علماً وهو ما يدعوه إلى مطالبة الوصية بكامل ما قبضته من مقدم الثمن..." لما كان ذلك، وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم هو تدليل سائغ مؤد إلى ما انتهى إليه من إدانة الطاعن عن جريمتي الاختلاس والتزوير، وكان بفرض التسليم بما يدعيه في وجه الطعن من أن الوصية احتجزت نصيبها في مقدم الثمن ولم تسلمه إلا نصيب القاصرتين، فإن زعمه في هذا الشأن لا يستقيم مع ما أثبته في محضر رسو المزاد من أنه لم يقبض من الوصية سوى مبلغ 250 جنيهاً ذلك لأن نصيب القاصرتين في مبلغ ال 350 جنيهاً وهو مقدم الثمن - وباعتبار نصيبها كما ورد في الحكم هو 5 ط و8 س هو مبلغ يزيد على 250 جنيهاً. لما كان ذلك، وكان قضاء الحكم ببراءة الطاعن من تهمة اختلاسه مبلغ 7154 جنيهاً و385 مليماً - لعدم ثبوت القصد الجنائي لديه استناداً إلى قيامه بإيداع هذه المبالغ بالبنك لحساب أصحابها - لا يتعارض مع إدانته عن جريمة اختلاس مبلغ المائة جنيه موضوع التهمة الأولى وباقي جرائم التزوير المسندة إليه. لما كان ذلك، وكان ما يرمي به الطاعن الحكم من خطأ الإسناد بالنسبة لواقعة تزوير إمضاء سكرتير النيابة "محمود محمد عبد الله الشريف" مردود بما أورده الحكم - فيما سبق بيانه - من أن تقرير قسم أبحاث التزوير قد جاء به عدم إمكان إثبات أو نفي نسبة التزوير إلى المتهم - وهو ما يتفق مع ما يقول به الطاعن - إلا أن الحكم قد اعتمد في إدانة الطاعن بالنسبة لهذه التهمة إلى ما ورد بالتقرير من أن هذا التوقيع ليس بخط محمود محمد عبد الله الشريف وإلى أن أوراق المأمورية المنسوبة إليه زوراً تسلمها في الدفتر الخاص بذلك ليست من اختصاصه، فضلاً عن أن أوراقها وجدت بمكتب الطاعن الأمر الذي اطمأنت معه المحكمة إلى أن الطاعن نفسه هو محدث هذا التزوير، هذا فضلاً عن أنه لا جدوى للطاعن فيما يجادل فيه في هذا الشأن - لما سبق بيانه في الرد على الوجه الثاني من الطعن. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من طعنه لا يعدو كونه جدلاً موضوعياً حول تقدير الدليل في الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته لدى محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق