جلسة 25 من نوفمبر سنة 1980
برئاسة السيد المستشار/ محمود عثمان درويش نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الحميد المنفلوطي، وعلي السعدني، وعبد المنعم بركة، وأحمد شلبي.
----------------
(360)
الطعن رقم 408 لسنة 46 القضائية
(1) تزوير. محكمة الموضوع. حكم "تسبيب الحكم".
للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها برد وبطلان أية ورقة وإن لم يدع أمامها بالتزوير. حسبها بيان الظروف والقرائن التي تبينت منها ذلك.
(2) تزوير "التوقيع على بياض". إثبات "البينة".
تغيير الحقيقة في الأوراق الموقعة على بياض ممن استؤمن عليها. خيانة للأمانة. وقوع التغيير من غير من سلمت له الأوراق اختياراً. تزوير. جواز إثباته بكافة الطرق.
(3) نقض "أسباب الطعن". حكم "تسبيب الحكم".
إقامة الحكم قضاءه بتزوير المخالصة على قرائن مجتمعة. عدم جواز مناقشة كل قرينة على حدة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهم استصدروا أمر أداء رقم 681 سنة 1967 بندر الزقازيق بإلزام الطاعن بأن يؤدي لهم مبلغ 705 ج و919 م المصروفات وصحة إجراءات الحجز التحفظي الموقع بتاريخ 25/ 7/ 1967، تأسيساً على أن المبلغ المذكور هو أجرة أرض زراعية استأجرها الطاعن من مورثهم، تظلم الطاعن من هذا الأمر بالتظلم رقم 815 سنة 1967 مدني بندر الزقازيق طالباً إلغاءه وإلغاء الحجز بمقولة أنه سدد الأجرة عدا مبلغ 27 ج بمقتضى مخالصة مؤرخة 10/ 9/ 1966 صادرة من مورث المطعون عليهم، ادعى المطعون عليهم بتزوير المخالصة المذكورة وبتاريخ 17/ 2/ 1968 ندبت المحكمة قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لبيان حالة المخالصة وما إذا كانت مزورة. وبعد أن قدم تقريره بعد أن أعادت المحكمة المأمورية إليه بتاريخ 28/ 12/ 1970 حكمت المحكمة بتاريخ 16/ 12/ 1972 بإحالة الدعوى إلى محكمة الزقازيق الابتدائية للاختصاص وقيدت الدعوى برقم 239 سنة 1973 مدني الزقازيق الابتدائية، وبتاريخ 30/ 11/ 1974 حكمت المحكمة برد وبطلان المخالصة السالفة الذكر ثم قضت بتاريخ 24/ 2/ 1975 برفض التظلم وتأييد أمر الأداء، استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة (مأمورية الزقازيق بالاستئناف رقم 228 سنة 18 ق مدني، وبتاريخ 25/ 12/ 1975 قضت المحكمة بتأييد الحكم برد وبطلان المخالصة ثم قضت بتاريخ 23/ 2/ 1976 بتعديل أمر الأداء المتظلم منه إلى إلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليهم مبلغ 478 ج و919 م وبصحة إجراءات الحجز التحفظي بالنسبة لما قضى به. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقيدت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت انه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون بمخالفة قواعد الإثبات، وفي بيان ذلك يقول إن التوقيع على بياض صحيح إلا إذا أثير ادعاء بأن حامل الورقة خان الأمانة وملأ فراغها بغير ما اتفق عليه مع الموقع وفي هذه الحالة يقع عبء الإثبات على عاتق موقع الورقة أو خلفه فلا يجوز الإثبات بغير الكتابة، أما إذا تم الحصول على التوقيع على بياض من غير علم صاحبه غشاً أو خلسة فيجوز إثبات الغش أو الاختلاس بكافة طرق الإثبات القانونية، وإذ ادعى المطعون عليهم أن الطاعن حصل على الورقة التي عليها توقيع مورثهم بالغش والاحتيال والاختلاس من الجمعية الزراعية وعجزوا عن إثبات ذلك فلم يشهدوا أحداً ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يرفض الادعاء بالتزوير يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يجوز للمحكمة وفقاً لنص المادة 58 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 أن تحكم من تلقاء نفسها برد أية ورقة وبطلانها وإن لم تدع أمامها بالتزوير بالإجراءات المرسومة في القانون إذا ظهر لها بجلاء من حالتها أو من ظروف الدعوى أنها مزورة وحسبما أن تبين في حكمها الظروف والقرائن التي تبينت منها ذلك، وقد جاء هذا النص عاماً لا يقيد المحكمة بدليل معين على التزوير ولا بشخص معين يقدم دليله. لما كان ذلك وكان الثابت من حكم محكمة أول درجة الذي أيده الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع قد استعملت الرخصة المخولة لها في المادة المذكورة وانتهت إلى القضاء برد وبطلان المخالصة السالفة الذكر لما ظهر من حالتها ومن ظروف الدعوى أنها مزورة ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة قواعد الإثبات يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه شابه التناقض والفساد في الاستدلال ذلك أن محكمة أول درجة أقامت قضاءها برد وبطلان المخالصة عملاً بالمادة 58 من قانون الإثبات سالفة البيان وقد أيد الحكم المطعون فيه هذا القضاء لأسبابه وأضاف إليها أن المحكمة اقتنعت باختلاس الورقة المذكورة وأنها موقعة أصلاً على بياض حسبما هو ثابت من تقرير الخبير ومن قرائن ساقها ومن ثم فإن الحكم المطعون يكون قد أقام قضاءه بتزوير المخالصة على أساسين متناقضين (أولهما) القرائن التي ساقها على أن الورقة وقعت على بياض ثم اختلست. (وثانيهما) ما أورده حكم محكمة أول درجة ومن حق المحكمة في القضاء برد بطلان الورقة لما ظهر لها من حالتها أنها مزورة مما يعيب الحكم المطعون فيه بالتناقض والفساد في الاستدلال. وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الأصل في الأوراق الموقعة على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة إلا إذا كانت من استولى على الورقة قد حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو أية طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري، فإنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يخرج عن هذا الأصل، ويعد تغيير الحقيقة فيها تزويراً يجوز إثباته بكافة الطرق. لما كان ذلك، وكان حكم محكمة أول درجة قد استخلص من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن للورقة الآنفة الذكر كانت موقعة على بياض من مورث المطعون عليهم وانتهى إلى القضاء يرد وبطلان الورقة لما ظهر للمحكمة من حالتها ومن ظروف الدعوى أنها مزورة وذلك استعمالاً للرخصة المخولة لها بالمادة 58 من قانون الإثبات وإذ أيد الحكم المطعون فيه هذا القضاء لأسبابه وأضاف إليها أن المحكمة اقتنعت باختلاس الورقة المذكورة الموقعة على بياض للقرائن التي ساقها، فإن بهذه الإضافة - لا يكون قد خالف ما خلص إليه حكم محكمة أول درجة بل استكمل أسبابه للقضاء برد وبطلان المخالصة. مما يكون معه النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إنه استدل على ثبوت اختلاس الورقة السالفة الذكر دون علم مورث المطعون عليهم بثلاث قرائن لا تؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم فالقرينة الأولى أن الطاعن لم يبين السبب الذي من أجله تسلم الورقة أما الثانية فهي أن الطاعن لم يبين كيف استعملت الورقة في التخالص والتخالص عادة لا تؤخذ بسببه ورقة ممضاة على بياض لأنها إنما تؤخد لأمر مستقبل، والقرينة الثالثة أن الطريقة التي كتبت بها المخالصة حسبما اتضح من تقرير الخبير بها تقارب وتباعد بين ألفاظها وصغر بعض حروفها وكبر البعض الآخر وإذ كانت القرينة الأولى تؤدي إلى قلب عبء الإثبات لأن الطاعن قدم الورقة على أساس أنه تسلمها من مورث المطعون عليهم دليلاً على التخالص فعليهم إثبات اختلاسها، أن القرينتان الثانية والثالثة فتفترضان أن الطاعن كان يعلم عند استلامه الورقة أنها موقعة على بياض وأنه شارك في تحريرها وهو افتراض يقوم على التسليم بصحة واقعة محل النزاع وهذه القرائن لا تؤدي إلى ما استخلصه الحكم منها وإذ أثبت عدم صحة إحداها ينهار الأساس برمته الذي أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه مما يعيبه بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه أخذ بما استخلصه حكم محكمة أول درجة من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن توقيع مورث المطعون عليهم على المخالصة كان على بياض وتوقع به عليها قبل تحرير عبارات صلبها، وأحال إلى أسبابه في هذا الخصوص وأضاف إليها في بيان كيفية خروج الورقة الموقعة على بياض من يد مورث المطعون عليهم قبل تحرير صلبها. أن المحكمة قد اقتنعت باختلاس الورقة وهي موقعة أصلاً على بياض كما هو ثابت من تقرير الخبير من كون هذه الورقة وصلت إلى يد المستأنف - الطاعن - دون أن يبين السبب الذي من أجله تسلمها بالإضافة إلى أنها استعملت في التخالص والتخالص عادةً لا تؤخذ بسببه ورقة ممضاة على بياض وإن تم فعلاً فإن الأولى أن تكتب به مخالصة مباشرة فالورقة التي تؤخذ موقعة على بياض أنما تؤخذ لأمر مستقبل فضلاً عن الطريقة التي كتبت بها المخالصة كل هذه القرائن مجتمعة تكون يقين المحكمة بأن الورقة مختلسة. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستدل على وقوع التزوير بما تستخلصه من القرائن في الدعوى، وتقدير قوة القرائن في الإثبات هو مما تستقل به متى قام قضاؤها على أسباب مقبولة، ولا يجوز مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفاية كل منها في ذاتها للإثبات. لما كان ما تقدم، وكانت محكمة الموضوع قد اعتمدت في تكوين عقيدتها بتزوير المخالصة السالفة الذكر على قرائن مجتمعة تؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم وتكفي لحمل قضائه فلا يجوز للطاعن مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها للإثبات. ومن ثم يكون هذا النعي على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق