الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 15 يونيو 2023

الطعن 15511 لسنة 53 ق جلسة 16 / 11 / 2013 إدارية عليا مكتب فني 59 ج 1 ق 9 ص 117

جلسة 16 من نوفمبر سنة 2013
(الدائرة الأولى)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الفتاح صبري أبو الليل نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ فوزي عبد الراضي سليمان أحمد، ومحمد ياسين لطيف شاهين، وأحمد محمد أحمد الإبياري، وعبد الجيد مسعد عبد الجليل حميدة. نواب رئيس مجلس الدولة
-----------------
(9)
الطعن رقم 15511 لسنة 53 القضائية (عليا)(1)
(أ) شخص اعتباري
– وجوده- الشخصية الاعتبارية لا تتقرر ولا تكتسب ولا تثبت إلا صراحةً، وبالأداة التشريعية المقررة، ولا يمكن افتراضها على أيِّ وجهٍ.
(ب) كنائس
– الطائفة الإنجيلية (2)– اعتبر المشرِّعُ الطائفة الإنجيلية بجميع شُعَبِهَا وكنائسها طائفةً واحدة، وجعل اعترافَ الدولة مُنصَبًّا عليها كطائفةٍ يمثلها المجلس العمومي لها، دون أن يُسبِغَ الشخصية المعنوية على أيٍّ من كنائسها أو الهيئات أو المذاهب المتفرعة عنها، رغم تعددها- استثنى المشرِّعُ في مجال تحديد المقصود بالكنيسة الإنجيلية الهيئاتِ الدينيةَ المكوِّنةَ لطوائفَ مسيحيةٍ معروفةٍ رسميًّا في مصر، وهذه الرسمية لا تتوفر إلا إذا اكتسبت الطائفة الشخصية الاعتبارية على وفق أحكام القانون- اختلاف المذاهب الدينية لا يعد سببًا لاستقلال الطائفة واكتسابها شخصية اعتبارية مستقلة- لا تثبت الشخصية الاعتبارية للهيئات والطوائف الدينية إلا إذا اعترفت بها الدولة اعترافًا خاصًّا- يتجسَّدُ هذا الاعتراف في الأداة التشريعية التي تصدر عن جهة الاختصاص بإنشاء الطائفة، وهي على وفق أحكام الخط الهمايوني: رئيس الجمهورية(3)– مجرد الاختلاف في السلوك والعبادة لطائفةٍ مسيحية معينة، أو مجرد الترخيص لها في بناء كنيسة، أو وجودها في تاريخٍ سابق على طائفة معترف بها، لا يعني بحالٍ تمتعَها بالشخصية الاعتبارية واستقلالها عنها، مادام لم يثبت اعترافُ الدولة بها صراحةً من خلال الأداة التشريعية المقررة.
– المادة (الأولى) من الأمر العالي بشأن الإنجيلين الوطنيين، الصادر في 1/3/1902.
– المادتان (52) و(53) من القانون المدني.
------------------
الإجراءات
بتاريخ 10/6/2007 أودع وكيل الطاعن (المطران/ منير حنا أنيس، بصفته ممثل الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال إفريقيا) قلمَ كُتَّابِ المحكمةِ الإدارية العليا تقريرًا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) بجلسة 15/5/2007 في الدعوى رقم 9122 لسنة 58ق، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع برفضها، مع إلزام رافعها المصروفات، وطلب الطاعن بصفته -للأسباب المبينة تفصيلا في تقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار الجهة الإدارية الصادر بتاريخ 22/11/2003 برفض الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للطائفة الإنجيليكانية (الأسقفية)، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استمرار الشخصية الاعتبارية لها، وبقاء ذمتها المالية مستقلة عن الطائفة الإنجيلية، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا، وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد نظرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 1/4/2013 قررت إحالته إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 20/4/2013، وفيها قررت التأجيل لجلسة 11/5/2013 للاطلاع والتعقيب وتقديم مستندات، وبتلك الجلسة أقر الحاضر عن الطاعن بمحضر الجلسة بأن طلباته تنحصر في طلب إلغاء قرار وزير الداخلية الصادر في 22/11/2003 برفض الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للطائفة الأسقفية، وبالجلسة نفسها قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 15/6/2013، وصرحت بتقديم مذكرات لِمَنْ يشاءُ خلال أسبوع مناصفة بين الطرفين تبدأ بالطاعن، وخلال الأجل المضروب قدم كل من الطاعن بصفته والمطعون ضده الثالث مذكرة بدفاعه، وبتلك الجلسة تقرر إعادة الطعن للمرافعة بجلسة 5/10/2013 لتغير تشكيل المحكمة، وفيها تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 15/5/2007، وأقيم الطعن الماثل طعنًا عليه بتاريخ 10/6/2007، فمن ثمَّ يكون قد أقيم خلال الميعاد المقرر قانونًا.
وإذ استوفى الطعن جميع أوضاعه الشكلية الأخرى، فيكون مقبولا شكلا.
وحيث إن واقعات النزاع تخلص -حسبما هو ثابت من الأوراق- في أن الطاعن بصفته كان قد أقام الدعوى رقم 9122 لسنة 58ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار الصادر بعدم الاعتداد بقرار المجلس التنفيذي للكنيسة الأسقفية الصادر في سبتمبر عام 2001 بالانفصال عن رئاسة الطائفة الإنجيلية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها الاعتراف بالطائفة الإنجيليكانية (الأسقفية) كطائفةٍ مستقلة، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وذكر شرحًا للدعوى أن أبرشية الكنيسة الأسقفية (الإنجيليكانية) بمصر، وهي إحدى إبروشيات طائفة الإنجيليكان، بدأت نشاطها في مصر ككنيسةٍ مستقلة منذ عام 1839، ومنحها محمد على باشا قطعة أرض بميدان المنشية بالإسكندرية لإقامة الكنيسة الأسقفية عليها، وهي تسبق طائفة الإنجيليين التي تكونت بموجب الفرمان الهمايوني الصادر في ديسمبر 1850، ويوجد العديد من الفروق العقائدية بين الطائفتين، على نحوٍ لا يجوز معه إخضاع الأولى للثانية، لاسيما أن الأمر العالي الصادر في عام 1902 بالاعتراف بطائفة الإنجيليين لم يشمل طائفة الإنجيليكان.
وأضاف المدعي (بصفته) أنه في عام 1982 حدث خطأ من أحد الأشخاص التابعين للطائفة الأسقفية، بأن حصل على شهادة من رئاسة الطائفة الإنجيلية، تفيد أن الكنيسة الأسقفية هي إحدى الكنائس التابعة للطائفة الإنجيلية، وهو ما دفع المجلس التنفيذي للكنيسة الأسقفية إلى إصدار قراره في 4/9/2001 بإعادة الوضع المستقل للطائفة الأسقفية، ومطالبة رئيس الجمهورية بإصدار قرار باعتماد تلك الطائفة كطائفة مصرية مستقلة، إلا أن وزارة الداخلية رفضت الاعتراف بالطائفة الأسقفية كطائفةٍ مستقلة عن الطائفة الإنجيلية، وعن المجلس الملي الإنجيلي العام، وهو ما يشكِّل مخالفةً للدستور والقانون.
………………..
وبجلستها المنعقدة في 15/5/2007 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المشار إليه سالفًا، وشيَّدته على أن المشرع منح المجلس الملي للإنجيليين الهيمنة على جميع الشئون الدينية لأصحاب هذه الطائفة الإنجيلية على اختلاف مذاهبها وما يتبعها من كنائس، فجعل اعتماد الكنائس الإنجيلية بالمفهوم العقائدي المذهبي والكنائس المحلية منوطًا بالمجلس الملي المذكور، فأصبح هو صاحب الولاية في قبول أو رفض الكنائس التي تطلب الانضمام إلى الطائفة؛ حفاظًا على الطائفة باعتبارها طائفةً قائمة بذاتها، ومتى كان ذلك وكان الثابت أن المجلس التنفيذي للكنيسة الأسقفية حينما قرر في شهر سبتمبر 2001 الانفصال عن الطائفة الإنجيلية، كانت الكنيسة المذكورة هي إحدى كنائس الطائفة الإنجيلية منذ عام 1982، واستقر مركزها القانوني بحسبانها كذلك، وأصبح لها منذ ذلك التاريخ مُمَثِّلٌ عنها في المجلس الملي الإنجيلي العام، ومن ثم يضحى القرار المطعون فيه برفض قرار المجلس التنفيذي للكنيسة الأسقفية الصادر في عام 2001 بالانفصال عن الطائفة الإنجيلية متفقًا وصحيح حكم القانون؛ لعدم موافقة المجلس الملي الإنجيلي العام على هذا الانفصال.
………..
وإذ لم يرتضِ الطاعن (بصفته) هذا القضاء، أقام الطعن الماثل ناعيًا على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت من الأوراق؛ بحسبان أن الطائفة الإنجيليكانية (الأسقفية) بدأت في مصر عام 1839، وهي تسبق في وجودها الطائفة الإنجيلية، التي صدر بها فرمان عام 1850، وتوجد فروق كثيرة بين الطائفتين في الأسرار المقدسة والسلوك والعبادات والسلطات الدينية داخل الكنائس التابعة لكلٍّ منهما، ويؤكِّد استقلالية الطائفة الإنجيليكانية عن الإنجيلية اختلاف الشكل القانوني لكلٍّ منهما؛ إذ إن الأمر العالي الصادر في الأول من مارس 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين ينص على استبعاد الكنائس المكوِّنة لطوائف مسيحية معروفة رسميًّا، ومنها الطائفة الأسقفية (الإنجيليكانية)، ومِمَّا يؤكِّد استقلالية هذه الطائفة صدور القانون رقم 44 لسنة 1928 ببيع قطعة أرض لها لبناء كنيسة كاتدرائية وملحقاتها عليها، وصدور العديد من الأوامر الملكية بالترخيص في إنشاء كنائس أسقفية، كما يؤكِّد هذه الاستقلالية: استقلالها بإدارة أموالها وتمتعها بالأهلية الكاملة، وإصدار جوازات سفر خاصة لمطرانها، وصدور العديد من الأحكام القضائية التي تؤكِّد صفة الطاعن في تمثيله لها، وما أكده مجلس كنائس الشرق الأوسط في 28/11/2003 من أن الكنيسة الأسقفية لا تتبع أيا من الكنائس المكوِّنة للطائفة الإنجيلية، وأنها بحسب دستورها ونظامها الأساسي تُعَدُّ مستقلة.
وأضاف الطاعن (بصفته) أنه مِمَّا يؤكِّد مخالفة الحكم المطعون فيه للثابت من الأوراق أنه تضمن أن المشرِّعَ منح المجلس الملي للإنجيليين الهيمنة على الشئون الدينية لأصحاب الطائفة الإنجيلية على اختلاف مناهجها، في حين أن اللائحة الداخلية للمجلس الملي الإنجيلي العام لا تطبق على الطائفة الأسقفية؛ لكونها أسبق في الوجود من الطائفة الإنجيلية، ولتعارض ذلك مع الأمر العالي الصادر في مارس 1902، الذي استبعد الكنائس المكوِّنة لطوائف مسيحية معروفة رسميًّا، ومنها طائفة الإنجيليكان.
ونفى الطاعن (بصفته) أن تكون طائفة الإنجيليكان الأسقفية قد تقدمت بطلب عام 1982 للانضمام للطائفة الإنجيلية، وعلى نحوٍ يؤدي إلى فقدها شخصيتها الاعتبارية، أو زوال أهليتها وذمتها المالية، مُستنِدًا في ذلك إلى عدم وجود دليل يؤكِّد هذا الانضمام، كما أنه -وعلى فرض صحته- لا يؤثر في بقاء الشخصية الاعتبارية للطائفة، فضلا عن أنه على وفق أحكام دستور الطائفة ولائحتها التنفيذية يتعين أن يصدر قرار الانضمام عَمَّنْ يملك سلطة إصداره في الطائفة، وهو ما لم يتوفر في أي وقت من الأوقات. وأنهى الطاعن (بصفته) تقرير الطعن بطلب الحكم له بطلباته المشار إليها سالفًا.
…………..
– وحيث إنه عن الوجه الأول من أوجه النعي على الحكم المطعون فيه، المتمثل في مخالفة الحكم المطعون فيه للثابت من الأوراق، بمقولة إن طائفة الإنجيليكان (الأسقفية) قد بدأت عام 1839، في حين أن طائفة الإنجيليين قد بدأت عام 1850، أي إن الأولى أسبق في وجودها على الثانية، وإذ لم يقدم الطاعن (بصفته) أي مستندات تثبت وجود طائفة الإنجيليكان (الأسقفية) وتمتعها بالشخصية الاعتبارية على وفق أحكام القانون، فمن ثمَّ يكون هذا النعي غيرَ قائمٍ على سندٍ من القانون، ويؤكِّد ذلك أنه بالرجوع إلى الأمر العالي الصادر في الأول من مارس 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين، تبين أنه ينص في مادته (الأولى) على أن: “تعتبر بصفة كنيسة إنجيلية كلُّ هيئةٍ دينية مسيحية ذات نظامٍ في القطر المصري، ماعدا الهيئات المكوِّنة لطوائف مسيحية معروفة رسميًّا لها سلطات ذات اختصاص بمواد الأحوال الشخصية، وماعدا الهيئات التي تكون تابعة لهيئةٍ دينية أكبر منها لها نظام في هذا القطر”، ومفاد ذلك أن المشرِّعَ اعتبر الطائفة الإنجيلية بجميع شُعَبِهَا وكنائسها طائفةً واحدة، وتعمَّدَ لظروف خاصة أن يجعل اعتراف الدولة مُنصَبًّا عليها كطائفةٍ، دون أن يُسبِغَ الشخصية المعنوية على أيٍّ من كنائسها رغم تعددها، وبذلك يكون المشرِّعُ في مجال تحديد المقصود بالكنيسة الإنجيلية قد استثنى الهيئات الدينية المكوِّنة لطوائف مسيحية معروفة رسميًّا في مصر، وهذه الرسمية لا تتوفر إلا إذا اكتسبت الطائفة الشخصية الاعتبارية على وفق أحكام القانون، وهو ما يتطلب صدور أداة بذلك تصدر عَمَّنْ يملك هذه الصلاحية على وفق أحكام القانون المدني، وهو ما لا يتوفر في الحالة المعروضة.
– وحيث إنه عن الوجه الثاني من أوجه النعي على الحكم المطعون فيه، والمتمثل في صدور العديد من الأدوات التشريعية بالترخيص بإنشاء كنائس أسقفية في مصر، مثل القانون رقم 44 لسنة 1928 ببيع قطعة أرض لبناء كنيسة عليها، ومثل العديد من الأوامر الملكية وقرارات رئيس الجمهورية الصادرة بالموافقة على إنشاء كنائس أسقفية في مصر، ومحاولة الطاعن (بصفته) الاستدلال بهذه الأدوات للقول بقيام طائفة الإنجيليكان وتمتعها بالشخصية الاعتبارية استقلالا عن الطائفة الإنجيلية، ولما كانت الشخصية الاعتبارية على وفق نص المادة (52) من القانون المدني لا تثبت للهيئات والطوائف الدينية إلا إذا اعترفت بها الدولة، ويتجسَّدُ هذا الاعتراف في الأداة التشريعية التي تصدر عن جهة الاختصاص بإنشاء الطائفة، وهي على وفق أحكام الخط الهمايوني: رئيس الجمهورية، وكان الثابت صدور الأمر العالي في أول مارس 1902 بشأن الطائفة الإنجيلية، ولم يقدم الطاعن (بصفته) أيَّ دليلٍ على صدور أداة تشريعية مماثلة بشأن طائفة الإنجيليكان (الأسقفية)؛ فإن القول بقيام الطائفة الأخيرة وتمتعها بالشخصية الاعتبارية يكون غيرَ قائمٍ على سندٍ من القانون.
ولا يغير من ذلك الأدوات التشريعية الصادرة بالترخيص في إنشاء بعض الكنائس الأسقفية في مصر؛ بحسبان أن تلك الأدوات وإن كانت تُصَرح بإنشاء دور العبادة، إلا أنها لا شأنَ لها بالشخصية الاعتبارية للطائفة، فضلا عن أن الطائفة باعتبارها إحدى مكونات طائفة الإنجيليين ليس هناك ما يمنع قانونًا من الترخيص لها في إنشاء دور عبادة تمارس فيها شعائرها الدينية، وقد تواتر القضاءُ المصري بشقيه الإداري والعادي على أن مفاد نصي المادتين (52) و(53) من القانون المدني أن الشخصية الاعتبارية للهيئات والطوائف الدينية لا تثبت إلا باعتراف الدولة اعترافًا خاصًّا بها، بمعنى أنه يلزم صدور ترخيصٍ أو إذنٍ خاص بقيام هذه الشخصية لكلِّ هيئةٍ أو طائفة دينية حتى تكون موجودة قانونًا؛ تحرزًا من أن يجمع كلُّ داعيةٍ حوله أتباعًا، ويتخذ لهم نظامًا ويُنصب نفسَه قائدًا لهم، وهو اعترافٌ فرديّ على خلافِ الاعتراف العام (حكم محكمة النقض في الطعن رقم 416 لسنة 58 ق. جلسة 3/4/1997)، كما تواترت أحكام القضاء على أن اعتراف الدولة بطائفة الإنجيليين الوطنيين هو اعترافٌ بالطائفة جميعها بجميع شُعَبِهَا وكنائسها، باعتبارها طائفة واحدة يمثلها المجلس العمومي لها، وأن المشرع لم يمنح الشخصية الاعتبارية لأيٍّ من كنائسها أو الهيئات أو المذاهب المتفرعة عنها أو الممتدة إليها، ولم يجعل لأيٍّ منها ذمةً مالية مستقلة. (حكم محكمة النقض في الطعن رقم 3171 لسنة 60 ق. بجلسة 22/1/1995).
ومتى كان ما سبق، وإذ لم يقُم دليلٌ بالأوراق على اعتراف الدولة بطائفة الإنجيليكان (الأسقفية) من خلال إصدار أداة تشريعية تتضمن منحها الشخصية الاعتبارية، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه يكون متفقًا وصحيح حكم القانون، ويكون الطعنُ عليه غيرَ مستندٍ إلى أساسٍ من القانون.
ولا يغير من ذلك ما استند إليه الطاعن (بصفته) من وجود فروق كثيرة بين كل من الطائفة الإنجيلية وطائفة الإنجيليكان (الأسقفية) في الأسرار المقدسة والسلوك والعبادات والسلطات الدينية؛ بحسبان أن هذه الفروق في حدِّ ذاتها لا تكفي لاكتساب الطائفة الشخصية الاعتبارية، بل يجب أن تصدر أداةٌ بذلك عن الدولة، وهو ما لم يتوفر بشأن تلك الطائفة، فضلا أنه على وفق أحكام اللائحة الداخلية لطائفة الإنجيليين، ليس هناك ما يمنع من وجود مثل هذه الاختلافات بين الكنائس التابعة للطائفة؛ حيث ورد في المادة الأولى من اللائحة الداخلية للمجلس الإنجيلي العام الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 5677 لسنة 1991 النصُّ على اختصاص المجلس الملي الإنجيلي العام بالنظر في المذاهب الإنجيلية على اختلافها، وما يتبعها من كنائس محلية معتمدة طبقًا للفرمان الهمايوني الصادر في ديسمبر 1850 والأمر العالي الصادر في مارس 1902، ومؤدى اختلافُ المذاهبِ: الاختلافُ في السلوك والعبادات، ومن ثم فإن الاختلاف في السلوك والعبادة لا يصلح بذاته سببًا للقول باستقلال الطائفة وتمتعها بالشخصية الاعتبارية، والقولُ بغير ذلك معناه أن كلَّ كنيسةٍ إنجيلية تزعم تمتعها بالشخصية الاعتبارية لتفرُّدِهَا في السلوك والعبادات عن الكنائس الأخرى، فالشخصية الاعتبارية لا تتقرر ولا تكتسب ولا تثبت إلا صراحةً، وبالأداة التشريعية المقررة، ولا يمكن افتراضها على أيِّ وجهٍ من الوجوه، ومجرد الترخيص لطائفةٍ معينة في بناء كنيسة، أو وجودها في تاريخٍ سابق على الطائفة الإنجيلية، لا يعني بحالٍ تمتعها بالشخصية الاعتبارية؛ إذ لا يعدو الأمر أن يكون إقرارًا بوجود تجمع أو طائفة يسمح لها بممارسة شعائرها الدينية على النحو الذي ينظمه الدستور والقانون.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صدر متفقًا وصحيح حكم القانون، ويكون الطعنُ عليه غيرَ قائمٍ على سندٍ من القانون، حريًا بالرفض.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم المصروفات إعمالا لحكم المادتين (184) و(240) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن بصفته المصروفات.
---------------------
(1) أقيمت دعوى بطلان في هذا الحكم، قيدت برقم 17889 لسنة 60 القضائية (عليا)، وقضت المحكمة بجلسة 25/6/2016 بقبولها شكلا، ورفضها موضوعا.
(2) يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 14275 لسنة 51ق.ع بجلسة 17/1/2009، (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 54 مكتب فني، المبدأ رقم 24، ص214) بشأن اعتبار أن الكنائس الإنجيلية المعترف بها من بين أشخاص القانون العام المنوط بها إدارة مرفق عام من مرافق الدولة.
(3) صدر لاحقا القانون رقم 80 لسنة 2016 بإصدار قانون بشأن تنظيم بناء وترميم الكنائس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق