جلسة 19 من أبريل سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود عباس العمراوي، ومحمد أبو الفضل حفني.
----------------
(87)
الطعن رقم 7 لسنة 36 القضائية
(أ) موانع العقاب. مسئولية جنائية.
الصم والبكم ليس من حالات موانع العقاب أو تخفيف المسئولية.
(ب) محاكمة. "إجراءاتها". تحقيق. "إجراءاته".
للمحقق أو المحكمة إدراك معاني إشارات الأبكم والأصم بغير الاستعانة بخبير. ما دام أنه كان في الاستطاعة تبين معنى تلك الإشارات.
(ج) محاكمة. "إجراءاتها".
المحاكمة الجنائية. العبرة فيها بالتحقيق الذي تجريه المحكمة. لا وجه للنعي على الإجراءات السابقة عليها التي لم يثر شيء في شأنها أمام المحكمة.
(د) سبق إصرار.
سبق الإصرار. ماهيته؟
(هـ، و) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(هـ) للمحكمة الأخذ بقول للشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة، والالتفات عما عداه، دون الالتزام بتبيان علة ذلك أو بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها.
(و) إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها.
2 - ليس ثمة ما يحول بين المحقق أو المحكمة وإدراك معاني إشارات الأبكم والأصم بغير الاستعانة بخبير ينقل إليها معاني الإشارات التي يوجهها المتهم رداً على سؤاله عن الجريمة التي يجرى التحقيق معه في شأنها أو يحاكم من أجلها ما دام أنه كان باستطاعة المحقق أو المحكمة تبين معنى تلك الإشارات ولم يدع المتهم في طعنه أن ما فهمه المحقق أو المحكمة منها مخالف لما أراده.
3 - العبرة في المحاكمة الجنائية هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة، فلا وجه للنعي على الإجراءات السابقة عليها التي لم يثر الطاعن شيئاً في شأنها أمام المحكمة.
4 - سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً، ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج.
5 - للمحكمة أن تأخذ بقول للشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة في ذلك، ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها، وما دام الطاعن لم ينازع في صحة نسبة هذه الأقوال إليه.
6 - لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 20 من إبريل سنة 1964 بدائرة قسم روض الفرج محافظة القاهرة: شرع في قتل محمد أحمد بخيت عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد العزم على قتله وأعد لهذا الغرض سكيناً وتوجه إليه في المخبز وطعنه بها في ظهره قاصداً قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي نفذت إلى التجويف الصدري وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 45 و46 و230 و231 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً بتاريخ 17 من مارس سنة 1965 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة خمس سنوات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار قد أخطأ في الإسناد وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال ذلك بأنه نسب إلى الشاهد عبده خله جرجس أنه رأى واقعة التعدي على المجني عليه وعلم بالحادث السابق في حين أن أقوال هذا الشاهد كما هي مدونة بمحضر الجلسة لا تفيد ذلك، كما أخطأ الحكم أيضاً إذ أورد أن الشاهدين علي أحمد طوغان وفضل بطرس بخيت شهداً بمضمون ما رواه الشاهد السابق والحال أن أقوالهما تخالف مؤدى ما شهد به هذا الشاهد، وما قاله الحكم وهو بمعرض التدليل على قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن جاء قاصراً إذ أنه على الرغم من أن التحقيق لم يثبت توافر هذا الظرف فإن الحكم لم يستظهر عنصري الهدوء والسكينة اللازم توافرهما قانوناً لقيامه. وفوق ذلك فإن الطاعن أبكم وأصم أي فاقد الإدراك وكمال الإرادة مما ينتفي معه القول بتوافر التعقل والتروي لديه. وقد نسب الحكم إليه اعترافاً أدلى به لوكيل النيابة المحقق مع أن ما أثبته هذا الأخير في محضره في هذا الشأن إنما استقاه من الطاعن بطريق الإشارات وهو بهذه المثابة إجراء يشوبه البطلان لأنه فضلاً عن أن وكيل النيابة لم يكشف عن شخصيته له فإنه جعل من نفسه شاهداً وليس محققاً وهو بهذه الصفة كان يجب عليه أن يحلف يميناً ثم يشهد أو بالأقل يستعين بخبير في تفسير تلك الإشارات مما لا يصح معه الأخذ بالدليل المستمد منها. وأخيراً فإن الحكم عول على أقوال المجني عليه في الإدانة في حين أن أقواله التي أدلى بها غير قاطعة في أن الطاعن هو الذي ارتكب الحادث مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إنه بينما كان المجني عليه يبيع الخبز في متجره حضر إليه المتهم (الطاعن) حوالي الساعة 2.30 مساء وطلب إليه شراء كمية من الخبز فاستمهله حتى يبيع للآخرين ممن سبقوه في الحضور فاستاء لذلك وتماسك به ثم تدخل الأهالي وفضوا النزاع وانصرف المتهم إلى سبيله غير أن الحادث حز في نفسه وفكر في الانتقام من المجني عليه فبيت النية على قتله وأعد سكيناً لهذا الغرض ثم توجه حوالي الساعة الرابعة مساء من نفس اليوم إلى المخبز الذي يعمل به المجني عليه وفاجأه بطعنة شديدة في ظهره نفذت للحبل الشوكي قاصداً من ذلك قتله ثم ولى الفرار" وأورد على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه والشهود عبده خله جرجس وعلي أحمد طوغان وفضل بطرس بخيت ومن التقرير الطبي الشرعي ومن اعتراف الطاعن بالتحقيق بأنه هو الذي أحدث إصابة المجني عليه وهى أدلة سائغة ولها أصلها في الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن ما أورده الحكم من أقوال الشاهد عبده خله جرجس من أنه رأى الطاعن وهو يعتدى على المجني عليه وعلم بالحادث السابق له مأخذه الصحيح من أقوله في تحقيق النيابة. ولما كان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بقول للشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها وما دام الطاعن لم ينازع في صحة نسبة هذه الأقوال إليه، وكان من المقرر أيضاً أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك. وكان الحكم قد استظهر سبق الإصرار في قوله: "وبما أن سبق إصرار المتهم على ارتكاب جريمته ثابت كذلك من الضغينة القائمة بينه وبين المجني عليه على إثر تماسكهما حوالي الساعة 2.30 الأمر الذي أثار حفيظته هذه ودفعه إلى التفكير في الانتقام من المجني عليه بقتله فاستل سكيناً لذلك الغرض وتوجه فوراً إلى مقر عمله وفاجأه بتلك الطعنة القاتلة والتي كادت تؤدى بحياة المجني عليه لولا تداركه بالعلاج" وما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، ولا يغير من ذلك الدفع بأن الطاعن أبكم وأصم وما رتبه الدفاع على ذلك من أن هذه الحالة تفقد الطاعن الإدراك وكمال الإرادة وبالتالي ينتفي معها قيام ظرف سبق الإصرار لديه ذلك بأن القانون لم ينص على أن مجرد الصم والبكم من حالات موانع العقاب وتخفيف المسئولية. أما ما يثيره الطاعن في شأن بطلان الاعتراف المستقى من إشاراته المثبتة بمحضر تحقيق النيابة فمردود بأن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عنه لم يدفع ببطلان هذا الاعتراف، وإذ كانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة فلا وجه للنعي على الإجراءات السابقة عليها التي لم يثر الطاعن شيئاً في شأنها أمام المحكمة. هذا إلى أنه ليس ثمة ما يحول بين المحقق أو المحكمة وإدراك معاني إشارات الأبكم والأصم بغير الاستعانة بخبير ينقل إليها معاني الإشارات التي يوجهها المتهم رداً على سؤاله عن الجريمة التي يجرى التحقيق معه في شأنها أو يحاكم من أجلها ما دام أنه كان باستطاعة المحقق أو المحكمة أن تتبين معنى تلك الإشارات ولم يدع المتهم في طعنه أن ما فهمه المحقق أو المحكمة منها مخالف لما أراده، أما ما ينعاه الطاعن في شأن تعويل الحكم على أقوال المجني عليه على الرغم من تردده في روايته فمردود بما هو مقرر من أن وزن أقوال الشاهد واعتماد القضاء على قوله من إطلاقات محكمة الموضوع التي لها أن تجزئ أقوال الشاهد وتركن لما ترتاح إليه منها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق