الدعوى رقم 105 لسنة 35 ق "دستورية" جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م،
الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى
رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمــد خيرى طه النجــار وسعيد مرعى
عمـــرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار
والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 105 لسنة 35 قضائية
"دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالمنوفية، بحكمها الصادر
بجلسة 24/2/2013، ملف الدعوى رقم 8286 لسنة 6 قضائية.
المقامة من
محمد عبدالمجيد على خليل
ضــــد
1- وزير الصحة والسكــان
2- محافـــــظ المنوفيـــة
3- وكيل وزارة الصحة بالمنوفية
4- مدير عام الشئون المالية والإدارية بمديرية الشئون الصحية بمحافظة
المنوفية
الإجـراءات
بتاريخ العاشر من يونيه سنة 2013، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية
العليا، ملف الدعوى رقم 8286 لسنة 6 قضائية، بعد أن حكمت محكمة القضاء الإدارى
بالمنوفية بجلسة 24/2/2013، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية
العليــــــــا للفصل في دستوريــــــة نص المـــــادة (69) من قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، فيما أغفله من تنظيم
الحــــق في الاحتفــــاظ بترتيب الأقدمية والحــــق في الترقية بالأقدمية المطلقة
أو بالرسوب الوظيفى للعامل الذى يشغل وظيفة تكرارية، ومُرخص له بإجازة بدون مرتب
زادت على أربع سنوات، ومُصرح له بالعمل - خلال إجازته - في أعمال من ذات طبيعة
أعمال وظيفته.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين
من حكــــم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعى في الدعوى الموضوعية، كان قد
أقام الدعوى رقم 8286 لسنة 6 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى بالمنوفية، ضد
محافظ المنوفية وآخرين، طالبًا الحكم بأحقيته في مساواته بزملائه الحاصلين على
الدرجة الأولى اعتبارًا من 1/1/2001، وما يترتب على ذلك من آثار، منها إرجاع
أقدميته إلى التاريخ المذكور بدلاً من 1/1/2005 تاريخ ترقيته إلى هذه الدرجة، وذلك
بعد تعديل تاريخ حصوله على الدرجة الثانية إلى 1/1/1990، والتى لم يرق إليها على
خلاف القانون، لوجوده في إجازة بدون مرتب. وذكر شرحًا لدعواه: إنه حاصل على
بكالوريوس الطب والجراحة، وعين بموجبه بوظيفة طبيب بشرى بأحد المستشفيات التابعة
لمديرية الشئون الصحية بالمنوفية اعتبارًا من 1/9/1978، وقــــــــد رخصــــــــت
لــــــــه جهــــــــة الإدارة بإجــــــــازة بدون مرتب للعمل بوظيفة طبيب
بأحــــــــد مستشفيــــــــات المملكــــــــة العربية السعودية خلال الفترة من
2/1/1987 حتى 25/2/1998، وبعد عودته من الإجازة تسلم عمله، وتم رفع الدرجة المالية
لوظيفته - طبقًا لنظام الرســـوب الوظيفى - إلى الدرجة الثانية اعتبارًا من
1/1/1999، ثم رفعت إلى الدرجة الأولـــى اعتبارًا من 1/1/2005، وقد علم أن زملاءه
الأحدث منه سبقوه في الترقية إلى الدرجة الأولى في 1/1/2001، فتظلم من ذلك،
فأجابته جهة الإدارة بأن سبب تأخــــر ترقيته إنما يرجـــــــــع إلى تجاوز مدة
إجازته أربع سنوات، وذلك تطبيقًا للحكم الوارد بنص المادة (69) من قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978. وإذ تراءى للمحكمة
مخالفة نص المادة (69) من القانون المشار إليه، فيما أغفله من تنظيم الحق في الاحتفاظ
بترتيب الأقدمية والحـــــق في الترقية بالأقدمية المطلقــــــة أو بالرسوب
الوظيفى، للعامل الذى يشغل وظيفة تكرارية، ومُرخص له بإجازة بدون مرتب للعمل في وظيفة
تتطابق طبيعتها مع طبيعة أعمال وظيفته بالداخل، وتجاوزت مدة إجازته بدون مرتب أربع
سنوات، لنصوص المواد (8، 9، 24، 31، 33، 34، 64، 74) من الدستور الصادر سنة 2012،
فقد أحالت أوراق الدعوى بموجب حكم الإحالة السالف الذكر للمحكمة الدستورية العليا
للفصل في دستوريته.
وحيث إن المادة (69) من قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على أنه
"تكون حالات الترخيص بإجازة بدون مرتب على الوجه الآتى:
(1) يمنح الزوج أو الزوجة إذا سافر أحدهما
إلى الخارج للعمل أو الدراسة لمدة ستة أشهر على الأقل إجازة بدون مرتب. ولا يجوز
أن تجاوز هذه الإجازة مدة بقاء الزوج في الخـــــارج ويســـــرى هـــــذا الحكم
ســـــواء أكان الزوج المســـــافر من العاملين في الحكومة أو القطاع العام أو
قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص. ويتعين على الجهة الإدارية أن تستجيب لطلب
الزوج أو الزوجة في جميع الأحوال.
(2) يجوز للسلطة المختصة منح العامل إجازة بدون مرتب للأسباب التى
يُبديها العامل وتقدرها السلطة المختصة ووفقًا للقواعد التى تتبعها.
ولا يجوز في هذه الحالة ترقية العامل
إلى درجات الوظائف العليا إلا بعد عودته من الإجازة كما لا يجوز الترخيص بهذه
الإجازة لمن يشغل إحدى تلك الوظائف قبل مضى سنة على الأقل من تاريخ شغله لها.
وفى غير حالة الترقية لدرجات الوظائف
العليا لا تجوز ترقية العامل الذى تجاوز مدة إعارته أربع سنوات متصلة، وتعتبر
المــــدة متصلة إذا تتابعت أيامهــــــا أو فصل بينها فاصل زمنى يقل عن سنة.
وتحدد أقدمية العامل عند عودته من
الإجازة التى تجاوز مدتها أربع سنوات على أساس أن يوضع أمامه عدد من العاملين
مماثل للعدد الذى كان يسبقه في نهاية مدة الأربع سنوات أو جميع العاملين الشاغلين
لدرجة الوظيفة عند عودته أيهما أقل.
..................................".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة
قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لإقامتها بعد الميعاد، فهو مردود بأن الميعاد الذى
حدده المشرع بنص البند (ب) من المادة (29) مــــن قانــــون المحكمة الدستوريــــة
العليا الصــــادر بالقانــــون رقم 48 لسنة 1979، يتعلق بالدعاوى التى تقام بناء
على دفع بعدم الدستورية يُبديه أحد الخصوم، وتصرح محكمة الموضوع له بإقامة الدعوى
الدستورية خلال ميعاد لا يتجاوز ثلاثة أشهر، دون الدعاوى التى تقام طبقًا لنص
البند (أ) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الذى يجرى على أنه
"إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء نظر إحدى
الدعاوى عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت الدعوى
وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة
الدستورية"، وبالتالى يكون قيد تلك الدعاوى بجدول المحكمة الدستورية العليا
بعد إحالة الأوراق إليها من محكمة الموضوع غير مقيد في ذلك بمهلة الأشهر الثلاثة
المقررة بالبند (ب) من المادة (29) من قانون هذه المحكمة، الأمر الذى يكون معه هذا
الدفع فاقدًا لسنده القانونى، حقيقًا بالرفض.
وحيث إن المصلحة في الدعــــــــــــوى
الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن
يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر
الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة
الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق
الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر
شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من
محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل
يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام
محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التى ثارت بشأنها شبهة عدم
الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعى؛ فإن الدعوى الدستورية
تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على
طلب المدعى في الدعوى الموضوعية الحكم بأحقيته في مساواته بزملائه في الترقية إلى
الدرجة الأولى، وإرجاع أقدميته فيها اعتبارًا من 1/1/2001، تاريخ ترقيتهم إلى تلك
الدرجة، بدلاً من 1/1/2005، تاريخ ترقيته إليها، مع الاعتداد بهذا الترتيب فيما تم
إجراؤه من ترقيات لزملائه الأحدث منه، سواء عن طريق الترقية بالأقدمية المطلقة أو
الرســـــوب الوظيفى. وكان نصا الفقرتين الأخيرتين من البند (2) من النص المحال
هما الحاكمين لترقية الموظف - إلى غير درجات الوظائف العليا - الحاصل على إجازة
بدون مرتب، الذى تجاوزت مدة إجازته أربع سنوات متصلة، وتحديد أقدميته عند عودته من
الإجازة، على أساس أن يوضع أمامه عدد من الموظفين مماثل للعدد الذى كان يسبقه في نهاية
مدة السنوات الأربع، أو جميع الموظفين الشاغلين لدرجة الوظيفة عند عودته أيهما
أقل، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة لهاتين الفقرتين، لما للقضاء في دستوريتهما
من أثر وانعكاس على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع وقضاء المحكمة فيها. ولا
ينال مما تقدم إلغاء المشرع قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون
رقم 47 لسنة 1978 بموجب القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية،
ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعى لا يحول دون اختصامه
أمام المحكمة الدستورية العليا، للنظر في مشروعيته من الوجهة الدستورية، وذلك
بالطعن عليه ممن طبق عليه، أو بإحالته من المحكمة التى تنظر الدعوى الموضوعية إلى
المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريته.
وحيث إن
الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن
هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التى
تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين
قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من
التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامـــــــــه
بعد صـــــــدور الدستور الحالى، حتى يـــــــــوم الثانى من شهر نوفمبر سنة 2016،
تاريخ العمل بقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، وكان المشرع
قد ألغى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978
بنص المادة الثانية من القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية، ومن
ثم فإن حسم أمر دستورية النص المحال يتم في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص
المطعون فيه في حدود نطاقه المتقدم مخالفته لنصوص المواد (8، 9، 24، 31، 33، 34،
64، 74) من الدستور الصادر سنة 2012، على سند من أن هذا النص بإغفاله تنظيم الحق
في الاحتفاظ بترتيب الأقدمية، والترقية بالأقدمية المطلقة أو بالرسوب الوظيفى،
للموظف الذى يشغل وظيفة تكرارية، ومُرخص له بإجازة بدون مرتب تزيد مدتها على أربع
سنوات، ومُصرح له بالعمل خلالها، في أعمال من ذات طبيعة أعمال وظيفته، يخالف مبدأ
سيادة القانون، كما أنه بإهداره الخبرة التى اكتسبها من عمله خلال مدة إجازته،
والتى تتساوى مع خبرة زميله الذى استمر في العمل يخالف مبدأ المساواة الذى كفله
الدستور.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4)
منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التى يقوم عليها
بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص
المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا
دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى
به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التى كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض
تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها،
وضرورة ترتيبهم، بالتالى فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصـــر والاعتدال؛
وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التى
تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد كذلك بمقتضى
نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص،
أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة
(53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق
والحريات والواجبـــــــــات العامــــــــــــــــة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب،
إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم
على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم
هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس
موضوعية ولا ينطــــــوى بالتالى على مخالفــــــة لنصى المادتيــــــن (4، 53)
المشــــــار إليهمــــــا، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى
يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق
أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها
من وراء هذا التنظيــــــــــم.
وحيث إن من المقرر كذلك أن النصوص
القانونية التى ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن
أهدافهـــــــــــــــا، ذلك أن كل تنظيم تشريعـــــى لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر
مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا
للمصلحة العامة التى أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق
الوصول إليها.
وحيث إن الدستور قد عُنى في المادة
(14) منه بكفالة حق المواطنين في شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، ودون
محاباة أو وساطة، وجعل شغل الوظائف العامة تكليفًا للقائمين عليها لخدمة الشعب،
وناط بالدولة كفالة حقوق شاغلى الوظائف العامة وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم
في رعاية مصالح الشعب.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة
أن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام
الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة
لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم
فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات
وموئلها وعماد الحريات الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من
البناء القانونى للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها
أسمى القواعد الآمرة التى يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها وفى قضائها
وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها، بين
السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة بجميع
سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقررًا وحكمًا لازمًا لكل نظام ديمقراطى سليم،
فإنه يتعين على كل سلطة عامة، أيًّا كان شأنها وأيًّا كانت وظيفتها وطبيعة
الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده
وقيوده، فإن هى خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت - متى
انصبت المخالفة على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى
المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التى اختصها دون غيرها
بالفصل في دستورية القوانين واللوائح، بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها
وحمايتها من الخروج عليها.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة
قد حرصت جميعها - منذ دستور سنة 1923 - على تقرير الحقوق والحريات العامة في صلبها
قصدًا من المشرع الدستورى أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادى
فيما يسنه من قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع
فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستورى، وعن الإطار الذى عينه الدستور له،
بأن قيد حرية أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز
دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعى في حومة مخالفة
أحكام الدستور.
وحيث إن المواثيق الدولية قد حفلت بالنص على حق الفرد في تولى
الوظائف، ومن ذلك المادة (7) من العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية
الذى تمت الموافقة عليه وإعلانه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحـــــــــــدة
رقم 2200 في 1/12/1966، التى نصت على تســـــــــاوى جميـــــــــــع
الموظفيــــــن في فرص الترقية داخل جهـــــــــات عملهم، إلى الدرجـــــــــات
الأعلى دون إخضــــــاع ذلك إلا لاعتبارات تتعلق بالكفاءة والجدارة لتولى تلك
الوظائف، وهو ذات ما نص عليه الميثاق الإفريقى لحقوق الإنسان والشعوب الذى تمت
إجازته من قبل مجلس الرؤساء الأفارقة بدورته العادية رقم (18) في نيروبى (كينيا)
يونيو 1981 في المادة (13) منه.
وحيث إن الأصل أن يكون لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها
بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلاً عن متطلباتها التى تكفل للمرافق
التى يديرها موظفوها حيويتها واطراد تقدمها، وقابلية تنظيماتها للتعديل وفق أسس
علمية قوامها التخطيط المرن وحرية التقدير، فلا تتعثر أعمالها أو تفقد اتصالها
ببعض أو تدرجها فيما بينها، وشرط ذلك إعداد موظفيها علميًّا وفنيًّا، فلا يلى
شئونها غير القادرين حقًّا على تصريفهــــا، سواء أكـــــــان عملهم ذهنيًّا أم
مهنيًّا أم يدويًّا .
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن لكل وظيفة تبعاتها، فلا يشغلها إلا من
يستحقها على ضوء طبيعة الأعمال التى تدخل فيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة فيها،
والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالى أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها أو
الترقية منها إلى ما يعلوها، عملاً آليًّا يفتقر إلى الأسس الموضوعية، أو منفصلاً
عن عوامل الخبرة والجدارة التى يتم على ضوئها اختيار من يتولاها، ولا مجرد تطبيق
جامد لمقاييس صماء لا تأخذ في اعتبارها خصائص كل وظيفة ومكانتها، والحد الأدنى
للتأهيل لها والتدريب على أداء واجباتها ومسئولياتها، وغير ذلك من مقوماتها الموضوعية
المحددة تحديدًا دقيقًا، وعلى تقدير أن تقييم شاغل الوظيفة إنما يرتبط بأهميتها
الحقيقية .
وحيث إن الأصل في الأقدمية الوظيفية أن تكـــــــون معبرة عن مدة خدمة
فعلية قضاها الموظف قائمًا بأعباء وظيفته، وهى بذلك لا تُفترض، ولا يجوز حسابها
على غير حقيقتها سواء بزيادتها أو إنقاصها، كما أن شروط الترقية إلى الوظائف،
وبخاصة الوظائف الإشرافية أو القيادية يجب أن تعبر عن الانحياز إلى الأصلح والأكثر
خبرة وعطاء، وهو ما يتطلب أن تكون المدة البينية أو الكلية اللازمة لشغل تلك
الوظائف - بحسب الأصل - مدة فعلية وليست حكمية، حتى لا يُعهد بأعمال هذه الوظائف
لغير من يؤدونها بحقها، فـــــلا يكونون عبئًا عليهـــــــــــا يُقيدها أو
يُضعفها، بل يثرونها من خلال خبرة سابقة وجهد خلاق يتفاعل مع مسئولياتها.
وحيث إنه يتبين من الاطلاع على
المذكرة الإيضاحية لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة أن أحكام هذا القانون
تقوم على أسس موضوعية، وذلك عن طريق الاعتداد أولاً "بالوظيفة"،
باعتبارها مجموعة من الواجبات والمسئوليات، يلزم للقيام بها توافر اشتراطات معينة
في شاغلها، تتفق مع نوعها وأهميتها، وتسمح بتحقيق الهدف من إيجادها، وأن هذا الاعتداد
الموضوعي لا يتعارض مع الجانب الآخر للوظيفة، المتمثل في "الموظف" الذى
يقوم بأعبائها وما يتطلبه هذا الجانب "البشري" لا "الشخصي" من
الاعتداد بالخبرة النظرية أو المكتسبة اللازمة للقيام بأعباء الوظيفة، ومراعاة ذلك
في الأجر الذى يحصـل عليه بوصفه مقابلاً موضوعيًّا لا شخصيًّا، لما يناط به من
مسئوليات .
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع بإقراره النص المحال قد انحاز
إلى إعمال الأسس الموضوعية للوظيفة، وذلك بالاعتداد بالوظيفة ومراعاة واجباتها
ومسئولياتها، التى يلزم للقيام بها توافر الاشتراطات اللازمة لشغلها ومن بينها مدة
الخبرة الفعلية التي قضاهـا الموظف في وظيفتــه السابقـة قائمًا بأعبائهـا، وذلك
ضمانًا لجدارته وكفاءته بتوليها، فينهض بها من خلال خبرته السابقة وجهده الخلاق
الذى دأب عليه خـــــلال الفترات المنقضية، وهو ما يتفق مع الأهداف التي رنا
المشرع إلى تحقيقها بالنص المحال، الذى ترتكن أحكامه إلى أسس موضوعية تبررها، دون
مصادمة في ذلك لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة اللذين حرص الدستور على كفالتهما في المواد
(4، 9، 53).
وحيث إن
المشرع قد راعى في تحديده للقواعد الحاكمة للإجازة بدون مرتب التي يحصل عليها
الموظف والحقوق الناشئة عنها والالتزامات والواجبات المترتبة عليها، تحقيق التوازن
بين حق الموظف في الحصول على إجازة بدون مرتب، الذى قررها له القانون، واعتبارات المصلحة
العامة، بحسبان الوظائف العامة طبقًا لنص المادة (14) من الدستور، تكليفًا
للقائمين بها لخدمة الشعب، لذلك احتفظ المشرع للموظف الحاصل على إجازة بدون مرتب
بكافة حقوقه في الترقية والأقدمية في حالة الحصول على الإجازة للمدة التى قدر أنها
لا تخل بمتطلبات الوظيفة العامة، واستمرار أدائها لدورها الدستوري في رعايـة مصالح
الشعب، والتي حـددها بسنوات أربع، فإذا استطالت مدة الإجازة بدون مرتب متجاوزة هذا
الحد باختيار الموظف، فإن التنظيم الذى قرره المشرع بالنص المحال لحق الموظف
الحاصل على إجازة بدون مرتب لمدة تزيد على أربع سنوات في الترقية وتحديد أقدميته
عند عودته من الإجازة، يكون محافظًا على ذلك الحق، ومراعيًا مقتضيات المصلحة
العامة، وحاجة الجهة التي يتبعها الموظف لشغل الوظائف؛ تمكينًا للقائمين عليها من
القيام بأداء واجباتهم في خدمة الشعب، ويكون كافلاً تحقيق التوازن الذى أوجبته
المادة (27) من الدستور، وغير مناقض للحـق في الوظيفة العامة الذى كفله الدستور
بالمادة (14)، كما لا ينال من كرامة الموظف الحاصل على إجازة بدون مرتب على أي وجه
من الوجوه، ولا يمثل مساسًا بحق الملكية الذى حرص الدستور على كفالته بالمادتين
(33، 35)، ولا يعد خروجًا على مبدأ سيادة القانون الذى اعتبره الدستور في المادة
(94) أساسًا للحكم في الدولة، ولا يتضمن كذلك انتقاصًا من عناصر أو محتوى أى من
الحقوق المتقدمة على نحو ينال من جوهرها وأصلها، وهو ما حظره الدستور بنص المادة
(92).
وحيث إن النص
المحال - في حدود النطاق المتقدم - لا يخالف أي نص آخر في الدستور، فمن ثم يتعين
القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
برفض الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق