الدعوى رقم 98 لسنة 24 ق "دستورية" جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م،
الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى
رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو والدكتور حمدان حسن فهمى
والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمـد سالمان والدكتور طارق
عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 98 لسنة 24 قضائية
"دستورية" .
المقامة من
حمدى عبد المجيد يس
ضــــد
1 - رئيس الجمهوريـة
2 - رئيس مجلس الوزراء
3 - رئيس مجلس النواب
4 - المصفى العام للشركة المصرية لتجارة الكيماويات والمعادن (سيجال)
5 - رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى
الإجـراءات
بتاريخ السابع عشر من مارس سنة 2002، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى،
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة الثالثة
من القانون رقم 101 لسنة 1987 بتقرير علاوة خاصة للعاملين بالدولة والقطاع العام.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى لانتفاء المصلحة، واحتياطيًّا: برفضها.
كما قدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي مذكرة، طلبت فيها الحكم
أصليًّا: بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة
6/4/2019، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات في أسبوع، وفى الأجل
المشار إليه أودعت الهيئة المدعى عليها الأخيرة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليًّا:
برفض الدعوى، واحتياطيًّا: في حالة الحكم بعدم الدستورية؛ إعمال أثر الحكم من
اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين
من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى كـان ضابطًا بالقـوات المسلحة، وأحيل
للتقاعد في 2/1/1984، وبتاريخ 16/4/1985، عُين بالشركة المصرية لتجارة المعادن
(سيجال) – إحدى شركات القطاع العام وقتئذ - بوظيفة مدير عام الإدارة الهندسية،
وبصدور القانون رقم 101 لسنة 1987 بتقرير علاوة خاصة للعاملين بالدولة والقطاع
العام، قامت الشركة بصرف العلاوة الخاصة المقررة بهذا القانون للمدعى بنسبة 20% من
الأجر الأساسي في 1/7/1987، وتسوية راتبه على هذا الأساس، وبتاريخ 16/11/1996، ورد
إلى الشركة مناقضة الجهاز المركزي للمحاسبات، بعدم جواز صرف تلك العلاوة للمدعى،
كونه تقررت له زيادة في معاشه العسكري بنفس النسبة، إعمالاً لنص المادة الثالثة من
القانون رقم 101 لسنة 1987 بتقرير علاوة خاصة للعاملين بالدولة والقطاع العام، والتي
حظرت الجمع بين العلاوة والزيادة في المعاش التي تقررت اعتبارًا من 1/7/1987،
فأصدرت الشركة القرار رقم 560 لسنة 1996 بتعديل راتب المدعى واسترداد قيمة العلاوة
الخاصة سالفة البيان، فأقام المدعى الدعوى رقم 1394 لسنة 1997 أمام محكمة جنوب
القاهرة الابتدائية ضد المدعى عليهما الرابع والخامس طالبًا الحكم أصليًّا:
باستحقاقه صرف العلاوة الخاصة المقررة بالقانون رقم 101 لسنة 1987 المشار إليه،
وقدرها 20% اعتبارًا من 1/7/1987، وضمها لمرتبه اعتبارًا من 1/7/1992،
واحتياطيًّا: بإحالة الدعوى للمحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة
الثالثة من القانون رقم 101 لسنة 1987 المار ذكره. وبجلسة 24/2/2001، حكمت المحكمة
برفض الدعوى، فأقام المدعى الاستئناف رقم 261 لسنة 118 قضائية، أمام محكمة استئناف
القاهرة، وبجلسة 14/1/2002، حكمت المحكمة بوقف السير في الاستئناف وقفًا تعليقيًا،
وتكليف المستأنف برفع دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا لبيان مدى دستورية نص
المادة الثالثة من القانون رقم 101 لسنة 1987، وذلك في ميعاد لا يجاوز ثلاثة أشهر،
فأقام المدعى دعواه المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من الهيئة المدعى
عليها الأخيرة بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانونى، فإنه مردود: بأن
الثابت بالأوراق أن الدعوى المعروضة قد أُقيمت إثر دفع بعدم الدستورية أُبدى من
المدعى، وقدرت محكمة الموضوع - محكمة استئناف القاهرة - جديته، وصرحت له برفع
الدعوى الدستورية، فأقام دعواه المعروضة، ومن ثم تكون هذه الدعوى قد استوفت الشروط
المنصوص عليها في قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة
1979، وبالتالي يكون ذلك الدفع قد جاء بلا سند من القانون جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن
المادة الثالثة من القانون رقم 101 لسنة 1987 بتقرير علاوة خاصة للعاملين بالدولة
والقطاع العام، والمستبدلة بالقانون رقم 137 لسنة 1988 – والمعمول به بأثر رجعى
منذ صدور القانون رقم 101 لسنة 1987 عملاً بنص المادة الثانية منه - تنص على أنه
"لا يجوز الجمع بين العلاوة الخاصة المنصوص عليها في هذا القانون وبين
الزيادة التى تقررت – اعتبارًا من أول يوليو سنة 1987 - في المعاش المستحق للعامل
عن نفسه، فإذا زادت قيمة العلاوة على الزيادة في المعاش أُدى إلى العامل الفرق
بينهما من الجهة التى يعمل بها".
وحيث إن من
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى
الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى
الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية
المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى الدعوى
الموضوعية تدور حول طلب المدعى – باعتباره من العاملين بإحدى شركات القطاع العام
وقت تطبيق القانون المطعون فيه - تقرير أحقيته في صرف العلاوة الخاصة المقررة
بالقانون رقم 101 لسنة 1987، وكانت المادة الثالثة من ذلك القانون المستبدلة
بالقانون رقم 137 لسنة 1988 هى التي تحول دون استحقاقه تلك العلاوة، بحظرها الجمع
بينها وبين الزيادة في المعاش المقررة في 1/7/1987، التى صُرفت للمدعى باعتباره من
أصحاب المعاشات، ومن ثم تتوافر للمدعى المصلحة الشخصية المباشرة في الطعن على نص
المادة الثالثة من القانون المشار إليه بعد استبدالها بالقانون رقم 137 لسنة 1988،
ويكــــون الدفــــع المبدى مــــن هيئة قضايــــا الدولة بعدم قبول الدعوى
لانتفاء المصلحة، قد جاء بلا سند من القانون، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن
المدعى ينعى على النص المطعون فيه، فيما تضمنه من حظر الجمع بين العلاوة المقررة
بهذا القانون والزيدة في المعاش التى قُررت اعتبارًا من 1/7/1987، مخالفته
للدستور، تأسيسًا على أنه يتعارض مع حق العمل، ويخل بنظام التأمين الاجتماعي، كما
أنه ينطوي على اعتداء على الحق في الملكية، وعدالة التوزيع وربط الأجر بالإنتاج،
وكذلك الإخلال بمبدأ المساواة، حين قرر تلك العلاوة للبعض وحرم منها آخرين، وذلك
بالمخالفـــــة لنصوص المـواد (7، 13، 17، 23، 25، 34، 40، 122) من دستور سنة
1971، التى تقابلها نصوص المواد (8، 12، 17، 27، 35، 53، 128) من الدستور الحالى.
وحيث إن من
المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية، التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، إذ
إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به، وحمايته من الخروج على
أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام
الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها، ومراعاتها،
وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وعلى ذلك فإن هذه
المحكمة تباشر رقابتها على النص الطعين، من خلال أحكام الدستور الصادر بتاريخ
18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إنه
بالنسبة للنعى بمخالفة النص المطعــون عليه للمـواد (8، 17، 128) من الدستور، فقد
جرى قضاء هذه المحكمة على أن ما نص عليه الدستور في المادة (8) من قيام المجتمع
على أساس من التضامن الاجتماعى، يعنى وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا
تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما
بينهم فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيرًا، ولا يتناحرون طمعًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم
عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلى عنها، وليس لفريق منهم أن
يتقدم على غيره انتهازًا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها – عدوانًا - أكثر
علوًا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكـون لهم الفرص ذاتها التى تقيم
لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التى ينبغى أن يلوذ بها
ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار. كما جعل الدستور بنص المادة (17)،
توفير خدمات التأمين الاجتماعى والضمان الاجتماعى التزامًا دستوريًّا على الدولة،
لا تملك منه فكاكًا، وأوكل إلى القانون بنص المادة (128)، بيان قواعد تحديد
المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التى تتقرر على الخزانة العامة
للدولة، وحالات الاستثناء منها، والجهات التى تتولى تطبيقها، باعتباره الأداة
الدستورية لذلك. لما كان ذلك، وكان المشرع في إطار تحديده للقواعد الحاكمة لصرف
العلاوة الخاصة، بما يتفق والغاية من تقريرها، لم يجز بمقتضى نص المادة الثالثة من
القانون رقم 101 لسنة 1987 المستبدلة بالقانون رقم 137 لسنة 1988 - المطعون فيها -
الجمع بينها وبين الزيادة في المعاش المستحق للعامل عن نفسه، لاتحاد العلة من
تقريرهما، وهى رفع مستوى المعيشة، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية، وما ترتب عليها من
زيادة الأسعار، ومع ذلك حرص المشرع في هذا النص على تقرير حق العامل المستحق
لمعاش، في حالة زيادة قيمة العلاوة على الزيادة في المعاش، في الاحتفاظ بالفرق
بينهما، وألزم جهة عمله بصرف هذا الفرق له، وذلك اتساقًا مع الأهداف التي رصدها
المشرع، وسعى إلى تحقيقها من تقرير هذا التنظيم والحفاظ على حقوق العاملين وأصحاب
المعاشات، بما لا خروج فيه على قواعد التضامن الاجتماعي، الذى جعله الدستور بنص
المادة (8) منه، أساسًا لبناء المجتمع، أو مجاوزة من الدولة للالتزام الدستوري
الملقى على عاتقها بموجب هذا النص في توفير سبل التكافل الاجتماعي، وتحقيق العدالة
الاجتماعية، وداخلاً بما قرره من أحكام في إطار سلطة المشرع في تنظيم الحق في التأمين
الاجتماعي والضمان الاجتماعي المقررين بنص المادة (17) من الدستور، وبيان قواعد
تحديد المرتبات والمعاشات طبقًا لنص المادة (128)، دون مساس بأصلها أو جوهرها، وهو
القيد العام الضابط لسلطة المشرع في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، الذى
قررته المادة (92) من الدستور.
وحيث إنه عن نعى المدعى بمخالفة النص المطعون فيه لحق العمل المنصوص
عليه بالمادة (12) من الدستور، بحرمانه من العلاوة الخاصة حال استحقاقه الزيادة في
المعاش المقررة اعتبارًا من أول يوليو سنة 1987، فمردود بما جرى به قضاء هذه
المحكمة - من أن العمل ليس ترفًا يمكن النزول عنه، ولا هو منحة من الدولة تبسطها
أو تقبضها وفق مشيئتها لتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون عنها، ولا هو
إكراه للعامل على عمل لا يقبل عليه باختياره، أو يقع التمييـز فيه بينه وبين غيره
لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل أو غير ذلك من الشروط الموضوعية التى تتصل بالأوضاع
التى يجب أن يُمارَس فيها، وسواء انعكس هذا التمييز في شكل آثار اقتصادية أم كان
مرهقًا لبيئة العمل ذاتها، مثيرًا لنوازع عدائية فيما بين العاملين فيهــا. والأصل
في العمل أن يكون إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر، ذلك أن علائق العمل قوامها
شراء الجهة التى تقوم باستخدام العامــــل لقوة العمل بعد عرضها عليها. ولا يجوز
بالتالى أن يُحمل المواطن على العمل حمـلاً بأن يُدفع إليه قسرًا، أو يُفرض عليه
عنوةً، إلا أن يكون ذلك وفق القانون – وبوصفه تدبيرًا استثنائيًا لإشباع غرض عام -
وبمقابل عادل، وهى شروط تطلبها الدستور في العمل الإلزامى وقيد المشرع بمراعاتها
في مجال تنظيمه، كى لا يتخذ شكلاً من أشكال السخرة النافية في جوهرها للحق في العمل
باعتباره شرفًا، والمجافية للمادة (12) من الدستـور. ولما كان اقتضاء الأجر العادل
مشروطًا بالمادة (12) من الدستور، كمقابل لعمل تحمل الدولة مواطنيها عليه قسرًا
استيفاءً من جانبها لدواعي الخدمة العامة، ونزولاً على مقتضياتها، فإن الوفاء بهذا
الأجر توكيدًا للعدل الاجتماعي، وإعلاءً لقدر الإنسان وقيمته، واعترافًا بشخصيته
المتنامية وما يتصل بها من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، يكون بالضرورة التزامًا
أحق بالحماية الدستورية، وأكفل لموجباتها، كلما كان مقابلاً لعمل تم أداؤه في نطاق
رابطة عقدية أو علاقة تنظيمية ارتبط طرفاها بها، وحُدّد الأجر من خلالها.
لما كان ذلك،
وكانت العلاوة الخاصة تختلـف عن العـلاوات الدوريـة أو التشجيعية أو غيرها من
العلاوات، كونها تقررت لكافة العاملين بالدولة والقطاع العام، لمواجهة الظروف
الاقتصادية الصعبة التى واكبت التحولات الاقتصادية التى شهدتها البـلاد في تلك
الفترة، ولرفــــــع مستوى معيشتهم دون ربطها بالإنتاج أو بكيفية أداء العامل
لعمله ودرجة مهارته وكفاءته فيه، وكان المشرع، في الآن ذاته، قد قرر زيادة في المعاشات
المدنية والعسكرية بالمقدار ذاته، وللهدف عينه، وهو رفع مستوى معيشة تلك الفئات
ذات الدخول المحدودة، لمواجهة ارتفاع الأسعار. ولما كان الهدف من الزيادة في المعاش،
وتقرير تلك العلاوة الخاصة واحدًا، فقد نظم المشرع بموجب النص المطعون فيه كيفية
صرف تلك العلاوة حال استحقاق العامل للزيادة التي تقررت في معاشه، حيث قرر صرفها
له في المعاش، وقد آثر المشرع وفاء منه بالالتزام الدستوري الملقى على عاتق الدولة
بمقتضى نص المادة (13) من الدستور، في حالة زيادة قيمة العلاوة على قيمة الزيادة
في المعاش، على تقرير حق العامل في استحقاق الفرق بينهما مع التزام جهة عمله بصرف
هذا الفرق له، بحيث لا يجمع بين العلاوة والزيادة في المعاش، دون الإضرار به. فإذا
استفاد بها العامـل في المعاش، فلا يحق له الاستفادة من العـلاوة إلا بمقدار زيادة
تلك الأخيرة عن الزيادة في المعاش، وذلك لتحقق الغرض الذى أراده المشرع وهو رفع
مستوى معيشته بمقدار تلك الزيادة، التى حرص المشرع على أن يصرف للعامل أكبرهما،
بما يبرئ النص من مخالفته لحق العمل المنصوص عليه بالمادة (12) من الدستور.
وحيث إنه عن نعى المدعى مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة،
لتقريره تلك العلاوة لبعض العاملين وحرمان آخرين منها – وهم أصحاب المعاشات -
بالمخالفة لنصى المادتيـن (4، 53) من الدستور، فــإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على
أن مبدأ المساواة أمام القانون، مؤداه أنه لا يجوز لأى من السلطتين التشريعية أو
التنفيذية أن تباشر اختصاصاتها التشريعية التى ناطها الدستور بها، بما يخل
بالحماية المتكافئة التى كفلها للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التى نص عليها
الدستور أو التى حددها القانون. وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التى
اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون
تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيّا بالنصوص التى تضمنها
تحقيق أغراض بذاتها من خلال الوسائل التى حددها. وكلما كان القانون مغايــــرًا
بين أوضــاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك
قائمًا على أسس موضوعية، مستلهمًا أهدافًا لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة
القاعــــدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم، بما لا يجاوز متطلباتها، وكلما
كان القانون واقعًا في إطار السلطة التقديريـة التي يملكها المشرع ولو تضمن
تمييزًا مُبـــّررًا، لا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التى توخاها
وسعى إليها، بعيدة حسابيًّا عن الكمال.
لما كان ذلك، وكان هدف المشرع – الذى لا نزاع في مشروعيته - بتقريره
العلاوة الخاصة، والزيادة في المعاش، هو رفع مستوى معيشة تلك الفئة من المواطنين،
ومواجهة ارتفاع الأسعـار، وكان المركز القانوني للعامل الذى لا يستحق معاشًا – في خصوص
استحقاقه العلاوة الخاصة - يختلف عن المركز القانوني للعامل الذى يستحق معاشًا،
ذلك أن الأخير استحق الزيادة في المعاش، وبالتالي لا يستحق الزيادة في العلاوة إلا
بمقدار زيادة الأخيرة عن مقدار الزيادة في المعاش، وذلك لاستنفاده الغرض الذى قصده
المشرع من تقرير تلك الزيادة، على عكس الأول الذى استحق الحصول على العلاوة الخاصة
وحدها، مما يتضح منه أن المشرع لم يحرم العاملين أصحاب المعاشات من العلاوة الخاصة
إلا بمقدار الزيادة التى تقررت لهم في المعاش، لاختلاف مركزهم القانونى عن غيرهم
من العاملين من غير أصحاب المعاشات، ويكون النص المطعون فيه – والحال كذلك - لا
يخالف المادة (53) من الدستور.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه للمادتين (27، 35)
من الدستور، لانطوائه على اعتداء على حق الملكية الخاصة، وعدالة
التوزيع؛ بحرمان المدعى من العلاوة الخاصة حال تمتعه بالزيادة في المعاش، فمردود
بأن المشرع حرص بما ضمنه النص المطعون فيه من أحكام، على تحقيق التوازن بين مصلحة
العامل والمصلحة العامة، الذى أوجبته المادة (27) من الدستور، بما يحقق الهدف من
تقرير العلاوة الخاصة والزيادة في المعاش، فجعل حظر الجمع بينهما مقيدًا بألا تزيد
قيمة العلاوة الخاصة عن قيمة الزيادة في المعاش، وفى حالة زيادة قيمتها عن قيمة
الزيادة في المعاش، أوجب المشرع على جهة العمل منح العامل الفرق بينهما، بما لا
يتضمن مساسًا بحق الملكية أو بأحد عناصره، ذلك أن كلاً من العلاوة الخاصة أو
الزيادة في المعاش لا تُعد أحد العناصر المادية للذمة المالية للعامل أو صاحب
المعاش، إلا إذا توافرت لها شروط استحقاقها، التى يحكم مشروعيتها من الوجهة
الدستورية توافقها مع أحكام الدستور، بما مؤداه أن ما تضمنه النص المطعون فيه من
أحكام لا ينطوى على مساس بالحق في الملكية بالنسبة للعامل أو صاحب المعاش، أو
انتقاص من أحد عناصر ذمتهما المالية، كما لا يخل بالتزام الدولة بضمان التوزيع
العادل لعوائد التنمية، الذى قرره نص المادة (27) من الدستور، واعتبره أحد
الالتزامات الاجتماعية التى يتعين على النظام الاقتصادي الـذى تختاره الدولة كفالة
تحقيقه، إذ يمثل النص المطعون فيه أحد الوسائل التي انتهجها المشرع لتحقيق تلك
الغايات، والوفــــاء بذلك الالتزام الدستوري. ومن ثم لا يتمخض النص المطعون فيه
عن أى مخالفة لنصوص المواد (4، 8 ، 12، 17، 27، 35، 53، 128) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي نص آخـر في الدستور، فمن ثم
يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات
ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق