الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 يونيو 2019

دستورية وضع حد أدنى للتعويض الذي يلتزم به رب العمل تجاه العامل الذي أنهى خدمته دون مبرر (فصل تعسفي) .


الدعوى رقم 5 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 4 / 5 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من مايو سنة 2019م، الموافق الثامن والعشرين من شعبان سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمــد خيرى طه النجــار وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع       أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 37 قضائية "دستورية".


المقامة من
رئيس مجلس إدارة شركة جيزة للغزل والنسيج
ضد
1-    رئيس الجمهوريـة
2-    رئيـس مجلس الـوزراء
3-    وزير القوى العاملة والهجرة
4-    مختــار عبده أحمــــد محمـد


الإجراءات
بتاريخ الخامس عشر من يناير سنة 2015، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (122) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008.


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصــل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الرابـع كان يعمل بالشركة المدعية، وإذ جرى بتاريخ 6/8/2011، منعه من أداء عمله، فقد أقام الدعوى رقم 1382 لسنة 2011 عمال كلى الجيزة، بطلب الحكم بإلزام الشركة بأن تدفع له مبلغ مائة ألف جنيه تعويضًا ماديًا وأدبيًا عما أصابه من أضرار، ومبلغ (2850) جنيهًا، بدل مهلة إخطار، وتسليمه شهادة خبرة وأوراق تعيينه، وأحقيته في مبلغ تسعة عشر ألف جنيه، تعويضًا يقدر بأجر شهرين على الأقل عن كل سنة من سنوات خدمته، وفقًا لنص المادة (122) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003. وبجلسة 29/11/2014، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (122) من قانون العمل، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعـــــــوى المعروضة.



وحيث إن المادة (122) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 تنص على أنـــــــــــــه " إذا أنهى أحد الطرفين العقد دون مبرر مشروع وكافٍ، التزم بأن يعوض الطرف الآخر عن الضرر الذى يصيبه من جراء هذا الإنهاء.
فإذا كان الإنهاء بدون مبرر صادرًا من جانب صاحب العمل، للعامل أن يلجأ إلى المحكمة العمالية المشار إليها في المادة (71) من هذا القانون بطلب التعويض، ولا يجوز أن يقل التعويض الذى تقرره المحكمة العمالية عن أجر شهرين من الأجر الشامل عن كل سنة من سنوات الخدمة.
ولا يخل ذلك بحق العامل في باقى استحقاقاته المقررة قانونًا".



وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويتغيّا هذا الشرط أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبهـــــــا العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلهـــــا في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى، وبالقدر اللازم للفصل فيه.



لما كان ذلك، وكان النزاع المثار في الدعوى الموضوعية التى أقيمت هذه الدعوى الدستورية بمناسبتها يدور حول مطالبة المدعى عليه الرابع بمستحقاته لدى الشركة المدعية عن فترة عمله بها، ومنها تعويضه عن إنهاء عقد العمل الخاص به دون مبرر، بما لا يقل عن أجر شهرين عن كل سنة من سنوات الخدمة، وفقًا لنص الفقرة الثانية من المادة (122) من قانون العمل، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية تكون متحققة في الطعن على هذا النص، إذ يكون للقضاء في دستوريته أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها.



وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه إخلاله بالأسس الموضوعية لاستحقاق التعويض التى قررها المشرع بالمواد (163، 170، 221) من القانون المدنى، مما يخل بالمساواة بين العاملين في شأن استحقاق التعويض، ويتضمن تمييزًا تحكميًّا بين أصحاب الأعمال ممن يخضعون لأحكام قانــــون العمــــــــل وبين غيرهم ممن لا يخضعون لأحكام هذا القانون، بالمخالفة لنص المادتين (4 ، 53) من الدستور، وكذلك مساس هذا النص بالملكية الخاصة متمثلة في أموال رب العمل الذى يترتب في ذمته هذا التعويض، مما يؤدى إلى إثراء العامل على حساب رب العمل، بالمخالفة لمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور، كما أن إلزام القاضى بالحكم بهذا الحد الأدنى من التعويض، يمثل سلبًا لسلطته في تحقيق العدالة بالقضاء بالتعويض الجابر للضرر دون زيادة، مما يمثل مساسًا بخصائص الوظيفة القضائية، بالمخالفة لنص المادة (184) من الدستور.

وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) مبدأ المساواة، باعتباره، إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًـا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4 ، 53) المشــــار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.


وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعًا يقتضيها، وآثارًا يرتبها، من بينها – في مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل في نطاقها منصفًا وإنسانيًّا ومواتيًا، فلا تنتزع هذه الشروط قسرًا من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها، أو تناقض بأثرها ما ينبغى أن يرتبط حقًّا وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها. ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافًا بها عن غايتها يستوى في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.



وحيث إن النص المطعون فيه – وعلى نحو ما ورد بالمذكرة الإيضاحية – استحدث حكمًا، حدد فيه الحد الأدنى للتعويض الذى يستحقه العامل حال إنهاء عقد العمل إنهاءً تعسفيًّا، دون أن يخل ذلك بسلطة القاضي في الحكم بالتعويض المستحق بما يزيد عن ذلك في ضوء تقدير المحكمة لجسامة الضرر الذى يصيب العامل جراء إنهاء العقد دون مبرر قبل انتهاء مدته. وقد جاء هذا النص متضمنًا قاعدة عامة مجردة تنطبق على كافة العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل، دون تمييز بينهم، ولا تسرى على غيرهم ممن يخضعون لأحكام قوانين التوظف الأخرى، وبالتالي تأتى مراكزهم القانونية مغايرة لمن يخضعون لأحكام ذلك قانون، وقد أكدت المذكرة الإيضاحية لقانون العمل أن التعويض الذى يلتزم صاحب العمل به في هذه الحالة إنما يكون عن المدة التي قضاها العامل في خدمة رب العمل، الذى أنهى عقد العمل معه، دون أرباب الأعمال الآخرين ممن عمل لديهم العامل المتضرر. وقد جاء هذا النص مستهدفًا حماية العامل من تعسف رب العمل حال إنهاء عقد العمل قبل انتهاء مدته، بمنحه تعويضًا مناسبًا يحقق له حياة كريمة خلال فترة تعطله عن العمل ولحين حصوله على عمل آخر، ودون إجحاف بحقوق رب العمل أو سلطته في تنظيم منشأته، ومن ثم فإن هذا النص لا يخالف مبدأ المساواة.

وحيث إنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة، وأحاطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية، وتدرأ كل عدوان عليها، إلا أنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، طالما لم تبلغ هذه القيود مبلغًا يصيب حق الملكية في جوهره أو يُعدم جل خصائصه.
متى كان ذلك، وكان المشرع في إطار الوفاء بالتزامه الدستوري المقرر بنص المادة (27) من الدستور، بتحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة في علاقة العمل، بما يحفظ حقوق العاملين، ضمَّن النص المطعون فيه تحديدًا قانونيًّا للحد الأدنى للتعويض الذى يلتزم به رب العمل تجاه العامل الذى أنهى خدمته دون مبرر، مقدرًا هذا التعويض بأجر شهرين عن كل سنة من سنوات خدمة العامل لدى رب العمل، فإذا لم يزد التعويض العادل المقابل للأضرار التى أصابت العامل عن ذلك، اكتفى بهذا الحد الأدنى، أما إذا فاق التعويض العادل عن هذه الأضرار قيمة هذا الحد الأدنى، استحق العامل التعويض العادل لما لحقه من أضرار جراء الإنهاء التعسفي لعقد العمـل الخاص به، ولا يعد ذلك مساسًا بملكية رب العمل أو انتقاصًا منها، ومن ثم فإن النص الطعين لا يخالف نصوص المواد (27، 33، 35) من الدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية يقوم في مضمونه على أن تفصل السلطة القضائية فيما يعرض عليها من دعاوى في موضوعية كاملة، وعلى ضوء الوقائع المطروحة عليها، ووفقًا للقواعد القانونية المعمول بها، ودون ما قيود تفرضها عليها أية جهة، أو تدخل من جانبها في شئون العدالة بما يؤثر في متطلباتها، لتكون لقضاتها الكلمة النهائية في كل مسألة من طبيعة قضائية، ولتصدر أحكامها وفقًا لقواعد إجرائية تكون منصفة في ذاتها، وبما يكفل الحماية الكاملة لحقوق المتقاضين.

لما كان ذلك، وكان التزام المحاكم بالقواعد الموضوعية التي ارتآها المشرع، وفقًا لسلطته التقديرية في تنظيم الحقوق، لدى فصلها فيما يعرض عليها من أنزعة لا يعتبر مساسًا باستقلالها أو انتقاصًا منه، ذلك أن هذا الاستقـلال يستهدف ألا يكون العمل القضائي وليد نزعة شخصية غير متجردة، حتى يحصل من يلوذون بالقضاء على الترضية القضائية المنصفة حال وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، وتبعًا لذلك فإن التزام المحاكم بالحد الأدنى للتعويض الوارد بالنص الطعين حال الإنهاء التعسفي لخدمة العامل الخاضع لقانون العمل المشار إليه، تحقيقًا للأهداف المشروعة التي ابتغاها المشرع، لا ينال من استقلال السلطة القضائية، ولا يهدر أيًّا من خصائص العمل القضائي، ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا يخالف نص المادة (184) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أيًّا من أحكام الدستور الأخرى، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق