بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 14-05-2025 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 268 لسنة 2025 طعن تجاري
طاعن:
م. ا. ل. ا.
ع. ع. ع. و.
مطعون ضده:
ب. ت. ش. .. ذ. م. م.
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2024/1403 استئناف تجاري بتاريخ 12-02-2025
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي أعده القاضي المقرر / رفعت هيبه وبعد المداولة
وحيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن- تتحصل في أن الطاعنين أقاما على المطعون ضدها الدعوى رقم 427 لسنة 2023 تجاري أمام محكمة دبي الابتدائية بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي إليهما مبلغ 1.500.000 درهم كتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهما من جراء تعسفها في استعمال حقها قبلهما، والفائدة القانونية بواقع 12% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام . وقالا بيانًا لذلك إنه بموجب تعاملات تجارية بين الطاعنة الأولى التي يمثلها الطاعن الثاني وبين المطعون ضدها سلماها الشيك رقم (016686) المسحوب على بنك الامارات دبي الوطني كضمان لتلك التعاملات، وقد أوفيا بالتزاماتهما التعاقدية وطلبا منها تسليمهما الشيك وباقي مستحقاتهما، إلا أنها ماطلت وقَيَّدت بلاغًا جزائيًا ضد الطاعن الثاني بشأن الشيك المذكور، وأُحيل إلى المحاكمة الجزائية والتي قُضي فيها نهائيًا بتغريمه مبلغ 2.000 درهم، كما أقامت المطعون ضدها الدعوى رقم 1057 لسنة 2016 تجاري كلي عليهما للمطالبة بإلزامهما بأداء مبلغ 500.000 درهم قيمة الشيك سالف البيان، وقُضي في تلك الدعوى بحكم نهائي وبات برفض الدعوى الأصلية وفي الدعوى المتقابلة المقامة منهما بإلزام المطعون ضدها بأن تؤدي إلى الطاعنة الأولى مبلغ 59/ 609.407 دراهم، وبرد الشيك سالف البيان، الأمر الذي يبين منه تعسف المطعون ضدها في استعمال حقها بتقديم بلاغ جزائي ضد الطاعن الثاني بشأن الشيك المسلم إليها رغم علمها بكونه شيك ضمان وهو ما ترتب عليه إصابتهما بأضرار مادية ومعنوية يستحقان التعويض عنها بالمبلغ المطالب به، ومن ثم أقاما الدعوى . ندب القاضي المشرف على مكتب إدارة الدعوى خبيرًا حسابيًا، ثم قرر إحالة الدعوى إلى المحكمة . وبعد أن أودع الخبير تقريره، وبتاريخ 27-9-2023 حكمت المحكمة بعدم سماع الدعوى . استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 1977 لسنة 2023 تجاري، وبتاريخ 28-11-2023 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها ، والتي حكمت بتاريخ 15-7-2024 بإلزام المطعون ضدها بأن تؤدي إلى الطاعنين مبلغ 500.000 درهم والفائدة القانونية بواقع 5% من تاريخ صيرورة الحكم نهائيًا وحتى تمام السداد، ورفض ما عدا ذلك من طلبات . استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم 1403 لسنة 2024 تجاري، وبتاريخ 2-10-2024 قضت المحكمة -في غرفة المشورة- بتأييد الحكم المستأنف . طعنت المطعون ضدها على هذا القضاء بطريق التمييز بالطعن رقم 1230 لسنة 2024 تجاري، وبتاريخ 25-12-2024 حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة، ونفاذاً لهذاالقضاء تداول الاستئناف أمام محكمة الإحالة، والتي قضت بتاريخ 12-2-2025 بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددًا برفض الدعوى . طعن الطاعنان في هذا القضاء بطريق التمييز الماثل بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بتاريخ 27-2-2025بطلب نقضه ولم تستعمل المطعون ضدهما حقهما في الرد في الميعاد القانوني ،وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة اليوم لإصدار الحكم
وحيث إن الطعن أُقيم على ثلاثة أسباب ينعَى بها الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيانها يقولان إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعواهما بالمطالبة بالتعويض، تأسيسًا على أنهما لم يثبتا تعسف المطعون ضدها في استعمال حقها في التبليغ بشأن الشيك المسلم إليها أو أن المقصود من التبليغ الإضرار بهما أو تحقيق مصلحة غير مشروعة كما لم يثبتا الأضرار التي لحقت بهما من جراء ذلك، رغم أن ذلك الشيك كان مسلمًا إلى المطعون ضدها كضمان للمعاملات التجارية القائمة بينهم ولم يكن شيك وفاء وفقًا لإقرارها حتى تُقيد بشأنه بلاغًا جزائيًا، كما أن الحكم البات الصادر في الدعوى رقم 1057 لسنة 2016 تجاري كلي قضى بإلزامها بأن تؤدي إليهما مبلغ 59/ 609.407 دراهم وبرد هذا الشيك، بما يدل على تعمدها الإضرار بهما لاستخدامها ذلك الشيك رغم مديونيتها لهما وفقًا للحكم سالف البيان وبقصد الضغط عليهما للتنازل عن مستحقاتهما لديها، وفي حين أنه أصابهما أضرارًا مادية ومعنوية من جراء فعلها أوراها تقرير الخبير المنتدب في الدعوى وتمثلت في عدم تجديد رخصة الطاعنة الأولى وتوقف أعمالها نتيجة توقيف مديرها الطاعن الثاني، واضطرارها إلى سداد التسهيلات طويلة الأجل الممنوحة لها من بنك الإمارات دبي الوطني، وقيام اثنان من عملائها برفع دعاوى عليها لتخلفها عن سداد التزاماتها وللمطالبة بديون كانت مؤجلة، وقيام الشركات والبنوك المقرضة لها بمطالبتها في وقت واحد بمستحقاتهم لديها، والحجز على حساباتها وكافة أرصدتها لدى البنوك مما منعها من الوفاء بالتزاماتها، وحصول الشركة المؤجرة للمقر الذي كانت تمارس فيه نشاطها على حكم بالإخلاء، وتحمل الطاعن الثاني غرامات مالية كبيرة لتجديد الإقامة له ولأسرته في الدولة لعدم تمكنه من ذلك طوال الفترة من صدور الحكم الجزائي ضده بالحبس حتى تخفيضه للغرامة، والحجز على حساباته، وعدم مقدرته على سداد إيجار مسكنه وأقساط دراسة نجل، وقد قدما المستندات الدالة على تحقق تلك الأضرار التي نتجت عن فعل المطعون ضدها، بما تتوافر معه عناصر المسئولية التقصيرية الموجبة للتعويض في حقها، وقد التفت الحكم عما سلف مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن النعي في غير محله- ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن حق التقاضي والشكوى والتبليغ عن الجرائم والالتجاء إلى القضاء للذود عن الحق الذي يحميه القانون أمر مشروع ومكفول للكافة، ولكن بشرط ألا يسييء الشخص استعماله، وأن مُفاد نص المادتين 104، 106 من قانون المعاملات المدنية أن المشرع وضع مبدأ عدم المسئولية عن الأضرار التي تنشأ عن الاستعمال المشروع للحق، وحدد أربعة معايير للاستعمال غير المشروع للحق بما يصدق عليه وصف التعسف، الأول: أن يكون استعمال الحق مقصودًا به الإضرار بالغير وتُستخلص هذه النية من انتفاء كل مصلحة لدى صاحب الشأن في استعمال الحق استعمالًا يلحق الضرر بالغير، متى كان صاحب الحق على بينة من ذلك. والثاني: أن يكون استعمال الحق بغرض تحقيق مصلحة غير مشروعة، وهي تكون كذلك إذا قُصد بها مخالفة حكم من أحكام الشريعة الإسلامية أو القانون، أو كان تحقيقها يتعارض مع قواعد النظام العام أو الآداب. والثالث: أن يترتب على استعمال الحق تحقيق مصالح قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر. والرابع: أن يتجاوز الشخص في استعمال حقه ما جرى به العرف والعادة بين الناس. وأن انعدام المصلحة هو المعيار الموضوعي للتعسف في استعمال الحق، كما أن استعمال الحق بقصد الإضرار لا يكون إلا في حالة ما إذا كان قصد الإضرار هو القصد الوحيد، أما إذا صاحبه آخر كقصد تحقيق مصلحة لصاحب الحق، فلا يُعد استعمال الحق في هذه الحالة تعسفيًا، ويقع عبء إثبات ذلك على المضرور، ولا يكفي إثبات إمكان تصور صاحب الحق احتمال وقوع الضرر من جراء استعمال حقه، لأن ذلك لا يعني بذاته قصد الإضرار. وأن استخلاص وتقدير قيام أو نفي التعسف في استعمال الحق وقصد التعدي والكيد والإضرار بالغير، أو أن المصالح التي تتحقق من جراء هذا الاستعمال تكون قليلة الأهمية ولا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر، أو تجاوز استعمال هذا الحق ما جرى به العرف والعادة بين الناس، هو من أمور الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها بما لها من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والقرائن والمستندات المقدمة فيها، والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن نفسها إلى ترجيحه، وهى غير مُلزمة بالرد على كل قرينة غير قانونية يدلي بها الخصوم، ولا بأن تتتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم، والرد استقلالًا على كل منها، ما دام أن الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج، طالما أقامت قضاءها في هذا الخصوص على أسباب سائغة لها أصل ثابت من الأوراق وتكفي لحمل قضائها وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. ومن المقرر أيضًا أن لجوء الشخص إلى الشكوى أو الإبلاغ، أو اللجوء إلى القضاء، ورفض شكواه أو بلاغه أو دعواه التي هي الوسيلة القانونية لحماية الحق، لا يفيد حتمًا وبطريق اللزوم أن استعماله لذلك الحق كان استعمالًا غير مشروع، إذ قد يكون رفض دعواه أو بلاغه أو شكواه راجعًا لضعف حجته أو بيانه، أو لعدم كفايتها أو عدم اطمئنان جهة التحقيق أو المحكمة إلى ما لم يكن في حسبانه أو لأي سبب آخر، وتقدير ثبوت سوء النية والكيد وركن التعدي ووجود تواطؤ بين الخصم وآخر وقصد الإضرار بالخصم أو نفيه هو من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع باستخلاصها بغير معقب عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغًا ومستمدًا مما له أصله الثابت من الأوراق وكافيًا لحمل ما انتهت إليه في هذا الشأن . وأن من المقرر كذلك أن المسئولية -سواء كانت عقدية أو تقصيرية- لا تقوم إلا بتوافر أركانها من خطأ وضرر وعلاقة سببية تربط بينهما بحيث إذا انقضى ركن منها انقضت المسئولية بكاملها فلا يُقضى بالتعويض، ومن يدعي أن ضررًا لحقه من جراء خطأ الغير يقع عليه عبء إثبات هذا الخطأ اللازم لقيام المسئولية، وما لحقه من جرائه من ضرر، وأن استخلاص ثبوت أو نفي الضرر مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها في ذلك من محكمة التمييز طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة مما له أصل ثابت في الأوراق . لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدعوى على ما خلص إليه من أن الطاعنين لم يقدما الدليل على أن استعمال المطعون ضدها لحقها كان مقصودًا به الإضرار بهما أو كان بغرض تحقيق مصلحة غير مشروعة أو ترتب عليه تحقيق مصالح قليلة الأهمية أو تجاوزت في استعماله ما جرى به العرف والعادة بين الناس، فضلًا عن أنهما لم يثبتا الأضرار التي أصابتهما من جراء تقديم المطعون ضدها بلاغًا بخصوص الشيك المسلم إليها كضمان وجاء ادعاؤهما في هذا الشأن مرسلًا بلا دليل، ورتب الحكم على ذلك قضاءه المتقدم، وكان هذا الذي خلص إليه الحكم سائغًا وله معينه من الأوراق ويكفي لحمل قضائه وفيه الرد الضمني المسقط لما عداه، ولا يغير من ذلك ما تذرع به الطاعنان من أن تقديم المطعون ضدها بلاغًا جزائيًا بشأن الشيك المسلم إليها رغم علمها بأنه شيك ضمان ومديونيتها لهما وفقًا للثابت بالحكم البات الصادر في الدعوى رقم 1057 لسنة 2016 تجاري كلي يدل على تعمدها الإضرار بهما، إذ إن ذلك لا يفيد حتمًا وبطريق اللزوم أن ذلك البلاغ الذي قدمته المطعون ضدها كان استعمالًا غير مشروع لحقها في التقاضي، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأسباب الطعن لا يعدو أن يكون جدلًا موضوعيًا فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقديره مما لا يجوز إثارته أمام محكمة التمييز . لما تقدم يتعين رفض الطعن
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الطعن وألزمت الطاعنين المصروفات مع مصادرة مبلغ التأمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق