الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

مدونة السلوك القضائي لأعضاء السلطة القضائية 2025

محكمة النقض
مجلس القضاء الأعلى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بسم الله الرحمن الرحيم
زملائي وأبنائي القضاة الأجلاء في جمهورية مصر العربية
إن شرف الانتماء إلى منصة القضاء هو أمانة عظيمة وولاية جليلة، اختصكم الله بها لتكونوا حراسًا للحق، وحماة للعدل، وحصناً حصينا لسيادة القانون. وإن ما يجمعنا جميعًا تحت راية السلطة القضائية ليس مجرد وظيفة أو منصب، بل رسالة خالدة تؤديها القلوب المؤمنة والعقول الواعية، خدمة للوطن وصونا لحقوق العباد.
لقد تعاقبت أجيال من القضاة في هذا البلد العريق، وتركوا لنا إرثاً من النزاهة والهيبة والحياد علينا أن نصونه كما نصون أعز ما نملك. وإنني أذكركم بأن هيبة القضاء في هيبتكم، وعدله في عدلكم، واستقلاله في استقلالكم عن كل هوى أو ضغط، فلا تغرنكم الدنيا بزخرفها، ولا تزعزعنكم رياح الفتن، وكونوا على العهد أوفياء، وللقسم الذي أديتموه أمناء.
إن الأمة تترقب من قضاتها أن يكونوا في أوقات المحن أعمدة لا تلين، وفي أيام الرخاء ميزانا لا يختل. فاستحضروا دائما أنكم تكتبون بأحكامكم تاريخا ، وأنكم توقعون على مصائر الناس بأقلام الحق، وأن كلمة القاضي إذا خرجت لا تعود، فهي بين أن تكون جسرًا إلى العدالة أو معولا للهدم.
فلنقف جميعا صفاً واحدًا ، متشبثين بمبادئنا، متحلين بالحكمة والصبر، متمسكين بالقانون ماضين على طريق الحق، لا يضرنا من خذلنا ولا من عاندنا ، ما دمنا نبتغي وجه الله وخير الوطن.
حفظكم الله وسدد خطاكم، وجعل القضاء المصري دائما منارة للعدل وموئلا للحق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
القاهرة أغسطس ۲۰۲٥
                                                                    رئيس محكمة النقض
                                                                    رئيس مجلس القضاء الأعلى
                                            القاضي /
                                                                    عاصم عبد اللطيف الغايش


مدونة السلوك القضائي لأعضاء السلطة القضائية

الديباجة
إن منصة القضاء في الدولة هي أقدس المنابر، وأشرفها رسالة، وأعلاها مكانة؛ فهي حصن الحقوق، وملاذ المظلومين، وموئل الإنصاف، وميزان العدل الذي به تستقيم الحياة ويأمن الناس على أموالهم وأعراضهم وأرواحهم. واستقلال القضاء وحياده ونزاهته ليست امتيازا يمنح للقاضي ليستمتع به، وإنما هي أمانة ومسؤولية عظمى وواجب ثقيل، غايته العليا أن يشعر كل متقاض، أيا كان، بأنه أمام قضاء عادل نزيه، لا تأسره الأهواء، ولا تميله الضغوط، ولا تفتنه المصالح، ولا تستلبه الشبهات.
إن القاضي - وهو يجلس على منصة الحكم - لا يمثل ذاته، بل يمثل ضمير الأمة الحي، وروح العدالة الناطقة، ورمز سيادة القانون؛ ومن ثم كان لزامًا أن تكون حياته كلها، في محراب القضاء وخارجه، على قدر هذه الرسالة السامية، محاطة بسياج من القيم والمبادئ التي تقيه مزالق الهوى والشبهة، وتجنبه كل ما يمكن أن يثير الريبة أو يقلل من الثقة في عدله وتجرده.
وقد تبارت الأنظمة القضائية عبر العصور في وضع معايير وضوابط سلوكية تحفظ للقاضي استقلاله، وتضبط تصرفاته وسلوكه، وتمنعه من كل ما يسيء إلى هيبة القضاء أو يفت في عضده أو يزعزع ثقة المجتمع فيه. ومن أبرز هذه المواثيق الدولية "مدونة بنجالور للسلوك القضائي"، التي أرست قيما جوهرية مما لا غنى عنها لاستقامة القضاء هي: الاستقلال، والحياد والنزاهة واللياقة والمساواة والعلم والاجتهاد، وهي قيم تمثل أعمدة المعبد القضائي، وبدونها ينهار البناء وتضيع الرسالة.
إن من يمارس العمل القضائي عليه أن يدرك أن الحفاظ على السلوك المهني والأخلاقي المنشود إنما يشكل مسئولية جماعية عليهم جميعاً التكاتف للوفاء بها على أكمل وجه، لأن موقفاً واحداً يعبر عن سوء سلوك قضائي من شأنه إلحاق الضرر الدائم بالسلطة المعنوية للقضاء ويدفع إلى التشكك في جدوى اللجوء إليه والحصول على محاكمات نزيهة وعادلة.
وإن مجلس القضاء الأعلى، وهو يستلهم هذه القيم الرفيعة، ويستحضر ما أرسته الدساتير المصرية المتعاقبة من ضمانات لاستقلال القاضي، وما أقرته القوانين من حصانات تكفل له الأمان في أداء رسالته، قد أعد هذه المدونة لتكون ميثاق شرف مهني، ودليل عمل يومي، ومنهج سلوك قويم، يلتزم به كل قاض وعضو نيابة عامة في أدائه لواجبه وفي حياته الخاصة، التزاما يُعزز الثقة في القضاء ويصون هيبته، ويرسخ دولة القانون التي هي أساس العمران وضمانة الاستقرار .
إن القاضي ليس موظفا يؤدي عملاً روتينياً، بل هو صاحب رسالة إنسانية كبرى، إذا استقامت استقام المجتمع، وإذا انحرفت تعطلت مقاصد الشرع والقانون، واختلت الموازين، وساد الظلم والفوضى. ومن ثم فإن هذه المدونة ليست نصوصًا جامدة، بل هي نبض الضمير القضائي، ومرايا القيم التي يجب أن تنعكس في سلوك كل من يعتلي منصة القضاء، أو يمارس سلطة الاتهام والتحقيق، لتظل السلطة القضائية دائما وأبدا، حصن العدالة المنيع، ومهوى أفئدة المظلومين، وملاذ المستضعفين.

الباب الأول - القيم والمبادئ العامة

مادة 1 - تهدف هذه المدونة إلى ترسيخ أسس الاستقلال والنزاهة والحياد بين القضاة وأعضاء النيابة العامة، وضمان كفاءة وفاعلية إجراءات التحقيق والتقاضي، وذلك من خلال التأكيد على القيم التي يتعين أن تكون رائدهم، كما تهدف إلى تعزيز ثقة المجتمع وسلطات الدولة كافة في السلطة القضائية، وإبراز دورها في تعزيز عدالة ناجزة متجردة تقيم بنيان دولة القانون.

مادة 2 - القاضي لا سلطان عليه في قضائه إلا ضميره الحي، وواجبه في إنزال حكم القانون الصحيح المطابق للواقع المعروض عليه، دون التفات إلى ضغط أو تهديد أو تأثير أو استرضاء لرأي عام أو اتجاه شعبي.

مادة 3 - يلتزم كل من القاضي وعضو النيابة العامة في اضطلاعه بعمله برفض أي مساس باستقلاله أو حياده، وأن يتأبى على كل محاولة للتدخل في قضائه أو فيما يباشره من إجراءات التحقيق أيا كان مصدر تلك التدخلات أو وسيلتها ، وعليه عند تعرضه لذلك أن يُخطر رئيس مجلس القضاء الأعلى أو النائب العام - بحسب الأحوال - فورًا. كما يمتنع على القاضي وأعضاء النيابة العامة التدخل في القضايا المعروضة على زملائهم أو التأثير في مجرياتها.

الباب الثاني - السلوك داخل المحاكم وأثناء العمل القضائي

مادة 4 - يلتزم القاضي بحسن معاملة أطراف الخصومة ووكلائهم، ويُحظر عليه توجيه ملاحظات أو تعليقات تمس الاحترام الواجب لهم أو توحي بعدم حياديته.

مادة 5 - على القاضي إدارة الجلسة بصبر وحكمة، وحسن الاستماع للمرافعات والدفاع، وتجنب المقاطعة إلا لضبط الجلسة أو منع الخروج عن موضوع الدعوى.

مادة 6 - على القاضي أن يكون ملتزما بتطبيق أحكام القانون، وبذل أقصى جهد في فهم وتمحيص وقائع الدعوى وأدلة الخصوم، والتحري الدقيق عن حكم القانون الواجب إنزاله في كل مراحل نظر الدعوى حتى إصدار الحكم.

مادة 7 - يجب على القاضي وأعضاء النيابة العامة الحرص على تطوير معلوماتهم القانونية، ومتابعة أحدث التشريعات والمبادئ القضائية، والانتظام في البرامج التدريبية المتخصصة، حفاظا على الكفاءة المهنية.

مادة 8 - الانضباط في مواعيد انعقاد الجلسات والحضور التزام أصيل، وعلى القاضي وأعضاء النيابة العامة عدم التغيب إلا لسبب طارئ، وبعد الحصول على الإذن اللازم.

مادة 9 - يلتزم القاضي عند حضور اجتماعات الجمعية العمومية للمحاكم بالوقار اللازم، وطرح الرأي بهدوء، ومناقشة الآراء المخالفة بروية وصبر، معليا القيم والتقاليد القضائية.

مادة 10 - على القاضي وعضو النيابة العامة الظهور بمظهر لائق أثناء انعقاد الجلسات، والحرص على النظام، مع عدم التدخل لتوجيه المحاكمة بما يوحي بأن له توجها في النزاع المعروض عليه، ويحظر عليه بشكل خاص الحديث لوسائل الإعلام أو التعليق على القضايا المنظورة.

مادة 11 - على القاضي الحرص على تحقيق العدالة الناجزة، بسرعة الفصل في القضايا وعدم تأجيلها لآجال بعيدة أو لغير مقتض قانوني، والحزم في سرعة تنفيذ قرارات المحكمة الصادرة تمهيدًا للحكم في الدعوى، ومتابعة الجهات المعاونة في ذلك.

مادة 12 - يعامل القاضي زملاءه بالقيم والتقاليد القضائية المتوارثة بحسن المعاملة وتوقير الأقدم منهم، وعرض رأيه أثناء المداولة بأمانة وهدوء، ويحترم الآراء المخالفة.

مادة 13 - سرية المداولة واجب مطلق، يحظر إفشاؤها لأي جهة أو شخص قبل أو بعد الحكم.

مادة 14 - يشرف القاضي إشرافًا جادًا وفعالاً على مرؤوسيه من الموظفين، ويتخذ الإجراءات القانونية بحق من يثبت ارتكابه مخالفة لواجباته.

الباب الثالث - النزاهة والحياد

مادة 15 - يمتنع على القاضي وعضو النيابة العامة التمييز بين الخصوم بسبب الدين أو المذهب أو العرق أو اللون أو الجنسية أو أي سبب آخر، وأن يؤكد على موظفيه التقيد بذلك، وعليه أن يحرص على المساواة الكاملة في المعاملة والحديث، والتحلي بالصبر في التعامل معهم.

مادة 16 - يحظر على القاضي وعضو النيابة العامة إقامة علاقات خاصة مع أطراف النزاع أو الشهود أو محاميهم، أو القيام بأي تصرف يوحي بالتأثير على حياده.

مادة 17 - على القاضي وعضو النيابة العامة التقليل من المشاركة - بقدر الإمكان - في المناسبات الخاصة غير الرسمية بما يحفظ استقلاله وهيبته.

مادة 18 - يمتنع على القاضي وعضو النيابة العامة النظر أو التحقيق أو التصرف في أي دعوى له فيها منفعة شخصية مباشرة أو غير مباشرة.

مادة 19 - عند قيام شبهة تداخل المصالح بين مقرب للقاضي وبين واجبه في الحكم بنزاهة وحيادية، يتعين عليه التنحي من تلقاء نفسه عن نظر الدعوى.

مادة 20 - يمتنع على القاضي أو عضو النيابة العامة أو أحد أفراد أسرته قبول أو طلب هدية أو مكافأة بمناسبة المنصب القضائي.

مادة 21 - لا يجوز للقاضي أو عضو النيابة العامة الاعتماد علي منصبه لإنجاز مصالح شخصية لدى الجهات العامة أو الخاصة.

مادة 22 - يحافظ القاضي وعضو النيابة العامة على سمته القضائي واستقامته في حياته الخاصة والاجتماعية، وعليه أن يتجنب هو وأسرته أي علاقة تثير شبهة في نزاهته أو حياده.

الباب الرابع - التواصل والإعلام

مادة 23 - يحظر على القضاة وأعضاء النيابة العامة الظهور في وسائل الإعلام المرئي والمسموع وكافة منصات مواقع التواصل الاجتماعي بصفاتهم أو أشخاصهم، ويحظر عليهم بشكل خاص إثارة أي أمر متعلق بالشأن القضائي أو إثارة ما يمس هيبة القضاء، أو تداول أي مستندات تتعلق بالشأن القضائي.

مادة 24 - يلتزم القاضي وعضو النيابة العامة بصون وقار منصبه، والابتعاد عن أي موقف ينال من هيبته، ويحظر التلويح بالمنصب لتحقيق منفعة شخصية.

مادة 25 - يمتنع على القاضي وعضو النيابة العامة المجاهرة برأي قد ينال من حياده، أو يوحى بانتمائه لفصيل أو اتجاه بعينه، كما يمتنع عليه الانخراط في نشاط سياسي أو ديني أو مذهبي أو طائفي أو تجاري، أو الظهور إعلاميا للتعبير عن موقف في هذه المجالات.

مادة 26 - يحظر على القاضي التعليق في أي مجلس على قضية معروضة عليه أو على زملائه، كما لا يرد على النقد الإعلامي الموجه لأحكامه.

الباب الخامس - أحكام ختامية

مادة 27 - أحكام هذه المدونة ملزمة، ومخالفتها تستوجب المساءلة التأديبية.

مادة 28 - يعمم القرار بإصدار هذه المسودة - فور اعتماده من رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى - إلى التفتيش القضائي بكل من وزارة العدل والنيابة العامة وإلى كافة المحاكم الابتدائية و الاستئنافية ومحكمة النقض؛ لتعميمه على كافة المحاكم والنيابات، وذلك لسريانه ونفاذ مفعوله.

الخاتمة

إن أرفع ضمانات القاضي تلك التي يستمدها من ضميره الحي، وأقوى حصونه نزاهته الداخلية. فالوشاح لا يصنع قاضيا ما لم يكن بين جنبيه قلب يتقد بالعدل، ونفس تسمو على الهوى، وغيرة على استقلال منصة القضاء. هذه الحصانة الذاتية هي السور المنيع لاستقلال القاضي تتكامل مع الضمانات القانونية لتشكلا معا الدرع الواقي لهيبة العدالة وقدسيتها.
القاهرة - دار القضاء العالي ٢٠٢٥

مجلس القضاء الأعلى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق