باسم الشعب
المحكمة
الدستورية العليا
بالجلسة
العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من ديسمبر سنة 2024م، الموافق الخامس من جمادى
الآخرة سنة 1446ه.
برئاسة
السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد
الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم
أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور
السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور
السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت
الحكم الآتي
في
الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 277 لسنة 29 قضائية
"دستورية"
المقامة
من
وجيه
إيلي جورج سياج
ضد
1 – رئيس
الجمهورية
2- رئيس
مجلس الوزراء
3- محافظ
القاهرة
4- محافظ
الجيزة
5- رئيس
مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة القاهرة لتوزيع الكهرباء
----------------
الإجراءات
بتاريخ
الثاني من ديسمبر سنة 2007، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية الفصل الثاني والعشرين من قانون
ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980، خاصة المادة (96) المعدلة
بالقوانين أرقام 104 لسنة 1987 و224 لسنة 1989 و2 لسنة 1993، والمادتين (1 و2) من
القرار رقم 116 لسنة 1972 الصادر من المجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة، والقرار
المماثل له الصادر من محافظ الجيزة، والمادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون
رقم 77 لسنة 1968 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية.
وقدمت
هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد
تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت
الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 10/6/2024، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة
مذكرة صممت فيها على طلباتها، وقررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين
لاستكمال التحضير، فأودعت تقريرًا تكميليًّا برأيها.
ونُظرت
الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة
اليوم.
---------------
المحكمة
بعد
الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن
الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الشركة
المدعى عليها الخامسة أقامت أمام محكمة جنوب الجيزة الابتدائية الدعوى رقم 3933
لسنة 2003 مدني كلي، مختصمة المدعي بصفته رئيسًا لمجلس إدارة فندق سياج بيراميدز
بالهرم، وآخرين، طالبة الحكم بإلزامه بأن يؤدي إليها مبلغًا مقداره 206407,67
جنيهات، بالإضافة إلى 4٪ فوائد قانونية من تاريخ المطالبة القضائية، قيمة استهلاك
الفندق من الكهرباء عن أشهر سبتمبر ونوفمبر وديسمبر سنة 1996. وبجلسة 12/11/2007،
دفع المدعي بعدم دستورية الفصل الثاني والعشرين من قانون ضريبة الدمغة الصادر
بالقانون رقم 111 لسنة 1980، وقرار المجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة رقم 116 لسنة
1972، وكذلك قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 77 لسنة 1968 في شأن رسوم الإذاعة
والأجهزة اللاسلكية. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى
الدستورية؛ فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إنه
عن الطعن بعدم دستورية قرار محافظ الجيزة، الموصوف في صحيفة هذه الدعوى بتماثله مع
قرار المجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة المار ذكره، فإن من المقرر في قضاء هذه
المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها – وفقًا لنص
البند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم
48 لسنة 1979 – يتحدد بنطاق الدفع الذي أُثير أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي
تقدر فيها تلك المحكمة جديته. متى كان ما تقدم، وكان الطعن بعدم دستورية قرار
محافظ الجيزة لم يتضمنه الدفع المبدى أمام محكمة الموضوع، فإنه ينحل إلى دعوى
دستورية أصلية أقيمت بالمخالفة للأوضاع والإجراءات المقررة قانونًا، وتغدو الدعوى
المعروضة في هذا الشق منها غير مقبولة.
وحيث إن
المادة (1) من قرار المجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة رقم 116 لسنة 1972 بشأن فرض
رسوم لصندوق الخدمات المحلية بالمحافظة، تنص على أن "يفرض رسم قدره 10 مليم
(عشرة مليمات) عن كل فاتورة تصدر باستهلاك المياه بمحافظة القاهرة يتحملها من تصدر
باسمه الفاتورة فيما عدا الجهات الحكومية وذلك اعتبارًا من استهلاك شهر مارس سنة
1972".
وتنص
المادة (2) من القرار ذاته على أن "يفرض رسم قدره 10 مليم (عشرة مليمات) عن
كل فاتورة تصدر باستهلاك التيار الكهربائي بمحافظة القاهرة يتحملها من تصدر باسمه
الفاتورة فيما عدا الجهات الحكومية وذلك اعتبارًا من استهلاك شهر مارس سنة
1972".
وتنص
المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 77 لسنة 1968 في شأن رسوم الإذاعة
والأجهزة اللاسلكية على أن "يفرض رسم على استهلاك التيار الكهربائي يقدر
بمليمين عن كل وحدة كيلووات ساعة في دائرة محافظتي القاهرة والإسكندرية ومدينة
الجيزة ومليم في سائر أنحاء الجمهورية. ويلتزم المستهلك بهذا الرسم، ويحصل مع ثمن
التيار الكهربائي بمعرفة الجهات التي تقوم بتحصيله ويؤدى إلى هيئة الإذاعة كل ستة
شهور في شهري يناير ويوليو سنويًّا.
وتعفى من
هذا الرسم الطاقة الكهربائية التي تستهلك في القوى المحركة والتيار الكهربائي الذي
تستهلكه المصانع في الأعمال الصناعية وما تستهلكه الحكومة وسائر الجهات الداخلة في
ميزانية الخدمات ودور العبادة والمدارس والمستشفيات العامة.
كما يعفى
من الرسم كله أو بعضه ما تستهلكه بعثات التمثيل الدبلوماسي والقنصلي الأجنبية
وأعضاؤها بشرط المعاملة بالمثل".
وحيث إن
الفصل الثاني والعشرين من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980،
المستبدل به القانون رقم 95 لسنة 1986 والمعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1993، قد تضمن
المادتين (96 و97)، اللتين يجري نصهما على النحو الآتي:
مادة
(96): "تستحق ضريبة نوعية على النحو التالي:
( أ )
ثلاثة جنيهات سنويًّا على توريد كل من المياه أو الكهرباء أو الغاز ولو قلت مدة
التوريد الفعلي عن سنة كاملة.
(ب)
ثلاثة قروش على كل كيلووات ساعة من الكهرباء المستعملة للإضاءة في أي مكان، أو
للأغراض السكنية أو التجارية بما في ذلك إدارة المصاعد.
......................................".
مادة
(97): "يتحمل الضريبة:
( أ )
المورد بالنسبة للتوريد، فيما عدا دمغة توريد الكهرباء فيتحملها المستهلك.
(ب)
المستهلك بالنسبة للاستهلاك".
وحيث إن
المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة
ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في
المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على محكمة
الموضوع. لما كان ما تقدم، وكان النزاع المعروض على محكمة الموضوع يدور حول عدم
سداد فواتير الكهرباء الخاصة بفندق سياج بيراميدز بالهرم عن أشهر سبتمبر ونوفمبر
وديسمبر سنة 1996، ولما كان النطاق المكاني لتطبيق قرار المجلس التنفيذي لمحافظة
القاهرة رقم 116 لسنة 1972 محددًا بنطاق محافظة القاهرة، حال أن المطالبة بقيمة
استهلاك الكهرباء موضوع الدعوى الموضوعية تخص فندق سياج بيراميدز الكائن بحي الهرم
– محافظة الجيزة؛ ومن ثم فلا مصلحة للمدعي ترجى من الطعن على هذا القرار لعدم
مخاطبته بأحكامه، إذ لن يكون للفصل في دستوريته أي أثر على طلباته في الدعوى
الموضوعية؛ وتغدو الدعوى المعروضة في هذا الشق منها غير مقبولة.
وحيث إن
رحى النزاع الموضوعي تدور حول مطالبة الشركة المدعى عليها الخامسة للمدعي بقيمة
استهلاك الكهرباء عن الفترة السالف الإشارة إليها، وكانت الفريضة المالية المنصوص
عليها بالمادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 77 لسنة 1968، السالف
الذكر، مقررة على استهلاك الكهرباء، وكذلك الضريبة النوعية الواردة بالبندين (أ،
ب) من المادة (96) من قانون ضريبة الدمغة المفروضة على توريد واستهلاك الكهرباء،
من بين عناصر تلك المطالبة، وكان البندان (أ، ب) من المادة (97) من القانون ذاته
قد ألزما المستهلك بتحمل قيمة الضريبة المقررة عن الوعاءين السالفين؛ فمن ثم تتحقق
المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الطعن على هذه المواد وحدها دون سواها، وبهذه
النصوص يتحدد نطاق الدعوى المعروضة.
وحيث إن
المدعي ينعى على النصوص المطعون فيها – محددة بالنطاق السالف - مخالفتها المواد
(38 و65 و119) من دستور سنة 1971، المقابلة للمادتين (38 و94) من الدستور الحالي،
وذلك تأسيسًا على أن فرض أكثر من ضريبة على وعاء واحد يخالف مبدأ العدالة
الضريبية.
وحيث إن
الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها
الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره؛ إذ إن هذه الرقابة تستهدف – أصلًا – صون
هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور،
وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية جميعها – أيًّا كان تاريخ العمل بها –
تخضع لأحكام الدستور القائم لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه
القواعد في مضامنيها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق
المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم شرطًا لمشروعيتها الدستورية.
إذ كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النصوص المطعون عليها تندرج ضمن
المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور،
من حيث محتواها الموضوعي، وكانت النصوص المطعون فيها وإن صدرت قبل العمل بالدستور
القائم فإنها ظلت سارية ومعمولًا بأحكامها حتى أدركها الدستور القائم، فإن هذه
المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذه النصوص في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن
من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا وبصفة
نهائية من المكلفين بها، لا يملكون التنصل من أدائها باعتبار أن حصيلتها تعينها
على النهوض بخدماتها ومهامها التي يفيد مواطنوها منها بوجه عام، فلا تكون الضريبة
التي يتحملون بها إلا إسهامًا منطقيًّا من جانبهم في تمويل أعبائها، ولا تقابلها –
من ثَمَّ - خدمة بذاتها أدتها مباشرة لأحدهم. وذلك على نقيض رسومها التي لا
تقتضيها من أيهم إلا بمناسبة عمل أو أعمال محددة بذاتها أتتها بعد طلبها منها، فلا
يكون حصولها على مقابل يناسبها – وإن لم يكن بمقدارها – إلا جزاءً عادلًا عنها؛
ومن ثم تكون هذه الأعمال مناط فرضها، وبما يوازيها.
وحيث إن
السلطة التشريعية هى التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة؛ إذ تتولى بنفسها
تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنًا تحديد وعائها، وأسس تقديره، وبيان مبلغها
والملتزمين أصلًا بأدائها والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها وكيفية
أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من الطعون اعتراضًا عليها، ونظم خصم
بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة – عدا
الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون – وإلى هذه
العناصر جميعها يمتد النظام الضريبي في جمهورية مصر العربية ليحيط بها في إطار من
قواعد القانون العام، متخذًا من العدالة الاجتماعية مفهومًا وإطارًا، وهو ما يعني
بالضرورة أن حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من
آثار عرضية، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلًا بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها
وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نافيًا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها.
وحيث إنه
من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل ضريبة وعاء يعبر عنه أحيانًا بقاعدة الضريبة
– ويتمثل في المال الذي تفرض عليه، وكان تحديد دين الضريبة يفترض التوصل إلى تقدير
حقيقي لقيمة المال الخاضع لها، باعتبار أن ذلك يُعد شرطًا لازمًا لعدالة الضريبة،
ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، ويتعين – في هذا الإطار – أن يكون وعاء
الضريبة ممثلًا في المال المحمل بعبئها، محققًا ومحددًا على أسس واقعية يكون
ممكنًا معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققًا إلا إذا كان
ثابتًا بعيدًا عن شبهة الاحتمال أو الترخص؛ ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو
دينها، إنما يتحدد مرتبطًا بوعائها، وباعتباره منسوبًا إليه ومحمولًا عليه، وفق
الشروط التي يقدر معها المشرع واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور،
وبغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى، ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها،
والغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها. وحيث إن الأعباء التي
يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو في الحدود التي يبينها، وسواء أكان بنيانها
ضريبة أم رسمًا أو تكليفًا آخر، هى التي نظمها الدستور بنص المادة (38) منه، فخص
بها النظام الضريبي، متطلبًا أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونًا لمحتواه وغاية
يتوخاها، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التي يقيم المشرع عليها النظم الضريبية
على اختلافها، إلا أن الضريبة بكل صورها تمثل في جوهرها عبئًا ماليًّا على
المكلفين بها؛ شأنها في ذك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمتها المادة (38) من
الدستور، ويتعين من ثَمَّ - وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من
منظور اجتماعي مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها،
نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية
المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها
إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها.
وحيث إن
الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، لا يقتصر
على الصور التي تظهر الملكية فيها بوصفها الأصل الذي تتفرع عنه الحقوق الأصلية
جميعها، وإنما تمتد هذه الحماية إلى الأموال كلها دون تمييز بينها، باعتبار أن
المال حق ذو قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصيًّا أم عينيًّا، أم كان من حقوق
الملكية الأدبية أم الفنية أم الصناعية، وإلى هذه الأموال كلها تنبسط الحماية التي
كفلها الدستور لحق الملكية، فلا تخلص لغير أصحابها، ولم يعد جائزًا – من ثَمَّ -
أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها، ولا أن
يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في
غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية،
ويكون العدوان عليها غصبًا وافتئاتًا على كيانها، أدخل إلى مصادرتها.
متى كان
ما تقدم، وكان البند (أ) من المادة (96) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون
رقم 111 لسنة 1980، المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1993، قد فرض ضريبة نوعية مقدارها
ثلاثة جنيهات سنويًّا على توريد الكهرباء ولو قلت مدة التوريد الفعلي عن سنة
كاملة، وكان البند (ب) من المادة ذاتها قد فرض ضريبة نوعية مقدارها ثلاثة قروش عن
كل كيلووات ساعة من الكهرباء المستعملة للإضاءة في الأغراض التجارية بما في ذلك
إدارة المصاعد، وقضى البند (ب) من المادة (97) من قانون ضريبة الدمغة السالف
البيان بتحمل المستهلك قيمة هذه الضريبة، وإذ فرضت الضريبة في النصين المار
بيانهما بنسب معقولة لا تصادر رأس المال، أو ترهق المكلفين بأعباء تنوء بها
قدراتهم المالية، وقد جاء وعاء الضريبة في النصين وسعرها والمحمل بعبئها – في خصوص
البند (ب) من المادة (97) المشار إليها – وفق الأسس والضوابط الدستورية المقررة
لفرض الضريبة وتحديد المتحمل بعبئها، منضبطة بإطار العدالة الاجتماعية التي يؤسس
عليها النظام الضريبي، مستهدفة تحقيق أغراض مشروعة لتصب حصيلتها في الخزانة العامة
للدولة لتعينها على النهوض بمسئوليتها تجاه مواطنيها، وتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية
دون زيادة الأعباء على ذوي الدخول المحدودة، فضلًا عن أن تعدد الفرائض المالية على
وعاء واحد لا يُشكل في ذاته عيبًا دستوريًّا مادام قد ثبت أن النهج الذي اختاره
المشرع لا يتجاوز حدود المقدرة التكليفية للممولين المتحملين بها؛ ومن ثم تكون
مناعي المدعي على النصين المتقدم بيانهما غير سديدة، متعينًا رفضها.
وحيث إن
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المدين بالضريبة، إما أن يكون ملتزمًا أصليًّا بها
أو مسئولًا عنها. ذلك أن المشرع يتخذ دومًا من المال المحمل بالضريبة وعاءً، باعتباره
عنصرًا موضوعيًّا في الواقعة التي أنشأتها. بيد أن وجود علاقة بين هذا المال
والمدين بالضريبة، يبلور شخصيتها، ويقيم هذا المدين مكلفًا أصلًا بأدائها، وشرط
اعتبار غيره مسئولًا عنها أن تنتفى علاقته بالمال المتخذ وعاءً لها، وألا يعتبر
ملزمًا بها إلا مع المدين أصلًا بأدائها، فهو مدين مع غيره بكل الدين فإذا وفَّاه
رجع به عليه، بعد أن حل فيه محل الدائن حلولًا قانونيًّا.
وحيث إن
ذلك مؤداه أن مناط المسئولية عن إيفاء الضريبة هو وجود علاقة عضوية بين المسئول عن
الضريبة من جهة، وبين المال المتخذ وعاء لها من جهة أخرى. فإذا انتفت هذه العلاقة
فليس ثمة مسئولية عن الضريبة، ولا يجوز
– من ثَمَّ - أن ينتحل
المشرع صلة يتوهمها بين المسئول عن الضريبة والمال المحمل بعبئها، ولو كان إحداثه
لهذه الصلة ضمانًا لتحصيلها وخفضًا لتكلفة جبايتها وتوقيًا للتحايل عليها.
كما أن
من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تحديد دين الضريبة يتعين أن يكون مرتبطًا
بوعائها، دائرًا في إطارها، من أجل أن يظل العدل من منظور اجتماعي مهيمنًا عليها
بمختلف صورها، مقيمًا في شأنها مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، باعتبار أن
الضريبة بكل صورها تمثل في جوهرها عبئًا ماليًّا على المكلفين بها، وهو ما يرتبط
كذلك بالحماية الدستورية لحق الملكية التي لا يجوز للمشرع أن ينال من عناصرها أو
ينتقص منها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها
وظيفتها الاجتماعية.
متى كان
ذلك، وكان عجز البند (أ) من المادة (97) من قانون ضريبة الدمغة، المستبدل به
القانون رقم 95 لسنة 1986 السالف البيان، قد ألزم المستهلك بتحمل ضريبة نوعية
مقدارها ثلاثة جنيهات سنويًّا على توريد الكهرباء، ولو قلت مدة التوريد الفعلي عن
سنة كاملة، المنصوص عليها بالبند (أ) من المادة (96) من القانون ذاته، قد أنشأ رابطة
غير منطقية بين دين الضريبة والملتزم بها وبين وعائها، فجعل هذا الدين مجاوزًا في
تحديد مقداره إطار هذا الوعاء، مفضيًا إلى التحكم في فرض ضريبة لا ترتبط بأي وعاء،
ذلك أن واقعة توريد الكهرباء تختلف تمام الاختلاف عن واقعة استهلاكها، ومن ثم فإن
تحميل المستهلك الضريبة المفروضة على توريد الكهرباء – وهى الواقعة المنشئة
للضريبة – حال كونه لا صلة له بتلك الواقعة يتنافى مع مبدأ العدالة الضريبية،
ويؤدي إلى الانتقاص من ملكية الممول لهذه الضريبة، والنيل من عدالتها، بالمخالفة
للمواد (33 و35 و38) من الدستور، مما لزامه القضاء بعدم دستوريته.
وحيث إنه
بشأن الطعن بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 77 لسنة 1968 السالف الإشارة إليه، فإن قضاء المحكمة الدستورية
العليا قد جرى على أنها لا تتقيد وهي بصدد رقابتها على دستورية التشريعات بالوصف
الذي يخلعه المشرع على القواعد التي يسنها، متى كانت بطبيعتها تتنافي مع هذا
الوصف.
وحيث إن
الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره – إلى
جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص – أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية،
وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع
المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم
لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل
فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك
لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى
أسس موضوعية؛ ومن ثم لا ينطوي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) المشار إليهما، بما
مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل
تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها
إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا
كان النص المطعون فيه – بما انطوى عليه من تمييز – مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يتعذر
منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند
إلى أسس موضوعية؛ ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن
الفريضة المالية الواردة بنص الفقرة الأولى من المادة رقم (1) من قرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 77 لسنة 1968 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية،
المقررة على استهلاك الكهرباء، تسري كلما توافر مناط استحقاقها في أية جهة داخل
إقليم الدولة، ويتكافأ المخاطبون بها في الخضوع لها دون تمييز، ولا تقابلها خدمة
بذاتها تؤديها هيئة الإذاعة مباشرة لأحدهم، فإنها تنحل إلى ضريبة عامة من الناحية
الدستورية. متى كان ذلك، وكان المشرع قد مايز دون أسس موضوعية بين قاطني محافظتي
القاهرة والإسكندرية ومدينة الجيزة وبين أقرانهم في سائر أنحاء الجمهورية، في شأن
مقدرتهم التكليفية؛ وذلك بفرض ضريبة عامة على الفئة الأولى بمقدار ضعف ما فرض على
الفئة الثانية، دون أن يكون لجودة الخدمة المقدمة أو مداها أثر في فرض هذه الفريضة
المالية، بوصفها ضريبة عامة لا رسمًا على ما سبق بيانه، فإنه بذلك يكون قد نال من
عدالة الضريبة واعتدى على الحق في الملكية بالمخالفة للمواد (33 و35 و38) من
الدستور، وأقام تفرقة غير مبررة دستوريًّا بين المحملين بعبئها، بالمخالفة للمادة
(53) من الدستور التي حظرت التفرقة بين المواطنين على أساس جغرافي، مما يتعين معه
القضاء بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية
بالقانون المشار إليه.
وحيث إن
الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 77
لسنة 1968 المار ذكره ترتبطان بالفقرة الأولى من المادة ذاتها ارتباط الفرع
بالأصل؛ ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية الفقرة الأولى يرتب القضاء بسقوط هاتين
الفقرتين تبعًا لذلك.
فلهذه
الأسباب
حكمت المحكمة:
أولًا: بعدم
دستورية عجز البند (أ) من المادة (97) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم
111 لسنة 1980، المستبدل به القانون رقم 95 لسنة 1986، فيما تضمنه من تحميل
المستهلك للتيار الكهربائي ضريبة نوعية على توريد الكهرباء سنويًّا ولو قلت مدة
التوريد الفعلي عن سنة كاملة.
ثانيًا:
بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم
77 لسنة 1968 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية، وبسقوط الفقرتين الثانية
والثالثة من المادة ذاتها.
ثالثًا:
برفض ما عدا ذلك من طلبات.
وألزمت
الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق