جلسة 31 من مايو سنة 1960
برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
---------------
(103)
الطعن رقم 562 لسنة 30 القضائية
بوليس حربي.
اختصاصات رجاله: ضبط الجرائم التي يرتكبها أفراد القوات المسلحة دون حاجة إلى تكليف خاص من القيادة العامة للقوات المسلحة في كل حالة على حدة. أمر رئيس هيئة أركان حرب الجيش في 9/ 6/ 1953.
استدلال. تفتيش.
مأمورو الضبطية القضائية: رجال البوليس الحربي. علة منحهم صفة الضبطية القضائية بالقانون 84 لسنة 53: أن يكون للإجراءات التي يتخذونها بالنسبة للجرائم التي يرتكبها أفراد القوات المسلحة أثرها القانوني أمام جهات القضاء العادية. أثر ذلك: صحة صدور الإذن بضبط وتفتيش أحد أفراد القوات المسلحة بناءً على تحريات تولاها ضابط البوليس الحربي.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة "الطاعنين" وآخر بأنهم: حازوا وأحرزوا مواد مخدرة "حشيشاً وأفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالة المتهمين المذكورين إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً لأحكام المواد 1 و2 و33 جـ وأخيرة و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبندين رقمي 1 و12 من الجدول 1 المرفق، فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة كل من الطاعنين بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه مبلغ ثلاثة آلاف جنيه وبمصادرة المواد المخدرة المضبوطة وببراءة المتهم الآخر من التهمة المسندة إليه. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الطاعن دفع ببطلان إجراءات الضبط وعدم التعويل على الدليل المستمد منها على أساس أن ضابط البوليس الحربي الذي أذنته النيابة العامة بالضبط والتفتيش لم تكن له صفة رجل الضبط القضائي عند قيامه بما ندب له، ومن ثم فإن الإجراءات التي باشرها في هذا الشأن تكون باطلة - إلا أن الحكم المطعون فيه رفض الدفع بمقولة أن المادة الأولى من القانون رقم 84 لسنة 1953 خولت ضباط البوليس الحربي سلطة مأموري الضبط القضائي، وأن إذن النيابة الصادر للضابط بالقبض والتفتيش صحيح قانوناً طبقاً لنص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية. وهذا الذي قاله الحكم المطعون فيه مخالف لما جاء بالقانون المشار إليه الذي نص صراحة على أن ضابط البوليس الحربي لا يكتسب صفة رجل الضبط القضائي إلا بالنسبة للأعمال والواجبات التي يكلف بها من القيادة العامة للقوات المسلحة، وأنه لما كان الثابت من الأوراق أن الضابط لم يكلف من القيادة العامة بالعمل الذي ندبته له النيابة العامة، فإن الإذن الصادر إليه منها بالقبض والتفتيش يكون قد صدر لغير ذي صفة. ولا يغني في هذا الصدد أن يكون ضابط البوليس الحربي مكلفاً بهذه المأمورية من زميله قائد مخابرات القناة الذي لا يملك أن يسبغ عليه صفة الضبطية القضائية، ومن ثم فإنه يتعين إهدار الدليل المستمد من الضبط والتفتيش ونقض الحكم وبراءة الطاعن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه ورد عليه في قوله: "إن هذا الدفع مردود عليه بأن القانون رقم 84 لسنة 1953 نص في المادة الأولى منه على ما يلي - يكون للضباط القائمين بأعمال وواجبات البوليس الحربي صفة رجال الضبط القضائي بالنسبة إلى الأعمال والواجبات التي يكلفون بها من القيادة العامة للقوات المسلحة - وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور أنه يخول ضباط البوليس الحربي سلطة مأموري الضبطية القضائية للتفتيش والقبض - ولما كان ضبط الجرائم التي يرتكبها رجال الجيش المصري والقبض على مرتكبيها من أفراد هذا الجيش من الأعمال والواجبات المكلف بها ضباط البوليس الحربي من القيادة العامة للقوات المسلحة وكان اليوزباشي المأذون له من النيابة العامة بالقبض والتفتيش يعمل وقت الحادث قائداً للمباحث الجنائية العسكرية بالقيادة الشرقية بإدارة البوليس الحربي، وكان الإذن الصادر من النيابة العامة قد تناول الإذن للضابط المذكور بضبط المتهم الثاني "الطاعن" وهو جاويش بالقوات المسلحة ومسند إليه إحراز مواد مخدرة وتفتيش السيارة رقم 7837 ملاكي القاهرة التي ضبطت تقل المتهم المذكور والمتهم الأول، وكان نص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية يجري على هذا النحو - لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من خصائصه. لما كان ذلك كله، فإن إجراءات القبض والتفتيش التي قام بها الضابط تكون قد وقعت صحيحة وفق أحكام القانون...." - لما كان ما تقدم، وكان الأمر العسكري الخاص الصادر من رئيس هيئة أركان حرب الجيش في 9 من يونيه سنة 1953 بشأن اختصاصات رجال البوليس الحربي قد نص على أن من واجباتهم "مراقبة تنفيذ إطاعة الأفراد العسكريين لأحكام القوانين واللوائح المدنية......" كما ورد به أيضاً أن "ضباط البوليس الحربي وحدهم هم الذين يتولون مباشرة الجنايات والجرائم التي ترتكب بواسطة ضباط الجيش وتستدعي القبض أو التفتيش أو الاستجواب الصادر بها أوامر من السلطة المختصة....."، لما كان ذلك، وكان مفاد هذا الأمر العسكري أن رجال البوليس الحربي مكلفون أصلاً وبصفة دائمة بحكم وظائفهم بضبط الجرائم التي يرتكبها أفراد القوات المسلحة دون حاجة إلى تكليف خاص بذلك من القيادة العامة للقوات المسلحة في كل حالة على حدة، وكل ما استحدثه القانون رقم 84 لسنة 1953 في هذا الشأن هو أنه أسبغ على رجال البوليس الحربي صفة رجال الضبط القضائي بالنسبة لهذه الجرائم لكي يكون للإجراءات التي يتخذونها في ضبطها وتحقيقها من الأثر القانوني أمام جهات القضاء العادية ما للإجراءات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي المكلفون بضبط الجرائم بصفة عامة. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم أن الطاعن وهو من رجال الجيش "جاويش بالقوات المسلحة" قد نسب إليه إحراز مواد مخدرة، فإن أمر الضبط والتفتيش الذي صدر من وكيل النيابة المحقق بعد اطلاعه على التحريات التي أجراها ضابط البوليس الحربي وسؤاله بشأنها يكون قد صدر صحيحاً، وبالتالي فإن إجراءات الضبط والتفتيش التي قام بها الضابط المذكور تنفيذاً لإذن النيابة تكون صحيحة كذلك، ومن ثم فإن ما ورد بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو القصور، ذلك أن الدفاع أبدى في مرافعته وقائع معينة يطعن بها على شهادة شهود الإثبات ومحصلها أن التهمة ملفقة قبل الطاعن وأن أحداً لم يره في العربة التي كانت تحمل المخدر إلا أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع وجاء خالياً من الرد عليه - مع أنه عول في إدانة الطاعن على أقوال هؤلاء الشهود، ومن ثم فإنه يكون قد خالف نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين الواقعة المسندة للطاعن بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها مستنداً في ذلك إلى شهادة شهود الإثبات وإلى المعاينة وما ثبت من تقرير المعامل بمصلحة الطب الشرعي، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، ثم عرض الحكم بعد ذلك لما أثاره الطاعن في وجه الطعن خاصاً بما أبداه أحد الشهود بجلسة المحاكمة من أن الطاعن لم يتدخل في عملية تهريب المخدر إلا ليمكن رجال البوليس الحربي من ضبط المتهمين الآخرين مخالفاً بذلك أقواله التي سبق أن أدلى بها في التحقيق فقال "إنه فيما يتعلق بأقوال......... التي أدلى بها أمام المحكمة بشأن المتهم الثاني "الطاعن" فإن المحكمة لا تعول عليها لكذبها وثبوت اصطناعها لإفلات هذا المتهم من العقاب، إذ تدل أقواله التي أدلى بها في التحقيقات والتي تأخذ بها المحكمة أن المتهم الثاني كان ضالعاً في تدبير خطة نقل المواد المخدرة من الشاطئ الشرقي لقناة السويس إلى شاطئها الغربي وأنه أبلغ الشاهد.... بأمر هذه الخطة ليساعده في نقل المواد المخدرة - وليس ليعمل على ضبط من ينقلها كما قرر الشاهد المذكور أمام المحكمة وأقوال الضابط... وما أثبته في محاضره صريحة وقاطعة في الدلالة على أن كل ما أبلغه به الشاهد... كان ينطوي على معنى واحد ثابت هو أن المتهم الثاني قد اتفق معه على تهريب المواد المخدرة، وكان يلتمس معونته لتحقيق هذا الأمر - وليس أدل على ثبوت ذلك في حق المتهم الثاني من أنه ذهب مع المتهم الأول والشاهد المذكور والشاهد... في السيارة إلى مكان وجود المواد المخدرة ثم عاد معهم بعد وضع هذه المواد في السيارة بقصد نقلها من الشاطئ الشرقي إلى الشاطئ الغربي......"، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ من أقوال الشهود بما تطمئن إليه في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة وتطرح ما عداه وهي في ذلك إنما تستعمل حقها المخول لها بمقتضى القانون، هذا فضلاً عن أنها ليست ملزمة بالرد صراحة على ما يبديه الدفاع في هذا الشأن - إذ الرد يكون مستفاداً ضمناً من الأسباب التي أوردتها في حكمها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه من طعنه لا يعدو كونه جدلاً موضوعياً حول تقدير الدليل في الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو التناقض، ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بإدانة الطاعن على التحريات التي سبقت واقعة الضبط وعلى الدليل المستمد من الضبط - بينما هو قد أهدر هذه التحريات بالنسبة إلى المتهم الثالث فقضي ببراءته - وهو تناقض يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه ببراءة المتهم الثالث على "إنه لم يثبت اتصاله بالمواد المخدرة المضبوطة على أي وجه يجعل منه حائزاًً أو محرزاً لها أو أن له علاقة بهذه المواد يحظرها القانون الخاص بمكافحة المخدرات ويجعل منها جريمة يعاقب عليها....." - وكان هذا الذي بني عليه الحكم قضاءه بالبراءة لا يتضمن أي تناقض مع أسانيد الإدانة التي أوردها بالنسبة للطاعن والتي سبق الإشارة إليها في الرد على الوجه الثاني من الطعن. لما كان ذلك، وكان تقدير أدلة الثبوت في الدعوى من شأن محكمة الموضوع - فلها أن تأخذ بدليل بالنسبة إلى متهم وتطرح هذا الدليل بعينه بالنسبة إلى متهم آخر، فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من التناقض يكون لا محل له.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق