جلسة 1 من أغسطس سنة 1999
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رائد جعفر النفراوي - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: جودة عبد المقصود فرحات، وإدوارد غالب سيفين، وسعيد أحمد محمد حسين برغش، وسامي أحمد محمد الصباغ - نواب رئيس مجلس الدولة.
--------------
(105)
الطعن رقم 249 لسنة 42 قضائية عليا
محال صناعية وتجارية - ترخيص إقامتها - المخاطر الناجمة عن إدارتها - الوسيلة القانونية لمواجهتها.
المواد 2، 9، 12، 16، 17 من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية.
القانون نظم وسيلتين لمواجهة ما قد يترتب على إدارة المحلات من خطورة على الصحة العامة أو الأمن العام - الوسيلة الأولى: يكون الالتجاء إليها في أحوال المخالفات الجسيمة التي يكون معها في استمرار فتح المحل خطر واضح على الصحة العامة أو الأمن العام وفيها يتم التحفظ على المحل بوضع الأختام عليه. وبعرض محضر الضبط على القاضي الجزئي خلال أربع وعشرين ساعة. جهة الإدارة في قيامها بإصدار أمر الضبط تباشر عملاً من أعمال الضبط القضائي. الوسيلة الثانية: جواز إلغاء رخصة المحل في الحالات التي تبينها المادة (16) ومنها حالة ما إذا أصبح في استمرار إدارة المحل خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن يتعذر تداركه. لمدير عام إدارة الرخص إصدار قرار مسبب بإيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً - القرار يكون واجب التنفيذ بالطريق الإداري - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق 23/ 10/ 1996 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 249 لسنة 42 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بطنطا في الدعوى رقم 636 لسنة 2 ق بجلسة 29/ 8/ 1995 القاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعنان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بوقف تنفيذه بصفة مستعجلة ثم بإلغائه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وجرى إعلان عريضة الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الطاعنة المصروفات.
وتحددت جلسة 19/ 10/ 1998 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة، وتداولت نظره بالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضرها إلى أن قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا. الدائرة الأولى/ موضوع "لنظره بجلسة 21/ 3/ 1999، وقد نظرته هذه المحكمة ثم قررت حجزه ليصدر فيه الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر هذا النزاع تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن ورثة المرحوم/ ...... أقاموا الدعوى رقم 636 لسنة 2 ق أمام محكمة القضاء الإداري بطنطا وطلبوا في ختامها الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقال المدعون شرحاً لدعواهم بأن رئيس مركز ومدينة كفر الزيات أصدر القرار رقم 1556 في 16/ 11/ 1994 متضمناً غلق مدبغة جلود ملكهم بالطريق الإداري لخطورتها على الصحة العامة ونقص شرط المسافة بينها وبين المنطقة السكنية بمنطقة الجزيرة بكفر الزيات.
ونعى المدعون على القرار بمخالفته لأحكام القانون، والانحراف في استعمال السلطة ذلك لأن المدبغة مقامة منذ نحو مائة عام في منطقة كانت تبعد عن العمران بمسافات بعيدة إلا أن الجهة الإدارية هي التي أصدرت تراخيص بالبناء على الأرض المحيطة دون أن تراعى المسافة الواجب توافرها في البعد بين المدبغة وتلك المساكن مما يجعل الخطأ القائم مصدره جهة الإدارة ذاتها ولا ينبغي تحميلهم بآثاره.
أما من ناحية الشروط الصحية فقد تم مراعاتها من جانبهم بدليل عدم وجود محاضر محررة ضدهم بهذا الشأن.
وخلص المدعون من ذلك إلى طلب الحكم لهم بطلباتهم الواردة في العريضة.
وبجلسة 29/ 8/ 1995 أصدرت محكمة القضاء الإداري بطنطا حكمها في الدعوى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام جهة الإدارة مصروفاته.
وأقامت المحكمة قضاءها على سند من أحكام المواد 12، 16، 18 من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة حيث خول المشرع مدير عام إدارة الرخص في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام نتيجة لإدارة محل من المحلات التي تسري عليها أحكامه إصدار قرار مسبب بإيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً، ويكون هذا القرار واجب النفاذ بالطريق الإداري. كما حدد المشرع أحوال إلغاء الترخيص وذلك على سبيل الحصر، ونظراً لخطورة غلق المحل وأثره على السمعة التجارية وحرمة الملكية الخاصة فقد قصرت سلطة غلق المحلات بجميع أنواعها على القاضي الذي تتدرج سلطته من الغلق المؤقت إلى الدائم إلى الإزالة نهائياً.
وأضاف الحكم بأنه نظراً لأن المدبغة محل القرار المطعون فيه مقامه منذ سنوات طويلة ولم يوقف نشاطها كلياً أو جزئياً بسبب خطورتها على الصحة العامة، فإن الغلق الإداري كلياً من جانب الجهة الإدارية دون وجود حكم جنائي بذلك ضد المدعين يكون من شأنه أن يجعل القرار المطعون فيه غير صحيح. هذا إلى جانب ما كشفت عنه الأوراق من موافقة جهة الإدارة على طلب المدعين من إزالة ما يعتقد أنه خطر على الصحة العامة وذلك بتوصيل شبكة الصرف الخاصة بها بشبكة الصرف الصحي وقيامهم بسداد الرسوم المستحقة، ومن ثم يغدو القرار المطعون فيه بحسب الظاهر من الأوراق مخالفاً للقانون. ويتحقق بذلك ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه إلى جانب تحقق ركن الاستعجال لما في تنفيذ القرار من حرمان للمدعين والعمال من مصدر رزق مشروع، وانتهى الحكم من ذلك إلى قضائه المشار إليه.
ومن حيث إن مبنى هذا الطعن يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك لأن جهة الإدارة واستخدمت حقها في الغلق الإداري المقرر قانوناً باعتبار أن المدبغة كانت تعمل إبان فترة صدور القرار الطعين بدون ترخيص بعد أن انتهت مدة الترخيص المؤقت الذي لم تقم الإدارة بتجديده. كما أن مبررات المحافظة على الصحة العامة قائمة لما يتسبب فيه ممارسة هذا النشاط من وجود خطر داهم يهدد المواطنين ويستوجب الغلق باعتباره الوسيلة اللازمة لوقف هذا الخطر مما يجعل من تنفيذ الحكم حدوث نتائج يتعذر تداركها، وتقتضى القضاء بوقف تنفيذه ثم إلغائه، وخلصت الجهة الطاعنة من ذلك إلى طلباتها السابقة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها ومردهما إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية فوجب على القضاء الإداري ألا يوقف قراراً إدارياً إلا إذا تبين له على حسب الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء عند الفصل فيه أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين: الأول: قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، والثاني: يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الأصل على أسباب جدية، وكلا الركنين من الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بركن الجدية فإن المادة (2) من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة تنص على أنه "لا يجوز إقامة أي محل تسري عليه أحكام هذا القانون أو إدارته إلا بترخيص بذلك.
وكل محل يقام أو يدار بدون ترخيص يغلق بالطريق الإداري أو يضبط إذا كان الإغلاق متعذراً. وتنص المادة (7) على أن الاشتراطات الواجب توافرها في المحال الخاضعة لأحكام هذا القانون نوعان:
أ) اشتراطات عامة وهي الاشتراطات الواجب توافرها في كل المحال أو في نوع منها وفي مواقعها، ويصدر بهذه الاشتراطات قرار من وزير الشئون البلدية والقروية..
ب) اشتراطات خاصة وهي التي ترى الجهة المختصة بصرف الرخصة وجوب توافرها في المحل المقدم عنه طلب الترخيص، وللمدير العام لإدارة الرخص أو من ينيبه عنه بناءً على اقتراح الجهة المختصة إضافة اشتراطات جديدة يجب توافرها في أي محل مرخص له.
وتنص المادة (9) على أن الرخص التي تصرف طبقاً لأحكام هذا القانون دائمة ما لم ينص فيها على توقيتها، ويجوز تجديد الرخص المؤقتة بعد أداء رسوم المعاينة.
كما تنص المادة (12) بأنه في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام نتيجة لإدارة محل من المحال التي تسري عليها أحكام هذا القانون يجوز لمدير عام إدارة الرخص بناءً على اقتراح فرع الإدارة الذي يقع في دائرته المحل إصداره قرار مسبب بإيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً، ويكون هذا القرار واجب النفاذ بالطريق الإداري.
وتنص المادة (16) على أنه "تلغى رخصة المحل في الأحوال الآتية:
6 - إذا أصبح المحل غير قابل للتشغيل أو أصبح في استمرار إدارته خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن يتعذر تداركه.
7 - إذا أصبح المحل غير مستوف للاشتراطات الواجب توافرها فيه من حيث الموقع أو عدم إقامة منشآت فوقه.
وتقضي المادة (17) بأن كل مخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة يعاقب مرتكبها.
وفي أحوال المخالفات الجسيمة التي يكون معها في استمرار فتح المحل خطر واضح على الصحة العامة أو الأمن العام يتم التحفظ على المحل بوضع الأختام عليه، ويعرض محضر الضبط على القاضي الجزئي لتأييد أمر الضبط خلال 24 ساعة.
ومن حيث إن مفاد هذه النصوص أن القانون نظم وسيلتين لمواجهة ما قد يترتب على إدارة المحلات الخاصة الخاضعة لأحكامه من خطورة على الصحة العامة أو الأمن العام، الوسيلة الأولى: ويكون الالتجاء إليها في أحوال المخالفات الجسيمة التي يكون معها في استمرار فتح المحل خطر واضح على الصحة العامة أو الأمن العام، وفي هذه الحالة يتم التحفظ على المحل بوضع الأختام عليه على أن يعرض محضر الضبط على القاضي الجزئي لتأييد أمر الضبط خلال أربع وعشرين ساعة على النحو المبين بالفقرة الثانية من المادة (17) المشار إليها، وجهة الإدارة في قيامها بإصدار أمر الضبط والتحفظ على المحل بوضع الأختام عليه تباشر بذلك عملاً من أعمال الضبط القضائي.
والوسيلة الثانية: جواز إلغاء رخصة المحل في الحالات التي بينتها المادة (16) ومنها حالة ما إذا أصبح في استمرار إدارة المحل خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن يتعذر تداركه، لمدير عام إدارة الرخص إصدار قرار مسبب بإيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام نتيجة لإدارة محل من المحال التي تسري عليها أحكام القانون، ففي هذه الحالة يكون القرار واجب النفاذ بالطريق الإداري، وغير لازم فيه أن يكون منشأ الخطورة على الصحة العامة أو الأمن العام راجعاً إلى مخالفة أحكام ذلك القانون أو القرارات المنفذة له طبقاً لما ورد بحكم المادة (17) المشار إليها خاصاً بالحالة الأولى، ذلك لأن الإيقاف الذي يصدر به القرار سواءً كان إيقافاً كلياً أو جزئياً يكون تنفيذه بالطريق الإداري ويترتب على ذلك أن تكون سلطة الجهة الإدارية في ممارستها هذا الاختصاص مستمدة من اختصاصها المقرر في مجال الضبط الإداري متى تحققت الحالة أو توافر السبب الموجب لممارسة هذا الاختصاص بقيام حالة الخطورة على الصحة العامة أو الأمن العام، وعلى ذلك يكون من غير الصحيح أن الغلق لا يجوز أن يتم إلا بحكم أو أمر من القاضي.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم على وقائع هذا الطعن يبين أن المجلس الشعبي المحلي لمركز ومدينة كفر الزيات أصدر قراره رقم 87 بجلسة 6/ 1993 بالموافقة على توصية لجنة الإسكان والمرافق بإلغاء المدابغ العاملة بمنطقة الجزيرة بكفر الزيات بناءً على شكاوى القاطنين حيث يوجد تجمع سكاني كبير بمنطقة الجزيرة يبلغ 312 وحدة سكنية اقتصادية وعلى بعد أقل من عشرة أمتار كما أن هذه المدبغة تدار عن طريق ترخيص مؤقت يجدد سنوياً, وتصرف مخلفاتها بما تحتويه على مواد كيماوية بطريقة خاطئة، وقد بلغ عدد محاضر الصحة التي تم تحريرها أحد عشر محضراً وعلى ذلك صدر القرار رقم 1556 لسنة 1994 المطعون فيه متضمناً في ديباجته أنه حرصاً على الصحة العامة لسكان منطقة الجزيرة بكفر الزيات، ولنقص في شرط المسافة بين المدبغة والمنطقة السكنية طبقاً للقرار الوزاري رقم 97 لسنة 1955 فقد وافق على أن تغلق بالطريق الإداري المدبغة الخاصة بورثة/ ....... للسببين المذكورين.
ومن حيث إن رقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول موجودة تنتجها مادياً أو قانونياً، فإذا كانت كذلك يكون القرار قام على سببه الصحيح، مطابقاً للقانون، أما إذا كانت الأصول الموجودة لا تحقق النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون.
ولما كان من حق جهة الإدارة مواجهة الخطر الناتج عن استمرار التشغيل طبقاً لحكم المادة (16) المشار إليها حتى ولو لم تكن هناك مخالفات مما يجوز تحرير محاضر عنها، كما أن المكان افتقد لشرط المسافة وهو شرط وجود واستمرار، فضلاً عن أن المدبغة كانت تدار عن طريق ترخيص مؤقت لذا يكون القرار الطعين قد قام على أسبابه الصحيحة التي تجد لها سنداً في القانون، ويتخلف بتحققها ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه ودون حاجة لبحث مدى توافر ركن الاستعجال.
وإذا ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك، فإنه يكون خالف صحيح أحكام القانون، ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار وإلزام المطعون ضدهم المصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضدهم المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق